ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى المجلد 2

اشارة

نام كتاب: ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى

موضوع: فقه استدلالى

نويسنده: گلپايگانى، على صافى

تاريخ وفات مؤلف: 1430 ه ق

زبان: عربى

قطع: وزيرى

تعداد جلد: 10

ناشر: گنج عرفان

تاريخ نشر: 1427 ه ق

نوبت چاپ: اول

مكان چاپ: قم- ايران

شابك:- 65- 7958- 964

الجزء الثاني

[تتمة كتاب الطهارة]

[فصل فى الأسآر]

اشارة

قوله رحمه اللّه

فصل فى الأسآر سؤر نجس العين كالكلب و الخنزير و الكافر نجس و سؤر طاهر العين طاهر و ان كان حرام اللحم او كان من المسوخ او كان جلّالا نعم يكره سؤر حرام اللحم ما عدا المؤمن بل و الهرّة على قول و كذا يكره سؤر مكروه اللحم كالخيل و البغال و الحمير و كذا سؤر الحائض المتّهمة بل مطلق المتّهم.

(1)

أقول: الكلام في الأسئار يقع في جهات:

الجهة الاولى: في مفهومه و معناه

اعلم انّ الأسئار جمع السؤر.

و هو بقية الماء الّذي يبقيها الشارب بعد شربه كما عن المغرب.

او البقية كما عن الجوهري.

او مطلق الفضلة و البقية كما عن القاموس.

او مطلق ما باشره جسم حيوان كما يستفاد ذلك عن بعض الاخبار او ماء قليل لاقي جسم حيوان كما عن بعض الفقهاء.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 8

اعلم انّ ما يمنع عن سؤره كونه نجسا من الحيوانات فيشمل سؤره مطلق ما باشره بايّ جزء من بدنه فلو لم يكن السؤر يشمله موضوعا لكن هو مثل السؤر حكما.

فان استفيد من الاخبار ما هو المراد منه فهو و الا فلا بدّ من الاخذ بقدر المتيقّن و فيما زاده يحكم بعدم حرمته او كراهته بحكم الاصل هذا.

الجهة الثانية: سؤر نجس العين كالكلب و الخنزير و الكافر نجس بلا اشكال

لانّه نجس فلو لا قي مع الرطوبة المسريّة في واحد من الملاقي و الملاقي فينجس الملاقي مضافا الى دلالة بعض الروايات على ذلك بالخصوص راجع الباب 1 و 3 من ابواب الأسئار من الوسائل نذكر احدى من رواياتها تيمنا، و هي ما رواها معاوية بن شريح «قال سأل عذافر أبا عبد اللّه عليه السّلام و انا عنده عن سؤر السنّور و الشاة و البقرة و البعير و الحمار و الفرس و البغل و السباع يشرب منه او يتوضأ منه فقال نعم اشرب منه و توضأ منه قال قلت له الكلب قال لا قلت أ ليس هو سبع قال لا و اللّه انّه نجس لا و اللّه انّه نجس». «1» تدلّ على انّ حرمة سؤر الكلب يكون لاجل كونه نجسا فتدلّ على حرمة سؤر كل نجس مثل الخنزير و الكافر.

الجهة الثالثة: فى حكم سؤر طاهر العين

و ان كان حرام اللحم او كان من المسوخ او كان جلالا و يدل على طهارة سؤره الرّواية المتقدمة ذكرها اعني رواية محمد بن عمّار بناء على كون الظاهر منها دوران نجاسة السؤر فطهارته مدار نجاسة الحيوان و طهارته و الرواية التى رواها العباس «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن فضل الهرة و الشاة و البقرة و الابل و الحمار و الخيل و البغال و الوحش و السباع فلم اترك شيئا ألّا سألت عنه فقال لا بأس به حتّى انتهيت الى الكلب فقال رجس نجس

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 1 من ابواب الأسآر من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 9

لا تتوضّأ بفضله فاصبب ذلك الماء و اغسله بالتراب أوّل مرّة ثمّ بالماء» «1»، فعلى هذا لا اشكال في طهارة

سؤره و ان كان من غير مأكول اللحم.

و لا مجال لتوهّم نجاسته لدلالة ما رواها عمّار بن موسى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام (قال سئل عمّا تشرب منه الحمامة فقال كل ما اكل لحمه فتوضأ من سوره و اشرب و عن ماء شرب منه باز او صقر او عقاب فقال كل شي ء من الطير يتوضّأ ممّا يشرب منه الّا ان ترى في منقاره دما فإن رايت في منقاره دما فلا تتوضأ منه و لا تشرب). «2»

و مرسلة الوشاء عمّن ذكره عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «انّه كان يكره سؤر كل شي ء لا يؤكل لحمه» «3».

و ما رواها سماعه «مرسلة» «قال سألته هل يشرب سؤر شي ء من الدّواب و يتوضّأ منه قال امّا الابل و البقرة و الغنم فلا بأس». «4»

بدعوى دلالتها بمفهوم الوصف على عدم طهارة سؤر غير مأكول اللحم لانّ الاشكال أولا في كون المفهوم مفهوم الوصف و ثانيا عدم كون مفهوم للقضية المذكورة في الروايات و لو فرض كون المفهوم للوصف في غير هذه القضية بقرينة الروية الاولى من الروايات الثلاثة لانّه لو كان للوصف مفهوم لما كان يناسب سؤال السائل بعدا عن غير المأكول و هو قوله «و عن ماء شرب منه باز او صقر او عقاب لانّها من غير المأكول فهذا شاهد على عدم كون القضية المذكورة أولا و هي «كل ما

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 1 من ابواب الأسآر من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 4 من ابواب الأسآر من الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 5 من ابواب الأسآر من الوسائل.

(4) الرواية 3 من الباب 5 من ابواب الأسآر من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2،

ص: 10

أكل لحمه» في مقام المفهوم و ثانيا ان كان للقضية مفهوم و هو عدم طهارة سؤر غير المأكول فمع جوازه في الرواية الاولى كما قال كل شي ء من الطير يتوضأ ممّا يشرب منه و هو يشمل المأكول و غيره يلزم تخصيص الاكثر تقريبا او تحقيقا مستهجنا و ثالثا بعد دلالة الروايتين المتقدمتين على طهارة سؤر الحيوان الطاهر حتى غير مأكول اللحم يحمل النهي فيها على الكراهة.

و اعلم انّ الروايتين المتقدّمتين تدلان على طهارة كل حيوان طاهر فتشملان، المسوخ، و كذا الجلّال بناء على طهارتهما «يأتى الكلام في مبحث النجاسات إن شاء الله».

و ما قيل في وجه نجاسة سؤر الجلال من ان لعابه غير خال عن النجاسة ممنوع لانّ لازم ذلك نجاسة ما باشر فمه اذا كان متلطخا بالنجاسة لا مطلقا.

الجهة الرابعة: في كراهة سؤر حرام اللحم

ما عدا المؤمن فلما عرفت مما قيل بدلالتها على النهي عن مطلق غير المأكول خصوصا مرسلة الوشاء بعد حملها على الكراهة جمعا بينها و بين ما دل على طهارة سؤر المأكول و غير المأكول غير نجس العين.

اما سؤر المؤمن فلا كراهة في سؤره بل هو شفاء كما يستفاد من بعض الاخبار

الجهة الخامسة: في كراهة سؤر الهرّة و عدمها،

لا وجه للكراهة الّا دعوى شمول اطلاق ما توهم دلالتها على نجاسة سؤر مطلق غير مأكول اللحم بعد حملها على الكراهة جمعا بينه و بين ما دل على طهارته لحمل النهي على الكراهة بقرينة بعض الاخبار المجوزة.

و هذا الوجه على تقدير تماميته لا يتم في خصوص الهرّة لانه لو فرض دلالة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 11

بعض الروايات على النهي على سؤر مطلق غير المأكول.

يدلّ بعض الروايات على جواز اكل سؤره و شربه بالخصوص و عدم كراهته مثل ما رواها زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال فى كتاب على عليه السّلام ان الهر سبع و لا بأس بسؤره و انّي لأستحيي من اللّه ان ادع طعاما لان الهرّ اكل منه» «1»، فلا بد من تقييد الحكم فى الاخبار المطلقة بغير الهرّة فلا وجه لكراهة سوره فافهم.

الجهة السادسة: كراهة سؤر مكروه اللحم

كالخيل و البغال و الحمير فلا وجه في ما بايدينا من الاخبار يدلّ على كراهة سؤر خصوص مكروه اللحم من الحيوان.

نعم يمكن دعوى دلالة مفهوم قوله عليه السّلام «امّا الابل و البقر و الغنم فلا بأس» على عدم جواز شرب غير هذه المذكورات و بعد حملها على الكراهة جمعا.

يستفاد منها كراهة سؤر غير الابل و البقرة و الغنم حتى ما اذا كان غير مكروه اللحم.

الجهة السابعة: و هي كراهة سؤر الحائض المتهمة

فنقول بعونه تعالى ما ورد في الاخبار هو كراهة التوضؤ من سؤر الحائض مطلقا كما في بعضها و في صورة عدم كونه مأمونة كما في بعضها و يستفاد من الاخبار جواز شرب سؤرها و ليس فيما بايدينا ما يدل على كراهة شرب سؤر الحائض الّا دعوى الوفاق و الاجماع على تعميم الكراهة للشرب أيضا كالوضوء.

فنقول يقع الكلام. تارة في انه هل ورد النهي عن سؤر الحائض في الجملة أم لا، فنقول نعم ورد لدلالة بعض الاخبار على النهي التوضؤ بسؤره بعد حمل النهي

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 2 من ابواب الأسآر من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 12

عن التوضى بسؤره على الكراهة في خصوص عدم كونه مأمونة جمعا بينه و بين ما يدل على النهي في خصوص ما اذا لم تكن مأمونة راجع الباب 7 و 8 من ابواب الأسآر من الوسائل الشيعة.

و قد يقال بعدم امكان الجمع بهذا النحو اي تقييد ما دل على النهي عن التوضؤ بسؤره مطلقا بما دل على النهي عن التوضى بسؤره اذا كانت مأمونة و اذا كانت تغسل يديها لان في رواية العيص بن القاسم بنقل الكافي نهى عن التوضي بسؤره مطلقا. و هي كما قلنا ما رواه العيص

بن القاسم «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن سؤر الحائض فقال لا توضّأ منه و توضّأ من سؤر الجنب «بنقل الكافي» اذا كانت مأمونة ثم تغسل يديها قبل ان تدخلها الاناء و قد كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم يغتسل هو و عائشة في اناء واحد و يغتسلان جميعا» «1».

بدعوى دلالتها على عدم جواز التوضى بسؤر الحائض مطلقا و جواز التوضؤ بسؤر الجنب ان كانت مأمونة، و ليست هذه الرواية قابلة للتقييد بصورة كون الحائض مأمونة لانه بعد تقييد تجويز التوضي بسؤر الجنب اذا كانت مأمونة يستفاد ان الحكم بعدم جواز الوضوء عن سؤر الحائض لا يختص بصورة عدم كونها مأمونة.

و لكن نقول أوّلا نقل الشيخ رحمه اللّه في التهذيب و الاستبصار الرواية بدون كلمة «لا» و يكون هكذا متن الحديث «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن سؤر الحائض فقال توضأ منه و من سؤر الجنب الخ» فيدل الخبر على هذا على جواز التوضؤ بسؤر الحائض و الجنب اذا كانت مأمونة بناء على ارجاء قوله عليه السّلام اذا كانت مأمونة الى كل

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 7 من ابواب الأسآر من الوسائل؛ الكافى، ج 3، ص 10، ح 2.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 13

من الحائض و الجنب» «1».

و ثانيا ما يأتي بالنظر هو كون المناط في هذا الحكم هو ابتلاء الحائض بالنجاسة.

و المراد بكونها مأمونة هو كونها مأمونة عنها و الشاهد عليه الرواية 9 من الباب 8 من ابواب الأسآر المصرّح فيها بانه «لا بأس به ان تتوضأ منه اذا كانت تغسل يديها» فالمراد من مأمونيتها كونها مأمونة عن النجاسة و لعل

المراد بعدم كونها متهمة الواردة في كلمات الفقهاء هو هذا لانه ليس لفظ المتهمة في الروايات فلعلّهم عبّروا عن كونها مأمونة بعدم كونها متهمة.

فاذا كان المراد من كونها مأمونة مأمونة عن النجاسة و كان عدم ذكر هذا القيد في هذه الرواية لكونها بحسب الغالب مبتلا بالنجاسة و متهمة بذلك و عدم كونها مأمونة لطول زمان الحيض و لهذا لم يقيد النهي عن التوضي بسؤر الحائض بما قيد به سؤر الجنب لان الجنابة حيث لا يكون له طول زمان يمكن غالبا عدم الابتلاء بالنجاسة.

و مع هذا الارتكاز اعني ارتكاز كون وجه النهي عدم مأمونيتها و التقييد بها في بعض الاخبار يمنع عن الاخذ بإطلاق النهي بل النهي في خصوص صورة عدم كونها مأمونة عن النجاسة.

و تارة يقع الكلام في ان النهي هل يكون للتحريم او للكراهة فنقول و ان كان ظاهر بعض اخبار الباب النهي لكن بعد التصريح فى الرواية و هي ما رواها ابو الهلال قال ابو عبد اللّه عليه السّلام المرأة الطامث اشرب من فضل شرابها و لا احب ان أتوضّأ منه «2»

______________________________

(1) جامع احاديث الشيعة، ج 2، ص 54، ح 9.

(2) الرواية 8 من الباب 8 من ابواب الاسئار من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 14

بقوله لا احبّ و المستفاد من لا احبّ هو الكراهة.

و الرواية المتقدمة ذكرها بناء على كون المروي على طبق نقل التهذيب و الاستبصار بدون لفظ «لا» الدالة على الجواز بصورة الامر فيكون مقتضى الجمع حمل النهي في بعض الاخبار على الكراهة.

و تارة يقع الكلام في تعميم الحكم اي الكراهة للشرب عن سؤر الحائض أيضا مثل الوضوء عن سؤره فنقول ليس فيما بايدينا من الاخبار

ما يدل على كراهة سؤر شرب الحائض بالخصوص بل الوارد في بعض الاخبار جواز شربه و النهي عن التوضي عنه و على هذا لو دل الدليل على عدم جواز شرب مطلق ما لا يؤكل لحمه لا بد من تقييده بغير الحائض مضافا الى انه بعد تخصيص سؤر المؤمن و عدم كراهة فيه و المؤمن يشمل الحائض المؤمن فلا يمكن القول بكراهة سؤره لكونها غير مأكول اللحم.

نعم ادعي الاجماع و الوفاق على تعميم الكراهة لشرب سؤرها و انه كما يكره استعمال سؤرها في الوضوء يكره شربه أيضا فما يمكن ان يكون وجها لكراهة شرب سؤره هو هذا.

الجهة الثامنة: و هي كراهة سؤر كل متّهم

و لو غير الحائض فما يمكن ان يكون وجها، له هو انه بعد ما قلنا من ان المناط في كراهة شرب سؤر الحائض هو ابتلائه بالنجاسة و لهذا قيد الكراهة في الاخبار بصورة عدم كونها مأمونة فيمكن ان يقال بان كل متهم بالنجاسة و عدم المبالات من هذا الحيث يكره سؤره فتامل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 15

فصل: فى النجاسات

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 17

قوله رحمه اللّه

فصل فى النجاسات

[النجاسات اثنا عشر]
اشارة

النجاسات اثنا عشر

[الاول و الثانى: البول و الغائط من الحيوان الّذي لا يؤكل لحمه]
اشارة

الاول و الثانى: البول و الغائط من الحيوان الّذي لا يؤكل لحمه انسانا او غيره برّيا او بحريا صغيرا او كبيرا بشرط ان يكون له دم سائل حين الذبح نعم فى الطيور المحرمة الاقوى عدم النجاسة لكن الاحوط فيها أيضا الاجتناب خصوصا الخفاش و خصوصا بوله و لا فرق فى غير الماكول ان يكون اصليا كالسباع و نحوها او عارضيا كالجلال و موطوء الانسان و الغنم الّذي شرب لبن خنزيرة و اما البول و الغائط من حلال اللحم فطاهر حتى الحمار و البغل و الخيل و كذا من حرام اللحم الّذي ليس له دم سائل كالسمك المحرم و نحوه.

(1)

أقول الكلام في امور:

الامر اوّل: لا اشكال فى الجملة نصّا و فتوى فى نجاسة البول من الحيوان الّذي لا يؤكل لحمه

بل هو من ضروريّات المذهب بل كما قيل من ضروريات

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 18

الاسلام و نذكر بعض اخبارها تيمّنا و لان يكون مدركا فى بعض الامور الآتى إن شاء اللّه.

منها ما رواها محمد «اى محمد بن مسلم» عن احدهما عليها السّلام «قال سألته عن البول يصيب الثوب قال اغسله مرتين «1»».

و منها ما رواها ابن ابى يعفور «قال سألت أبا عبد الله عليه السّلام عن البول يصيب الثوب قال اغسله مرتين» «2».

و منها ما رواها ابو اسحاق النحوى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال سألته عن البول يصيب الجسد قال صب عليه الماء مرتين «3». و غير ذلك مما نذكر بعضها فى طى البحث عن الامور التى نذكرها إن شاء اللّه يدل على انحصار نجاستهما بما اذا كان من غير المأكول.

الامر الثانى: و مثل البول الغائط

فتوى بل ادعى الاجماع على عدم الفصل بينه و بين البول.

و كذا نصا لما ورد من النصوص فى بعض الموارد مثل ما ورد فى الاستنجاء من الغائط راجع الباب 9 و 10 من ابواب احكام الخلوة من الوسائل.

و ما ورد فى خرء الفار الدال على نجاسة خرئه و هى ما رواها عمّار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «انه سئل عن الدقيق يصيب فيه خرء الفار هل يجوز اكله قال اذا بقى منه شي ء فلا بأس يؤخذ اعلاه «4»».

و ما رواه فى القذرة الملاقية لرجله او لخفه المستفاد نجاسة القذرة راجع

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 1 من ابواب النجاسات و الاوانى و الجلود من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 1 من ابواب النجاسات و الاوانى و الجلود من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 1 من ابواب

النجاسات و الاوانى و الجلود من الوسائل.

(4) الرواية 6 من الباب 8 من ابواب النجاسات و الاوانى و الجلود من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 19

الباب 32 من ابواب النجاسات من الوسائل.

و على كل حال لا اشكال في ان و زان البول و الغائط سواء من حيث النجاسة و الطهارة ففى كل حيوان يكون بوله نجسا يكون كذلك غائطه و روثه و خرئه و في كل حيوان يكون بوله طاهرا يكون غائطه مثله الّا ما يقع الكلام فيه و هو بول الخفاش و يأتى الكلام فيه إن شاء اللّه و ان له اختصاصا أوّلا.

الامر الثالث: لا فرق في نجاسة البول و الغائط من الحيوان الذي لا يؤكل لحمه بين ان يكون انسانا او غيره

برّيا او بحريّا صغيرا او كبيرا لاطلاق الأخبار من هذا الحيث نذكر اثنتان منها:

الاولى منها: ما رواها عبد اللّه بن سنان «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام اغسل ثوبك من ابوال ما لا يؤكل لحمه». «1»

الثانيّة منها: ما رواها أيضا عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال اغسل ثوبك من بول كل ما لا يؤكل لحمه «2» و غير ذلك المذكور في ذلك الباب فراجع.

و عمومهما يشمل كل ما لا يؤكل لحمه من الانسان و غيره بريّا او بحريّا، صغيرا او كبيرا.

و ما توهم من عدم نجاسة بول الصبى او الرضيع الذكر كما نقل عن الاسكافى تمسكا برواية التى رواها السكونى «عن جعفر عن ابيه عليهما السّلام ان عليا عليه السّلام قال لبن الجارية و بولها يغسل منه الثوب قبل ان يطعم لان لبنها يخرج من مثانة أمها و لبن الغلام لا يغسل منه الثوب و لا من بوله قبل ان يطعم لان لبن الغلام يخرج من العضدين و المنكبين «3» لا وجه

له لان ما تمسك به غير معمول به مضافا الى احتمال كون النظر في التفصيل بين الجارية و الغلام من حيث الغسل المعتبر فيه العصر و

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 8 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 8 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 4 من الباب 3 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 20

غيره في الثوب فيكون المراد احتياجه الى ذلك في الجارية و عدم الحاجة في بول الغلام بل يكفي صب الماء عليه هذا.

الامر الرابع: هل يشترط في نجاسة البول و الغائط من غير المأكول ان يكون له دم سائل

حين الذبح أم لا؟

اقول: اما في الغائط مما ليس له دم سائل فنقول ليس المدرك في نجاسة غائط غير المأكول الّا النص الوارد في بعض الموارد مثل الاستنجاء و العذرة الموطوءة و خرء الفار و بهذا لا يمكن القول بنجاسة غائط غير مأكول حتى ما ليس له دم سائل و الاجماع و هو العمدة و المتقين منه هو ما كان له دم سائل فاذا لا دليل لنا على نجاسة غائط ما ليس له دم سائل من غير المأكول و لو شككنا فالمحكّم هو اصالة الطهارة.

و امّا البول من غير المأكول الذي ليس له دم سائل فلا وجه لطهارته الّا دعوى الاجماع او انصراف الادلة عنه.

اما الاجماع فغير واقع.

و اما الانصراف فلا وجه له بالنسبة الى غير ذي النفس الذي يكون له اللحم.

نعم يمكن دعوى خروج كل ما لا يكون له اللحم اصلا من باب خروجه عن موضوع الادلة اصلا.

لان الدليل على نجاسة البول، امّا بعض الاطلاقات مثل ما امر فيه بغسل الثوب او البدن عن البول فهذه الطائفة مضافا الى ان الظاهر منها بول الانسان لم تكن في

مقام بيان هذا الحديث.

و اما بعض ما دلّ على وجوب الغسل عن البول ما لا يؤكل لحمه او عدم الوجوب في بول ما يؤكل لحمه فالموضوع فيهما هو ماله اللحم فلا يشمل ما ليس له اللحم اصلا فافهم.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 21

و هذا وجه ما قال سيدنا الاعظم اعلى الله مقامه في حاشيته على العروة «محل تأمل الّا فيما ليس له لحم منها» و اما ما في بعض الحواشى من تقييد الطّهارة لما لم يكن ممّا لا نفس له لحم معتد به فلا وجه له فراجع هذه تمام الكلام فى هذا الحيث.

الامر الخامس: يقع الكلام في الطيور من غير مأكول اللحم

و انه هل يكون بولها و خرؤها نجسا او طاهرا او التفصيل بين البول و الخرء فيقال بنجاسة بولها و طهارة خرئها و الكلام يكون فعلا في غير الخفاش ففيه اقوال الطهارة مطلقا هو مختار مشهور المتأخرين و بعض القدماء مطلقا و النجاسة مطلقا و هو مختار مشهور القدماء و التفصيل بين بولها و خرئها. و هو اختيار نادر.

و منشأ التفصيل هو انه بعد كون العمدة في نجاسة الغائط و بتعبير آخر العذرة و بتعبير آخر الخرء هو الاجماع فقدر المتقين من الاجماع غير الطيور و قد صرح في رواية ابى بصير بطهارة خرء الطيور فلا معارض لها في الخرء اصلا.

و اما منشأ نجاسة بولها فهو ما ورد من نجاسة بول مطلق غير الماكول من الحيوان.

و بعد رفع اليد عن هذا القول يبقى في المسألة قولان:

الاول: النجاسة في بول الطيور و خرئها. و الثاني الطهارة و الدليل على النجاسة مع قطع النظر عن الشهرة روايتان:

الاولى: و هي ما رواها عبد اللّه بن مغيرة عن عبد اللّه بن سنان

«قال قال ابو عبد اللّه عليه السّلام: اغسل ثوبك من بول كل ما لا يؤكل لحمه» «1»

الثانية: و هي ما رواها على عن محمد بن عبد اللّه بن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام؛ «قال: اغسل ثوبك من ابوال ما لا يؤكل لحمه» «2»

و ما يأتي بالنظر قريبا كون الروايتين رواية واحدة نقل عن عبد اللّه بن سنان

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 8 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 8 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 22

عبد اللّه بن مغيرة و على بن محمد لان الراوي فيهما هو عبد اللّه بن سنان و المروى عنه ابو عبد اللّه عليه السّلام فالراوي و المروي عنه واحد و بعيد سؤاله عن الحكم مرتان.

و على كل حال تدلان على نجاسة البول مما لا يؤكل لحمه و اما نجاسة خرء الطيور من غير المأكول فلا بد من ان يقال في وجهه مما مرّ من الاجماع على عدم الفرق بين البول و الغائط من حيث النجاسة و الطهارة.

و اما الدليل على الطهارة و هي ما رواها ابو بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال:

كل شي ء يطير فلا بأس ببوله و خرئه «1»».

قد يقال: في وجه النجاسة بان هذه الرواية مما اعرض منها الاصحاب.

و لكن هذا الكلام ليس في محله لعدم ثبوت اعراض عنها بل يمكن كون اختيار المشهور النجاسة يكون لجهة اخرى مثل اظهرية رواية عبد اللّه بن سنان او غير ذلك كما انه لا وجه للاشكال في ضعف السند لان الروايتان الدالتان على النجاسة و كذا الرواية الدالة على الطهارة مما فيها مقتضى الحجّية في حد

ذاتها فبناء عليه.

نقول: بأن النسبة بين المتعارضين تكون عموما من وجه لان الاولى تدل على نجاسة غير المأكول سواء كان طيرا او غير طير فاعم من حيث شمولها للطير و غيره و اخص لاجل كونها مختصة بغير المأكول.

الثانى: تدل على طهارة عموم الطيور سواء كان مأكول اللحم او غيره فاعم من حيث شمولها لمأكول اللحم و غير المأكول و اخص من حيث شمولها لخصوص الطيور و بعد كون النسبة عموما من وجه فتتعارضان في الطير الذي لا يؤكل لحمه لان مقتضى الاولى نجاسته و مقتضى الثانية طهارته.

و حيث ان القاعدة فيما يكون التعارض بنحو العموم من وجه هو تقديم

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 10 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 23

الاظهر من الدليلين في مادة الاجتماع ان كان اظهر و ان لم يكن اظهر بل يكونان متساويين من حيث الظهور في مادة الاجتماع فيقع بينهما التعارض فان كان لاحدهما مرجح يأخذ بما فيه المرجح و الّا يتساقطان عن الحجية في مورد التعارض و حينئذ لا بد من الرجوع الى عموم الفوق ان كان عموم في البين و الّا فالمرجع هو الاصل.

قد يقال: «القائل العلامة الهمداني رحمه اللّه على ما روى» في المقام بان المناسب الاخذ في مادة الاجتماع برواية ابى بصير الدالة على طهارة بول الطيور، لانه لو قيّد هذه الرواية برواية عبد اللّه بن سنان الدالة على نجاسة بول ما لا يؤكل لحمه يلزم عدم كون حيث الطيورية دخيلا في الحكم، و الحال ان الظاهر من رواية ابى بصير كون حيث الطيورية تمام الموضوع للحكم، و هذا بخلاف رواية عبد اللّه بن سنان فانه لو قيّدت

برواية ابى بصير لا يلزم الغاء حيث غير مأكول مطلقا الّا الطير الذي لا يؤكل لحمه فلم ينعزل عنوان غير الماكولية راسا، و هذا بخلاف ان يقيّد رواية ابى بصير برواية ابن سنان لانه بعد التقييد يكون مفاده طهارة خصوص طير المأكول فيكون ما هو موضوع الحكم في طهارة البول و نجاسته هو حيث المأكولية و عدمها فينعزل حيثيّة الطيران عن الموضوعية راسا، فاذا دار الامر بين الغاء عنوان احد العامين من رأس و بين الغاء عنوان احد العامين في بعض افراده يكون الثاني اهون بنظر العرف، و بهذا يجمع بين الدليلين و تكون النتيجة تقييد رواية ابن سنان برواية ابى بصير و نلتزم بطهارة بول ما لا يؤكل لحمه من الطيور.

و بهذا الوجه يمكن ان يقال بطهارة بول الطير و خرئه لا بان يقال بان شمول رواية ابي بصير لمادة الاجتماع يكون اظهر من رواية ابن سنان لدفعه بمنع كونها اظهر.

ثم انه قد يقال في وجه تقديم رواية ابي بصير الدالة على طهارة بول الطير و خرئه بانه بعد ما يدعي عدم وجود بول لمأكول اللحم من الطيور بل لغير المأكول

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 24

منها غير الخفاش فلو خصّص خبر ابي بصير برواية ابن سنان يلزم حمل عمومه على مورد نادر او على مورد لم يكن له فرد في الخارج و هو مأكول اللحم من الطيور.

لكن فيه انه لو لم يكن من الطيور المحللة اكلها ما يكون له البول كان هذا الكلام تماما و اما ان كان له فرد و لو كان فردا و احد لم يتمّ ذلك لانه بعد كون غير مأكولها لا يوجد له الّا فرد

واحد يكون له البول كما ادعي فلا مانع من ان يخصص احد فرديه فيخصص بخير ابن سنان غير الماكول منها.

هذا كله فى مقام الجمع العرفي بين الخبرين.

و اما لو اغمضنا عن ذلك و قلنا بعدم امكان الجمع بينهما و قلنا بانهما متعارضان فان قلنا بان الترجيح في احدهما فيؤخذ به و في هذا المقام نقول اوّل المرجحات هو الشهرة فان كانت الشهرة المرجحة هي الشهرة الفتوائية كما هو مختار سيدنا الاعظم آيت اللّه العظمى البروجردي اعلى اللّه مقامه الشريف فالترجيح مع رواية ابن سنان لان المشهور من القدماء افتوا بنجاسة البول و الخرء من غير المأكول مطلقا حتى الطيور منه.

و ان قلنا بان المرجح الشهرة في الرواية فيمكن ان يدعي كون رواية ابن سنان اشهر من حيث الرواية فتأمل.

و لو لم يكن ترجيح في البين و تعارضا و تساقطا.

فما قيل من ان المرجع بعض المطلقات الواردة في البول و قد قدمنا ذكرها في الامر الاول فالقول بنجاسة بول غير الماكول من الطيور و خرئه لا وجه له لأنّ هذه المطلقات أوّلا تكون في مقام بيان حكم آخر و هو وجوب الغسل مرتين في جواب سؤال من يسأل عن البول.

و ثانيا المنصرف منها على فرض الاطلاق هو بول الانسان لا مطلق البول فعلى هذا لو لم يمكن الجمع بين رواية ابن سنان و رواية ابى بصير و تعارضتا و تساقطتا فالمرجع هو اصالة الطهارة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 25

و يمكن ان يقال بالتفصيل بين بول الطيور و خرئها كما قدّمنا بان يقال ان رواية ابن سنان لا تدل الّا على نجاسة بول غير المأكول و العمدة في نجاسة الغائط او العذرة او

الخرء ليس الّا الاجماع و شموله للمورد محل منع مع هذه الاختلاف و رواية ابى بصير مصرحة بطهارة خرء الطيور مطلقا و لو لم تكن هذه الرواية مع الشك كان لنا اصالة الطهارة فليس دليلا على نجاسة خرء الطيور المحرمة الا كل الّا الشهرة.

و لكن كما قدمنا يمكن دعوى كون بول الطيور المحرمة الاكل طاهرا لما مضى من انه لا بدّ في مادة الاجتماع من الاخذ برواية ابى بصير هذا كله بالنسبة الى مطلق الطيور المحرمة.

الامر السادس: في بول الخفاش «او الختاف» و خرئه

اعلم انه لو التزمنا بطهارة بول الطيور و خرئها مطلقا فلا يبقى مجال لافراد البحث في الخفاش لانه منها.

و اما لو التزمنا بنجاسة بول الطيور المحرمة الاكل فيبقى المجال للبحث فيه و يقال هل يكون بول الخفاش و خرئه كذلك او يكون طاهرا.

قد يقال: بنجاسته تمسكا بما رواها داود الرقى «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن بول الخشاشيف يصيب ثوبى فاطلبه فلا اجده فقال: اغسل ثوبك» «1» و مقتضاها نجاسة بوله و قد يقال بعدم نجاسته لان ما رواها غياث عن جعفر عن ابيه «قال لا بأس بدم البراغيث و البق و بول الخشاشيف» «2» هذا الخبر نص في عدم الباس ببوله فلا بد من حمل الامر في رواية داود على الاستحباب جمعا و الشيخ رحمه اللّه حمل هذه الرواية على التقيّة.

و لكن لا يمكن الالتزام بذلك لانه بعد وجود مقتض الحجّية في كلا الخبرين و امكان الجمع بينهما بجمع كما قلنا الا ان يدعي عدم مقتض لحجية رواية غياث رأسا

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 10 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 10 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى،

ج 2، ص: 26

من جهة احتمال صدوره تقية و هذا اوّل الكلام مع ما قيل بضعف سند رواية داود أيضا و على كل حال الوجه لاختصاص الاحتياط في الخفاش بالذكر كون المروي نجاسة بوله و دعوى الاجماع على نجاسة خرئه.

و وجه اختصاص البول بالاحتياط هو كون النص في خصوص بوله. و لكن الحق عدم وجود وجه معتبر على نجاسة بوله و خرئه نعم الاحتياط مما لا ينبغي في بوله و خرئه بل في بول مطلق الطيور و خرئها، فانهم.

و لو قلنا في بول الخفاش باستحباب الاجتناب جمعا فتقيّد رواية ابن سنان الدالة على نجاسة بول مطلق غير المأكول فيكون الاحتياط في خصوص بول الخفاش اهون على خلاف ما مشى المؤلف رحمه اللّه فتأمّل.

الامر السابع: هل يكون فرق في غير المأكول بين ان يكون اصليا كالسباع

و نحوها و بين ان يكون عارضيا كالجلال و موطوء الانسان و الغنم الذي شرب لبن خنزيرة، او لا اعلم ان ظاهر الكلمات هو عدم الفرق.

و وجهه مع قطع النظر عن الاجماع المدعي على اختلاف كلماتهم في معقد الاجماع هو دعوى شمول عموم رواية ابن سنان المتقدمة ذكرها لها لان مفادها وجوب غسل الثوب عن بول كل ما لا يؤكل لحمه و من افراد ما لا يؤكل لحمه السباع و الجلال و موطوء الانسان و الغنم الذي شرب لبن خنزيرة بناء على حرمة اكل لحمها.

و قد يقال: في جواب ذلك بانه كما يشمل عموم هذه الرواية لها كذلك يشمل عموم ما دل على طهارة بول ما اكل لحمه و ما دل على طهارة بول هذه الاشياء و روثها اعنى ما دل على طهارة بول الدجاج، او الغنم فيقال بعد صيرورتها جلالا او موطوئا او شرب الغنم لبن خنزيرة بان ما دل على

طهارة بول الغنم مثلا يدل على طهارة كل فرد من الغنم في جميع حالاته لان العموم الافرادي مستتبع لاطلاق احوالى يشمل الحكم لجميع افراده في جميع حالاته و من حالاته صيرورته جلالا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 27

او موطوئا او شرب لبن خنزيرة.

قال بعض «1» في جواب ذلك بانه مع شمول كلّ من الدليلين.

و لكن لا بد من تقديم ما يدل على النجاسة لان ما يدل على النجاسة يكون مثل العنوان الثانوي فكما ان الدليل المتكفل للعنوان الثانوي مقدّم على الدليل المتكفل للعنوان الاولى كذلك دليل النجاسة يقدّم على دليل الطهارة بنظر العرف. و فيه ان ما ادعي من كون دليل النجاسة مثل العنوان الثانوي في غير محله بل كل منهما متكفلان للحكم بالعنوان الاولى و ان كان الامر كما تخيّل فكان المناسب في مقام التعارض بين رواية ابن سنان و رواية ابى بصير الاخذ برواية ابن سنان لانها دليل النجاسة و رواية ابى بصير دليل الطهارة.

نعم ما يمكن ان يقال في المقام.

اما بالنسبة الى ما دل على طهارة بول مأكول اللحم بانه لا يمكن ان يشمل المورد لان الظاهر من الدليل هو ما يكون موضوعه الفعلى حلية اكل اللحم لان الظاهر من الدليل هو عروض الحكم لما هو موضوع حين عروض الحكم فاذا قال بول مأكول اللحم طاهر يكون المراد ما يكون فعلا مأكول اللحم فهذا الدليل لا يشمل الجلال و اخواته لانه ليس مصداق مأكول اللحم فعلا.

و اما بالنسبة الى ما دل على طهارة البول او روث هذه الاشياء مثلا بول الغنم طاهر و ذرق الدجاج طاهر فالظّاهر منه هو ورود الحكم عليها من حيث ذاتها لو خلّى و

طبعه و بعبارة اخرى هذا الحكم يكون حيثيا و لا ينافي الحكم الحيثي مع حكم آخر لحيث آخر و لهذا لا تنافي بين ما دل على حلية اكل لحم الغنم في حد ذاته مع ما دلّ على حرمة اكله اذا شرب لبن خنزيرة مثلا.

فعلى هذا نقول ان عموم ما دل على نجاسة بول ما لا يؤكل لحمه يشمل هذه

______________________________

(1) المستمسك، ج 1، ص 264.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 28

الموارد و بالاجماع نقول بنجاسة الغائط و الروث و قد مرّ بيانه في الامر الاوّل.

و لكن هذا الحكم يكون في كل مورد قلنا بحرمة لحم هذه الاشياء و قد دلّ الدليل على حرمة اكل لحم الجلال و الموطوء و الغنم الذي شرب لبن خنزيرة.

و اما ما ذكر في بعض الحواشي من انحصار الاخير بصورة حصول اشتداد العظم نظرا الى ان مورد الرواية هذه الصورة فغير تمام. لانه و ان ورد في ما رواها.

حنان بن سدير قال سئل ابو عبد اللّه عليه السّلام و انا حاضر عنده عن جدى رضع من لبن خنزيرة حتّى شبّ و كبر و اشتد عظمه ثم ان رجلا استفحله في غنمه فخرج له نسل فقال إماما عرفت من نسله بعينه فلا تقربنه و اما ما لا تعرفه فكله فهو بمنزلة الجبن و لا تسأل عنه «1» لكن بعد كون القيود في كلام السائل عن الامام عليه السّلام و جوابه عليه السّلام خال عن القيود فيشمل المورد و غيره.

مضافا الى عدم التقييد بذلك في غيرها من الروايات لا وجه لتقييد الحرمة بخصوص المورد فتأمّل جيّدا. و مع ما قلنا لا حاجة في مقام وجه نجاسة بول الجلال و اخواته

الى التمسك بالاجماع كي يستشكل بعدم اجماع في المقام فافهم.

الامر الثامن: البول و الغائط من طاهر اللحم طاهر

حتى الحمار و البغل و الخيل بالعموم مثل ما رواها: زرارة «انهما قالا لا تغسل ثوبك من بول شي ء يوكل لحمه.» «2»

و ما رواها ابن بكير عن زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «في حديث قال: ان كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في و بره و شعره و بوله و روثه و ألبانه و كل شي ء منه جائز اذا علمت انه زكى» «3» بناء على عدم جواز الصلاة في النجس و بالخصوص في الحمار من المذكورات و غيرها راجع الباب 9 المذكور فيها هذا الاخبار.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 24 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 9 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 6 من الباب 9 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 29

و وجه اختصاص المؤلف رحمه اللّه، الحمار و البغل و الخيل بالذكر لدلالة بعض الروايات على النهى عن بولها لا روثها و لكن بعد دلالة بعض الآخر على عدم الباس ببول مطلق الماكول من الدواب و بعض رواياته غير قابلة للتقييد للزوم تخصيص الاكثر مثل ما رواها ابو الاغرّ النّحاس «قال قلت لأبي عبد اللّه عليه السّلام اني اعالج الدواب فربما خرجت بالليل و قد بالت وراثت فيضرب احدها برجله او يده فينتضح على ثيابي فاصبح فارى اثره فيه فقال ليس عليك شي ء» «1»

فان ظاهر الجواب لاجل ترك الاستفصال هو انه لا بأس ببول مطلق الدواب فلو قيد هذه الرواية بغير الحمار و البغل و الخيل يلزم تخصيص المستهجن لانه لم يبق تحت عمومها الّا البقر و الغنم و الابل

و لا يمكن الجمع بين هذه الرواية و بين ما دل على نجاسة بولها بتخصيص عموم هذه الرواية او تقييد اطلاقها بل يقع بينهما التعارض و كذلك موثقة ابن بكير المذكور بعضها في الصدر فان هذه الموثقة تكون في مقام اعطاء القاعدة فقسّم فيها عليه السّلام الحيوان قسمين:

مأكول اللحم فالصلاة في وبره و شعره و بوله و روثه و ألبانه و كل شي ء منه جائز، و غير المأكول فلم يجز الصلاة في اجزائه و مثل هذه الرواية بلسانها آبية عن التقييد فلا يمكن ان يقال بتقييدها في الحمار و البغل و الخيل، و لهذا بعد عدم امكان الجمع العرفي بين الطائفتين بهذا النحو بينهما لا بد من الجمع بينهما بنحو آخر و هو حمل النهي في الروايات النّاهية على الكراهة في مطلق الماكول حتى في الحمار و في خصوص الحمار رواية تكون نصا في الجواز و هي رواية 14 من الباب المذكور المصرحة فيها بعدم الباس ببوله، خصوصا مع اعتضاد ذلك بالاجماع المدعي و لا أقل من الشهرة الفتوائيّة عليه هذا كله على فرض المعاملة مع ما دل على النهي عن بول الحمار و البغل و الخيل معاملة الحجة المعتبرة و بعبارة اخرى على فرض وجود

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 9 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 30

مقتضي الحجّية فيه و لكن ما يسهّل الخطب هو ان هذه الاخبار مما اعرضت عنه الاصحاب فلم يبق لها مقتضى الحجّية و هو الاطمينان بالصدور او كونها في مقام بيان الحكم الواقعى فافهم فلا يكون لما دل على طهارة بول ما اكل لحمه دليل معارض.

هذا كله في ابوالها و اما

في ارواث ما اكل لحمه فلا اشكال في طهارته لدلالة بعض الاخبار عليه حتى في خصوص الحمار و غيره راجع الباب المذكور. مضافا الى ان مدرك العمدة في نجاسة الغائط هو الاجماع و ليس اجماع في المقام فمقتضى الاصل كان هو الطهارة و لو لم يكن دليل خاص في البين يدل على الطهارة.

***

[مسأله 1: ملاقاة الغائط فى الباطن لا توجب النجاسة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسأله 1: ملاقاة الغائط فى الباطن لا توجب النجاسة كالنوى الخارج من الانسان او الدود الخارج منه اذا لم يكن معها شي ء من الغائط و ان كان ملاقيا له فى الباطن. نعم لو ادخل من الخارج شيئا فلاقى الغائط فى الباطن كشيشة الاحتقان ان علم ملاقاتها له فالاحوط الاجتناب عنه.

و اما اذا شك في ملاقاته فلا يحكم عليه بالنجاسة فلو خرج ماء الاحتقان و لم يعلم خلطه بالغائط و لا ملاقاته له لا يحكم بنجاسته.

(1)

اقول: للمسألة صور:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 31

الصورة الاولى: صورة ملاقاة ما فى الباطن،

كالنوى الملاقي لغائطه في الباطن او الدود.

و لا ينبغي الاشكال في عدم ايجاب هذا النحو من الملاقاة النجاسة بل عدّ ذلك من المسلّمات. اما لعدم كون الاعيان النجسة نجسا ما دام لم يخرج الى الخارج او لعدم ايجابه نجاسة ملاقيها و ان كانت نجسة لان الادلة الدالة على نجاسة البول او الغائط او المني او الدم لا يستفاد منها الّا نجاسة ما يلاقيها اذا كان الملاقاة حال كونها في الخارج لان موارد الروايات و الاسئلة و الاجوبة التي استكشفنا منه نجاسة هذه الامور ليس الا ملاقاتها في الخارج كالثوب و البدن و لهذا اما يقال بعدم نجاسة هذه الاشياء من رأس ما لم يخرج الى الخارج او بعدم نجاسة ملاقيها ما لم يخرج الى الخارج مضافا الى دلالة بعض الروايات الواردة في بلل فرج المرأة المجنبة و المذي و الودي مع ملاقاتها النجاسة في الباطن على ذلك.

مثل ما رواها ابراهيم بن محمود «قال سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن المرأة وليها قميصها «لبسها في ل» او ازارها يصيبه من بلل الفرج و هي جنب اتّصلى فيه

قال: اذا اغتسلت صلت فيهما.» «1»

و مثل ما رواها ابو بصير «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المذي يصيب الثوب قال ليس به بأس» «2».

و مثل ما رواها زرارة «عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال ان سال من ذكرك شي ء من مذي او ودي و انت في الصلاة فلا تغسله و لا تقطع له الصلاة و لا تنقض له الوضوء و ان بلغ عقبيك فانما ذلك. بمنزلة النخامة و كل شي ء خرج منك بعد الوضوء فانه من

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 55 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 17 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 32

الحبائل او من البواسير و ليس بشي ء فلا تغسله من ثوبك الّا ان تقذره» «1». وجه الاستدلال هو ان الملاقاة في الباطن مع النجاسة ان كان ينجّس فكان اللازم نجاسة هذه الاشياء و لو ادعي ان ملاقاة البلل او الودي او المذي للبول او المني غير معلوم و لعل نظر السائل كان الى ملاقاته مع محلها فنفي الباس لا يدلّ على عدم الباس حتى فيما لاقي مع النجاسة في الباطن.

نقول بانه بعد كون سؤال السائل محتملا لملاقاته مع عين البول او المنى و محتملا لملاقاته مع المحل منهما فجواب الامام عليه السّلام بعدم الباس و عدم استفصاله من انه لاقي العين او المحل دليل على تعميم الحكم و عدم البأس و لو كانت الملاقاة للعين.

و كذلك يقال في الرواية الثانية و الثالثة فيستفاد من الروايات هذا المقدار اي عدم نجاسة ما يلاقي مع البول و الغائط في الباطن و مع الدليل على عدم ايجاب الملاقاة للنجاسة

لا وجه لان يقال بعدم الفرق بين الباطن و الخارج لعدم شمول الادلة أوّلا و وجود الدليل على الفرق بين الباطل و الخارج ثانيا.

مضافا الى عدم شمول الادلة للملاقاة في الباطن و ان ادعي عدم نجاسة هذه الاعيان النجسة ما دام في الباطن ليس دعوى بعيدا لانه ما يستفاد منه نجاسة هذه الامور ليس الا من باب الامر بغسل ما يلاقيها في الخارج او النهي عن الصلاة فيها و تماميّة ما يدل ذلك هو تنجيسها في الخارج.

ان قلت بان المناط واحد و نعلم بعدم فرق بين الخارج و الداخل و ان المناط هو النجاسة و كيف يمكن الالتزام بنجاسة هذه الاشياء اذا خرجت في الخارج فقط.

نقول بانه بعد تسلّم عدم نجاسة ما يلاقيها في الباطن من باب انصراف الادلة

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 12 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 33

و الروايات المتقدمة عن هذه الموارد فلا يبقى ما يتوهم نجاستها في الباطن الّا استنكار الفرق بين الظاهر و الباطن و مجرد الاستبعاد و الاستنكار لا يصير دليلا كما انه لو لم يكن دليل على عدم ايجاب الملاقاة في الباطن للنجاسة ربما توهّمت عدم الفرق بين الباطن و الظاهر فلا مانع من ان يكون الفرق بين الظاهر و الباطن فما لم يخرج من الباطن لا يكون نجسا كما ان الظّاهر في الآية في الدم و هو قوله «1» تعالى او دما مسفوحا يمكن ان يكون المراد عدم نجاسته ما دام في العروق و لم يصر مسفوحا و الحاصل ان الدليل لم يقم الّا على نجاستها اذا خرجت هذه النجاسات و لا نقطع بعدم الفرق بين خارجها

و داخلها و لو شككنا في انها هل تكون نجسة ما دام في الداخل أم لا فبمقتضى اصالة الطاهرة نحكم بطهارتها.

و على كل حال ما نحن بسدده هو ان ملاقاة البول و الغائط في الداخل لا يوجب النجاسة قد ثبت لنا و لو كان الحكم بعدم نجاسة هذه الاعيان ما دام في الباطن خلاف الاحتياط.

الصورة الثانية: ملاقات شي ء من الخارج مع البول او الغائط في الداخل

فأيضا لا اشكال فيه لان القدر المتيقّن سرايتهما في التنجيس اذا كانت في الخارج و اما في الداخل فلا دليل عليه و لو شككنا نحكم ببركة استصحاب الطهارة بطهارة ما لاقي احدهما في الداخل فان كانت شيشة الاحتقان مثلا طاهرة قبل الدخول ثم خرجت غير متلوّثه بالنجاسة يحكم بطهارتها و ان علم بملاقاتها للنجاسة في الداخل فلا وجه لما قاله المؤلف رحمه اللّه من الاحتياط في هذه الصورة مضافا الى دلالة بعض الروايات على عدم النجاسة في هذه الصورة.

الصورة الثالثة: ما اذا شك في ان ما دخل في الداخل هل لاقي بعضا

من

______________________________

(1) سورة الانعام، الآية 145.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 34

الاعيان النجاسة في الداخل أم لا فلا يحكم بنجاسته بل يحكم بطهارته.

اما بناء على ما قلنا في الصورة الثانية فلان المعلوم ملاقاته مع بعض الاعيان النجسة لا اشكال فيه فضلا عن الصورة التي يشك في الملاقات و اما بناء على القول بنجاسة الملاقي «بالكسر» في الصورة الثانية فلانّ مقتضي استصحاب الطهارة هو طهارته لانّ المفروض كونه طاهرا قبل الدخول.

***

[مسأله 2: لا مانع من بيع البول و الغائط من مأكول اللحم]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسأله 2: لا مانع من بيع البول و الغائط من مأكول اللحم و اما بيعهما من غير المأكول فلا يجوز نعم يجوز الانتفاع بهما فى التسميد و نحوه.

(1)

اقول:

امّا جواز بيع البول و الغائط من مأكول اللحم

فمما لا اشكال فيه مع وجود منفعة محلّلة لهما كما لا اشكال في وجود المنفعة المحللة لغائط مأكول اللحم من الحيوان.

و اما في البول منه فمنشأ الاشكال في جواز بيعه و عدمه هو وجود منفعة محللة بها عند العقلاء له بحيث يبذل بإزائها المال فيجوز او ليس له منفعة محللة معتد بها فلا يجوز بيعه.

و قيل بعدم وجود منفعة محلّلة له الّا عند من يجوّز شربه و مع عدم جواز شربه لاستخباثه ليس له منفعة محلّلة الّا التداوى ببعض افراده او جميعها في بعض الموارد و يمكن دعوى كفاية هذا المقدار من المنفعة لان الامر في بعض الادوية كذلك فلا ينتفع به الّا في امراض خاصة نادرة و يكفي هذا المقدار من المنفعة بنظر العرف اذا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 35

كانت محلّلة و مع ذلك الاحوط ترك المعاملة معه.

و اما البول و الغائط من غير الماكول.

اما بوله فلا اشكال في عدم جواز بيعه لعدم وجود منفعة محلّلة، معتد بها له عند العقلاء حتى يبذل بإزائها المال.

و النهي الوارد في ما رواه في تحف العقول المنجبر بعمل الاصحاب رضوان اللّه تعالى عليهم مضافا الى دعوى نفى الخلاف على عدم جواز بيعه.

و اما الغائط من غير مأكول اللحم فقد ادعي الاجماع على عدم الجواز أيضا.

و اما الاخبار فبعضها ما يدلّ على عدم الجواز مطلقا.

و هو ما رواه يعقوب بن شعيب عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال ثمن العذرة سحت» «1».

و بعضها

يدل على الجواز مطلقا هو ما رواها محمد بن مضارب عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال لا بأس ببيع العذرة» «2».

و بعضها يدل على عدم الجواز بملاحظة ظاهر صدر الحديث و يدل على الجواز بملاحظة ذيل الحديث و هو ما رواه سماعة بن مهران «قال سأل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام و انا حاضر قال انّى رجل ابيع العذرة فما تقول قال حرام بيعها و ثمنها و قال لا بأس ببيع العذرة» «3».

و قد يقال بالجمع بين ما يدل على عدم الجواز و بين ما يدلّ على الجواز بحمل

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 40 من ابواب ما يكتسب به من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 40 من ابواب ما يكتسب به من الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 40 من ابواب ما يكتسب به من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 36

الاول على عذرة الانسان و حمل الثاني على عذرة غير الانسان بقرينة الرواية الثالثة اعني رواية سماعة لأن الامام عليه السّلام على ما في هذه الرواية قال في صدرها في جواب سؤال السائل عن بيع العذرة «حرام بيعها و ثمنها» و قال في ذيلها «لا بأس ببيع العذرة» و لا يمكن صدور حكمين المتعارضين و هو التحريم كما في الصدر و عدم الباس كما في الذيل على موضوع واحد في كلام واحد فلا بد من حمل صدر الرواية على عذرة الانسان و حمل ذيلها على عذرة غير الانسان و بعد حمل صدرها على عذرة الانسان و كون بيعها حراما و حمل ذيلها على عذرة غير الانسان تكون هذه الرواية «اعنى الرواية الثالثة شاهدة للجمع بين الرواية الاولى و الثانية

فتحمل الأولى على عذرة الانسان و الرواية الثانية على عذرة غير الانسان.

اقول: أوّلا: يمكن ان سماعة الراوي للرواية الثالثة المتقدمة ذكرها سمع ما روي عن الامام عليه السّلام مرتين في مجلسين لا في مجلس واحد و في كلام واحد ففي مجلس سئل السائل عن العذرة فقال عليه السّلام حرام بيعها و ثمنها و في مجلس آخر سئل سائل آخر او هذا السائل فقال عليه السّلام لا بأس بيع العذرة و في مقام نقل الكلامين نقل سماعة هذين الكلامين في كلامه معا و مع هذا الاحتمال لا ندري ان ما صدر عن الامام عليه السّلام أولا أيتهما و ما صدر عنه ثانيا أيتهما و هل كان كل منهما مطلقا او كل منهما كان مقيدا و لو بسبب قرينة كانت بين السائل و بين الامام عليه السّلام او احد من كلاميه كان مطلقا و كلام الآخر كان مقيّدا فان كان كل من كلاميه مطلقا تقع المعارضة بين الرواية الاولى و الثانية و الاولى منهما تدلّ على ان ثمن العذرة سحت و الثانية منهما تدلّ على عدم البأس ببيع العذرة و على هذا لا تكون رواية سماعة و هي الرواية الثالثة من الروايات المتقدمة شاهدة للجمع.

و على تقدير كون احد كلامي الامام عليه السّلام الذي هو الكلام المروي عن سماعة في نقلهما معا مطلقا و الآخر مقيدا او كل منهما مقيّدا فلا ندري من ان المقيّد كان مقيّدا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 37

باي شي ء حتى يحمل المطلق من الروايات بهذا المقيّد.

و على هذا لا تكون رواية سماعة شاهدة للجمع.

و ثانيا: على فرض صدور هذا الكلام اعنى ما رواه سماعة في مجلس واحد متّصلا

كل من صدره و ذيله بالآخر فكما يحتمل ان يكون نظر الامام عليه السّلام في صدر كلامه الى عذرة الانسان و في ذيله الى عذرة غير الانسان كذلك يحتمل ان يكون نظره الشريف في صدر كلامه الى عذرة غير مأكول اللحم من الحيوانات و في الذيل الى ما كون اللحم منها و لو لم يكن هذا الجمع تبرعيّا فهو اولى من الجمع المذكور اعني من الجمع يحمل الصدر على عذرة الانسان و حمل الذيل على عذرة غير الانسان و يوافق ما احتملنا من الجمع مع فتوى المشهور و يناسب مع ما عرفت من نجاسة بول غير المأكول و غائطه و ان الوجه في عدم جواز البيع هو النجاسة و هذا بخلاف ما عرفت من حمل إحداهما على عذرة الانسان و على غيره بقرينة هذه الرواية لعدم وجود شاهد على الجمع بهذا النحو.

و هنا اشكال آخر و هو ان الجمع باحدى النحوين يتمّ بناء على كون العذرة شاملة لمطلق فضلة غير الماكول و اما بناء على الانحصار بفضلة الانسان و عدم اطلاقها على فضلة غير الانسان فلا يمكن الجمع باحد النحوين.

كما ان الجمع بحمل الاولى اعني رواية يعقوب بقرينة كون الرواية الثانية اعني رواية محمّد نصا فى الجواز لا يناسب مع قوله عليه السلام فى الأول ثمن العذرة من السحت و هذا غير التعبير بانه لا تبع العذرة و بعد عدم امكان الجمع العرفى بين الروايتين اعنى الرواية الاولى و هي رواية يعقوب بن شعيب و بين الرواية الثانية أعني رواية محمد بن مضارب المتقدم ذكرهما و وقوع التعارض بينهما لا بدّ من الاخذ بما له المرجح منهما و مع عدم وجود المرجح لإحداهما تصل النوبة

الى التخيير او التوقف على الكلام فيهما.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 38

فنقول بان الترجيح مع الرواية الاولى لان اوّل المرجحات هو الشهرة فان كان المراد بالشهرة المرجحة هو الشهرة الفتوائية كما كان مختار سيدنا الاعظم رحمه اللّه فالترجيح يكون مع الرواية الاولى لانّ المشهور افتوا على طبقها بل ادعى الاجماع عليها و على مضمونها و ان كان المراد عن الشهرة الروائية و قيل يكون كل من الروايتين مشهورتين بالشهرة الروائية و لم تكن. الرواية الاولى اشهر من الثانية بالشهرة الروائى تصل النوبة الى المرجح الثاني من المرجحات و هو مخالفة العامة فالترجيح يكون مع الرواية الاولى بناء على ما ذكر من ان اكثر العامة قائلون بجواز بيع العذرة و ان ابيت عن ذلك فيقع بينهما التعارض و اذا تعارضتا تساقط كل من الدليلين و بعد التساقط يكون المرجع عموم المستفاد من رواية تحف العقول المنجبر بعمل الاصحاب و هو قوله «او شي ء من وجوه النجس».

فتحصل مما مر انه ان قلنا بامكان الجمع العرفي بين صدر الرواية الثالثة و هي رواية سماعة و بين ذيلها و كذا بين الرواية الاولى و الثانية اعني رواية يعقوب. و رواية محمد بن مضارب فالانسب الجمع بما احتملنا من حمل صدر رواية سماعة الدال على حرمة بيع العذرة على عذرة غير الماكول من الحيوان و حمل ذيلها الدال على عدم الباس على عذرة الماكول من الحيوان لان هذا الحمل انسب حمل صدرها على عذرة الانسان و ذيلها على عذرة غير الانسان خصوصا لو قلنا بما قاله الشيخ الانصارى رحمه اللّه من عدم امكان معاملة التعارض و الترجيح فى هذه الرواية لعدم اعمالها في كلام واحد فمع

اللابدية على الجمع فهذا الجمع و هو حمل الصدر على عذرة غير الماكول و الذيل على عذرة المأكول و هكذا الجمع الرواية الاولى و الثانية بحمل الاولى و هي رواية يعقوب على عذرة غير المأكول و حمل الثانية المجوّزة لبيعها على عذرة مأكول اللحم اولى.

و اذا بلغ الامر الى التعارض ففي الرواية الاولى و الثانية ان امكن الترجيح

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 39

فالترجيح مع الرواية الاولى و بناء على تعارضهما و تساقطهما لعدم ترجيح بينهما يكون المرجح عموم الوارد في رواية تحت العقول المتقدم العموم فيه.

و كذا في الرواية الثالثة اعني رواية سماعة و لم نقل بالجمع بين الصدر و الذيل بما قلنا من الحمل و وقوع التعارض بينهما و تساقطهما يكون المرجع أيضا ما تقدّم من العموم الواقع في رواية تحف العقول و انما الكلام في جواز الانتفاع بالبول و العذرة و عدم جوازه فنقول:

اما جواز الانتفاع بالبول و الغائط من مأكول اللحم

يظهر حكمه مما مر في جواز بيعهما و عدمه من انه لو كان لهما منفعة محللة عقلائيه يجوز بيعهما فكذلك الانتفاع بهما للتسميد و غيره.

و اما الانتفاع ببول غير مأكول اللحم و غائطه

فنقول لا مانع من الانتفاع بهما في مثل التسميد و غيره للاصل و لما ورد في بعض الروايات مثل ما روي وهب بن وهب عن على عليه السّلام و المحكى عن ظاهر جماعة كون ذلك من المسلمات و اما ما ورد في رواية تحف العقول من المنع عن جميع التقلبات في النجس فمع امكان حمله على التقلبات و الانتفاعات المحرمة او ما يكون منشأه عدم المبالات في الدين نقول بان رواية تحف العقول حيث تكون ضعيفة السند لا تكون حجة الّا في المقدار الذي منجبر بعمل الاصحاب و هذه ليس منجبرة بعمل الاصحاب.

***

[مسئلة 3: اذا لم يعلم كون حيوان معيّن انه مأكول اللحم او لا]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: اذا لم يعلم كون حيوان معيّن انه مأكول اللحم او لا، لا يحكم بنجاسة بوله و روثه و ان كان لا يجوز اكل لحمه بمقتضى الاصل و كذا اذا لم يعلم انّ له دما سائلا أم لا كما انه اذا شك في شي ء انه من فضلة حلال اللحم او حرامه او شك فى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 40

انه من الحيوان الفلانى حتى يكون نجسا او من الفلانى حتى يكون طاهرا كما اذا رأى شيئا لا يدري انه بعرة فأر او بعرة خنفساء ففى جميع هذه الصور يبنى على طهارته.

(1)

اقول: في المسألة مسائل:

المسألة الاولى: اذا لم يعلم ان حيوانا يكون من المأكول اللحم او لا

فلا يحكم بنجاسة بوله و روثه سواء كان منشأ الشك هو الشبهة الحكمية او الشبهة الموضوعية و سواء كان الشك من جهة قبوله للتذكية أو لا لانه فيما كانت الشبهة حكمية او موضوعية و يشك في كون الحيوان قابلا للتذكية أم لا، و ان كان يحرز عدم التذكية بالاصل الموضوعي و هو اصالة عدم التذكية و يقدم هذا الاصل على اصالة الحلية لكن ليس اثر هذا الاصل الموضوعي الا عدم جواز اكل اللحم، و اما كون هذا الحيوان المشكوك غير المأكول فلا يثبت بهذا الاصل لان نجاسة البول و الروث على الفرض تكون اثر غير المأكول لا اثر عدم حلية اللحم فلا تثبت نجاستهما بهذا الاصل فلا اشكال في عدم نجاستهما فى هذا الفرض، و اما فيما لا يكون الشك في قابلية الحيوان المشكوك كونه من المأكول اللحم للتذكية بمعني كون قابليته للتذكية مفروغا عنه فيحكم بحيلة لحمه أيضا ببركة اصالة الحيلة لعدم وجود اصل موضوعي يقدم عليها على خلافها، و قد ظهر لك مما

قلنا في المقام ان كلام المؤلف رحمه اللّه تمام في مفروض المسألة فلا يحكم بنجاسة بول المشكوك كونه من جملة ما يؤكل لحمه أو لا و نجاسة روثه.

و لكن ما افاده من عدم جواز اكل لحمه غير تمام ان كان نظره الشريف الى عدم جواز اكل لحمه مطلقا كما هو ظاهر كلامه بل لا بد من التفصيل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 41

بيانه انه تارة يكون الشك في ان الحيوان المشكوك كونه مأكول اللحم او لا هل يكون قابلا للتذكية أو لا ففي هذه الصورة يصح كلامه لان في هذه الصورة يقتضي الاصل الموضوعى و هو اصالة عدم التذكية عدم الحلية.

و تارة لا يكون الشك في المشكوك كونه الحيوان الماكول لحمه أولا بانّه قابل للتذكية أولا بل المفروغ عنه قابليته للتذكية و مع ذلك يشك في انه مما يؤكل لحمه او لا ففي هذه الصورة كما يحكم بطهارة بوله و روثه يحكم بحلية لحمه بمقتضى اصالة الحلية و ليس في قبال هذه الاصل اصل موضوعي يقتضي عدم حلية اكل لحمه مثل اصالة عدم التذكية الجارية في الصورة الاولى لعدم شك في قابليته للتذكية و على هذا لا يتم كلام المؤلف بإطلاقه من الفتوى بعدم حلية اكل لحم الحيوان في مفروض المسألة فافهم.

المسألة الثانية: اذا لم يعلم ان حيوانا معيّنا هل يكون له دم سائل له او لا

و بعبارة اخرى هل يكون ذي النفس السائلة أم لا فحيث انه قد مضى منّا الاشكال في غائط الحيوان الذي ليس له دم سائل اذا كان له اللحم و قلنا بان ما دل على نجاسة بول غير المأكول لا يشمله ففي مفروض كلام المؤلف رحمه اللّه في هذا المسألة نقول اذا كان للحيوان اللحم يجب الاجتناب عن بول هذا الحيوان.

و

يصح كلام المؤلف رحمه اللّه بالنسبة الى غائط هذا الحيوان فلاجل الشك في ان له دما سائلا او لا، لا يجب الاجتناب عن غائطه و يحكم بطهارته لانه بعد ما كانت العمدة في وجه نجاسة الغائط من الحيوان الغير المأكول هو الاجماع فقدر المتيقّن منه هو غير المأكول الذي يكون له دم سائل فاذا شك في حيوان بانه هل يكون له دم سائل او لا فبمقتضى اصالة الطهارة يحكم بطهارة غائطه و روثه.

المسألة الثالثة: اذا شك في شي ء انه من فضلة حرام اللحم من الحيوان او من حلاله

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 42

حلاله او شك في انه من الحيوان الفلاني حتّى يكون نجسا او من الفلاني حتى يكون طاهرا بيني على الطهارة لاصالة لطهارة.

[مسئلة 4: لا يحكم بنجاسة فضلة الحية]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: لا يحكم بنجاسة فضلة الحية لعدم العلم بان دمها سائل نعم حكى عن بعض السادة ان دمها سائل و يمكن اختلاف الحيّات فى ذلك و كذلك لا يحكم بنجاسة فضلة التمساح للشك المذكور و ان حكى عن الشهيد ان جميع الحيوانات البحرية ليس لها دم سائل الّا التمساح و لكنه غير معلوم و الكلية المذكورة غير معلومة.

(1)

اقول: بعد ما عرفت من ان العمدة في وجه نجاسة غائط غير المأكول هو الاجماع و المتيقن منه هو غير المأكول الذي كان له دم سائل و لهذا ما لا يكون له دم سائل تكون فضلته محكومة بالطهارة «و ان اشكل في بول ما له لحم منه لشمول ما دل على نجاسة بول غير المأكول له و لهذا لو شك في حيوان ان له دما سائلا أو لا سواء كان بريّا كالحية او بحريا كالتمساح يحكم بطهارة فضلته لأصالة الطهارة.

[الثالث: المنيّ من كل حيوان له دم سائل]
اشارة

قوله رحمه اللّه

الثالث: المنيّ من كل حيوان له دم سائل، حراما كان او حلالا بريّا او بحريا و امّا المذي و الوذى و الودى فطاهر من كل حيوان الّا نجس العين و كذا رطوبات الفرج و الدبر ما عدا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 43

البول و الغائط.

(1)

اقول: نذكر أوّلا بعض الروايات المربوطة بالمقام و هذه الروايات بعضها ورد في مني الانسان مثل ما رواه الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال اذا احتلم الرجل فاصاب ثويه مني فليغسل الذي اصابه فان ظن انه اصابه منه و لم يستقن و لم ير مكانه فلينضحه بالماء و اذا ان استيقن انه قد اصابه مني و لم يدر مكانه فليغسل ثوبة كله فانه احسن».

«1»

و بعضها وردت في المني غير مذكور فيها انه من الانسان او غيره و بعبارة اخرى مطلق من هذا الحيث مثل ما رواه محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام «قال سألته عن المذى يصيب الثوب فقال ينضحه بالماء ان شاء و قال في المني يصيب الثوب فقال ان عرفت مكانه فاغسله و ان خفي عليك فاغسله كلّه» «2» و غيره من الاخبار راجع الباب اذا عرفت ذلك نقول بان الكلام في الموردين:

المورد الاول: في نجاسة المني من الانسان

فلا اشكال في نجاسته فتوى و نصا اما فتوى فيظهر للمراجع بالفتاوى.

و امّا نصّا فلان الروايات الواردة في المسألة كما بيّنا بعضها اما مطلق فقدر المتقين منها هو مني الانسان ان لم نقل بان المنصرف من هذه المطلقات أيضا يكون مني الانسان و اما نصّ في خصوص مني الانسان فلا يبقى اشكال في نجاسة مني الانسان.

المورد الثاني: يقع الكلام في نجاسة مني غير الانسان

فنقول اما بحسب

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 16 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 16 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 44

الفتوى فقد ادعي الاجماع على نجاسة مني غير الانسان بل ربما يكون من المسلمات.

و امّا بحسب الروايات فلم اجد فيها ما يكون نصا في نجاسة مني غير الانسان.

نعم يمكن دعوى شمول الروايات التي فيها المني بان المني مطلق فيشمل مني غير الانسان مثل مني الانسان او سئل في الرواية عن المني عن المعصوم عليه السّلام و جوابه مطلق لعدم استفصاله بين مني الانسان و غيره.

و لكن قد يشكل في دعوى اطلاق الروايات من باب انصرافها الى خصوص مني الانسان لبعد اصابة الثوب لمني غير الانسان.

و بعد دعوى الانصراف للاخيار بخصوص مني الانسان لا يبقي وجه لنجاسة مني غير الانسان، الّا الاجماع.

و به يقيّد بعض ما يدل على طهارة ما يخرج من مأكول اللحم من الحيوان او على عدم وجوب غسله.

و اما المذي فطاهر من كل حيوان الّا نجس العين لان مقتضى الجمع بين ما يدل من الاخبار الواردة فيه على الامر بغسل ما يلاقيه مثل ما روي ابو العلاء قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المذي يصيب الثوب قال ان عرفت مكانه فاغسله و ان

خفي عليك مكانه فاغسل الثوب كله». «1»

و بين ما يدلّ على عدم الباس به مثل ما روي ابو بصير «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن المذي يصيب الثوب قال ليس به بأس» «2» لان مقتضى الجمع العرفي هو حمل ما فيه الامر بالغسل على الاستحباب لان ما دل على عدم الباس به نص في الجواز و ما دل على الامر بالغسل ظاهر في الوجوب فيحمل الظاهر على

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 17 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 17 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 45

الاستحباب بقرينة ما هو نص في الجواز.

و اما الوذي و الودي فحيث انه لم يرد نص على نجاستهما فيكفي للحكم على الطهارة مع الشك اصالة الطهارة.

مضافا الى دلالة رواية زرارة بعمومها و هي الرواية التي نذكرها بعد ذلك عند التكلم في بلل الفرج و الدبر الّا ما استثنى.

و اما بلل الفرج و الدبر غير البول مع الشك في الطهارة و النجاسة.

مضافا الى دلالة رواية ابراهيم بن ابى محمود «قال سألت أبا الحسن الرضا عليه السّلام عن المرأة و ليها قميصها او ازارها يصيبه من بلل الفرج و هي جنب أ تصلّي فيه قال اذا اغتسلت صلّت فيهما «1»» في خصوص بلل الفرج المستفاد منها طهارته.

ما تدلّ على طهارة ما يخرج من السبيلين و هي ما رواها زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال أن سال من ذكرك شي ء من مذى او ودى و انت في الصلاة فلا تغسله و لا تقطع له الصلاة و لا تنقض له الوضوء و ان بلغ عقبيك فانّما ذلك بمنزلة النخامة

و كل شي ء خرج منك بعد الوضوء فانه من الحبائل او من البواسير و ليس بشي ء فلا تغسله من ثوبك الّا ان تقذره» «2».

و هذه الرواية كما تدل على طهارة الوذي بالخصوص تدل على طهارة كلما يخرج من السبيلين غاية الامر لا بدّ من تخصيصها بما دل على نجاسة البول و الغائط و المني و قد بيّنا ما يدلّ على نجاستها عند التعرض لنجاسة البول و الغائط و المني.

و اما وجه نجاسة المذي و الودي و الودي و كل ما يخرج من نجس العين هو كل ما دل على نجاسة الشامل لكل ما يخرج منه.

***

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 55 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 12 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 46

[الرابع: الميتة من كل ما له دم سائل]
اشارة

قوله رحمه اللّه

الرابع: الميتة من كل ما له دم سائل حلالا كان او حراما و كذا اجزائها المبانة منها و ان كانت صغارا عدا ما لا تحلّه الحياة منها كالصوف و الشعر و الوبر و العظم و القرن و المنقار و الظفر و المخلب و الريش و الظلف و السن و البيضة اذا اكتسب القشر الاعلى سواء كانت من الحيوان الحلال او الحرام و سواء اخذ ذلك بجزّ او نتف او غيرهما نعم يجب غسل المنتوف من رطوبات الميتة و يلحق بالمذكورات الا نفحة و كذلك اللّبن في الضرع و لا ينجس بملاقات الفرع النجس و لكن الاحوط في اللبن الاجتناب خصوصا اذا كان من غير مأكول اللحم و لا بدّ من غسل ظاهر الانفحة الملاقى للميتة هذا في ميتة غير نجس العين و اما فيها فلا يستثنى شي ء.

(1)

اقول: يقع

الكلام في جهات:

الجهة الاولى: لا اشكال في نجاسة الميتة في الجملة

نصا و فتوى.

اما من حيث الفتوى فيظهر ذلك للمراجع بكلمات الفقهاء رضوان اللّه تعالى عليهم ان عليه الاجماع بل من المسلمات عندهم نجاسة الميتة من كل حيوان يكون له دم سائل.

و اما من حيث النص فلمّا ورد في الاخبار في الموارد المختلفة مثل ما ورد في وقوع الميتة في ماء البئر فان المستفاد منه نجاستها و ان لم نقل بنجاسة ماء البئر بملاقات النجس كما هو الحق المختار لان مقتضى الجمع بين ما دلّ على وجوب النزح للمقدرات الدالة على نجاسة ما يجب له النزح و بين ما دل على عدم انفعال ماء البئر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 47

بملاقات النجس مثل رواية ابن بزيع «1» هو عدم تاثير النجاسة في ماء البئر و عدم فساده بملاقاتها لا عدم نجاستها.

فعلى هذا نقول بعد ما نرى مفروغية نجاسة بعض ما وجب له نزح ماء البئر عند السائل و المسئول عنه مثل ما اذا وقع فيه البول او الدم نفهم عدم اشكال في نجاسة هذه الاشياء غاية الامر ماء البئر لا يفسد بهذه الاشياء الّا بالتغيير لان له مادة كما في رواية إسماعيل بن بزيع. و دلالة بعض الروايات على نزح المقدرات من ماء البئر بملاقات الميتة من الانسان او غير الانسان شاهد على نجاسة الميتة و ان لم نقل بوجوب النزح جمعا بين هذه الطائفة من الاخبار و بين ما دل من الاخبار المعارضة لهذه الطائفة لما قلنا من ان وضع السؤال و الجواب في الروايات شاهد على كون نجاسة الميتة عند السائل و المعصوم عليه السّلام امرا مفروغا عنها فهذه الطائفة من الاخبار تدل على نجاسة الميتة من

باب ما قلنا من مفروغية نجاسة الميتة في لسان الروايات فلا تحتاج الى اثبات نجاسة الميتة من هذه الاخبار من دعوى ان المستفاد من هذه الاخبار وجوب النزح و وجوب النزح ملازم مع النجاسة، حتى يشكل به بانه بعد الجمع بين الطائفة من الاخبار الدالة على وجوب نزح الماء بالمقدرات و بين الطائفة الدالة على عدم نجاسة ماء البئر بملاقات النجاسة بحمل ما امر بالنزح على استحباب فلا يبقى دليل على نجاسة الميتة لانه كما قيل نجاستها لازم لملزوم و هو ما دل على وجوب النزح فاذا ذهب الملزوم بمقتضى الجمع بين الطائفتين من الاخبار لا يبقى اللازم.

و ما قلنا في وجه الاستدلال باخبار الواردة في نزح المقدرات من ماء البئر لوقوع بعض الاشياء فيه سليم عن الاشكال.

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 14 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 48

و مثل ما ورد في الفارة و غيرها اذا ماتت في الزيت او السمن او نحو هما و كان مائعا حرم اكله و يجوز الاستصباح به و ان كان جامدا اخذت ما حولها و حلّ الباقي «1».

و مثل ما ورد «2» من اختيار ثوب للصلاة لم تصبه جلود الحمر الميتة و ليس وجهه الّا نجاسة الميتة و غير ذلك مما يستفاد منه نجاسة الميتة.

و يدل على نجاسة الميتة بالعموم ما روي جابر عن ابي جعفر عليه السّلام «قال اتاه رجل فقال وقعت فأرة في خابية فيها سمن أو زيت فما ترى في اكله قال فقال ابو جعفر عليه السّلام لا تاكله فقال له الرجل الفارة أهون عليّ من أن أترك طعامي من اجلها قال فقال ابو جعفر عليه

السّلام انّك لم تستخف بالفارة و انّما استخففت بدينك انّ اللّه حرّم الميتة من كل شي ء «3»» يدلّ الرواية على نجاسة الميتة بالعموم.

فتلخص مما مرّ انّ نجاسة الميتة في الجملة مما لا اشكال فيه حتى ميتة الانسان مضافا الى دلالة بعض الاخبار على نجاسة ميتة الانسان بعد بردها و قبل الغسل راجع الباب 34 من ابواب النجاسات من الوسائل نذكر رواية تبركا و هى ما رواها ابراهيم بن ميمون «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يقع ثوبه على جسد الميّت قال ان كان غسل الميّت فلا تغسل ما اصاب ثوبك منه و ان كان لم يغسل فاغسل ما اصاب ثوبك منه يعني اذا برد الميت». «4»

الجهة الثانية: ينحصر الحكم بنجاسة الميتة بكل حيوان له دم سائل

لا في

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 42 من ابواب الأطعمة المحرمة من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 34 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 5 من ابواب الماء المضاف و المستعمل من الوسائل.

(4) الرواية 1 من الباب 34 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 49

غيره نصّا و فتوى.

اما نصا فلدلالة بعض الروايات عليه مثل ما روي عمّار الساباطي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال سئل عن الخنفساء و الذباب و الجراد و النملة و ما اشبه ذلك يموت في البئر و الزيت و السمن و شبهه قال كل ما ليس له دم فلا بأس «1» و غيرها مما يدل على ذلك.

و اما فتوى فلتطابق الفتوى عليه يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه في المسألة 3.

الجهة الثالثة: لا فرق في نجاسة الميتة بين كونها حلال اللحم او حرامه

لان المستفاد من رواية جابر المتقدم ذكرها عموم الحكم لكل حيوان سواء كان حلال اللحم او حرام اللحم.

مضافا الى استفادة ذلك من بعض آخر من الروايات المذكورة في ابواب مختلفة.

الجهة الرابعة: و في حكم الميتة اجزائها المبانة منها

و ان كانت صغارا عدا ما لا تحلة الحياة و ادعي عدم الخلاف فيه.

اما نجاسة اجزائها المبانة منها و ان كانت صغارا فانها من الميتة فاذا كانت الميتة نجسة تكون راسها و يديها و رجليها و جميع اجزائها نجسة و لا نحتاج في الحكم بنجاسة اجزائها الى دليل آخر.

و امّا عدم نجاسة ما لا تحله الحياة من اجزائها كالمذكورات في كلام المؤلف فقد ذكر بعضها في بعض الروايات مثل الصوف و الشعر و الريش و غيرها فالمستفاد من هذه الطائفة من الاخبار عدم نجاسة هذه الاشياء التي لا تحله الحياة

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 35 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 50

راجع الباب 68 من ابواب النجاسات من الوسائل.

و اما فيما لم يصرّح بخصوصه في الروايات فيكفي في الحكم بطهارته ما رواه الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال لا بأس بالصلاة فيما كان من صوف الميتة ان الصوف ليس فيه روح» «1» لان المستفاد منها انّ وجه عدم نجاسة صوف الميتة عدم الروح فكل ما لم يكن مما تحله الحياة يكون محكوما بحكم الصوف.

فلهذا لا يكون المنقار من ميتة الحيوان نجسا لعدم الروح له مضافا الى امكان دعوى ان المناط في عدم نجاسة الصوف و بعض الآخر المذكور في الروايات هو عدم حلول الحياة فيه و هذا المناط موجود في غير ما ورد التصريح به في الروايات فلو لم يكن التعليل المذكور في رواية الحلبي

المتقدمة ذكرها يكون المجال لتنقيح المناط بطهارة غير المذكور مما لا تحله الحياة كالمنقار لعدم نجاسته من الميتة ثم ان طهارة البيضة كما قال المؤلف رحمه اللّه مشروطة بصورة اكتست قشرها الاعلى و منشأ اعتبار ذلك هو ما رد في الرواية التي رواها غياث ابن ابراهيم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في بيضة خرجت من أست دجاجة ميتة قال ان كانت اكتست البيضة الجلد الغليظ فلا بأس بها. «2» فعلى هذا يقال بانه و ان كان مقتضي بعض الروايات طهارتها مطلقا لكن لا بد من تقييده بهذه الرواية بمقتضى ما هو القاعدة من حمل المطلق على المقيّد ثم انه قيل بان ضعف سند الرواية منجبر بعمل الاصحاب بها و على كل حال تكون رواية الغياث موافق الاحتياط و هل يكون فرق في طهارة البيضة من الميتة بين ميتة الماكول اللحم من الحيوان و بين غير الماكول فتكون طاهرة في الاوّل و نجسة في الثاني، أو لا فرق بين القسمين في الطهارة حكى التفصيل عن العلامة رحمه اللّه.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 68 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 6 من الباب 33 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 51

وجه الاختصاص بالاول دعوى انصراف الاخبار بالمورد الاول و هو بيضه الميتة من الماكول لحمه.

او ان مورد بعض اخبار الباب هو خصوص بيضة الميتة من المأكول بقرينة التعبير فيه بجواز اكلها و هو لا يناسب الّا مع كون البيضة من الميتة الماكول اللحم مثل ما روي الحسين بن زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال الشعر و الصوف و الريش و كل نابت لا يكون ميّتا قال

و سالته عن البيضة تخرج من بطن الدجاجة الميتة قال لا بأس باكلها». «1»

و فيه ان الانصراف ممنوع.

و اما الرواية فغاية ما يستفاد منها كون المورد منها هو البيضة من الماكول و لا مفهوم لها فمع كون لسان بعض اخبار الباب مطلقا لا بد من الاخذ بإطلاقه فلا وجه للاختصاص بالبيضة الميتة من الماكول في الحكم بالطهارة.

و هل يكون فرق في استثناء ما لا تحله الحياة من اجزاء الميتة بين ما اخذ يجزّ او نتف او نحو آخر او لا فرق في ذلك كله.

الحق عدم الفرق لاطلاق الادلة.

و لا وجه لاختصاص حكم الطهارة بصورة الجزّ لا النتف و القطع الّا توهم كون المتعارف الاخذ بنحو الجزّ فلا بدّ من حمل المطلقات على المتعارف و لما رواه الفتح بن يزيد الجرجاني عن ابي الحسين عليه السّلام «قال كتبت إليه عليه السلام اسأله عن جلود الميتة التي يؤكل لحمها ذكيا فكتب عليه السّلام لا ينتفع من الميتة بإهاب و لا عصب و كلما كان من السخال الصوف ان جزّ، و الشعر، و الوبر و الانفحة و القرن و لا يتعدّي

______________________________

(1) الرواية 12 من الباب 33 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 52

الى غيرها إن شاء اللّه» «1» بدعوى دلالتها على استثناء الصوف من السخال اذا جزّ، و مفهوم كلامه عليه السّلام يدلّ على عدم الطهارة في صورة لا يكون الانفصال بالجزّ.

و فيه أولا ان كون المتعارف اخذ الصوف او الشعر او غيرهما بنحو الجز غير معلوم.

و ثانيا بعد ورود التصريح في بعض الروايات بان وجه عدم نجاسة ما لا تحله الحياة من اجزاء الحيوان هو عدم الروح فيه

فلا دخل في كيفية اخذه من الحيوان في طهارته و اما رواية الفتح بن يزيد فلو تأمّلت في صدرها و ذيلها ترى انها ليست الّا فى مقام بيان ان طهارة هذه الاشياء و عدم الباس بها في صورة الانفصال عن الميتة لانه بعد ما قال في الصدر لا ينتفع من الميتة بإهاب و لا عصب قال لا بأس بهذه الاشياء فيما كان منفصلا منها و الّا فلو اخذ مما توهم من المفهوم كان اللازم انحصار الحكم بخصوص ما ينفصل بالجزّ من السخال فقط لا غير هذه الصورة و لا غير المذكورات و الحال انه لا يمكن الالتزام بانحصار عدم الباس بهذه الاشياء في خصوص السخال و عدم جريان الحكم في العظم و القرن و غيرهما مما لم يذكر في الرواية و يجب غسل المنتوف من رطوبات الميتة لتنجسه بملاقات الميتة.

الجهة الخامسة: و يلحق بالمذكورات الانفحة

و فيها كلام من حيث حكمها و كلام من حيث موضوعها اما الكلام في حكمها فنقول لا اشكال في طهارة الانفحة من الميتة نصا و فتوى اما فتوى فلدعوى الاجماع عن بعض و لا خلاف عن بعض آخر من فقهائنا رحمهم اللّه و اما النص فروايات:

الرواية الاولى: ما رواها الفتح بن يزيد و هي الرواية التى ذكرناها في

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 32 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 53

الجهة الرابعة. «1»

الرواية الثانية: ما رواها ابو حمزة الثمالي عن ابي جعفر عليه السّلام «في حديث ان قتادة قال له اخبرني عن الجبن فقال لا بأس به فقال انه ربما جعل فيه انفحة الميتة فقال ليس به بأس انّ الانفحة ليس لها عروق و لا فيها دم

و لا لها عظم انما تخرج من بين فرث و دم و إنّما الا نفحة بمنزلة دجاجة ميتة اخرجت منها بيضة فهل تأكل تلك البيضة قال قتادة لا و لا آمر باكلها قال ابو جعفر عليه السّلام و لم قال لانها من الميتة قال فان حضنت تلك البيضة فخرجت منها دجاجة أ تأكلها فقال نعم قال فما حرم عليك البيضة و احل لك الدجاجة قال فكذلك الا نفحة مثل البيضة فاشتر الجبن من اسواق المسلمين من ايدي المصلّين و لا تسأل عنه الّا ان يأتيك من يخبرك عنه». «2»

الرواية الثالثة: ما رواها على بن رئاب عن زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال سألته عن الانفحة تخرج عن الجدي الميتة قال لا بأس به قلت اللبن يكون في ضرع الشاة و قد ماتت قال لا بأس به قلت و الصوف و الشعر و عظام الفيل و الجلد و البيض يخرج من الدجاجة فقال كل هذا لا بأس به و روا الصدوق باسناده عن ابن محبوب مثله الّا انه اسقط لفظ الجلد و هو الصواب و قال في آخره كل هذا ذكي لا بأس به» «3».

و غيرها من الروايات فلا اشكال في طهارة الا نفحة و اما موضوعها فهل هى عبارة عن اللبن المستحيل في جوف السّخلة واقع في وعاء او هي كرش الحمل لكنه ما دام يكون الجدي غير متغذ الّا باللبن يقال بهذا الوعاء الا نفحة و اذا تغذي

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 33 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 33 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

(3) الرواية 10 من الباب 33 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة

العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 54

من غير اللبن يقال بهذا الوعاء الكرش، فعلي الاوّل تكون الانفحة عبارة عن المظروف و هو ما في هذا الوعاء، و على الثاني تكون عبارة عن الظرف و منشأ الاختلاف اختلاف كلمات اهل اللغة فبعضهم قال بانّها الاولى و بعضهم قال بانها الثاني فلا ندري ما هو موضوع الا نفحة في اللغة.

اذا عرفت ذلك نقول بانه ان كانت الا نفحة عبارة عن المظروف اعني اللبن المستحيل فلا اشكال في طهارتها و ان كانت عبارة عن كرش الجدي قبل تغذّيه بغير اللبن، و بعبارة اخرى تكون الظرف و الوعاء لا المظروف فلا يبقى مجال للاشكال في طهارة المظروف أيضا اما من باب انه و ان كان ما استثنى من نجاسة الميتة على هذا التقدير هو الظرف لا المظروف و لكن المظروف طاهر أيضا لان طهارة الظرف تكون باعتبار الظرفية له لانه الذي ينتفع به و يحلّ في اللبن و يصير جبنا، و اما من باب انها شي ء خارج عن الميتة كالبيضة كما صرّح بذلك في الرواية الاولى من الروايات المتقدمة فلا يشملها دليل نجاسة الميتة، و اما لانها و ان كانت جزء الميتة لكن تكون مما ليس فيه الروح فيشمله التعليل الوارد في رواية الحلبي المتقدمة ذكرها عند تعرّضنا لاستثناء ما لا تحله الحياة من نجاسة الميتة و هو ما قال ابو عبد اللّه عليه السّلام فى هذه الرواية «ان الصوف ليس فيه روح» فلا اشكال في طهارة ما في الوعاء سواء نقول بانه الانفحة او ما هو ظرف لهذا هو الانفحة و اما بناء على كون الانفحة هو المظروف او شككنا في انها الظرف او المظروف يكون

الحكم بطهارة الظرف و الوعاء مشكل لان مقتضى الادلة الاولية نجاسة الميتة باجزائها و هذا جزء منها و لا دليل لنا يخرج هذا الوعاء عن عموم نجاسة الميتة لانه من الميتة و فيه الروح، و لا وجه للتمسك بالأصل على طهارة الوعاء لان مع عموم الدليل الدال على نجاسة الميتة لا تصل النوبة بالاصل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 55

فعلى هذا نقول ان كان المراد من الانفحة هو الظرف او المظروف مع الظرف فلا اشكال في طهارة الظرف.

و اما ان كانت الانفحة المظروف او شككنا في انها الظرف او المظروف فالظرف محكوم بالنجاسة ثم انه يمكن ان يقال بان الرواية الثانية اعنى ما رواها ابو حمزة الثمالى «1» تدلّ على ان الانفحة هي المظروف لان قوله عليه السّلام فيها «لان الانفحة ليس لها عرق و لا فيها دم و لا لها عظم انما تخرج من بين فرث و دم» يدلّ على ذلك.

ثم انه لا اشكال في طهارة المظروف ذاتا و عرضا بناء على كونه مائعا ذاتا و عرضا و بناء على كون الانفحة هي المظروف.

كما انه لا اشكال في طهارة المظروف ذاتا و عرضا بناء على كونها نفس الظرف لانه ان كانت هي المظروف فمن الحكم بطهارتها حكما فعليا مع فرض ملاقاتها مع بعض اجزاء الميتة نفهم عدم تنجسه بملاقات النجاسة أيضا فهو طاهر ذاتا لدلالة الدليل على طهارته و طاهر عرضا أيضا لانه لو صار نجسا بملاقات الظرف الذي يكون على فرض كون الانفحة المظروف الظرف من اجزاء الميتة يكون الحكم بطهارته الذاتية لغوا لانه لا ينفك عن ملاقاته مع النجس و صونا عن اللغويّة يحكم بطهارته الذاتية و لا بدّ

ان يلتزم بطهارته العرضية و ان الشارع كما حكم بطهارته الذاتية حكم بطهارته العرضية نعم لو كان المظروف جامدا حال موت الحيوان فلا يحكم بطهارته عرضا صونا عن اللغويّة لطهارته الذاتية لانه يمكن ان يكون طاهرا ذاتا و لكن ينجس عرضا و لكن يغسل عن النجاسة العرضية لانه جامد و صار ظاهره نجسا بملاقاته لاجزاء الميتة و يطهر بالتّطهير.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 33 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 56

بخلاف ما اذا كان مائعا لانه لو صار نجسا بالعرض لم يقبل التطهير و لهذا يكشف من كونه طاهرا ذاتا انه طاهر عرضا فافهم هذا بالنسبة الى المظروف.

و اما طهارة الظرف ذاتا موقوف على كونه هو الانفحة و بناء على ذلك لا بدّ من غسل ظاهره الملاقي للاجزاء الميتة مع الرطوبة لانه و ان كان طاهرا، بناء على كونه هو الانفحة لكن يصير نجسا عرضا و يطهر بالتطهير هذا بناء على كون الانفحة هو الظرف و اما بناء على كون الانفحة عبارة عن المظروف فقد يستشكل في طهارة الظرف طهارة ذاتية لانه من اجزاء الميتة و قد تحلّه الحياة و بناء على عدم كونه هو الانفحة فلم يستثن عن عموم نجاسة الميتة و لكن مع ذلك نقول بان الحق هو طهارته ذاتا أيضا و ان وجب غسل ظاهره للنجاسة العرضية لانه بعد ما فرض كون الانفحة هي المائع الواقع فى هذا الوعاء و هذا الظرف يجعل في اللبن لان يصير جنبا و طريق وضع الانفحة في اللبن يكون بجعل المظروف مع الظرف في اللبن لاتخاذ الجبن منه و بعبارة اخرى تكون طريقة الاستفادة من هذا الجزء من

الحيوان لاتخاذ الجبن المسمى بالانفحة و ان كان ما هو الانفحة هو ما في داخل هذا الجزء اعني المظروف لا الظرف عند العرف هو الاتخاذ من مجموع الظرف و المظروف فمع هذه الخارجية العرفية لو حكم الشارع بطهارة المظروف فلا يكون الحكم بطهارته منفكا عن الحكم بطهارة الظرف مع فرض الخارجية المعهودة عند العرف فعلى هذا يقال بانه مع كون الانفحة نفس المظروف يكون الظرف طاهرا بالطهارة الذاتية كالمظروف و ان كان يجب غسل ظاهره اذا كان من الميتة لملاقاته مع بعض من الاجزاء الميتة مع الرطوبة.

الجهة السادسة: اختلف في طهارة اللبن في ضرع الميتة و نجاسته.

اعلم ان المسألة و ان كان ذات قولين الّا ان الحق طهارته لدلالة بعض

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 57

الاخبار عليه.

منها الرواية الثالثة التي ذكرناها في الجهة الخامسة عند التعرض لطهارة انفحة الميتة و هي ما رواها زرارة «1» و فيها قال عليه السّلام «لا بأس به» بعد سؤال السائل عن اللبن في ضرع الميتة.

و منها مرسلة الصدوق. «2»

و منها ما رواها في الخصال و قد اشار إليها في الوسائل في ذيل مرسلة الصدوق رحمه اللّه.

و منها ما رواها الحسين بن زرارة قال «كنت عند ابى عبد اللّه عليه السّلام و ابى يسأله عن اللبن من الميتة و البيضة من الميتة و انفحة الميتة فقال كلّ هذا ذكىّ قال و زاد فيه على بن عقبة و على بن الحسن بن رباط قال و الشعر و الصوف كله ذكىّ» «3» مضافا الى ان اللبن و ان كان من اجزاء الميتة الّا انه من اجزائها الّتي لا تحله الحياة مع انه لا يعدّ جزء منها كالبيضة.

و اما وجه نجاسته كما اختارها جمع من الفقهاء رحمهم اللّه

ما روي وهب عن جعفر عن ابيه «انّ عليّا عليه السّلام سئل عن شاة ماتت فحلب منها لبن فقال عليّ عليه السّلام ذلك الحرام محضا» «4» و فيه ان الرواية ضعيفة السند بوهب حتى قيل في حقه انه من اكذب البرية.

و ما قيل بان الالتزام بطهارة لبن الميتة يوجب التصرف في قاعدة تنجّس

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 32 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

(2) الرواية 9 من الباب 33 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

(3) الرواية 2 و 3 من الباب 68 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(4) الرواية 11 من الباب 33 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 58

الاشياء بملاقات النجاسة و فيه انه لا اشكال في ذلك كما قد خصص هذا العموم في غسالة ماء الاستنجاء بل في مطلق الغسالة على قول فالاصل هو طهارته.

و هل يكون فرق فى طهارته بين ان يكون اللبن في ضرع ميتة مأكول اللحم من الحيوان و بين ان يكون في ضرع غير مأكول اللحم او لا فرق بينهما فكما يكون طاهرا في المأكول كذلك يكون طاهرا اذا كان في غير الماكول لو كان دليل الطهارة منحصرا بما يكون مورد السؤال و الجواب هو لبن الشاة يمكن ان يدعي الانحصار بصورة كون اللبن في ضرع ميتة مأكول اللحم و لكن بعد كون لسان بعض الروايات مطلقا يشمل كل لبن سواء كان في ضرع ميتة مأكول اللحم او في غير الماكول و لا وجه لانحصار طهارة اللبن بما كان في ضرع ميتة مأكول اللحم خصوصا مع عدم الفرق فيما لا تحلة الحياة من الميتة بين مأكول اللحم و غير مأكول اللحم

من الحيوان نعم الاحتياط بالاجتناب في غير المأكول حسن.

الجهة السابعة: ما ذكرنا من استثناء ما لا تحلة الحياة و الانفحة و البيضة

و اللبن من نجاسة الميتة مختص بغير نجس العين من الحيوانات.

و اما في نجس العين من الحيوانات كالكلب و الخنزير منها فهو نجس بجميع اجزائه حتى جميع ما استثنى من نجاسة الميتة لان الظاهر من الادلة الدالة على طهارة ما لا تحلة الحياة من الميتة ينظر الى عموم ما دل على نجاسة الميتة و ان ما لا تحلّة الحياة او غيره مما استثنى من جهة كونه من الميتة خارج عن حكم نجاسة الميتة و الاستثناء يكون من نجاسة الميتة لا عن النجاسة الذاتية الثابتة لبعض الحيوانات.

ان قلت ان الادلة تدل على طهارة ما لا تحلّه الحياة من الميتة، ففي ميتة نجس العين من الحيوان يقال انّها ميتة فما لا تحلّه الحياة من ميتته طاهر لعموم ما دل على طهارة ما لا تحله الحياة من الميتة لشمول عموم ما دل على طهارة ما لا تحله الحياة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 59

من الميتة، له غاية الامر ما دل على نجاسة نجس العين بجميع اجزائه يشمل حال حياته و حال موته بالإطلاق، فنقول بان النسبة بين العمومين اعني عموم ما دل على طهارة ما لا تحله الحياة من الميتة مع عموم ما دل على نجاسة نجس العين عموما من وجه، لان مقتضي العموم الاول طهارة ما لا تحله الحياة من ميتة الحيوان سواء كان الحيوان طاهر العين او نجس العين و مقتضي العموم الثاني هو نجاسة اجزاء نجس العين سواء كانت مما تحله الحياة او مما لا تحله الحياة، فالدليل الدال على طهارة ما لا تحله الحياة من الميتة عام من جهة لشموله لكل

ما لا تحله الحياة بعمومه سواء كان من ميتة نجس العين او غيره و الثانى عام من جهة و هو من حيث شمول عمومه لنجاسة اجزاء نجس العين سواء كان مما تحله الحياة او لا تحله الحياة حال حياته و مماته فيقع التعارض بينهما في ما لا تحله الحياة من ميتة نجس العين لان مقتضى عموم العام الاوّل طهارته و مقتضى عموم العام الثاني نجاسته فلم تقول بتقديم العام الثاني.

قلت أوّلا كما قلنا ان الظاهر من الدليل الدال على طهارة ما لا تحله الحياة من الميتة كونه ناظرا الى عموم نجاسة الميتة و بعبارة اخرى يكون عموم ما دل على طهارة ما لا تحله الحياة استثناء عن عموم نجاسة الميتة بعنوان كونها ميتة و هذا غير مناف مع نجاسة ما لا تحله الحياة من حيث آخر و هو كونه من اجزاء نجس العين.

و ثانيا على فرض التسليم لما قلت من تعارض الدليلين نقول بان مقتضى القاعدة فيما كانت النسبة بين الدليلين المتعارضين عموما من وجه و كان احد الدليلين اظهر في مادة الاجتماع لا بدّ من الاخذ بالاظهر و في المقام اظهر الدليلين هو الثاني اعني عموم ما دل على نجاسة نجس العين.

و ثالثا لو فرض عدم اظهرية احدهما على الآخر و تعارض الدليلين و

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 60

تساقطهما لا بدّ من الرجوع الى الاصل و في المقام يجري استصحاب النجاسة لان ما لا تحله الحياة من نجس العين كان نجسا حال حياته و بعد موته نشك في طهارته و نجاسته فببركة استصحاب نجاسته حال الحياة يحكم بنجاسة ما لا تحله الحياة من ميتة نجس العين بعد الحياة أيضا

فتلخص مما ذكر ان نجس العين يكون ما لا تحله الحياة من اجزائه نجسا حال حياته و حال موته.

***

[مسأله 1: الاجزاء المبانة من الحىّ مما تحلّه الحياة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسأله 1: الاجزاء المبانة من الحىّ مما تحلّه الحياة كالمبانة من الميتة الّا الاجزاء الصغار كالثالول و الثبور و كالجلدة الّتي تنفصل من الشفة او من بدن الاجرب عند الحك و نحو ذلك.

(1)

اقول: يظهر من المؤلف رحمه اللّه انه جعل الكلام أولا في الاجزاء المبانة من الحىّ مما تحله الحياة ثم في الاجزاء الصغار المبانة من الحي ثانيا فقال في الاولى بانها كاجزاء المبانة من الميتة و الثانية ليست بحكمها.

فينبغى عطف عنان الكلام في الموردين الموارد الاوّل في الاجزاء المبانة من الحي غير الصغار كاليد و الرجل من الحيوان المبان من الحي يستدل على كونها بحكم الاجزاء المبانة من الميت بوجوه:

الوجه الاوّل: دعوى الاجماع عليه

بل ادعي بعض عدم الخلاف فيه و هذا الوجه هو العمدة عند بعضهم.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 61

الوجه الثاني: ما عن التذكرة من ان الجزء المبان من الحي مما تحله الحياة يكون ميّتا

و الميتة نجس و فيه مضافا الى عدم صدق الميتة على الجزء المقطوع و المبان من الحي عرفا ان موارد الروايات كلها الحيوان الذي مات فلا وجه للتعدي الى بعض الحيوان.

مع انه ان كان الوارد في لسان الاخبار الميتة فالمنسبق منها هو الميت لا لحمه او بعض اجزائه.

الوجه الثالث: دعوى شمول حكم نجاسة الميتة للجزء المبان من الحي

مما تحلّه الحياة بتنقيح المناط بان يقال ان المناط في نجاسة الميتة هو زهاق روحها و هذا المناط موجود في الجزء المبان من الحى مما تحله الحياة.

و يدل عليه قوله عليه السّلام في رواية الحلبي المتقدمة ذكرها «1» ان الصوف ليس فيه الروح»

و فيه ان اليقين بالمناط غير حاصل و الظن بهذا المناط ليس بحجة.

الوجه الرابع: بعض الروايات و هو على طوائف:
الطائفة الاولى: بعض الروايات الوارد في الجزء المقطوع من الصيد بالحبالة

مثل ما روي محمّد بن، قيس عن ابي جعفر عليه السّلام «قال قال امير المؤمنين عليه السّلام ما اخذت الحبالة من صيد فقطعت منه يدا او رجلا فذروه فانه ميت و كلوا مما ادركتم حيّا و ذكرتم اسم اللّه عليه» «2» و غيرها من الروايات راجع الباب المذكور فى هذا الباب.

اقول: و قد نزّل في الرواية المذكورة العضو المقطوع بالحبالة من الحي بمنزلة

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 68 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 24 من ابواب الصيد من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 62

الميتة و هذا التنزيل ان كان حكميا فالظاهر من كونه بمنزلة الميتة حكما و ان لم يكن ميتة حقيقة فكل حكم يكون للميتة يكون له و من جملة احكامها النجاسة.

و ما قال العلامة الهمداني رحمه اللّه «1» من ان الظاهر من تنزيله بمنزلة الميتة يكون في خصوص حرمة الاكل غير تمام و تعقب جواز الاكل بصورة التذكية و ذكر اسم اللّه عليه لا يوجب انحصار التنزيل بخصوص حرمة الاكل مع اطلاق التنزيل بقول عليه السّلام «فانه ميت».

و امّا ان كان التنزيل تنزيلا حقيقيّا فقال العلامة الهمداني رحمه اللّه «2» بانه بعد ما لا يثبت بهذه الرواية و غيرها الا ان العضو المقطوع من الحيوان بالحبالة ميّت حقيقة

فلا بد من اثبات النجاسة لجميع افراد الميتة حتى لهذا الفرد حتى يحكم عليه بالنجاسة و بعد الاستقراء في الموارد الجزئية الواردة في باب البئر و نحوه مثل ما ورد «3» في السمن و الزيت الذي مات فيه الفارة مثلا لا يمكن استفادة نجاسة هذا الفرد من الميتة لانّ موارد الاخبار غير هذا الفرد.

اقول: مورد بعض الروايات و ان كان الحيوان الميت كما افاده لكن مورد رواية جابر «4» المتقدمة ذكرها عن ابي جعفر عليه السّلام المصرّحة فيها «ان اللّه حرّم الميتة من كل شي ء) «5» و قد ذكرنا هذه الرواية في الجهة الثانية من الجهات المتعلقة بنجاسة الميتة فراجع الدالة على نجاسة كل ميتة هو العموم فيشمل عموم الرواية للمورد و هو يكفي لنا لان الاخبار المتقدم التي ذكرنا واحدة منها الواردة في الجزء المقطوع من الصيد بالحبالة جعلت المقطوع من الحيوان الحي بمنزلة الميت اما حقيقة و اما حكما و

______________________________

(1) مصباح الفقيه، ج 7، ص 70.

(2) مصباح الفقيه، ج 7، ص 70.

(3) الرواية 1 من الباب 5 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

(4) الرواية 2 من الباب 5 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

(5) الرواية 2 من الباب 5 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 63

رواية جابر المتقدمة تدل بعمومها على نجاسة كل فرد من الميتة و الجزء المقطوع من الحيوان الحي فرد منها كما عرفت فيكون نجسا لعموم نجاسة الميتة الشامل له فافهم.

الطائفة الثانية: بعض الروايات الوارد في أليات الغنم المقطوع منه.

منها ما روي الكاهلى «قال سئل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام و انا عنده عن قطع أليات الغنم فقال لا بأس بقطعها اذا كنت تصلح بها مالك ثم قال

ان في كتاب على عليه السّلام ان ما قطع منها ميت لا ينتفع به». «1»

و منها ما روى الحسن بن على «قال سألت أبا الحسن عليه السّلام فقلت جعلت فداك ان اهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها قال هي حرام قلت فنصطبح بها قال أ ما تعلم انه يصيب اليد و الثوب و هو حرام» «2».

و تدل هذه الطائفة من الروايات على الحكم لمّا مرّ في وجه دليليّة الطائفة الاولى من الاخبار فلا اشكال في نجاسة الاجزاء المبانة من الحي من الحيوان مما تحله الحياة.

الطائفة الثالثة: بعض الروايات الواردة في العضو المقطوع من الانسان

من انه ميّت مثل ما روي أيوب بن نوح عن بعض اصحابنا عن ابي عبد اللّه عليه السّلام قال اذا قطع من الرجل قطعة فهو ميّت فاذا مسّه انسان فكل ما كان فيه عظم فقد وجب على من مسّه الغسل فان لم يكن فيه عظم فلا غسل عليه «3» وجه وجوب غسله كون ما مسه من الجزء المقطوع ميت و مس ميّت الانسان موجب للغسل فتأمل.

بقي الكلام في المورد الثانى و هو الاجزاء الصغار المقطوع من الحىّ و المبان

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 30 من ابواب الذبائح من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 30 من ابواب الذبائح من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 2 من ابواب غسل المس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 64

منه مما تحلّه الحياة كالثالول و البثور و غيرهما اعلم ان الدليل الدال على نجاسة الاجزاء المبانة من الحي من الحيوان ان كان هو الاجماع فلا اشكال في عدم تحققه في الاجزاء الصغار بل الاجماع على ما ادعي بعض يكون على عدم نجاستها.

و ان كان المستند هو بعض الاخبار الوارد

فيما يصاد بالحبالة او في أليات الغنم او في الجزء المبان من الانسان فلا يشمل الاجزاء الصغار كالثالول و نظائره فاذا لم اجد دليلا على النجاسة لو شككنا فمقتضى اصالة الطهارة هو الطهارة.

مضافا الى امكان دعوى السيرة على عدم معاملة النجاسة معها نعم يمكن ان يقال بان المقدار المتيقن من السيرة طهارة الاجزاء الصغار اذا بانت بنفسها بخلاف ما اذا قطعت بالجزّ و النتف او غيرها و لعله الى هذا ينظر من فرّق من حيث الطهارة و النجاسة بين الصورتين.

و لكن نقول بانه و لو لم تشمل السيرة الصورة الثانية و لكن كفى للحكم بطهارتها في الصورة الثانية مجرد عدم الدليل لما قلنا من عدم شمول الدليل الدال على نجاسة الجزء المبان من الحيّ من الحيوان للاجزاء الصغار المبانة منه و اما ما رواه على بن جعفر انه سال اخاه موسى بن جعفر عليهما السّلام عن الرجل يكون به الثالول او الجرح هل يصلح له ان يقطع ثالوله و هو في صلاته او ينتف بعض لحمه من ذلك الجرح و يطرحه قال ان لم يتخوّف ان يسيل الدم فلا بأس و ان تخوّف ان يسيل الدم فلا يفعله «1» و ان استشكل في دلالته بان قطع الثالول آنا ما في الصّلاة لاستلزم حمله و لا مباشرته برطوبة في الصلاة و لهذا لا تدل على طهارة الثالول.

و لكن الانصاف ان مع عدم انفكاك القطع و نتف الثالول و اللحم غالبا عن الحمل و السراية نفهم من ترك استفصال الامام عليه السّلام اطلاق الحكم حتى في صورة

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 63 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 65

الحمل

و السراية.

ان قلت ان الامام عليه السّلام لم يكن في مقام اطلاق الحكم حتى في صورة الحمل و السراية.

قلت ان تفصيله بين ما يسيل الدّم و عدمه شاهد على كونه لاحظا لجميع الجهات في الرواية فتدلّ على طهارة الاجزاء الصّغار فتأمل.

***

[مسئلة 2: فأرة المسك المبانة من الحىّ طاهرة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: فأرة المسك المبانة من الحىّ طاهرة على الاقوى و ان كان الاحوط الاجتناب عنها نعم لا اشكال في طهارة ما فيها من المسك و اما المبانة من الميت ففيها اشكال و كذا في مسكها نعم اذا اخذت من يد المسلم يحكم بطهارتها و لو لم يعلم انها مبانة من الحي او الميّت.

(1)

اقول: اما موضوعها فحكى انها جلدة تكون وعاء المسك و المسك هو دم يجتمع حول سرة الظبى فاذا عرض للموضع حكة يسقط بسببها الدم مع هذه الجلدة و حكى العلامة الهمداني عن الشيخ الانصارى قدس سرهما انه قال بان لها اقساما أربعة «1».

و اما حكمها فاختلف الفقهاء قدس اللّه اسرارهم في حكمها على اقوال فبعضهم قال بالطهارة مطلقا سواء كانت منفصلة من الحي او الميت و بعضهم قال

______________________________

(1) مصباح الفقيه، ج 7، ص 75- 76.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 66

بنجاستها مطلقا سواء كانت منفصلة من الحي او الميت و بعضهم قال بالتفصيل بين انفصالها من الحي فتكون طاهرا و بين انفصالها عن الميت فتكون نجسا اذا عرفت الأقوال نقول.

اما ما يمكن ان يكون وجها للقول بالنجاسة هو دعوى الاجماع على النجاسة.

و فيه انه مع كون المسألة ذات اقوال ثلاثة كيف يصح دعوى تحقق الاجماع على واحدة من الاقوال.

اما ما يمكن ان يكون وجها لطهارة فارة المسك امور:
الامر الاول: انها تكون مما لا تحله الحياة

و فيه ان الجلدة تكون مما تحله الحياة.

الامر الثاني: عدم كونها جزء للظبى

نظير البيضة بالنسبة الى الدجاجة الميتة.

و فيه انها من اجزاء الظبى و ينفصل منه و ليس كالبيضة من الحيوان منفصلة عن الحيوان.

الامر الثالث: بعض الروايات،

منها ما روي على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليهم السّلام «قال سألته عن فارة المسك تكون مع من يصلّى و هى في جيبه او ثيابه فقال لا بأس بذلك» «1» و ترك استفصال الامام عليه السّلام من كونها من الحىّ او من الميّت و عن كونها من المذكى او غير المذكّى يدلّ على عموم الحكم لجميع الصور.

و لكن في الباب رواية اخرى و هي ما رواها عبد اللّه بن جعفر «قال كتبت إليه يعني أبا عبد اللّه عليه السّلام «أبا محمد» يجوز للرجل ان يصلى و معه فارة المسك فكتب

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 41 من ابواب لباس المصلى من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 67

لا بأس به اذا كان ذكيا» «1».

قد يقال بان هذه الرواية تدل على جواز الصّلاة و معه فارة المسك في صورة كونها من الظبي ذكيا و لا بدّ من تقييد اطلاق رواية على بن جعفر بهذه الرواية لان مقتضى الجمع العرفي بين الروايتين هو حمل المطلق على المقيد فتكون النتيجة الالتزام بطهارة فارة المسك فيما كانت من الظّبى المذكّى.

و احتمل بعض ارجاع الضمير في قوله عليه السّلام «كان» في ضمن قوله «اذا كان ذكيّا» الى المسك فيكون المراد من قوله لا بأس به اذا كان ذكيّا» انه لا بأس اذا كان المسك ذكيّا اي طاهرا و يكون المراد من طهارته الطهارة الذاتيّة لانه ان كان المراد من الطهارة العرضيّة كان الحري ان يقيّد بقيد المذكّى المسك و الفارة كليهما.

و فيه

ان المسك و ان كان له اقسام لكن ما يكون له وعاء يسمى بالفارة لم يكن على ما قالوا الّا قسما واحدا فعلى هذا كان المراد من الرواية المذكورة جواز الصلاة في الفارة ان كان مسكه ذكيّا اى طاهرا بالطهارة الذاتية فيستفاد من الرواية ان لهذا القسم قسمين قسم منه يكون ذكيا و طاهرا و قسم منه لا يكون طاهرا فلا يستفاد من الرواية طهارة الفارة مطلقا فعلى هذا الاحتمال لا بدّ من تقييد الصّحيحة، بالمكاتبة و تكون النّتيجة، طهارة الفارة فيما كان مسكها ذكيّا لا مطلقا و لا وجه لاحتمال كون المراد من الذّكىّ، الطّهارة العرضيّة للمسك، لانّه لو كان عليه السّلام في مقام بيان هذا الحيث اعني الطّهارة العرضيّة، كان المناسب أن يبيّن الطّهارة العرضيّة للفأرة أيضا و الظّاهر انّه في مقام بيان حكم نفس الفارة او المسك من حيث الطّهارة و النّجاسة ذاتا، لا عرضا، لانّها هي الّتي يسأل عنها أوّلا و بالذّات.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 41 من ابواب لباس المصلى من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 68

و احتمل كون الضّمير في الفعل «اي كان» راجعا الى ما معه بمعنى لا بأس اذا كان ما معه اي الفارة التي معه ذكيّا اي طاهرا بالطهارة الذاتية.

و فيه انه على هذا لا يمكن استفادة طهارتها المطلقة بعد ضم كل من الروايتين بالاخرى و حمل مطلقها على مقيّدها لانه على هذا تكون النتيجة في المكاتبة عدم الباس في صورة كون الفارة طاهرة و اما فيما تكون نجسة فلا يستفاد من الرواية وجود قسم نجس لها.

هذا كله بناء على حمل قوله «ذكيّا» في المكاتبة على الطهارة بالطهارة الذاتية و اما بناء

على حمله على الطهارة بالطهارة العرضية فيكون المراد من المكاتبة انه لا بأس بالصلاة في الفارة اذا كانت ما معه هي الفارة التي كانت ذكية اى طاهرة بالطهارة العرضية فيستفاد طهارة الفارة مطلقا من الحيّ و الميت و المذكي و غير المذكي بالطهارة الذاتية غاية الامر حيث انها ربما يلاقى الميتة فقال احترازا عن النجاسة العرضية بانه «لا بأس به اذا كان ذكيا».

و لكن الاشكال في ظهور الرواية في هذا الاحتمال بل الظاهر هو كون السؤال من حيث الطهارة و النجاسة الذّاتية للمسك او الفاره على الاحتمالين المذكورين. ثمّ انه على تقدير كون المراد من المكاتبة، الاحتمال الاوّل فمقتضى الجمع مع الصحيحة طهارة الفارة ان كان من الظّبى المذكّى و عدم طهارتها ان كان من غير المذكّى و على الاحتمال الثانىّ تكون صحة الصّلاة في الفأرة، ان كان مسكها طاهرا، و عدمها ان لم يكن طاهرا، فلهذا لا تكون المكاتبة معارضة مع اطلاق الصحيحة من حيث طهارة الفارة لأنّ المكاتبة قيّدت جواز الصّلاة بصورة كون المسك طاهرا و اما الفارة فلم تقيّد بشي ء على هذا الاحتمال.

و على الاحتمال الثالث تكون النتيجة بعد الجمع هو طهارة الفارة في صورة و

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 69

نجاستها في صورة لأنّ المكاتبة على هذا الاحتمال تدلّ على ان الصّلاة تجوز، ان كان ما معه من الفارة طاهرا بالطهارة الذّاتية فتدلّ على ان الفارة تكون لها قسما نجسا و قسما طاهرا، فيقيّد بها الصحيحة الظاهرة بانه لا بأس بها مطلقا.

و امّا على الاحتمال الثاني من الاحتمال الثالث و هو كون المراد من قوله عليه السّلام في المكاتبة اذا كان ذكيّا ما يعدّ من الفارة طاهرا

بالطهارة العرضية فتدل على طهارة الفارة مطلقا و تكون لسان المكاتبة غير معارض مع الصحيحة.

اذا عرفت الاحتمالات و آثارها، فالانصاف ان دعوى ظهور المكاتبة في احد الاحتمالات، مشكل و لهذا تكون مجملا و بعد اجمالها تبقى الصحيحة بلا معارض و لكن الاشكال يكون في ان عدم الباس فيها يكون من باب طهارة فارة المسك المحمولة في الصّلاة او من باب عدم مانعية المحمول النجس في الصّلاة فان كان الاوّل تدلّ الصحيحة على طهارة الفارة مطلقا و على الثاني فلا لامكان كون وجه عدم الباس، هو عدم الباس في المحمول المتنجس و لا يمكن استفادة طهارة الفارة مطلقا عن الصحيحة بعد وجود هذا الاحتمال.

الامر الرابع: من الامور المتمسك بها على طهارة فارة المسك

انها من جملة الاجزاء الصغار المستثناة من نجاسة الميتة.

و فيه ان هذا الوجه لو تمّ يصح ان يكون وجها لفارة المسك المنفصلة من الظبى الحي فيدعي انها جزء صغير كالثالول و الثبور و نحو هما و اما الفارة المنفصلة من الظبى الميت فليست كذلك لان كل جزء صغير كالثالول و الثبور و نحو هما من ميتة الحيوان مما تحله الحياة نجس و ان كان جزء صغيرا كما مرّ.

فتحصل مما مرّ انه لم نجد وجها يستفاد منه طهارة فارة المسك مطلقا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 70

اذا عرفت ذلك نقول ان الاقوى طهارة الفارة المنفصلة من الحي لانها جزء صغير مبان من الحيّ فحكمها حكم الاجزاء الصغار المبان من الحيّ من الحيوان في عدم النجاسة.

و لصحيحة على بن جعفر المتقدمة ذكرها بناء على عدم جواز حمل النجس في الصلاة.

و اما المبانة من الميت

فالاقوى نجاستها لعدم دليل على طهارتها فمع كونها من جملة اجزاء الميتة يحكم بنجاستها نعم ان قلنا بعدم جواز حمل النجس في الصّلاة تدل رواية على بن جعفر المتقدمة ذكرها بترك استفصال المعصوم عليه السّلام من نوع الفارة من كونها من الحيّ او الميّت على الطهارة لكل فردى الفارة الماخوذة من ظبى الحي او الميت.

لكن حيث يكون جواز حمل النجس و عدمه مورد الاشكال كما قال المؤلف رحمه اللّه نقول ان الاحوط الاجتناب عن فارة الظبي الميتة و اما فارة الظبي المذكي فلا اشكال في طهارتها لان المذكي طاهر باجزائه!

و اما لو شك في فارة انها من الحيّ او من الميّت

فهي محكوم بالطهارة و لا حاجة في هذا الحكم اعني الطهارة الى الاخذ من يد المسلم لان اصالة الطهارة تجري و ان اخذت من يد غير المسلم و ليس في البين اصل موضوعي كاصالة عدم التذكية حتى نحتاج في اثبات الطهارة الى يد المسلم و نحوها لان الشك يكون في انّها من الحي او الميّت و اما.

حكم نفس المسك من حيث الطهارة و النجاسة
اشارة

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 2، ص: 70

فاعلم ان له على ما حكي في التحفة و غيرها اقساما:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 71

القسم الاوّل: القسم المذكور و هو دم يجتمع في اطراف سرة الظبى

ثم يعرض للموضع حكة ليسقط بسببها الدم مع الجلدة و هذه الجلدة تسمي بالفارة.

القسم الثاني: دم يقذفه الظبي بطريق الحيض

او البواسير.

القسم الثالث: المسك الهندى

و هو دم اخضر او اشقر و هو دم الظبي المعجون مع روثه و كبده.

القسم الرابع: دم يجتمع في سرة الظبي بعد صيده

يحصل من شق موضع الفارة و تغميز اطراف السرّة حتّى يجتمع الدم فيجمد و لونه اسود.

اذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى قد يتوّهم دلالة بعض الروايات على ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم كان يستعمل المسك و انه كان له ممسكة و هو يدل على طهارة المسك مطلقا.

و لكن لا مجال لهذا التوهم لانه لا يستفاد من هذا البعض من الروايات الّا وجود مسك طاهر يستعمله صلّى اللّه عليه و آله و سلم في الجملة و اما كون ما استعمله جميع اقسام المسك او قسم خاص فلا يستفاد من هذه الطائفة من الاخبار فبعد ذلك نقول بانه لم اجد فيما وقفنا على الروايات ما يدل على طهارة جميع اقسام المسك و لا على طهارة قسم خاص من اقسام المسك نعم لو كان المعلوم ان المسك المتعارف استعماله في زمن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و الائمة عليهم السّلام قسما خاصا او جميع اقسامه يحمل المسك الوارد في روايات الباب على المتعارف.

كما انه لو قامت السيرة المستمرة من زمان المعصوم على استعمال بعض اقسام المسك او جميع اقسامه من المتشرعة و معاملة الطهارة معه و ترتيب اثر الطهارة يقال بطهارة ما هو المتعارف او ما عليه السيرة لكن هذا غير معلوم فلا وجه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 72

للتمسك بهذا على طهارته ثم بعد ذلك نقول في مقام بيان الحكم الواقعي للمسك بان ما يكون من اقسامه دم فيكفي في نجاسته ما دل على نجاسة الدم مطلقا فيكون نجسا و

ان كان هذا المسك بقدر رأس ابرة لان الدم نجس مطلقا و لا مجال لان يقال في صورة ابانته من الظبى الحيّ انه من اجزاء صغار مبان من الحي لان هذا لا يجري في الدم بل هو نجس و لو كان بقدر رأس ابرة.

نعم القسم الاوّل و الرابع من الاقسام المذكورة الاربعة اذا خرج من الظبي المذكي طاهر لان هذين القسمين مع كونهما دما من الدم المتخلف من الذبيحة و هو طاهر.

و كذا المبان من الفارة من الظبى الحي لما قلنا من ان الفارة المبانة من الحي طاهر و كذلك ما فيها من الدم بالطهارة الذاتية و العرضية.

و اما من الاقسام فيما لم يكن دما اصلا كما احتمل ان المسك الواقع في الفارة او ما يكون في السّرة اعني القسم الاوّل و الرابع لا يكونان دمين راسا طاهر بالطهارة الذاتية و العرضية.

و ما كان دما و استحيل الى المسك فهو طاهر بالطهارة الذاتية و العرضية الّا اذا اخرجت من الميت من الظبى فهو ينجس بالنجاسة العرضية اما لملازمته مع الفارة الخارجة من الميّت.

و اما لابانته من بدن الميت و يقبل التطهير كسائر المتنجسات هذا كله بحسب الحكم الواقعي و اما حكمه بحسب الحكم الظاهري فنقول انه لو شك في انه دم أم لا او شك في انه من القسم الذي يكون دما او من القسم الّذي لا يكون دما او مشكوك كونه دما فيحكم بطهارته لاصالة الطهارة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 73

و اما لو علم انه دم و شك في استحالته و عدمه

فيستصحب كونه دما و يحكم بنجاسته و لو شك في انه مع كونه دما من المذكي من الظبي او من الميتة يحكم بطهارته هذا كله في الحكم الظاهرى للمسك

و من هذا ظهر لك انه في صورة الشك في كون المسك او الفارة طاهرين او نجسين يحكم بطهارتهما لانه بعد كونهما قسمين قسم منهما طاهرا و قسم منها نجسا ففي مقام الشك في ان الخارج اىّ منهما يحكم بطهارته لاصالة الطهارة و ليس هنا اصل موضوعى يقتضي النجاسة حتّى نحتاج الى اليد و غيرها لاثبات الطهارة.

فما قال المؤلف رحمه اللّه بانه لو اخذ من يد المسلم يحكم بطهارتها و لو لم يعلم انها مبانة من الحي.

ان كان نظره الشريف الانحصار في الحكم بالطهارة بصورة الاخذ من يد المسلم ليس بتمام لما قلناه.

***

[مسئلة 3: ميتة ما لا نفس له]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: ميتة ما لا نفس له طاهرة كالوزغ و العقرب و الخنفساء و السمك و كذا الحية و التّمساح و ان قيل بكونهما ذا نفس لعدم معلومية ذلك مع انه اذا كان بعض الحيّات كذلك لا يلزم الاجتناب عن المشكوك كونه كذلك.

(1)

اقول: اما بحسب الفتوى فقد حكي الاجماع عليه و امّا بحسب النّص فيدل عليه بعض الروايات:

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 74

منها ما رواها عمار الساباطي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال سئل عن الخنفساء و الذباب و الجراد و النّملة و اما اشبه ذلك يموت في البئر و الزّيت و السّمن و شبهه قال كل ما ليس له دم فلا بأس». «1»

منها ما رواها حفص بن غياث عن جعفر بن محمّد عن ابيه عليهما السّلام، «قال لا يفسد الماء الّا ما كانت له نفس سائلة.» «2»

منها ما رواها ابن مسكان قال: «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام كل شي ء يسقط في البئر ليس له دم مثل العقارب و الخنافس و اشباه ذلك فلا

بأس». «3»

منها ما رواها محمّد بن يحيى رفعه عن ابى عبد اللّه عليه السّلام «قال: لا يفسد الماء الّا ما كانت له نفس سائلة.» «4»

منها ما رواها عبد اللّه بن جعفر في قرب الاسناد عن عبد اللّه بن الحسن، عن جده على بن جعفر عليه السّلام، «انه سأل اخاه موسى بن جعفر عليهما السّلام، عن العقرب و الخنفساء و أشباههما تموت في الجرة او الدّن يتوضأ منه للصلاة قال لا بأس.» «5»

فنقول بانّه مع التصريح في بعض هذه الروايات بعدم الباس عن ميتة العقرب و الخنفساء فلا يوجب ما ورد من الامر بإراقة الماء و الوضوء من غير هذا الماء الواقع فيه العقرب في ما رواها سماعة قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن جرة دخل فيها خنفساء فقد مات قال القه و توضأ منه و ان كان عقربا فأرق الماء و توضأ من ماء غيره الحديث» «6».

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 35 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 35 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 35 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(4) الرواية 5 من الباب 35 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(5) الرواية 6 من الباب 35 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(6) الرواية 4 من الباب 35 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 75

لرفع اليد مما صرح فيه من الروايات بعدم الباس بميتة العقرب لانه بعد تسليم حجية هذه الرواية لا بد من الجمع بينها و بين ما هو صريح بعدم الباس من الروايات المتقدمة بحمل الامر فبهذه الرواية على الاستحباب فلا اشكال في طهارة ميتة ما لا نفس له من

الحيوانات نصّا و فتوى.

و اما ما عن بعض «1» المحشين من دعوى التعارض بين مفهوم كل ما ليس له دم لا بأس به و بين منطوق لا يفسد الماء الا كل ما يكون له نفس سائلة ثم اتعب نفسه في انه بعد كون تعارضهما تعارض العامين من وجه يقدم العام الثاني على العام الاول لان ظهور المنطوق اقوى من المفهوم ففي مادة الاجتماع يقدم العام الثاني على العام الاولى.

ففيه انه لا تعارض اصلا بينهما لانه ليس للعام الاوّل مفهوم اصلا لعدم كونه من القضايا التي لها المفهوم و اما في خصوص الحيّة و التمساح فيكفي في الحكم بطهارة الميّت منهما نفس الشك في كونهما ذات نفس سائلة لما يأتي الكلام في ذلك في المسألة الآتية إن شاء اللّه ...

***

[مسئلة 4: اذا شك في شي ء انه من اجزاء الحيوان أم لا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: اذا شك في شي ء انه من اجزاء الحيوان أم لا فهو محكوم بالطهارة و كذا اذا علم انه من الحيوان لكن شك في انه ممّا له دم سائل أم لا.

(1)

اقول: لأنّه بعد عدم كون العموم بلسانه متكفّلا لبيان ما هو فرد موضوعه بل

______________________________

(1) المستمسك، ج 1، ص 303.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 76

لا بدّ ان يكشف ذلك من الخارج فلو شككنا ان هذا المشكوك فرد للعام أو لا فلا يمكن جعله فردا للعموم باصالة العموم ففي صورة الشك في كون شي ء فردا للعموم أم لا، لا يمكن اسراء حكم العام به و بعد عدم وجود دليل لفظي من اطلاق او عموم يرجع إليه يكون المرجع الأصل العملي و هو اصالة الطهارة فيحكم بطهارة المشكوك.

و كذلك الامر في الفرض الثاني المذكور في المسألة لانه من جملة الشبهات المصداقية

و الحق فيها كما بينا في محله عدم جواز التمسك بالعموم في الشبهات المصداقية و المرجع فيها الاصل العملي و هو في المقام يكون اصالة الطهارة.

***

[مسئلة 5: المراد من الميتة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: المراد من الميتة اعم ممّا مات حتف انفه او قتل او ذبح على غير الوجه الشرعي.

(1)

اقول: لا ثمرة في البحث عن موضوع الميتة و انها هل هي ما مات حتف انفه فقط او هي اعم من ذلك و ما قتل او ذبح على غير الوجه الشرعي لان كلما كان موضوعه لا اشكال في ان الميتة التي تكون موضوع البحث في النجاسات اعم من الذي مات حتف انفه او قتل او ذبح على غير الوجه الشرعي اجماعا و نصّا.

اما اجماعا فلان هذا مراد كل من قال بنجاسة الميتة من فقهائنا رضوان اللّه تعالى عليهم و اما نصا يظهر للمراجع في اخبار الباب من دلالة بعض الروايات على ذلك.

منها ما رواها قاسم الصيقل «قال كتبت الى الرضا عليه السّلام اني اعمل اغماد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 77

السيوف من جلود الحمر الميتة فتصيب ثيابى فاصلي فيها كتب عليه السّلام إليّ اتخذ ثوبا لصلاتك فكتبت الى ابى جعفر الثاني عليه السّلام اني كتبت الى ابيك عليه السّلام بكذا و كذا فصعب ذلك على فصرت اعملها من جلود حمر الوحشية الذكية فكتب عليه السّلام إليّ كل اعمال البر بالصبر يرحمك اللّه فان كان ما تعمل وحشيا ذكيّا فلا بأس». «1»

و منها ما رواها سماعة «قال سألته عن جلود السباع ينتفع بها قال اذا رميت و سمّيت فانتفع بها و اما الميّتة فلا» «2» و غير ذلك لا حاجة الى ذكره.

***

[مسئلة 6: ما يؤخذ من يد المسلم من اللحم و الشحم]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: ما يؤخذ من يد المسلم من اللحم و الشحم أو الجلد محكوم بالطهارة و ان لم يعلم تذكيته و كذا ما يوجد في ارض المسلمين مطروحا اذا

كان عليه اثر الاستعمال لكن الاحوط الاجتناب.

(1)

اقول: بعد ما يكون الاصل فيما شك في كون الجلد او اللحم او الشحم او غيرها من اجزاء الحيوان يكون من المذكي او غير المذكي هو اصالة عدم التذكية لانها هي الاصل الموضوعي الحاكم على اصالة الطهارة و قد مرّ الكلام في ذلك في الاصول و كذا بينا الكلام فيه في لباس المصلى.

نقول بانّه يقع الكلام هنا في انه هل يوجد فيما بايدينا من النصوص و

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 49 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 49 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 78

الروايات مورد او ازيد يوجب رفع اليد عن هذا الاصل أو لا.

فنقول لا اشكال في الجملة بان مقتضي بعض الروايات مع اختلاف لسانها يدل في الجملة على خلاف ما يقتضيه هذا الاصل الاولى و هذه الاخبار باعتبار اختلاف لسانها على طوائف:

ا

لطائفة الاولى: ما يدل على محكومية المشكوك تذكية بالطهارة الّا اذا علم عدم التذكية.

الاولى: منها ما رواها على بن حمزة «ان رجلا سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام و انا عنده عن الرجل يتقلد السيف و يصلي فيه قال نعم فقال الرجل ان فيه الكيمخت قال و ما الكيمخت قال جلود دوابّ منه ما يكون ذكيّا و منه ما يكون ميّتة قال ما علمت انه ميتة فلا تصل فيه». «1»

الثانية: منها ما رواها السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «ان امير المؤمنين عليه السّلام سئل عن سفرة وجدت في الطريق مطروحة كثير لحمها و خبزها و جبنها و بيضها و فيها سكين فقال امير المؤمنين عليه السّلام يقوّم ما فيها ثمّ يؤكل لانه يفسد و ليس له بقاء فاذا جاء صاحبها غرموا، له الثمن

قيل له يا امير المؤمنين عليه السّلام لا يدري سفرة مسلم او سفرة مجوسي فقال هم في سعة حتى يعلموا «2».»

الثالثة: منها ما رواها سماعة بن مهران «انه سال أبا عبد اللّه عليه السّلام عن تقليد السيف في الصّلاة و فيه الفراء و الكيمخت فقال: لا بأس ما لم تعلم انه ميتة» «3».

الطائفة الثانية بعض الاخبار الذي يكون لسانه كون المشكوك تذكية محكوما بالنجاسة

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 50 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 11 من الباب 50 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 12 من الباب 50 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 79

الّا اذا علم تذكيته.

مثل موثقة المعروفة عن ابن بكير «قال سئل زرارة أبا عبد اللّه عليه السّلام و فيها قال «يا زرارة فان كان مما يؤكل لحمه فالصلاة في و بره و بوله و شعره و روثه و ألبانه و كل شي ء منه جائز اذا علمت انه ذكيّ و قد ذكّاه الذبح و ان كان غير ذلك مما قد نهيت عن اكله و حرم عليك اكله فالصلاة في كل شي ء منه فاسد ذكاه الذبح او لم يذكه.» «1»

و الانصاف ان هذه الرواية تكون في مقام بيان الحكم الواقعي للمأكول لحمه و لغيره لا في مقام حكم الشك و بيان الحكم الظاهري و قوله عليه السّلام اذا علمت انه ذكي يكون العلم طريقيا الى الواقع و ليس العلم موضوعيا حتى تكون صورة الشك واقعا محكومة بعدم التذكية و محكومة بالنجاسة.

فما قاله بعض «2» المحشين من ان الرواية تدل على المنع مطلقا حتى يعلم انه مذكي لا وجه له.

و ما رواها الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال تكره الصّلاة في الفراء الّا

ما صنع في ارض الحجاز او ما علمت منه ذكاة» «3» بناء على حمل الكراهة على معناها اللغوي فيكون عدم كراهته لما صنع في الحجاز لأجل معلوميّة التّذكية، فيستفاد منها نجاسة المشكوك الّا ما علم ذكوته.

الطائفة الثالثة: بعض الاخبار الدالة بظاهره على محكوميّة المشكوك بالطّهارة

اذا أخذ من سوق المسلمين او أخذ في ارض الاسلام.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 2 من ابواب لباس المصلى من الوسائل.

(2) المستمسك، ج 1، ص 306.

(3) الرواية 1 من الباب 29 من ابواب لباس المصلى من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 80

الاولى: ما رواها عمر بن اذينة عن فضيل و زرارة و محمد بن مسلم «انهم سألوا أبا جعفر عليه السّلام عن شراء اللحوم من الاسواق و لا يدري ما صنع القصابون فقال كل اذا كان ذلك في سوق المسلمين و لا تسأل عنه.» «1»

الثانية: ما رواها احمد بن محمد بن ابى نصر عن الرضا عليه السّلام «قال سألته عن الخفاف يأتي السوق فيشترى الخف لا يدري أ ذّكي هو أم لا ما تقول في الصّلاة فيه و هو لا يدري أ يصلي فيه قال نعم انا اشترى الخفّ من السوق و يصنع لى و أصلّي فيه و ليس عليك المسألة» «2» و الظاهر ان السوق الذي يشتري منه عليه السّلام هو سوق المسلمين.

الثالثة و الرابعة و الخامسة: و هي الرواية 2 و 3 و 9 من الباب المذكور فيه الرواية الثانية بناء على حمل السوق فيها على كون خصوصية له كما لا يبعد ذلك فهذه الروايات تدل على ان الماخوذ من السوق محكوم بالطهارة و المراد من السوق سوق المسلمين بقرينة التصريح في بعض الروايات و انصراف بعضها الآخر بسوق المسلمين.

السادسة: ما رواها إسحاق

بن عمار عن العبد الصالح عليه السّلام «انه قال لا بأس بالصلاة في فراء اليماني و فيما صنع في ارض الاسلام قلت فان كان فيها غير اهل الاسلام قال اذا كان الغالب عليها المسلمين فلا بأس» «3»

تدل الرواية على ان الماخوذ ان كان من الفراء اليماني او ما صنع في ارض الاسلام فلا بأس بالصلاة فيه و حيث ان منشأ الاشكال يكون حيثيّة نجاسته من

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 29 من ابواب الذبايح من الوسائل.

(2) الرواية 6 من الباب 50 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 5 من الباب 50 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 81

باب كونه من الميتة فنفهم من جواز الصّلاة عدم نجاسته.

و هل المراد من الغالب في قوله عليه السّلام «اذا كان لغالب عليها المسلمين فلا بأس» هو الغالب بحسب الافراد كما قال الشهيد الثاني رحمه اللّه او المراد الغلبة بحسب السلطة و الاقتدار كما قال سيدنا الاعظم آية اللّه المعظم البروجردي رحمه اللّه لا يبعد كون المراد هو الثانى.

السابعة: ما رواها إسماعيل بن عيسى «قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن جلود الفراء يشتريها الرجل في سوق من اسواق الجبل أ يسأل عن ذكاته اذا كان البائع مسلما غير عارف قال عليكم انتم ان تسألوا عنه اذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك و اذا رأيتم يصلون فيه فلا تسألوا عنه» «1».

و هل المراد من السؤال السؤال اذا كان البائع مشركا و عدم السؤال اذا كان البائع، من اهل الصّلاة و يصلي فيه كما كان مختار سيدنا الاعظم رحمه اللّه الشريف او كان المراد انه اذا كان الفراء مما يتداول بيعه في السوق عن

المشركين و انه في هذه الصورة تسأل عن البائع المسلم الغير العارف و الّا فلا تسأل فعلى هذا الاحتمال انّ البائع في كلتا الصورتين هو المسلم لكن تارة يتداول ان يبيعه المشركون و تارة لا يتداول، ذلك فالسؤال في الصورة الاولى لا الثانية و هذا ما خطر ببالى و قلت بخضرته في مجلس بحثه اعلى اللّه مقامه و الشاهد على ذلك ان الراوي فرض اشترائه من المسلم الغير العارف و مع هذا قال عليه السّلام عليكم ان تسألوا اذا رأيتم المشركين يبيعون ذلك و اذا رأيتم يصلّون فيه فلا تسألوا عنه فلا تعرض الرواية صورة الاشتراء، عن المشرك اصلا.

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 50 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 82

هذا بعض ما دل بظاهره على محكومية المشكوك بالطهارة لاجل اخذه من سوق المسلمين او ارض المسلمين.

و هل المستفاد من هذه الطائفة ان الحكم بالتذكية و الطهارة كان من باب كون سوق المسلمين او ارض الاسلام او غلبة المسلمين او يد المسلم أمارة على التذكية فلاجل هذا صار محكوما بالتذكية او يكون المستفاد انه مع اخذه من السوق و يد المسلم يكون محكوما بالتذكية و الطهارة تعبّدا و بعبارة اخرى على الاوّل الشرط التذكية و لكن السوق و ارض الاسلام أمارة عليها و على الثاني هو حكم ظاهري في صورة الشك سواء كان أمارة على الواقع أو لا.

قد يقال بالاوّل فان الظاهر منها كون ذلك أمارة على التذكية.

و فيه انّه مع ما نرى من ان المراد من السوق هو سوق المسلمين سواء كان من الشيعة او غير هم بل في بعض الروايات التصريح باخذه من المسلم الغير العارف

مع انه من المسلّم عدم وجود سوق خاص للشيعة في زمان صدور الروايات اصلا و بعد كون المراد من السوق مطلق سوق المسلمين سواء كان من العارفين بالحق او غير العارفين مع اختلاف غيرنا من بعض طوائف المسلمين معنا في بعض شرائط التذكية.

و مع انّهم يبيعون ذبيحة اهل الكتاب و يحكمون بتذكيته: و مع انهم يقولون بقابلية جلد الميتة للذكاة و يقولون بان دباغه ذكاته.

فكيف يكون حكم الامام عليه السّلام بالتذكية و الطهارة اذا اخذ من سوق المسلمين او يدهم او ارضهم أمارة على التذكية المعتبرة عندنا و لاجل هذا لا يمكن الالتزام بكون اعتبار سوق المسلمين او يدهم او ارض الاسلام من باب كونه أمارة على التذكية.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 83

اذا عرفت ذلك نقول ان في المسألة بعض الاخبار ربما يقال او يدعي معارضته مع الطائفة الثالثة المذكورة.

منها ما رواها محمد بن الحسين «الحسن» الاشعرى «قال كتب بعض اصحابنا الى ابى جعفر الثاني عليه السّلام ما تقول في الفرو يشتري من السوق فقال اذا كان مضمونا فلا بأس» «1» وجه التعارض هو ان مفاد الطائفة السابقة من الاخبار محكومية المشكوك بالتذكية اذا اخذ من سوق المسلمين او يد المسلم او ارض الاسلام مطلقا و هذه الرواية تدل على محكوميته بالتذكية اذا كان مضمونا و ان اخذ من سوق المسلمين او يد المسلم او ارض المسلمين او يد المسلم او من ارض الاسلام و يمكن ان يقال بان هذه الرواية تكون ضعيفة السند لمجهولية بعض الاصحاب الذي روي عنه محمّد و انه كان من الثقات او لا.

و دعوى ان تعبير محمد الراوي عن الذي كتب بعنوان بعض الاصحاب شاهد على

وثاقة هذا البعض عند محمد و هو يكفي في وثاقته.

يكون دعوى بلا دليل لان مجرد كون الشخص من جملة الاصحاب غير كاف في وثاقة الشّخص لإمكان كونه من الاصحاب و لم يكن ثقة كما ترى نظائره.

و منها ما رواها ابو بصير «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصّلاة في الفراء فقال كان على بن الحسين عليه السّلام رجلا صردا لا يدفئه فراء الحجار لان دباغه بالقرظ فكان يبعث الى العراق فيؤتي مما قبلكم بالفرو فيلبسه فاذا حضرت الصّلاة القاه و القي القميص الذي يليه فكان يسأل عن ذلك فقال ان اهل العراق يستحلون لباس

______________________________

(1) الرواية 10 من الباب 50 من ابواب النجاسات و ذكره أيضا باب 61 من ابواب لباس المصلى ح 3.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 84

جلود الميتة و يزعمون ان دباغه ذكاته» «1».

و منها ما رواها عبد الرحمن بن الحجاج «قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام اني ادخل سوق المسلمين، اعني هذا الخلق الذين يدعون الاسلام فاشتري منهم القراء للتجارة فاقول لصاحبها أ ليس هي ذكيّة فيقول بلى فهل يصلح لي ان ابيعها على انها ذكية فقال لا و لكن لا بأس ان تبيعها و تقول قد شرط لى الذي اشتريتها منه انها ذكيّة قلت و ما افسد ذلك قال استحلال اهل العراق للميتة و زعموا ان دباغ جلد الميتة ذكاته ثم لم يرضوا ان يكذبوا في ذلك الا على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم.» «2»

وجه التعارض ان مفاد الطائفة السابقة من الروايات هو محكومية المشكوك تذكيته بالتذكية اذا كان في سوق المسلمين او ارض الاسلام اذا كان الغالب عليها المسلمين

او يد المسلم فيما يصلي فيه و الحال ان مفاد هذه الطائفة الاخيرة عدم اعتبار سوق المسلمين و غيره معلّلا باستحلال بعض المسلمين الميتة هذا كله في بيان حال الروايات من حيث الاختلاف في المضمون فنقول اما الطائفة الاخيرة من الاخبار مضافا الى كونها ضعيفة السند يمكن ان يقال فيها:

أولا بان الرواية الاولى من هذه الطائفة الاخيرة و هي المكاتبة الدالة على اعتبار السوق و محكومية المشكوك بالتذكية فيما كان مضمونا تكون مجملا لعدم معلومية المراد من كونه مضمونا و اجمال مفهومه.

و ثانيا بناء على كون المضمون اي المتعهد يكون المراد انه اذا تعهد البائع و ذو اليد على تذكيته يحكم بالتذكية يمكن ان يقال بان السوق فيها ان كان أعمّ من سوق

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 61 من ابواب لباس المصلى من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 61 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 85

المسلمين و غيره نقول. نقيدها بقرينة ما دل على اعتبار سوق المسلمين بلا اشتراطه بالتعهد بغير سوق المسلمين و بصورة يبيع المشركون المشكوك فتكون النتيجة اعتبار التعهد في غير سوق المسلمين فمع التصريح فيما دل على اعتبار السوق من غير تعهد كما هو مفاد الطائفة الثالثة من الروايات يحمل التعهد على الاستحباب هذا بالنسبة الى الرواية الاولى.

و اما بالنسبة الى الروايتين الاخيرتين فنقول بعد عدم امكان حمل ما يدلّ على المحكومية بالتذكية في سوق المسلم و يده و ارضه على خصوص سوق الشيعة و ارضه و يده لعدم سوق، لهم خصوصا السوق الذي كان يشتري منه المعصوم عليه السّلام فمع دلالة هذه الطائفة على اعتبار السوق فلا بد فرض حمل ما دل

على ان الامام زين العابدين عليه السّلام ينزع الفراء المشتري من العراق و النهي عن القول بانه مذكي كما في الرواية الاخيرة اى رواية عبد الرحمن بن الحجاج على الكراهة. و يحتمل فبهذه الرواية اى الاخيرة احتمالا آخرا و هو ان الطائفة الثالثة من الروايات تدل على محكومية المشكوك بالتذكية اذا كان في سوق المسلمين او ارض الاسلام او يد المسلم و لكن مع هذا لا يستفاد منها انه يصحّ ان يخبر من يشتري عن السوق بانه مذكي اخبارا عن الواقع بل ان يقول ان المشكوك محكوم بالتذكية و رواية عبد الرحمن يكون مفادها عدم صحة الاخبار بالتذكية و هذا لا ينافي مع الطائفة الثالثة لان المحكومية بالتذكية لا توجب صحة الاخبار بالتذكية فتأمّل.

فتلخص ان الطائفة الاخيرة مع ضعف سندها يمكن جمعها مع الطائفة الثالثة و لا تنافي و لا تعارض بينهما فاقهم.

و اما الكلام فى تعارض الطائفة الثالثة مع الطائفة الاولى فنقول، بانه بعد كون لسان الطائفة الثالثة محكوميه المشكوك تذكيته بالتذكية اذا كان فى سوق المسلمين او

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 86

يد المسلم او ارض المسلمين و يكون لسان الطائفة الاولى محكومية المشكوك بالتذكية مطلقا الى ان يعلم كونه ميته فيقيد اطلاق الطائفة الاولى بالطائفة الثالثة فتكون النتيجة محكوميه المشكوك تذكيته بالتذكية فى خصوص ما اخذ من يد المسلم او سوق المسلم او ارضهم.

و كذا تقيد بهذه الطائفة اعنى الطائفة الثالثة الطائفة الثانية من الاخبار المتقدّمة ذكرها لان لسان الطائفة الثانية محكوميه المشكوك تذكيته بعدم التذكية الا اذا علم تذكيه و بعد التقييد تكون النتيجة محكوميه المشكوك بعدم التذكية الا اذا علم تذكيته او اخذ من يد المسلم

اذا يعامل هذا البائع المسلم مع الماخوذ منه معامله المذكى:

او سوق المسلمين او ارض المسلمين اذا كان الغالب عليه المسلمين.

فنلخص ان المشكوك تذكيته يكون محكوما بعدم التذكية الّا اذا علم تذكيته او اخذ من سوق المسلمين او يد المسلم في خصوص صورة يعامل المسلم الماخوذ منه مع المشكوك معاملة المذكي و هذا يعرف اما بالسؤال منه او معاملته معه معاملة المذكي مثل انه يصلي فيه او ارض المسلمين اذا كان الغالب عليها المسلمين.

***

[مسئلة 7: ما يؤخذ من يد الكافر او يوجد في ارضهم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: ما يؤخذ من يد الكافر او يوجد في ارضهم محكوم بالنجاسة الّا اذا علم سبق يد المسلم عليه.

(1)

اقول: وجه ذلك كون المورد مورد جريان اصالة عدم التذكية مع فرض كون

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 87

الشك في ان الماخوذ من يد الكافر من الحيوان من جلده او لحمه او شحمه او غيرها هل يكون مذكي حتى يكون طاهرا او غير مذكي حتى يكون نجسا و ليس في البين ما يقتضي الخروج عن هذا الاصل.

نعم مع السؤال عن الكافر و اخباره بتذكية ما في يده و انه يحكم بتذكية ما في يده او لا يحكم به كلام آخر و هذا غير الصورة التي عنونه المؤلف «رحمه اللّه» في هذه المسألة و اما مع العلم لسبق يد المسلم عليه فمحكوم بالتذكية لما عرفت من ان المأخوذ من يده محكوم بالتذكية بالشرط الذي قلنا و قد مضى الكلام فيه في المسألة السابعة.

***

[مسئلة 8: جلد الميتة لا يطهر بالدبغ]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: جلد الميتة لا يطهر بالدبغ و لا يقبل الطهارة شي ء من الميتات سوي ميت المسلم فانه يطهر بالغسل.

(1)

اقول: اما عدم طهارة الميتة بالدبغ فلا اشكال فيه فتوى و لا يذكر مخالف فيه من الفقهاء الّا ما حكي عن ابن الجنيد، و اما بحسب النص فيكفي في عدم طهارة الميتة بالدبغ اطلاق رواية جابر عن ابى جعفر عليه السّلام «قال اتاه رجل فقال وقعت فارة في خابية فيها سمن او زيت فما ترى في اكله قال فقال له ابو جعفر عليه السّلام لا تاكله فقال له الرجل الفأرة اهون عليّ من ان اترك طعامي من اجلها قال فقال له ابو جعفر عليه السّلام انّك

ذخيرة

العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 88

لم تستخفّ، بالفارة و انّما استخففت بدينك ان اللّه حرّم الميتة من كل شي ء» «1» لان قوله عليه السّلام في الرواية «ان اللّه حرّم الميتة» يشمل حرمته حتى بعد الدبغ.

مضافا الى التصريح في بعض الروايات بذلك مثل ما مضى عليك رواية «2» ابي بصير و عبد الرحمن «3» بن الحجاج حيث بيّن وجه نزع على بن الحسين عليه السّلام فراءه المشتري من العراق في الاولى و وجه عدم جواز ان يقال ان ما يبيعه مذكي في الثانية استحلال مخالفينا للميتة و زعمهم ان دباغ جلدها ذكاته.

و لكنهما كما بيّنا ضعيفة السند.

نعم هنا رواية اخرى و هي ما رواها محمد بن مسلم «قال سألته عن جلد الميتة أ يلبس في الصّلاة اذا دبغ قال لا و ان دبغ سبعين مرة» «4» و اضمارها لا يضر لان محمد بن مسلم لا يروي الّا عن المعصوم عليه السّلام مضافا الى ان الحديث ان كان مضمرا بنقل التهذيب كما رايت فهو مسند بنقل الصدوق لان الصدوق على ما في الوسائل روا باسناده عن محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام مثله فيكون دليلا على الحكم.

اما طهارة بدن ميت الانسان فيدل عليها بعض الروايات مثل ما رواها ابراهيم بن ميمون «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يقع ثوبه على جسد الميت قال ان كان غسل الميت فلا تغسل ما اصاب ثوبك منه و ان كان لم يغسل فاغسل ما اصاب ثوبك منه يعني اذا برد الميّت.» «5»

***

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 5 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 61 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3)

الرواية 4 من الباب 61 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(4) الرواية 1 من الباب 15 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(5) الرواية 1 من الباب 34 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 89

[مسئلة 9: السقط قبل ولوج الروح نجس]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: السقط قبل ولوج الروح نجس و كذا الفرخ في البيض

(1)

اقول: يستدلّ على نجاسة السقط قبل ولوج الروح فيه بامور:

الامر الاول: انه جزء مبان من الحيّ مما تحلّه الحياة

فيشمله ما دل على نجاسة الجزء المبان من الحيّ مما تحلّه الحياة و فيه ان السقط ليس جزء من الحامل بل هو كالبيض شي ء خارج يتكوّن فيه و لو كانت نجاسته من هذا الباب كان اللازم ان يقال بوجوب غسله اذا كان له العظم و الحال انه لا يجوز الغسل في السقط قبل ولوج الروح فيه بل يلفّ في خرفة و يدفن.

الامر الثاني: ما روي عن النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم ان «ذكاة الجنين ذكاة أمه»

بدعوى دلالته على ان الجنين منه المذكي و هو ما ذكي بتذكية أمّه و منه الميتة شرعا و هو ما عداه لانّ الميتة عبارة عن غير المذكي.

و قيل «1» اشكالا عليه ان قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم على ما روي ذكاة الجنين ذكاة أمه» لا اطلاق له في موضوع الذكاة لوروده في مقام بيان الاكتفاء بذكوة الام في تحقق ذكاة الجنين فيمكن اختصاصه بما ولج فيه الروح و يكون نظره الى ان الخبر حيث يكون في مقام بيان الاكتفاء بتذكية اللام عن تذكية الجنين لا اطلاق له من حيث اصل موضوع الذكاة حتى يقال مقتضي اطلاقه كونه ميتة مطلقا في غير صورة تذكيته بتذكية الام و بعد عدم اطلاقه من هذه الجهة يمكن حمله على صورة ولوج الروح في الجنين فاذا ذكي بتذكية الام فهو مذكي و الّا فميّت و على هذا يكون الخبر غير

______________________________

(1) المستمسك، ج 1، ص 315.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 90

مربوط بصورة عدم ولوج الروح.

و يرد على ما قيل من الاشكال أولا ان ما قيل من عدم اطلاق للرواية لا وجه له ان كان المدرك في ذكاة الجنين ذكاة أمه هذا النبوي لانه بعد عدم تقييد الكلام و ورود الحكم على

طبيعة الجنين بدون تقييده بصورة ولوج الروح نفهم كون الحكم مطلقا كما نقول به في مقام اخذ الاطلاق.

و ثانيا يظهر للمراجع فى هذه المسألة اعني مسئلة ذكاة الجنين ذكاة أمه ان الروايات الواردة في طرقنا غير النبوي علّق هذا الحكم في بعضها بما اذا تمّت خلقة الجنين و في بعضها بما اشعر و أوبر.

و مورد المسلّم من الحكم بحسب الفتوى صورة قبل ولوج الروح فيها تمّت خلقته او اشعر او اوبر و فيما بعد ولوج الروح فيه يكون الحكم مورد الخلاف فبعض يقولون بان ذكاة الجنين ذكاة أمّه اذا تمّت خلقته او اشعر و أوبر فيما لم يلج فيه الروح و بعضهم يعمّ الحكم حتى فيما بعد ولوج الروح و الغرض ان مورد المسلّم قبل ولوج الروح.

فحمل الخبر على طبيعة ما بعد ولوج الروح كما قال هذا القائل لا وجه له.

فالحق في الجواب هو ان يقال ان النبوي المذكور و ان كان مطلقا لكن بعد ورود روايات اخرى عن اهل البيت المعصومين عليهم السّلام على اختصاص الحكم بما اذا تمّت خلقته او اشعر و اوبر و مفهومها عدم كون هذا الحكم في غير هذه الصورة فاذا ضمّ الاخبار بعضها ببعض تكون النتيجة كون تذكية الجنين بتذكية أمّه اذا تمّت خلقته او اشعر و اوبر فاذا كان تذكيته في هذا الزمان بهذا نقول يكون الجنين في هذا الزمان اذا سقط او اخرج بغير تذكية أمّه ميتة لان مقابل المذكّي يكون الميتة و اما كونه ميتة حتّى في غير صورة تمامية خلقته و في غير صورة ما اشعر و اوبر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 91

فلا يستفاد من الاخبار لعدم تعرض الاخبار له.

و

بعبارة اخرى يكون الدليل اخص من المدعي لان غاية ما يستفاد من الدليل كون غير ما ذكي بتذكية الأم حال تمام خلقته او ما اشعر و اوبر ميتة نجسة و اما مطلق الجنين حتى قبل هذا الحال فلا يدل على كونه ميتة.

الثالث اطلاق الميتة على السقط من الجنين عرفا، و استشكل عليه أوّلا بعدم صدق الميتة الّا على ما يعرضه الحياة ثم يزول عنه لا على ما تلجه الحياة فيما بعد كما فيما نحن فيه.

و ثانيا على فرض صدق الميتة عليه و لكن لا اطلاق لادلة نجاسة الميتة يشمل كل ميتة حتى السقط و يردّ كلّ من الاشكالين.

اما الاوّل فبان الميتة عبارة عما ليس له الحياة سواء كانت له الحياة ثم زالت عنه او ما لا تدرك الحياة بعد كما تري اطلاقه على كلتا الصورتين.

و اما الثاني ففيه انه بعد كون السقط مصداقا من مصاديق الميتة فما بينّا من الرواية الدالة على نجاسة الميتة بنحو العموم و هي قوله عليه السّلام ان اللّه حرّم الميتة من كل شي ء يشمل السقط و بهذا الوجه يمكن ان يقال بنجاسة الفرخ في البيض هذا.

و لكن مع هذا شمول الميتة لما لا يلج فيه الروح مشكل و لهذا نقول الاحوط الاجتناب عن السقط قبل ولوج الروح فيه و كذا عن الفرخ في البيض لدعوى الاتّفاق على نجاسته.

***

[مسئلة 10: ملاقاة الميتة بلا رطوبة مسرية]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: ملاقاة الميتة بلا رطوبة مسرية لا توجب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 92

النجاسة على الاقوى و ان كان الاحوط غسل الملاقي خصوصا في ميتة الانسان قبل الغسل.

(1)

اقول: ما اختاره المؤلف رحمه اللّه هو قول المشهور و نقل الخلاف عن بعض.

و منشأ توهم نجاسة الملاقي «بالكسر»

مع ملاقي النجس بلا رطوبة مسرية في واحد من الملاقي «بالكسر» و الملاقي «بالفتح» ليس الّا الجمود على ظاهر بعض الاخبار الدالة على نجاسة الميتة الآمرة بالغسل عنها مع عدم اشتراط السراية فيه مثل قوله عليه السّلام «في الامام الذي حدثت له حادثة بانه «ليس على من مسّه الّا غسل اليد» «1».

و ترك الاستفصال عن كون ملاقات من مسّه مع الرطوبة المسرية في الملاقي او الملاقي او كليهما او عدم وجود الرطوبة المسرية في كليهما يدل على تعميم الحكم اي وجوب الغسل في كل من هذه الصور حتى في صورة لا تكون رطوبة مسرية في كل من الملاقى «بالكسر» و الملاقى «بالفتح» و غير ذلك من الاخبار.

و لكن الأقوى عدم تنجس ملاقي ميتة بدون رطوبة مسرية في الملاقي «بالكسر» او الملاقى «بالفتح» او في كليهما امّا أولا فلانه بعد ما تري ان العرف لا يفهم من تنجّس شي ء بملاقات واحدة من الاعيان النجسة الا تسرية قذارة النجس به و كسب الملاقي القذارة من النجس و لهذا اذا قيل له ينجس الملاقى مثلا مع ملاقاته للدم لا يأتي بنظره الّا صورة استقذار الشي ء الملاقي للدّم به و هو صورة وجود الرطوبة المسرية في كلّ من المتلاقيين او احد هما و مع هذا الارتكاز العرفي

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 3 من ابواب غسل المس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 93

اذا ورد دليل على وجوب الغسل لما اصاب واحدة من النجاسات و كان الدليل مطلقا من حيث كون الرطوبة في المتلاقيين او احدهما رطوبة مسرية لارتكاز العرفي على ذلك و انصراف ذهن العرف يوجب الانصراف.

و ثانيا ان قوله عليه السّلام في موثقة

ابن بكير و هي هذه يروي عبد اللّه بن بكير «قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام الرجل يبول و لا يكون عنده الماء فيمسح ذكره بالحائط قال كل شي ء يابس ذكي» «1».

و هذه الرواية و ان كان صدرها مجملة من حيث ان السؤال هل كان عن طهارة موضع البول بالمسح او كان السؤال عن سراية نجاسة موضع البول الى ما يلاقيه من ثوبه او غيره و لكن ذيلها يدلّ على عدم موجبيّة ملاقات النجاسة مع عدم السراية لنجاسة ملاقيه لدلالتها على عدم تنجيس موضع البول ما يلاقيه لانه يابس و اليابس ذكي.

ان قلت ان النسبة بين هذه الموثقة و بين ما دلّ على نجاسة الميتة و تنجيس ما يلاقيها تكون عموما من وجه لانها تدل على ان كل يابس زكي سواء لاقي النجس بلا سراية أو لا و ما دل على الامر بغسل ملاقي الميتة يدل على ذلك سواء كان الملاقات مع الرطوبة او بلا رطوبة مسرية ففى مورد ملاقات الميتة مع شي ء بلا رطوبة مسرية يقع بينهما التعارض لان مقتضي الموثقة عدم النجاسة و مقتضي ما دل على وجوب غسل ملاقي الميتة هو نجاسة ما يلاقيها فما وجه تقديمك الموثقة على ما يعارضها.

اقول: امّا أولا يمكن ان يقال ان لسان كل يابس زكيّ هو الحكومة و شرح

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 31 من ابواب الخلوة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 94

كيفية تنجيس النجاسات و بعد وضعها فى مقابل ادلة تنجيس ملاقي النجاسات يفهم عدم تنجيس ملاقيها مع اليبوسة و عدم الرطوبة المسرية.

و ثانيا لو ابيت عن ذلك و كما قلت بين الدليلين عموما من وجه و لم

نقل بان شمول الموثقة لمادة الاجتماع يكون اظهر فلا اقلّ من وقوع التعارض بين الدليلين.

لعدم اظهرية الطائفة المعارضة مع الموثقة في مادة الاجتماع و بعد التعارض بين الدليلين و عدم وجود المرجح في احدهما و تساقطهما بالتعارض و عدم امكان الاخذ في مادة الاجتماع باحد الدليلين و تصل النوبة بالاصل و هو في المقام اصالة الطهارة فتكون النتيجة عدم نجاسة ملاقي النجس من الميتة او غيرها بالنجس مع عدم وجود الرطوبة المسرية في كليهما او احدهما و لكن الاحتياط حسن.

***

[مسئلة 11: يشترط في نجاسة الميتة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: يشترط في نجاسة الميتة خروج الروح من جميع جسده فلو مات بعض الجسد و لم تخرج الروح من تمامه لم ينجس.

(1)

اقول: وجهه واضح لان موضوع الحكم في نجاسة الميتة هو البدن باعتبار قطع ارتباط الروح فيقال للبدن حيّ باعتبار ارتباط الروح معه و يقال ميّت باعتبار قطع هذا الارتباط مع الروح و اجزاء البدن تتصف بانها ميتة باعتبار انها جزء البدن بعين اتصاف البدن لا باعتبار مستقل و قد عرفت ان جزء الميت يقال بنجاسته باعتبار انه جزء الميت لا باعتبار مستقل آخر و لهذا في الجزء المبان من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 95

الحيّ لو قلنا بنجاسته كان من باب الدليل لا من باب انه ميتة عرفا و على هذا ما لم يخرج الروح عن جميع البدن لا يكون الجسد ميّتا.

***

[مسئلة 12: مجرد خروج الروح يوجب النجاسة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: مجرد خروج الروح يوجب النجاسة و ان كان قبل البرد من غير فرق بين الانسان و غيره نعم وجوب غسل المس للميّت الانسانى مخصوص بما بعد برده.

(1)

اقول: وقع الخلاف في ان مجرد خروج الروح يوجب النجاسة و ان كان قبل البرد بعد ما لا اشكال في ان غسل مسّ الميّت من الانسان مخصوص بما بعد برده او ان موجبية ملاقات الميتة للنجاسة يكون بعد البرد.

و الاقوى الاوّل لان الميت و الميتة ما خرج عنه الروح فبمجرد زهاق الروح عن الحيوان يعدّ عند العرف ميّتا انسانا كان او غيره و في رواياتنا الواردة في باب الميتة و خصوصياتها.

اما رتّب فيها النجاسات على الميّت و الميتة و لم يبيّن مراده فيهما و قهرا يكون الايكال في موضوعه الى العرف.

و اما فيها ما يدلّ على انّ الميّت هو ما زهق روحه و ان لم يبرد

بعد مثل الرواية التي رواها الطبرسي في الاحتجاج «قال مما خرج عن صاحب الزمان عليه السّلام الى محمد بن عبد اللّه بن جعفر الحميرى حيث كتب إليه روي لنا عن العالم عليه السّلام انه سئل عن امام قوم يصلي بهم بعض صلاتهم و حدثت عليه حادثة كيف يعمل من خلفه فقال يؤخر و يتقدّم بعضهم و يتمّ صلاتهم و يغتسل من مسّه التوقيع ليس على

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 96

من مسّه إلّا غسل «اليد و اذا لم تحدث حادثة تقطع الصّلاة تمّ صلاته مع القوم» «1» لانّه من الواضح ان من مات حال الصّلاة و يمسّه احد لم يبرد بعد و مع هذا امر بغسله.

و الرواية التى رواها أيضا «قال و كتب إليه و روي عن العالم ان من مسّ ميتا بحرارته غسل يده و من مسّه قد برد

فعليه الغسل و هذا الميّت في هذه الحال لا يكون الّا بحرارته فالعمل في ذلك على ما هو و لعله ينحيه بثيابه و لا يمسه و كيف يجب عليه الغسل في التوقيع اذا مسّه على «فى» هذه الحالة لم يكن عليه الّا غسل يده» «2»

الّا ان يشكل بضعف سندهما و قد ظهر لك ان العمدة في المسألة مضافا الى الروايتين هو ما قلنا في ان الحكم بنجاسة الميتة في الاخبار عرض على الميتة و بعد عدم تصرّف من قبل الشارع في موضوع الميتة فلا بد من الرجوع الى العرف في تشخيص موضوعها و الميتة عند العرف عبارة عما ذهق عنه الروح.

و اما ما قيل في المقام من التمسك بإطلاق الاخبار فلم نجد في اخبارنا «غير الخبرين الدالين على وجوب غسل اليد بمجرد الموت لان موردهما هو حال بقاء الحرارة في الميت» خبرا يكون في مقام بيان هذا الحيث بل في كلها يكون موضوع الحكم هو الميت او الميتة و لا مجال لدعوى الاطلاق فى الميتة لانّه لو منع كون الميّت قبل البرد ميتا يمكن ان يقال بان اطلاق الميّت يشمله لان الاشكال يكون في المراد من طبيعة الميت او الميتة و لا بد في فهم ذلك من العرف لو لم يبيّن الشارع موضوع حكمه فلا بد ان يقال بما قلنا من ان الميتة بما له من الموضوع تشمل كل ما زهق عنه الروح و لو لم يبرد بعد و بعد ما يكون الموضوع ما قلنا يكون لدعوى الاطلاق مجال

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 3 من ابواب غسل المس من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 3 من ابواب غسل المس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح

العروة الوثقى، ج 2، ص: 97

و الّا لو انكرت ذلك كما انكر المخالف و جعل احد ادلته عدم كون الميتة ميتة قبل البرد فلا اثر لدعوى الاطلاق بل لا بد في جوابه ان يقال ما قلنا فافهم.

و اما وجه القول الثاني فما يمكن ان يستدل به امور:
الاوّل: ما اشرنا إليه من انه ما دام تكون الحرارة باقية في الجسد فهي تكشف عن بقاء علقة الروح فيه

و عدم زهاقه عنه و مع برد الجسد قطع الروح علاقته عن الجسد كاملا و فيه ما قلنا من انه مع كون موضوع الادلة الميّت و هو عرفا صادق و لو قبل البرد فلا مجال لهذا و الشاهد عليه صحة غسله و دفنه فى هذا الحال مع انه لو كان حيّا لا يصح غسله و كفنه و دفنه.

الثاني: بعض الروايات

مثل ما رواها ابراهيم بن ميمون «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يقع ثوبه على جسد الميّت قال ان كان غسل الميّت فلا تغسل ما اصاب ثوبك منه و ان كان لم يغسل فاغسل ما اصاب ثوبك منه يعنى اذا برد الميت» «1» تمسكا بذيل الرواية «يعني اذا برد الميت» فما دام لم يبرد لا يجب ملاقات الثوب للميّت غسله بمقتضى مفهوم الكلام و فيه ان كون هذه الفقرة اعني «يعني اذا برد الميت» من كلام الامام عليه السّلام غير معلوم و من المحتمل كونها من احد ناقلي الرواية فلا يمكن التمسك بها.

و كالرواية التي رواها إسماعيل بن جابر «قال دخلت عن ابي عبد اللّه عليه السّلام حين مات ابنه إسماعيل الاكبر فجعل يقبّله و هو ميت فقلت جعلت فداك أ ليس لا ينبغي ان يمسّ الميت بعد ما يموت و من مسّه فعليه الغسل فقال اما بحرارته فلا بأس انما ذلك اذا برد» «2».

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 34 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 1 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 98

وجه الاستدلال، ان المستفاد منها انه بعد ما قال جابر أ ليس ينبغي مسّ الميّت اجاب عليه السّلام اما بحرارة فلا

بأس و اطلاق لا بأس يقتضي عدم البأس بمسّه حتى من حيث النجاسة و فيه ان وضع كلام المسائل و جواب الامام عليه السّلام صريح في ان المرتكز في ذهن السائل وجوب الغسل بالمسّ و لهذا قال السائل أ ليس لا ينبغي ان يمسّ الميّت و من مسّه فعليه الغسل و جواب الامام عليه السّلام بان وجوب الغسل بعد البرد و مضافا الى ان نفي الباس انما هو بلحاظ مسّه في حدّ ذاته و هذا لا ينافي وجوب غسل ملاقيه.

و كالرواية التي رواها محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام «قال مسّ الميّت عند موته و بعد غسله و القبلة ليس بها بأس» «1»

و اطلاقها يقتضي عدم الباس من حيث الغسل و غسل ملاقيه و فيه ان حمل لا بأس في الرواية على عدم الباس التكليفي غير صحيح لانّه لا يحرم المس بالحرمة التكليفية و لا بأس به و لكن لا يبعد ظهورها انصرافا في عدم الباس من حيث وجوب الغسل بمسّه.

الثالث: دعوى الملازمة بين وجوب الغُسل و وجوب الغَسل

فكما يجب الاوّل بعد البرد كذلك الثانى و فيه انه اي ملازمة بينهما هل الملازمة ملازمة عقلية او عرفية او شرعية اما الاوّل و الثاني فمعلوم عدم وجودهما و اما الثالث فعلي خلافه الدليل لان الشرع اوجب الغسل بعد البرد راجع الادلة و وجب غسل الملاقي بالموت لاطلاق الادلة بعد كون الميتة عرفا تحصل بزهاق الروح.

الرابع: استصحاب حياة الميت قبل برده.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 3 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 99

و فيه انه بعد ما قلنا من انه ميتة بمجرد زهاق الروح حتى قبل برده فلا شك حتى تصل النوبة بالاستصحاب فتلخص ان الحق هو ان مجرد خروج الروح يوجب نجاسة ملاقي الميتة حتى قبل بردها.

***

[مسئلة 13: المضغة نجسة و كذا المشيمة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: المضغة نجسة و كذا المشيمة و قطعة اللحم التي تخرج حين الوضع مع الطفل.

(1)

اقول: اما المضغة فيمكن ان يقال انها بحكم السقط قبل ولوج الروح فيه لانّها مصداق من مصاديقه قبل ولوج الروح و يكون من افراده المضغة و انها ميتة عرفا.

و اما المشيمة و قطعة اللحم التي تخرج حين الوضع مع الطفل فيمكن القول بنجاستهما من باب انهما جزء ان من الحيّ قد تحلهما الحياة و لكن حيث اشكلنا في نجاسة السقط قبل ولوج الروح و قلنا بانه نجس على الاحوط من باب احتمال كونه ميتة و من باب دعوى الاتفاق او لا خلاف في نجاسته نقول كذلك في المضغة و اما المشيمة و قطعة اللحم فربما يشكل في كونهما من المبان من الحي و لهذا نقول بان الاحوط فيهما الاجتناب.

***

[مسئلة 14: اذا قطع عضو من الحيّ و بقى معلّقا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14: اذا قطع عضو من الحيّ و بقى معلّقا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 100

متصلا به طاهر ما دام الاتصال و ينجس بعد الانفصال نعم لو قطعت يده مثلا و كانت معلقة بجلدة رقيقة فالاحوط الاجتناب.

(1)

اقول: لانه ما لم ينفصل فهو جزء من الحيوان الحيّ و لو وصل الامر الى الشك فالاصل يقتضي الطهارة و اما اذا كان المقطوع متصلا بالجسم بواسطة جلدة رقيقة فالحكم بالنجاسة مشكل أيضا لانه لو لم نقل بانه الجزء من الحيّ فلا اقل من الشك و مع الشك يكون المرجع هو اصالة الطهارة.

و دعوى كونه محكوما بالجزء المبان من الحي غير مسموع لانه على الفرض يكون المقطوع غير مبان من الحي لاتصاله به و لكن مع هذا ينبغي الاحتياط لانه حسن على كل حال.

***

[مسئلة 15: الجند المعروف كونه خصية كلب الماء]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 15: الجند المعروف كونه خصية كلب الماء ان لم يعلم ذلك و احتمل عدم كونه من اجزاء الحيوان فطاهر و حلال و ان علم كونه كذلك فلا اشكال في حرمته لكنه محكوم بالطهارة لعدم العلم بان ذلك الحيوان مما له نفس.

(2)

اقول: لا فرق في محكومية المشكوك بالطهارة بين الاحتمال الاوّل و الثاني لان الشك سواء كان في كون شي ء جزء من الحيوان او غيره او كان. في انه جزء من الحيوان الذي له نفس سائلة او مما ليس له نفس سائلة ففي كل من الفرضين يكون

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 101

مع الشك محكوما بالطهارة نعم بناء على الفرض الاول يكون الجزء المشكوك حلالا بمقتضى اصالة الحليّة و لكن فى الفرض الثانى لا يكون حلالا لان كونه جزء من الحيوان الّذي يعيش فى

البحر معلوم و قد تحقق فى محله ان الحيوانات البحرية لا تكون حلالا الا السمك منها الّذي له الفلس نعم لو شك فى انّ المتخذ يكون من القسم الحلال من الحيوان البحر او حرامه فأيضا يحكم بحليته لا فى انه من الحيوان الّذي له نفس سائله أو لا.

***

[مسئلة 16: اذا قلع سنّه او قصّ ظفره فانقطع معه شي ء من اللحم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 16: اذا قلع سنّه او قصّ ظفره فانقطع معه شي ء من اللحم فان كان قليلا جدا فطاهر و الّا فنجس.

(1)

اقول: اما نفس السنّ و الظفر فهما ممّا لا تحلّه الحياة فليس بنجس سواء كانا من الميتة او كانا مما يبان من الحي و اما اللّحم الذي منفصل مع احدهما.

فنقول بانه بعد ما عرفت في المسألة الاولى من المسائل المتفرعة على نجاسة الميتة بان الاجزاء المبانة من الحيّ الّا الصّغار منها نجس فلا بدّ من ان نقول بنجاسة اللحم المبان مع السنّ او الظفر و ان كان قليلا الّا ان يدعّي انّ اللّحم اذا كان قليلا جدّا يكون من جملة الاجزاء الصغار المستثنى من نجاسة المبان من الحيّ و كما امضينا لا يشمله أدلّة الدّالة على نجاسة المبان من الحيّ لما يكون قليلا جدّا مضافا الى دلالة رواية عليّ بن جعفر المتقدّمة ذكرها على ذلك، للتّصريح فيها «او ينتف بعض لحمه عن ذلك الجرح» فاذا كان اللّحم المبان قليلا جدّا، لا يبعد القول بعدم نجاسته، و ان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 102

كان كثيرا فهو من الجزء المبان من الحيّ و يكون نجسا لما قدّمنا.

***

[مسئلة 17: اذا وجد عظما مجردا و شك في انه من نجس العين او من غيره]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 17: اذا وجد عظما مجردا و شك في انه من نجس العين او من غيره يحكم عليه بالطهارة حتى لو علم انه من الانسان و لم يعلم انه من كافر او مسلم.

(1)

اقول: لاصالة الطهارة حتى فيما يكون الشك في انه من المسلم او من الكافر مع العلم بكونه من الانسان الّا على القول بصحة استصحاب العدم الازلى و بناء على كون النسبة بين الكفر و الاسلام العدم و الملكة فيستصحب عدم

الاسلام فيترتب عليه آثار الكفر لكن الاشكال في صحة استصحاب العدم الازلى.

***

[مسئلة 18: الجلد المطروح ان لم يعلم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 18: الجلد المطروح ان لم يعلم انه من الحيوان الذي له نفس او من غيره كالسمك مثلا محكوم بالطهارة.

(2)

اقول: لاصالة الطهارة في صورة الشك في انه من اي منهما.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 103

[مسئلة 19: يحرم بيع الميتة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 19: يحرم بيع الميتة لكن الاقوى جواز الانتفاع بها فيما لا يشترط فيه الطهارة.

(1)

اقول: الكلام يقع في جهتين:

الجهة الاولى: في حرمة بيع الميتة

لا يخفي على المتتبع في اقوال فقهائنا رضوان اللّه تعالى عليهم ان المعروف و المشهور عندهم حرمة بيع الميتة بل نقل الاجماع عليه و كونها مذهب اصحابنا.

و اما بمقتضى النصوص و الروايات فيستفاد من عدّة من الروايات حرمة بيعها بالخصوص مضافا الى ما دل عليها بالعموم مثل بعض الروايات الدالة على حرمة بيع الاعيان النجسة او ما يدل على حرمة بيع ما ليس فيه منفعة عرفية معتدة بها.

و من جملة ما يدلّ على حرمة بيعها بالخصوص ما رواها السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب و ثمن الخمر و مهر البغي و الرشوة في الحكم و اجر الكاهن». «1»

و ما رواها حماد بن عمرو و انس بن محمد عن ابيه جميعا عن جعفر ابن محمد عن آبائه عليهم السّلام «في وصية النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم لعلي عليه السّلام قال يا على من السحت ثمن الميتة و ثمن الكلب و ثمن الخمر و مهر الزانية و الرشوة في الحكم و اجر الكاهن. «2»

و ما رواها في قرب الاسناد عن عبد اللّه بن الحسن عن جده على بن جعفر

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 5 من ابواب ما يكتسب به من الوسائل.

(2) الرواية 9 من الباب 5 من ابواب ما يكتسب به من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 104

عن اخيه موسى بن جعفر عليه السّلام قال سألته عن الماشية تكون للرجل فيموت بعضها يصلح له بيع جلودها و دباغها و لبسها

قال لا و لو لبسها فلا يصلّ فيها». «1»

و ما رواها ابن ادريس نقلا عن كتاب جامع البزنطى صاحب الرضا عليه السّلام «قال سألته عن الرجل يكون له الغنم يقطع من ألياتها و هي احياء أ يصلح ان ينتفع بما قطع قال نعم يذيبها و يسرج بها و لا يأكلها و لا يبعها». «2»

و دلالة هذه الروايات على عدم جواز بيعها و عدم نفوذه واضح لان النهي عن تملك الثمن و انه سحت لا معنى له الافساد المعاملة و عدم تحقق النقل و الانتقال في نظر الشارع.

و في قبال تلك الاخبار بعض الاخبار يرى مخالفا لما ذكرنا من الاخبار المتقدمة.

مثل ما روي ابو القاسم الصيقل و ولده «قال كتبوا الى الرجل جعلنا اللّه فداك انّا قوم نعمل السيوف ليست لنا معيشة و لا تجارة غيرها و نحن مضطرون إليها و انما علاجنا جلود الميتة و البغال و الحمير الاهليّة لا يجوز لنا في اعمالنا غيرها فيحلّ لنا عملها و شرائها و بيعها و مسّها بايدينا و ثيابنا و نحن نصلى في ثيابنا و نحن محتاجون الى جوابك في هذه المسألة يا سيدنا لضرورتنا فكتب اجعل ثوبا للصلاة و كتب إليه جعلت فداك و قوائم السيوف التي تسمى السفن نتخذها من جلود السمك فهل يجوز لى الحمل بها و لست ناكل لحومها فكتب عليه السّلام لا بأس». «3»

و اما الاشكال في دلالة الرواية على جواز بيع الميتة و شرائها و العمل فيها

______________________________

(1) الرواية 17 من الباب 5 من ابواب ما يكتسب به من الوسائل.

(2) الرواية من الباب 30 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

(3) الرواية 4 من الباب 38 من ابواب ما يكتسب به من

الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 105

لانه يمكن كون البيع و الشراء يقع على نفس السيوف لا ما لا ينتفع به و هو الجلود مما لا يعتني به لان هذا خلاف ظاهر الرواية ثم انه نقول مع قطع النظر عن الاشكال في الرواية بضعف السند و جوابه نقول: اما أولا فالرواية مما اعرض عنها الاصحاب لانهم مع روايتهم هذه الرواية لم يعملوا بها و يلوح منها آثار التقية لانه عليه السّلام لم يقل في الجواب الّا «اجعل ثوبا للصلاة» مع ان المناسب الجواب عمّا سئل بالنفي او الاثبات و هذا يكون كالاعراض عن الجواب. و أما ثانيا فعلي فرض وجود مقتضي الحجية فيها لا يمكن الجمع الدلالى بينها و بين ما دل على عدم الجواز لان مفاد الطائفة الاولى ان كان مجرد النهي عن بيعها فكان مجال لان يقال بعد دلالة رواية الصيقل على عدم الباس يحمل النهي في الطائفة الاولى على الكراهة و لكن الاشكال في ان التعبير في الروايتين من الطائفة الناهية عن البيع هو كون الثمن سحت و لا يمكن حمل السحت على الكراهة.

و لا يحمل ما دل على عدم الجواز على بلاد لا ينتفع بها و حمل ما دل على الجواز على بلاد ينتفع بها لعدم شاهد لهذا الجمع كما لا شاهد على حمل الطائفة الاولى على خصوص ما يشترط فيه الطهارة و الثانية على غيرها.

و بعد عدم امكان الجمع الدلالى تصل النوبة الى اعمال قواعد التعارض فان كان المرجح لاحدى الطائفتين يؤخذ بما فيه الترجيح و اذا وصلت النوبة بهذا المقام يكون الترجيح مع الطائفة الاولى لان المرجح ان كان هو الشهرة الفتوائية كما كان مبني سيدنا

الاعظم اعلى اللّه مقامه يكون الترجيح مع الطائفة الاولى و ان كان المراد من الشهرة المرجحة الشهرة الروائية فربما يقال لا يكون ترجيح لاحدى الطائفتين على الاخرى الّا ان يدّعى ان الطائفة الاولى اشهر بحسب الرواية ثم بعد عدم الترجيح بحسب الشهرة تصل النوبة بالترجيح بمخالفة العامة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 106

و في هذا المقام قد يقال بان الترجيح مع الاولى لان المروي عنه في الرواية الصيقل على الظاهر هو ابو جعفر الثاني عليه السّلام المعروف بابن الرضا عليهما السّلام و المعروف على ما يقال فتوى الشافعي على الجواز من زمان الرضا عليه السّلام و بعده عند العامة و هو موافق مع رواية صيقل فالطائفة الاولى مخالف للعامة فالترجيح معها.

و يرد بان فتوى الشافعى ان كان على طهارة الميتة بالدبغ و صحة بيعه فعلى هذا الفرض تكون رواية صيقل على خلاف فتواه لدلالتها على نجاسة جلد الميتة لقوله «اجعل ثوبا للصلاة» فلا تكون هذه الرواية موافقا للعامة حتى يؤخذ بمخالفها فلا ترجيح للطائفة الاولى على الثانية من هذا الحيث.

و أما ثالثا يمكن ان يقال، ان مورد خبر الصيقل هو الاضطرار و في صورة الاضطرار جوّز البيع و الشراء و هذا الاحتمال و ان كان يأتي بالنظر الّا ان يقال يوهن هذا الاحتمال عدم وجود قائل بالتفصيل بين صورة الاختيار و الاضطرار، فالعمدة هو كون الخبر معرضا عنه عند الفقهاء رضوان اللّه عليهم- فتلخص انّ الاقوى عدم جواز بيع الميتة.

الجهة الثانية: هل يجوز الانتفاع بالميتة فيما لا يشترط فيه الطهارة

كالتسميد و اطعام جوارح الطير و جعل جلود السيوف و لبسها في غير حال الصّلاة و غير ذلك مما لا يشترط فيها الطهارة.

اعلم ان ما يمكن ان يكون وجها لعدم الجواز روايات

الرواية الاولى ما رواها على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام تعرضنا لها في الجهة الاولى من هذه المسألة فقال السائل «سألته عن الماشية تكون للرجل فيموت بعضها يصلح له بيع جلودها و دباغها و لبسها قال لا.» «1»، فان هذه الرواية تدل على عدم

______________________________

(1) الرواية 17 من الباب 5 من ابواب ما يكتسب به من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 107

جواز الانتفاع بها بالدباغ و اللبس.

و يمكن حمل الخبر على صورة يكون سؤال السائل عن هذه الصورة و هى صورة كون لبسها بعد الدباغ فيكون السؤال عن دباغها و لبسها فلا يجوز الانتفاع بجلد الميتة بعد دباغها و لبسها فعلى هذا عدم الانتفاع من الميتة بغير هذا النحو لا يستفاد من الرواية.

الرواية الثانية: ما رواها سماعة «قال سألته عن جلود السباع ينتفع بها قال اذا رميت و سميت فانتفع بجلوده و اما الميتة فلا». «1»

الرواية الثالثة: ما رواها على بن ابى المغيرة «قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام جعلت فداك الميتة ينتفع منها بشي ء فقال لا قلت بلغنا ان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم مرّ بشاة ميتة فقال ما كان على اهل هذه الشاة اذ لم ينتفعوا بلحمها ان ينتفعوا بإهابها «بجلدها» قال تلك شاة لسودة بنت زمعة زوجة النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم و كانت شاة مهزولة لا ينتفع بلحمها فتركوها حتى ماتت فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله ما كان على اهلها اذ لم ينتفعوا بلحمها ان ينتفعوا بإهابها اي يذكي» «2».

الرواية الرابعة: ما رواها الفتح بن يزيد الجرجاني عن ابي الحسن عليه السّلام

«قال كتبت إليه اسأله عن جلود الميتة التي تؤكل لحمها ذكيا فكتب عليه السّلام لا ينتفع من الميتة بإهاب و لا عصب». «3»

اقول: اما الرواية الاولى فالظاهر من قول السائل «و دباغها و لبسها» هو انه هل يطهر الميتة بالدباغ فليبس ما دبغ على انه طاهر فقال عليه السّلام «لا» و السؤال حيث يكون من الدباغ و اللبس بعده تكون الرواية ظاهرة في ذلك فالسئوال عن

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 49 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 61 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 7 من الباب 33 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 108

طهارة الجلد بعد الدبغ و لبسه بميزان انه طاهر فالرواية لا تدل على عدم جواز الانتفاع بالميتة مطلقا حتى فيما لا يشترط فيه الطهارة و اما ما بقي من الروايات فان الظاهر من الانتفاع المنهي عنه هو الانتفاع بخصوص البيع و الشراء و لا اقل من احتماله فلا تدل على عدم جواز مطلق الانتفاع.

و فيه ان الظاهر منها هو مطلق الانتفاع.

كما ان حمل الاخبار على ان النهي فيها يكون نهيا ارشاديّا لا مولويّا يرشد بالنجاسة أيضا لا شاهد لهذا الحمل.

نعم في قبال هذه الاخبار بعض الاخبار يستفاد منها جواز الانتفاع بالميتة.

منها الرواية الصيقل المتقدمة ذكرها في الجهة الاولى من المسألة و منها ما رواها الحسن بن «على قال سألت أبا الحسن عليه السّلام فقلت جعلت فداك ان اهل الجبل تثقل عندهم أليات الغنم فيقطعونها قال هي حرام قلت فنصطبح بها قال أ ما تعلم انه يصيب اليد و الثوب و هو حرام» «1» بدعوى ظهورها في جواز الانتفاع بالميتة.

و منها

ما رواها ابن ادريس عن كتاب جامع البزنطي صاحب الرضا عليه السّلام «قال سألته عن الرجل يكون له الغنم يقطع من ألياتها و هي احياء أ يصلح له ان ينتفع بما قطع قال نعم يذيبها و يسرج به و لا يأكلها و لا يبيعها». «2»

و منها الرواية التي تعرضناها في المسألة السادسة من نجاسة الميتة «و هي ما رواها ابو بصير الدالة على ان على بن الحسين عليه السّلام يلبس الفرو مع كونه محكوما بعدم التذكية لكونه من العراق الذي يستحلون جلود الميتة و يزعمون ان

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 30 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 30 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 109

دباغه ذكوته «1».»

اذا عرفت ذلك نقول اما الرواية الاولى اعني رواية الصيقل فقد عرفت الكلام فيها و انها مضافا الى ما يحتمل فيها من التوجيهات فيها من حيث الدلالة بحيث لا تعارض مع ما دل على عدم جواز بيع الميتة و هكذا مع ما دل على عدم جواز الانتفاع بالميتة لم يكن مقتضي الحجية فيها موجودا و لا بد من رد علمها الى اهله.

و اما الرواية الثانية و الثالثة فغاية ما يستفاد منهما جواز الانتفاع باليات الغنم المبانة من الحيّ بالاستصباح فكما يدلّ على جواز الاستصباح بالدهن المتنجس بعض الروايات غيرهما تدل هاتان الروايتان على جواز الانتفاع باليات الغنم في خصوص الاستصباح.

و اما الرواية الاخيرة فقد عرفت ضعف سندها فلم نجد في المقام ما يدل من الروايات على جواز مطلق الانتفاعات الغير المشروطة بالطهارة من الميتة فهل يلتزم بالعمل بما يدلّ على عدم جواز الانتفاع بها مطلقا

او يقال بحمل هذه الطائفة على النهي عن الانتفاع بخصوص البيع و الشراء او خصوص ما يشترط فيه الطهارة مع اطلاق لسانها.

او نقول بانه مضافا الى ضعف سند بعض الروايات الدالة على عدم جواز الانتفاع بالميتة مثل رواية على بن ابى المغيرة فانه مجهول و الرواية الفتح بن يزيد الجرجاني فانه مجهول بانه يمكن حمل الروايات الدالة على عدم جواز الانتفاع بالانتفاع المخصوص و هو دبغ جلد الميتة و الانتفاع بها كما ينتفع بالمذكّى.

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 61 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 110

و بعبارة اخرى تكون الروايات ناظرة الى ما تقول به العامة من انّ زكاة الميتة دباغها و كونها بعد الدبغ كالمذكى و انّ ما قالوا ليس حكم اللّه و لا يجوز الانتفاع به و هذا الاحتمال ان لم نقل بكونه اظهر من سائر الاحتمالات في الروايات فلا اقلّ من تساويه معها خصوصا في رواية على بن جعفر كما بيّنا في ذيلها و رواية على بن ابى المغيرة فلهذا لم يكن في البين خبر يكون بظاهره دالا على حرمة مطلق الانتفاعات و مع الشك يكون المرجع اصالة الحلية و يحل بمقتضاها الانتفاعات غير البيع و الشراء من الميتة فيما لا يشترط فيه الطهارة. فتأمّل.

***

[الخامس: الدّم من كل ما له نفس سائله:]
اشارة

قوله رحمه اللّه

الخامس: الدّم من كل ما له نفس سائله: انسانا او غيره كبيرا أو صغيرا قليلا كان الدم او كثيرا و اما دم ما لا نفس له فطاهر كبيرا كان او صغيرا كالسمك و البق و البرغوث و كذا ما كان من غير الحيوان كالموجود تحت الاحجار عند قتل سيد الشهداء ارواحنا فداه و يستثنى من دم الحيوان المتخلف

في الذبيحة بعد خروج المتعارف سواء كان في العروق او في اللحم او في القلب او في الكبد فانه طاهر نعم اذا رجع دم المذبح الى الجوف لرد النفس او لكون رأس الذبيحة في علوّ كان نجسا و يشترط في طهارة المتخلف ان يكون مما يؤكل لحمه على الاحوط فالمختلف من غير المأكول نجس على الاحوط.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 111

(1)

أقول: يقع الكلام في المسألة في جهات:

الجهة الاولى: بعد ما لا اشكال نصا و فتوى فى نجاسة الدم في الجملة
اشارة

يقع الكلام فيما هو الدليل على نجاسة الدم بالعنوان الكلى الذي عنونه المؤلف رحمه اللّه و هو نجاسة الدم من كل ماله نفس سائلة من الحيوان.

فنقول

اما من حيث الفتوى

و ان كان ظاهر كلام بعضهم دعوى الاجماع على نجاسته او دعوى الاتفاق و بعضهم قال لا خلاف في نجاسة الدم و ذهب علمائنا لكن كلامهم في معقد الاجماع مختلف فبعضهم قال لا ينجس من الدم الّا ما كان من حيوان له عرق كما هو عبارة الشرائع او نجاسة الدم قليله و كثيره الّا دم ما لا نفس له او النجس منه هو الدم المسفوح اى ما انصب من العرق نفسه و تختلف النتيجة الحاصلة من هذه العبارات فعلى هذا يكون القول بان ما عنونه المؤلف رحمه اللّه هو المجمع عليه او مورد الاتفاق مشكل فنقول بعد ما لا اشكال في نجاسة الدم في الجملة لا بدّ من فهم موضوع الدم المحكوم بالنجاسة في الجملة مما يقتضيه النص.

فاذا بلغ الكلام بهذا المقام نقول بانه قد يقال بعدم وجود نص فيما بايدينا من الاخبار على نجاسة الدم بهذا الاطلاق بحيث يدخل فيه ما ادخل في عنوان المسألة و اخرج منه ما خرج من عنوان المسألة كما انه من الواضح عدم دلالة بعض الآيات الشريفة المتعرضة للدم على ذلك.

و لكن الحق ان الاخبار المتعرضة للدم و خصوصياته و ان لم يكن جميعها دالا على ذلك و لكن فيها ما يكون به الغني و الكفاية عما نحن بمقامه.

و قبل الورود في ذكر الاخبار نقول انّ الآية الشريفة «1» «قُلْ لٰا أَجِدُ فِي مٰا أُوحِيَ

______________________________

(1) سورة الانعام، الآية 145.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 112

إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلىٰ طٰاعِمٍ يَطْعَمُهُ

إِلّٰا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ لا دلالة لها على حرمة مطلق الدم فضلا عن دلالتها على نجاسة مطلق الدم من ذى النفس الّا بناء على حمل الرجس على النجس و كذلك قوله تعالى إِنَّمٰا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ «1» لانّها مثل سابقها في مقام حرمة الاكل لا النجاسة فالاستدلال بهما على نجاسة الدم بنفسهما غير تمام.

و اما الاخبار
اشارة

فالمراجع فيها يرى ان في بينها و ان لم يوجد ما يكون السؤال و الجواب بنفسه عن نجاسة اصل الدم لكن الموضوعات المعنونة في الاخبار عن بعض الخصوصيات المربوطة به كثيرة كالسؤال عن الصّلاة في الدم نسيانا او عن الاقل من الدرهم او عمّا يخرج عن الجروح و القروح و غيرها و نحن لم تكن في مقام بيان ذكر كلها بل نذكر بعض ما يدل على المقصود فنقول:

الطائفة الاولى: بعض الروايات الواردة في العفو عن اقل الدرهم من الدم

و هي روايات نذكر بعضها بعونه تعالى.

الرواية الاولى: و هي ما رواها عبد اللّه بن ابي يعفور في «حديث» «قال، قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام، الرجل يكون في ثوبه نقط الدم لا يعلم به ثم يعلم فينسى ان يغسله فيصلّى ثم يذكر بعد ما صلى، أ يعيد صلاته قال يغسله و لا يعيد صلاته الّا ان يكون مقدار الدرهم مجتمعا فيغسله و يعيد الصلاة». «2»

الرواية الثانية: ما رواها اسماعيل الجعفى عن ابى جعفر عليه السلام قال فى الدم يكون فى الثوب ان كان اقل من قدر الدرهم فلا يعيد الصلاة. «3»

______________________________

(1) سورة البقرة، الآية 173.

(2) الرواية 1 من الباب 20 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 20 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 113

الرواية الثالثة: و هي ما رواها داود بن سرحان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «في الرجل يصلي فابصر في ثوبه دما قال يتمّ» «1» بناء على حملها بقرينة غيرها على الاقل من الدرهم و هذه الروايات بترك استفصال الامام عليه السّلام عن الدم خصوصا الثالثة للتعبير بذكر الدم نكرة تدل على نجاسة مطلق الدم.

الطائفة الثانية: بعض ما ورد فيمن يرى الدم في ثوب الغير،

منها ما رواها محمد بن مسلم عن احدهما عليهما السّلام «قال سالت عن الرجل يري في ثوب اخيه دما و هو يصلي قال لا يؤذنه حتى ينصرف» «2».

و من الواضح كون المرتكز عند السائل نجاسة الدم و انه لا يصح معه الصّلاة و لهذا سئل عما يرى في ثوب اخيه بان يؤذنه فقال عليه السّلام لا يؤذنه حتى ينصرف و السائل مع انه لا يدري اى دم في ثوب اخيه هل هو من الانسان او غيره

او من العرق أو لا او يكون من الصغير او الكبير او من الماكول او غيره و غير ذلك بحسب ارتكازه يرى مانعيّته للصلاة و لهذا سئل و هو عليهم السّلام لم يقل بانك لا تدري ان هذا دم خاص او لا بل قال لا يؤذنه و ان اشعاره و تنبيهه حال الصّلاة لا يلزم عليك.

الطائفة الثالثة: بعض ما ورد في صحة الصّلاة مع الجهل بالدم

مثل ما رواها ابو بصير عن ابى عبد اللّه عليه السّلام «ان اصاب ثوب الرجل الدم فصلى فيه و هو لا يعلم فلا اعادة عليه و ان هو علم قبل ان يصلي فنسى و صلى فيه فعليه الاعادة» «3» فهذه الرواية بترك التفصيل بين نوع الدم تدل على نجاسة الدم مطلقا.

الطائفة الرابعة: بعض ما ورد في سؤر الطيور

كالرواية التي رواها عمار بن

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 20 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 40 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 7 من الباب 40 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 114

موسى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال سال عما تشرب منه الحمامة فقال كل ما اكل من لحمه فتوضأ من سؤره و اشرب و عن ماء شرب منه باز او صقر او عقاب فقال كل شي ء من الطير يتوضأ مما يشرب منه الّا ان ترى في منقاره دما فان رايت في منقاره دما فلا تتوضأ منه و لا تشرب» «1» و شمول الدم في الرواية لدم الآدمي و غيره بترك التفصيل و اطلاق الدم واضح نعم يمكن دعوى انصراف الدم فيها عن بعض الدماء كدم السمك او غيره مما لا نفس له.

الطائفة الخامسة: بعض ما ورد فيمن لم يكن له الّا ثوب واحد متلوث بالدم

و هو رواه على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليهم السّلام «قال سألته عن رجل عريان و حضرت الصّلاة فاصاب ثوبا نصفه دم او كله دم يصلي فيه او يصلي عريانا قال ان وجد ماء غسله و ان لم يجد ماء صلى فيه و لم يصلّ عريانا» «2». و ربما يأتي بالنظر البدوي ان هذه الروايات المتقدمة ذكرها حيث تكون في مقام بيان حكم آخر من العفو او عدم وجوب اعادة الصّلاة او عدم وجوب الاعلام او غير ذلك لا في مقام نجاسة الدم حتى يقال بإطلاقه و الظاهر كون نظر السائل الى ما هو المرتكز في ذهنه عن الدم النجس و ما هو المعهود عنده و عند المسئول عنه فلا يمكن استفادة الاطلاق من الروايات

بالنسبة الى نجاسة مطلق الدم بل بعد مفروغية نجاسة دم بين السائل و السؤال عنه يكون السؤال في هذه الروايات عن حيث آخر و اما ما هو المعهود بينهما فهو غير معلوم.

و فيه انه و ان كان مجال لهذا الاحتمال في بعض هذه الروايات و لكن لا يأتي في كلها مثل رواية محمد بن مسلم المتقدمة في باب من يرى الدم في ثوب اخيه فهو

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 4 من ابواب الأسآر من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 45 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 115

كيف يدري انه من اي دم او هو من القسم المعهود بين السائل و المسئول عنه حتى يقال ان السائل اشار الى ما هو المعهود من الدم بينه و بين المسئول عنه و كذا في رواية عمار الواردة في سؤر الطير نعم يمكن دعوى انصراف الدم فيها عن بعض افراد الدم مثل دم الحيوان الذي لا نفس له كالسمك و البرغوث و غيرهما مما لا نفس له و اما اطلاقها من حيث ترك استفصال السائل و المسئول عنه من انه من دم الانسان و ان لم يكن خارجا من عرقه او غير الانسان من الحيوانات اهليا او وحشيا صغيرا او كبيرا قليلا او كثيرا مما لا ينكر فتلخص ان الدم من ذي النفس نجس من انسان كان او غيره كبيرا كان الحيوان او صغيرا كثيرا كان الدم او قليلا.

و اما ما حكي عن الصدوق رحمه اللّه من عدم نجاسة دون الخميصة من الدم تمسكا بما رواها مثنى بن عبد السلام عن ابى عبد اللّه عليه السّلام «قال قلت له انى حككت

جلدي فحرج منه دم فقال ان اجتمع بقدر حمّصة فاغسله و الا فلا» «1».

ففيه انه لا تدل الرواية على عدم النجاسة الدم اذا كان اقلّ من الحمصة لان ما تدل عليه الرواية عدم وجوب الغسل اذا كان اقل منها و لعل عدم وجوب الغسل كان من باب كون الاقل من الحمّصة اقل من الدرهم و لا يجب غسل اقل من الدرهم في الصّلاة فعدم وجوب الغسل لا يلازم عدم النجاسة.

و كذا ما حكي عن الشيخ رحمه اللّه من عدم نجاسة الدم اذا لم يدركه الطرف تمسّكا بما رواها على بن جعفر عن اخيه ابى الحسن موسى بن جعفر عليهم السّلام «قال سألته عن رجل رعف فامتخط فصار بعض ذلك الدم قطعا صغارا فاصاب إناءه و لم يستبن ذلك في الاناء هل يصلح له الوضوء فقال ان لم يكن شيئا يستبين في الماء فلا بأس «2»

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 20 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 8 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 116

بدعوى دلالتها على عدم نجاسة الدم ما لم يدركه الطرف لدلالة الرواية على صلاحية الماء الواقع فيه الدم ما لا يدركه الطرف لأن يتوضأ منه و قيل جوابا عنه بان مورد الرواية هو ما اذا لم يعلم بان الدم وقع في الماء او في الاناء او يعلم ورود الدم في الاناء لكن لا يعلم وروده في الماء من باب انه يعلم ورود الدم على الاناء لكن لا يدري انه وقع على خارج الاناء فقط فلم يبلغ الماء او وقع داخل الاناء حتى وقع فى الماء و حيث يكون احد طرفي المعلوم

بالاجمال خارجا عن محل الابتلاء فلا يكون العلم الاجمالى منجزا و لهذا يصح الوضوء من الماء.

و فيه انه كيف يمكن ان يكون المفروض في الرواية على ما قيل من موارد الخروج عن محل الابتلاء لعدم تأتى ما هو الملاك في الخروج عن محل الابتلاء فيه، فالحرى في الجواب ان يقال انه يحتمل كون مورد الرواية من صغريات الاقل و الاكثر الارتباطي من باب ان مفروض السائل علمه بوقوع الدم على الاناء لكنه يشك في انه مضافا الى وقوعه على الاناء هل وقع على الماء أيضا حتى لا يصح الوضوء من الماء فجواب الامام عليه السّلام بقوله لا بأس اى لا بأس بالوضوء من الماء لكون مقتضي الشك في الاقل و الاكثر الارتباطي هو البراءة فيكون الحكم موافقا للقاعدة.

و هذا الاحتمال ان لم نقل بكونه موافقا لظاهر الرواية فلا اقل من كونه احدي الاحتمالات فيها فلا يمكن التمسك بالرواية لما حكي عن الشيخ رحمه اللّه من عدم نجاسة ما لا يدركه الطرف من الدم.

الجهة الثانية: الدم مما لا نفس له طاهر
اشارة

صغيرا كان او كبيرا كالبرغوث و كالسمك و ادعي عن بعض الاجماع عليه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 117

[فى دعوى الاجماع عليه]

اعلم أولا بان ما قدّمنا من الاخبار المتعرضة للدم و ان قلنا بان اطلاق بعضها للدم مما له نفس سائلة مما لا اشكال فيه و لكن لا اطلاق لها بالنسبة الى دم ما ليس له نفس سائلة من الحيوانات لان اظهر الروايات في الباب على ما عرفت رواية محمد بن مسلم و رواية عمار الساباطي و دعوى عدم عموم او اطلاق لها يشمل دم ما لا نفس له ليس دعوى بعيدا حيث ان ابتلاء منقار الطير بمثل دم البق او البرغوث بعيد جدا و لا يكون دمهما بمقدار يشاهد في الثوب او منقار الطير و احتمال ابتلاء منقار الطير بدم السمك أيضا بعيد في الغاية فشمول الدليل الدال على نجاسة الدم لدم حيوان لا نفس له غير مسلّم ان لم نقل بكونه مسلّم العدم فمن رأس لا دليل لنا على نجاسة دم لا نفس له و تصل النوبة مع الشك في نجاسته و عدمه الى الاصل و الاصل يقتضي الطهارة.

و ثانيا يدل على عدم نجاسة بعض افراد ما ليس له نفس سائلة بعض الاخبار:

منها ما رواها ابن ابى يعفور قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام «ما تقول في دم البراغيث قال ليس به بأس قلت انه يكثر و يتفاحش قال و ان كثر «الحديث». «1»

منها ما روي محمد بن ريّان «قال كتبت الى الرجل عليه السّلام هل يجري دم البق مجري دم البراغيث و هل يجوز لاحد ان يقيس بدم البق على البراغيث فيصلى فيه و ان يقيس على نحو هذا فيعمل

به فوقّع عليه السّلام يجوز الصلاة و الطهر منه افضل» «2».

و منها ما روي غياث عن جعفر عن ابيه قال لا بأس بدم البراغيث و البق و

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 23 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 23 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 118

بول الخشاشيف» «1».

و احتمال كون النظر في الرواية الثانية اعني رواية محمد بن ريان الى مجرد العفو عن دم البق مثل البراغيث في الصّلاة و لا تدل الرواية على طهارتهما يوجب عدم الاستدلال بهذه الرواية على طهارتهما.

لكن لا يتأتى هذا الاحتمال في الرواية الاولى و الثالثة و هما تكفيان للدلالة على طهارتهما فتلخص مما ذكر طهارة دم البق و البرغوث لدلالة الرواية الاولى و الثالثة على ذلك بلا اشكال.

و اما ما يمكن الاستدلال به على طهارة غيرهما
اشارة

مما لا تكون له نفس سائلة فهو امور:

الامر الاوّل: بعض الاخبار.

منها ما رواه السكوني عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال ان عليّا عليه السّلام كان لا يري باسا بدم ما لم يذكّ يكون في الثوب فيصلى فيه الرجل يعني دم السمك بدعوى دلالة قوله عليه السّلام «يعني السمك» عن الصادق عليه السّلام تفسيرا لكلام على عليه السّلام من قوله بان عليّا عليه السّلام لا يرى باسا بدم ما لم يذكّ». «2»

الامر الثاني: ما عن المنتهى بان دم ما لا نفس له من الحيوان ليس اعظم من ميتة ما لا نفس له

و ميتته طاهرة انتهى و قد تصدي لتوجيه الاستدلال بعض الاعاظم بعد ذكر الاشكال بان هذا لم يخرج من القياس بما حاصله يرجع الى انّ بعض اجزاء الميتة الدم فلو لم يكن الموت سببا لاشتداد حكم الدم من حيث النجاسة لم يصر سببا لرفع حكم النجاسة و ان يصير الدم طاهرا فطهارة ميتة ما لا نفس له

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 23 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 33 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 119

من الحيوان تدل على طهارة دمه و لحمه و عظمه و سائر اجزائه بالتضمّن و على هذا يكون الاستدلال على طهارة دم ما لا نفس له ببعض الاخبار الدالة على طهارة نفسه.

كالرواية التي رواها عمّار الساباطي عن ابى عبد اللّه عليه السّلام «قال سئل عن الخنفساء و الذباب و الجراد و النملة و ما اشبه ذلك يموت في البئر و الزيت و السمن و شبهه قال كل ما ليس له دم فلا بأس». «1»

و كالرواية التي رواها حفص بن غياث عن جعفر بن محمد عن ابيه عليهما السّلام «قال لا يفسد الماء الّا ما كانت له نفس سائلة» «2».

بعد وضوح ان الحيوان الذي يموت في الماء يصيب

دمه الماء خصوصا اذا تفسّح في الماء فمع ذلك قال عليه السّلام بعدم فساد الماء به بقول مطلق و الحال ان دمه لو كان نجسا كان الحري ان يقول اما دمه اذا اصاب الماء ينجّس الماء.

اقول: و يمكن ان يقال بانه مع قطع النظر عن الاعتبار الذي قاله العلامة الهمداني رحمه اللّه «3» بانه يمكن الاستدلال بترك الاستفصال لكون الدم مما لا نفس له لا ينجس بعد موته لان عدم نجاسة ميتة ما لا نفس له باجزائها كما هو مفاد هذين الخبرين و غيرهما يدل على عدم كون دم ميتة ما لا نفس له نجسا و التفصيل بين حال حياته و مماته بان يقال ان الدليل غاية ما يدلّ عليه يدلّ على طهارة دم ميتة ما لا نفس له و اما حال حياته فلا يدلّ عليه مما لا يمكن الالتزام به.

الامر الثالث: ما عن المعتبر في خصوص عدم نجاسة دم السمك

بانه لو كان

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 35 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 35 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) مصباح الفقيه، ج 7، ص 151.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 120

دمه نجسا توقفت إباحة اكله على سفح دمه كالحيوان البرىّ و لم نقل به هذا كله فيما يمكن ان يكون وجها لطهارة دم ما لا نفس له من الحيوانات و على كل حال لا اشكال في طهارة دمه و ان كان بعض الوجوه المستدلة بها لم يمكن حال عن الاشكال.

الجهة الثالثة: الدم من غير الحيوان كالموجود تحت الاحجار عند شهادة سيد الشهداء

عليه الصّلاة و السلام و روحي له الفداء فهو طاهر لعدم كونه دما حقيقيا كما قيل و على فرض كونه دما فالاخبار الدالة على نجاسة الدم منصرفة عنه بلا اشكال.

و دعوى ان منشأ توهم الانصراف يكون ندرة الوجود و هذا لا يوجب الانصراف مدفوع بان منشأ الانصراف عدم معهودية ذلك الدم و في هذا المورد لو لم نقل بالانصراف ففي اي مورد يصح دعوى الانصراف و مع شك يكون مقتضي الاصل الطهارة.

الجهة الرابعة: استثنى من حكم نجاسة دم الحيوان الدم المختلف في الذبيحة
اشارة

بعد خروج المتعارف منه حين الذبح سواء كان في العروق او في اللحم او في القلب او في الكبد فانه طاهر و ادعى على طهارته الاجماع كما عن بعض و لا خلاف كما عن بعض آخر.

و استدل على طهارته بعد الاجماع بوجوه:

الوجه الاوّل: ان الاجتناب منه حرج و هو مرفوع

و فيه انه لا حرج في الاجتناب عنه لامكان ازالته و على فرض عدم امكان ازالته عن موضع يجتنب عنه و لا يوجب حرجا و على فرض وجود الضرورة في ارتكابه يجوز ارتكابه و ان كان نجسا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 121

الوجه الثاني: ما دلّ على حلية الذبيحة

و فيه ان ما دل على حلية الذبيحة متعرض لحيث حلية الحيوان بالذبح من حيث عدم كونه ميتة و هذا لا ينافي مع كون الذبيحة متنجّسا بنجاسة بحيثيّة اخرى.

الوجه الثالث: ان الدم الذي محكوم بالنجاسة هو الدم المسفوح

و الدم المختلف في الذبيحة ليس بمسفوح.

و فيه ان المسفوح ما من شانه ذلك و لا ينحصر النّجس بالمسفوح الفعلي و لهذا ما يخرج من الدم عن الجسد حين حكّه او عن الجروح و القروح يكون نجسا أيضا.

الوجه الرابع: السيرة المستمرة من المتشرعة من زمان المعصوم عليه السّلام

و صاحب الشرع الى زماننا من المتشرعة و من زماننا الى زمان المعصومين عليهم السّلام على معاملة الطهارة مع الدم المختلف فى الذبيحة بعد خروج الدم المتعارف منه حين الذبح و نرى وجود ذلك من زمنهم عليهم السّلام الى زماننا و قد وصل بايدينا يدا بيد و لم يكن شيئا احدث بعدهم بدون الاستناد بهم و لم يكن امرا احدثوا من قبل انفسهم بلا اتخاذه من صاحب الشرع و هذه السرة تكفي دليلا على طهارة الدم المتخلف ثم ان هذا الحكم اعني طهارة الدم المختلف في الذبيحة هل يكون منحصرا بدم المختلف عن المأكول اللحم من الحيوان او يعمّ غير الماكول منه ما عدا الحيوان الّذي يكون نجس العين كالكلب و الخنزير منه يدعي عدم الفرق في الطهارة بين المأكول و غيره ما عدا نجس العين.

و لكن حيث يكون الدليل على الطهارة هو السيرة و تحققها على طهارة دم المختلف في ذبيحة غير مأكول اللحم من الحيوان غير معلوم لا يمكن القول بطهارة دم المختلف في الذبيحة في غير الحيوان المأكول اللحم و ان كان لدعوى السيرة على عدم غسل جلد غير المأكول المذكي و بعض اجزائه الّذي ينتفع منه مجال: لكن مع هذا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 122

الاحوط الاجتناب منه.

و هل يشترط في طهارة دم المختلف من الذبيحة ان يكون الدم في خصوص العروق كما حكي عن بعض معاقد الاجماعات او

لا بل هو طاهر سواء كان في العروق او في اللحم او في القلب او في الكبد او في غير ذلك من اجزائه حتى في النخاع و الطحال لان كل ما يدلّ على طهارة الدم المتخلف يدلّ على طهارته و ان كان في النخاع و الطحال أيضا.

و ما عن بعض من الاستشهاد على نجاسته اذا كان في الطحال بما رواها عمّار بن موسى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «و قد سئل عن الجرى يكون في السفود مع السمك قال يؤكل ما كان فوق الجري و يرمي ما سال عليه الجرىّ قال و سئل عن الطحال مع اللحم في سفود و تحته خبز و هو الجواذب أ يؤكل ما تحته قال نعم يؤكل اللحم و الجواذب و يرمي بالطحال لان الطحال في حجاب لا يسيل منه فان كان الطحال مشقوقا او مثقوبا فلا تأكل ما يسيل عليه الطحال» «1».

بدعوى ان وجه عدم جواز اكل ما يسيل على الطحال «و هو الدم كما يفصح عنه بعض الاخبار» هو كون ما في الطحال يعني الدم نجسا لا من حيث حرمته لانه ان كان المنشأ حيث حرمة ما فى الطحال لكان المناسب ان يقول لا يؤكل اللحم الذي يسيل عليه الطحال الّا بعد ازالة ما عليه من ما فى الطحال لا ان يقول لا يؤكل هذا اللحم.

ليس في محله لانه على تقدير النجاسة يكفي ان يقول لا يؤكل الّا بعد الغسل لان مجرد نجاسة اللحم بسبب ملاقاته لما في الطحال لا يوجب عدم جواز اكله مطلقا بل مفاد الرواية و اللّه اعلم ليس الّا عدم جواز اكل اللحم الذي ورد عليه ما في

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب

49 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 123

الطحال بهذه الحالة و اما كون منشأ النهي نجاسة ما في الطحال او حرمته فغير مستفاد من الرواية.

ثم ان وجه الاشكال في الطهارة دعوى عدم وجود السيرة على عدم الاجتناب عن الدم اذا كان في الجزء المحرم اكله من الحيوان لان القدر المتقين من السيرة على عدم الاجتناب عن الدم المختلف في الذبيحة هو اذا كان الدم في الاجزاء المحلل اكله من الحيوان و اما اذا كان الدم في اجزائه المحرّم اكلها كالطحال و النخاع فوجود السيرة فيه غير معلوم و مع عدم تحقق السيرة فيكون الدم المختلف الواقع في الجزء المحرم اكلها من الحيوان محكوما بالنجاسة بمقتضى الادلة الدالة على نجاسة الدم.

و حيث انه عرفت عدم وجود وجه آخر على طهارة دم المختلف فى الذبيحة غير السيرة و المتيقن من السيرة طهارة هذا الدم اذا كان في الجزء الماكول لحمه من الحيوان فالاحوط بل الاقوى وجوب الاجتناب عن الدم المختلف الواقع في الجزء المحرم اكله من الحيوان كالطحال و النخاع و ترتيب آثار النجاسة عليه.

ثم انه اذا رجع دم المذبوح الى الجوف لرد النفس او لكون رأس الذبيحة في علوّ كان نجسا اما اذا رجع الدم من الخارج الى الداخل فلا اشكال في نجاسته لان الدم المسفوح دخل في الجوف و اذا رجع هذا الدم من الداخل بالنفس فأيضا نجس بعد كون الاصل في دم ما له نفس سائلة النجاسة و لا يكون هذا من الدم المختلف في الذبيحة.

ان قلت انه اذا خرج دم من الحيوان يكون نجسا و اذا لم يخرج و لم يظهر يكون طاهرا و ان

كان في اللحم.

اقول: ان المبني تارة يكون على عدم دليل على نجاسة دم ما له نفس سائلة من الحيوان بنحو الاطلاق فالامر سهل و يقال في المقام بانه نشك في نجاسته الدم في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 124

محل الكلام و لا عموم و لا اطلاق يدل على نجاسة فيكون المرجع هو الاصل و هو الطهارة.

و تارة يكون المبني نجاسة مطلق الدم من كل حيوان يكون له نفس سائلة الا ما خرج بالدليل.

و من جملة الدم الذي يشمله الاطلاق هو هذا الدم الذي يكون مورد الكلام و يشمله اطلاق ما دل على نجاسة دم ذي النفس من الحيوان و لا دليل على اخراجه عن هذا الاطلاق فيحكم بنجاسته.

***

[مسئلة 1: العلقة المستحيلة من المني نجسة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: العلقة المستحيلة من المني نجسة من الانسان كان او غيره حتى العلقة في البيض و الاحوط الاجتناب عن النقطة من الدم الذي يوجد في البيض لكن اذا كانت في الصفار و عليه جلدة رقيقة لا ينجس معه البياض الّا اذا تمزّقت الجلدة.

(1)

اقول: لا وجه للقول بنجاسة العلقة المستحيلة من المني الّا دعوى كونها مضافا الى الحيوان الذي تتكون العلقة فيه فيقال انها دم الحيوان و هو نجس لما دلّ على نجاسة دم الحيوان الذي تكون له نفس سائلة و لكن يمكن منع ذلك لانها تتكون في الحيوان و ليس جزء من الحيوان و الدليل الدال على نجاسة دم الحيوان ذي النفس لا يدل الّا على نجاسة الدم الذي يكون جزء من الحيوان.

و اما مع فرض قبول عدم كون العلقة مضافة الى الحيوان المتكون فيه العلقة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 125

فلا وجه لنجاستها و لو

كانت دما لعدم وجود اطلاق لدليل نجاسة الدم يشمل هذا المورد و على فرض وجوده فهو منصرف عن المورد و لكن من باب نقل الاجماع على نجاستها عن بعض و احتمال انّ تكوّنها في الحيوان يوجب اضافتها الى الحيوان و القول بانها دم الحيوان المتكوّنة فيه نقول بان الاحوط معاملة النجاسة و ترتيب آثارها على العلقة المستحيلة من المني المتكوّنة في الحيوان و كذا العلقة الواقعة في البيض.

و اما نقطة دم قد يوجد في البيض فالحكم بنجاستها اشكل لعدم دليل على نجاستها الّا ان يقال باعتبار ان البيض يتكوّن في الحيوان فيقال ان الدم المتكوّن في البيض مضاف الى الحيوان و هذا الاعتبار يكفي في صدق كون هذا النقطة من الدم في البيض دم الحيوان و حيث يكون دم الحيوان ذي النفس نجس فهذا الدم الواقع في البيض نجس.

و لكن كيف يمكن الافتاء بنجاسة نقطة الدم في البيض بذلك الوجه الذي لم يكن وجيها و مع الشك يكون الاصل الطهارة و لكن مع ذلك ينبغى الاحتياط بالاجتناب عنها.

و اما الكلام في نجاسة البياض من البيض و عدمها فان قلنا بان الغلظة الموجودة في الصفار تمنع عن السراية فلا ينجس البياض و لو تمزقت الجلدة الرقيقة الفاصلة بين الصفار و البياض.

و ان لم تمنع الغلظة من السراية ينجس البياض بتمزق الجلدة الرقيقة و لا يبعد الثاني.

و اما ما قيل من انه يكون لنفس نقطة الدم في البيض جلدة رقيقة تمنع عن السراية ان كان تماما فلو اخذت نقطة الدم و طرحت فلا ينجس ما بقي من صغار البيض فضلا عن بياضه.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 126

و لو شككنا في ذلك فمقتضى الاصل

هو الطهارة في البياض و الصغار من البيض.

***

[مسئلة 2: المتخلف في الذبيحة و ان كان طاهرا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: المتخلف في الذبيحة و ان كان طاهرا لكنه حرام الّا ما كان في اللحم ممّا يعدّ جزءا منه.

(1)

اقول: الاقوى حرمة شرب الدم المتخلف لحرمة شرب مطلق الدم على ما يستفاد من قوله تعالى إِنَّمٰا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَ مٰا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّٰهِ «الخ» «1» و من بعض الروايات. «2»

فالقول بعدم حرمة شرب اكل الدم المتخلف في الذبيحة كما عن الجواهر لا وجه له.

و الاستدلال عليه بقوله تعالى أَوْ دَماً مَسْفُوحاً «3» بان محرم الاكل من الدم ليس الّا المسفوح من الدم.

فيه أولا ان ذلك يوجب الالتزام بحلية اكل كل دم ليس بمسفوح و لا يمكن الالتزام به.

و ثانيا لا يستفاد من الآية الشريفة المستدلة بها انحصار حرمة الاكل بكونه

______________________________

(1) سورة البقرة، الآية 173.

(2) الرواية 1 من الباب 5 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

(3) سورة الانعام، الآية 145.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 127

مسفوحا لان المحرّم ان كان منحصرا بالمذكورات في الآية يلزم تخصيص الاكثر.

فلا بد اما من حمل الحصر المستفاد من الآية الشريفة على ما هو المحرم اكله عند صدور الآية او الى الحصر الاضافي او غير ذلك فلا يكون المحرم اكله منحصرا بالدم المسفوح حتى يكون مجال لان يقال بحلية اكل الدم الغير المسفوح.

و اما ما كان جزء من اللحم و يعدّ منه.

فان كان مستهلكا في اللحم بحيث تكون السيرة المستمرة من المتشرّعة على عدم الاجتناب عنه فلا يبعد طهارته و عدم وجوب الاجتناب عنه و حلية اكله مع وجود السيرة.

***

[مسئلة 3: الدم الابيض اذا فرض العلم بكونه دما]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: الدم الابيض اذا فرض العلم بكونه دما نجس كما في خبر فصد العسكري صلوات

اللّه عليه و كذا اذا صب عليه دواء غيّر لونه الى البياض.

(1)

اقول: اما الأخبار فالظاهر انصرافها عما يكون ابيض لان قوله مثلا «رأى في ثوب اخيه دما» او «فى منقاره دما» منصرف عن الدم الابيض ان لم نقل بان المقطوع عدم كون الدم الابيض من الدم المذكور في الاخبار لان موردها ما رأى الشخص الدم و لا يرى في منقار الطير او في ثوب الّا الدم الاسود و الاحمر فيرى لونه و اما الابيض فلا يرى فهو خارج عن مورد الاخبار.

نعم مع اطلاق بعض معاقد الاجماعات و عدم القول بالفصل بين الاحمر و

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 128

الابيض من الدم نقول بان الاحوط الاجتناب عن الدم الابيض و اما صفة فصد الامام ابى محمّد العسكري صلوات اللّه و سلامه عليه المذكورة في روايتين كما في الوسائل فلا تعرض فيهما لنجاسة الدم او طهارته اصلا نعم في الاولى منهما تعرض لكون الدم الخارج كان ابيض مضافا الى ضعف سند هما فراجع. «1»

***

[مسئلة 4: الدم الذي قد يوجد في اللبن عند الحلب]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: الدم الذي قد يوجد في اللبن عند الحلب نجس و منجس للبن.

(1)

اقول: لانّه دم الحيوان و قد دلّ الدّليل كما عرفت على نجاسته و ينجّس اللّبن لانّ اللّبن لاقي النّجاسة مع الرّطوبة المسرية.

***

[مسئلة 5: الجنين الذي يخرج من بطن المذبوح]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: الجنين الذي يخرج من بطن المذبوح و يكون ذكاته بذكاته بذكاة أمه تمام دمه طاهر لكنه لا يخلو عن الاشكال.

(2)

اقول الاقوى نجاسة دمه ان قلنا بنجاسة مطلق الدم.

______________________________

(1) الروايتان 1 و 2 من الباب 10 من ابواب ما يكتسب به من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 129

و ما بيّنا من الاخبار حيث يكون منصرفه غير المورد فلا دليل على نجاسته و مع الشك فالمحكّم اصالة الطهارة و اما التمسك لطهارته بان حيث تكون ذكاته ذكاة أمه و مع تذكية أمه خرج الدم المتعارف و هذا من المتخلف في الذبيحة و لهذا يجوز اكله ففيه ان ما دل على ان ذكاته بذكاة أمه لا يدلّ الّا على كونه مذكي بتذكية أمه و اما طهارة دمه فلا بل نقول بانه بعد كون دليل طهارة الدم المتخلف هو السيرة فهي غير جارية في ما نحن فيه.

***

[مسئلة 6: الصيد الذي ذكاته بآلة الصيد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: الصيد الذي ذكاته بآلة الصيد في طهارة ما تخلف فيه بعد خروج روحه اشكال و ان كان لا يخلوا عن وجه و اما ما خرج منه فلا اشكال في نجاسته.

(1)

اقول: و منشأ الاشكال هو الاشكال في شمول دليل الدال على طهارة الدم المتخلف في الذبيحة للمورد و عدم شموله و حيث انه قد عرفت ان الدليل العمدة في طهارة الدم المتخلف في الذبيحة بل الدليل المنحصر هو السيرة و لم نكشف تحققها في المورد فالاحوط الاجتناب عنه و اما ما خرج منه من الدم فلا اشكال في نجاسته لانه دم من الحيوان ذي النفس السائلة.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 130

[مسئلة 7: الدم المشكوك في كونه من الحيوان]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 7: الدم المشكوك في كونه من الحيوان أولا محكوم بالطهارة كما ان الشي ء الاحمر الذي يشك في انه دم أم لا كذلك و كذا اذا علم انه من الحيوان الفلانى و لكن لا يعلم انه مما لا نفس أم لا، كدم الحية و التمساح و كذا اذا لم يعلم انه دم شاة او سمك فاذا رأى في ثوبه دما لا يدري انه منه او من البق او البرغوث يحكم بالطهارة و اما الدم المختلف في الذبيحة اذا شك في انه من القسم الطاهر او النجس فالظاهر الحكم بنجاسته عملا بالاستصحاب و ان كان لا يخلو عن اشكال و يحتمل التفصيل بين ما اذا كان الشك من جهة احتمال رد النفس فيحكم بالطهارة لاصالة عدم الرد و بين ما كان لاجل احتمال كون راسه على علوّ فيحكم بالنجاسة عملا باصالة عدم خروج المقدار المتعارف.

(1)

اقول: لاصالة الطهارة الجارية في الصورة الاولى الى الرابعة من الصور المذكورة

في المسألة لانه بعد عدم حجية العام في الشبهة المصداقية تصل النوبة بالاصول العملية و الاصل في المقام هو اصالة الطهارة.

ان قيل او يقال بان الحكم في الصورة الاولى و الثالثة و الرابعة هو النجاسة لعموم ما دل على نجاسة كل دم و الخارج ليس الّا ما علم كونه من غير الحيوان او غير ذي النفس و رواية عمار الساباطي المتقدمة ذكرها حين ذكر طوائف الاخبار تدل على نجاسة الدم لان فيها قال عليه السّلام «الا ان ترى في منقاره دما» فحكم بجواز الوضوء من الماء الذي شرب منه الطير الا ان يرى دما في منقاره و اطلاقه يشمل صورة الشك أيضا.

و فيه ان التمسك بالعموم على فرض وجوده فهو من قبيل التمسك بالعام في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 131

الشبهات المصداقية و قد بيّنا عدم كون العام حجة فيها.

و اما الرواية فقد عرفت عند التعرض لها بانها و ان كانت لها الاطلاق بالنسبة الى دم ذى النفس السائلة لكنها منصرفة عن غيرها لوضوح ان منقاره لا يبتلى بدم غير الحيوان و كذا دم ما لا نفس له فلا مجال للتمسك هنا على نجاسة المشكوك كونه من دم الحيوان او غيره او دم ما لا نفس له فعلى هذا في مورد الشك.

يكون الاصل الطهارة.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 2، ص: 131

و اما فيما يكون الشك في الدم المختلف في الذبيحة من حيث انه هل يكون من القسم الطاهر من الدم المختلف في الذبيحة و هو الدم المختلف في الذبيحة بعد

خروج الدم المتعارف حين الذبح.

او هو من القسم النجس من الدم المختلف و هو الدم الذي رجع من المذبح الى الجوف لرد النفس او لكون رأس الذبيحة في علوّ.

فقال المؤلّف فى هذه المسألة بان الظاهر الحكم بالنجاسة عملا بالاستصحاب و ان كان لا يخلو عن اشكال ثم قال و يحتمل التفصيل بين ما اذا كان الشك من جهة احتمال رد النفس فيحكم بالطهارة لاصالة عدم الرد و بين ما كان لاجل احتمال كون راسها في علوّ فيحكم بالنجاسة عملا باصالة عدم خروج المقدار المتعارف.

اقول اما استصحاب النجاسة فان كان نظره الشريف الى استصحاب نجاسة الدم في السابق قبل خروجه من الباطن فيقال ان هذا الدم كان سابقا نجسا فيما كان في الباطن فتستصحب هذه النجاسة السابقة ففيه ان نجاسة الدم ما دام يكون في الباطن غير معلوم لان غاية ما يدل عليه الدليل وجوب غسل ملاقيه او عدم جواز الصلاة فيه و غير ذلك و هو في الدم الذي يكون في الخارج فليست حالته السابقة النجاسة حتى تستصحب.

و اما وجه اشكاله في الاستصحاب اما من جهة تبدل الموضوع بان الدم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 132

السابق كان في الباطن و في زمان الشك في حكمه يكون في الظاهر فليست القضية المشكوكة عين القضية المتيقنة.

ففيه ان كون الدم في الباطن او في الخارج يكون من حالات الدم و الموضوع باق بنظر العرف و هو الدم في كلتا الحالتين فتكون القضية المشكوكة عين القضية المتيقنة فيجرى الاستصحاب.

و اما بكونه مسببا عن خروج الدم المتعارف اما لرد النفس فالأصل السّببى و هو اصالة عدم رد النفس حاكم على استصحاب النجاسة و تكون النتيجة الطهارة

لانه بعد عدم رد النفس بمقتضى اصالة عدم رد النفس فيكون الدم المختلف محكوما بالطهارة.

و اما لان رأس الذبيحة في العلوّ و صار سببا لعدم خروج الدم المتعارف فيستصحب عدم خروج الدم المتعارف و هو أيضا حاكم على استصحاب النجاسة و ان كان موافقا له لان مقتضى اصالة عدم خروج الدم المتعارف هو النجاسة كما ان مقتضى استصحاب النجاسة هو النجاسة لكن الاوّل حاكم على الثاني فالنتيجة و ان كانت بحسب كل من اصالة عدم ردّ النفس و اصالة عدم خروج الدم المتعارف مختلفة لان الاولى يقتضي طهارة الدم المختلف المشكوك كونه من القسم الطاهر! او النجس و الثانية تقتضى نجاسة الدم المشكوك و لهذا قال المؤلف و يحتمل التفصيل و لكن على كل حال يكون استصحاب النجاسة محكوم الاصلين هذا حاصل وجه الاشكال الثاني على استصحاب نجاسة الدم و هو عدم اجرائه لوجود الاصل الحاكم عليه.

و فيه ان استصحاب عدم رد النفس و كذا استصحاب عدم خروج الدم بمقدار المتعارف يكون مثبتا لانه لا يثبت بها الطهارة او النجاسة الا على القول بالاصول المثبتة لان طهارة الدم في الاولى و النجاسة في الثانية ليست اثرا شرعيا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 133

للاصلين و بعد كونهما مثبتين تصل النوبة الى الاصل المحكوم و هو استصحاب نجاسة الدم لانه كان نجسا سابقا فنستصحب و لكنه قد عرفت انها ليست متيقنة في الساق لان السابق كان الدم في الباطن و ما دام الدم في الباطن لا دليل على نجاسته تمسكا باستصحاب النجاسة.

فتلخص ان النتيجة على هذا هو الطهارة لانه بعد عدم جريان استصحاب النجاسة و وقوع الشك في طهارة هذا الدم و نجاسته

فالاصل الطهارة.

و يمكن ان يقال في المقام بعدم وجود السيرة على عدم الاجتناب عن الدم المختلف فى هذا الفرض اى فرض الشك في خروج الدم بمقدار المتعارف و هو محكوم بحكم نجاسة الدم.

و بعبارة اخرى تكون السيرة في خصوص ما علم خروج الدم المتعارف و في مورد الشك يكون التمسك بالعام في الشبهة المصداقية لان التخصيص يكون لبيّا فيكون العام محكما فلا تصل النوبة بالاصل العملي اصلا فيكون الحكم في تلك الصورة النجاسة كما ان الامر كذلك في صورة الاخرى كما نذكر لك بعد ذلك إن شاء اللّه.

لكن يأتي بالنظر امر آخر و ان كان ما رايته في واحد من كلماتهم و نلقيه على سبيل ابداء الاحتمال و هو ان استصحاب النجاسة المنجزة كما عرفت لا مجال له و لكن لا مانع من استصحاب النجاسة التعليقية و بعبارة اخرى الاستصحاب التنجيزي و ان لم يجر في المقام لكن لا مانع من الاستصحاب التعليقي بان يقال هذا الدم ان كان سابقا يخرج من بدن الحيوان كان نجسا فهكذا فعلا فتكون النتيجة النجاسة لانه خرج فعلا من العروق و هذا يكفي في الحكم بالنجاسة و العجب انه كيف لم يتفطن احد لذلك.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 134

[مسئلة 8: اذا خرج من الجرح او الدمل شي ء اصفر]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 8: اذا خرج من الجرح او الدمل شي ء اصفر و شك في انه دم أم لا محكوم بالطهارة و كذا اذا شك من جهة الظلمة انه دم أم قيح لا يجب عليه الاستعلام.

(1)

اقول: لاصالة الطهارة حتى فيما شك من جهة الظلمة بناء على عدم وجوب الفحص في الشبهة الموضوعية في اجراء اصالة الطهارة و غيرها من الاصول العملية الّا في موارد خاصة منها

الشك في الاستطاعة.

***

[مسئلة 9: اذا حك جسده فخرجت رطوبة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 9: اذا حك جسده فخرجت رطوبة يشك في انها دم أم ماء اصفر فيحكم عليها بالطهارة.

(2)

اقول: لاصالة الطهارة فى صورة الشك كما قلنا في المسألة السابقة.

***

[مسئلة 10: الماء الاصفر الذي ينجمد على الجرح]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 10: الماء الاصفر الذي ينجمد على الجرح عند البرء طاهر الّا اذا علم كونه دما او مخلوطا به فانه نجس الّا اذا استحال جلدا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 135

(1)

اقول اما في صورة عدم العلم بكونه دما فطاهر لاصالة الطاهرة و اما في صورة علمه بكونه دما او مخلوطا به فنجس لان الدم نجس كما عرفت.

و اما في صورة استحالته جلدا فطاهر لان الاستحالة من المطهرات كما يأتي إن شاء الله تعالى في المطهرات.

***

[مسئلة 11: الدم المراق في الامراق حال غليانها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 11: الدم المراق في الامراق حال غليانها نجس منجّس و ان كان قليلا مستهلكا و القول بطهارته بالنار لرواية ضعيفة ضعيف.

(2)

اقول: مقتضى القاعدة نجاسة الدم في المراق و تنجيسه لكن المحكي عن الشيخ رحمه اللّه و بعض آخر هو القول بالطهارة و ما يمكن ان يتمسك به بعض الروايات:

الرواية الاولى: ما رواها زكريا بن آدم «قال سألت أبا الحسن عليه السّلام عن قطرة خمر أو نبيذ مسكر قطرت في قدر فيها لحم كثير قال يهراق المرق او يطعمه اهل الذمة او الكلاب و اللحم اغسله و كله قلت فان قطر فيها الدم قال الدم تاكله النار إن شاء الله». «1»

الرواية الثانية: ما رواها سعيد الاعرج «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قدر فيه جزور وقع فيها قدر أوقية من دم أ تؤكلّ قال نعم فان النار تأكل الدم». «2»

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 26 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 44 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 136

الرواية الثالثة: ما رواها على بن جعفر في كتابه عن اخيه

«قال سألته عن قدر فيها الف رطل ماء يطبخ فيها لحم وقع فيها وقية دم هل يصلح اكله فقال اذا طبخ فكل فلا بأس.» «1»

اقول: اما الرواية الاولى فضعيفة السند؛ لان الراوي عن زكريا بن آدم و هو الحسين بن المبارك لا الحسن بن المبارك لانه لم يكن ذكر عن الحسن بن المبارك في الرجال كما قال في جامع الرواة.

و اما الحسين بن المبارك فلم يذكر فيه قدح و لا مدح فلا يمكن الوثوق بصدور الرواية.

و اما ما نقول في الرواية الاولى و الثانية و الثالثة فانه بعد ما نرى من كون مفاد ظاهر هذه الروايات من المستنكرات عند المتشرعة لا يمكن الالتزام بمضمونها بل لا بد من توجيهها بنحو من الانحاء مثل حملها على كون السؤال و الجواب عن خصوص حلية اكل الدم لا من حيث نجاسته و كانت طهارة الدم المسئول عنه مفروغا عنها عند السائل و المسئول و قد سئل السائل عن اكله فقال اذا استهلك فلا مانع من اكله.

مضافا الى ما قيل من اعراض الاصحاب عنها و مجرد افتاء الشيخ رحمه اللّه و بعض آخر لا يوجب الوهن في الاعراض لان الشيخ على ما في النهاية افتى بحلية اكله اذا كان الدم قليلا و يعلّله بان الدم تستحيله النار و هذا لم يكن تمسّكا بالرواية فعلى هذا يصح ان يقال ان مضمون الروايات لم يكن مورد عمل الاصحاب بل اعرضوا عنها.

و لكن مع افتاء جمع من القدماء كالصدوق و الشيخين و غيرهم رحمهم اللّه

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 44 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 137

بذلك و ان اختلفوا فيما كان الدم

قليلا كما عن بعض او مطلقا كثيرا كان او قليلا كما عن بعضهم كيف يمكن دعوى الاعراض.

و اما اعراض المتأخرين فلم يكن موجبا للوهن في الروايات لانه لم يصل بايديهم ما لم يصل بايدينا.

***

[مسئلة 12: اذ غرز ابرة او ادخل سكينا في بدنه او]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 12: اذ غرز ابرة او ادخل سكينا في بدنه او بدن حيوان فان لم يعلم ملاقاته للدم في الباطن فطاهر و ان علم ملاقاته لكن خرج نظيفا فالاحوط الاجتناب عنه.

(1)

اقول: بعد عدم كون الملاقات في الباطن موجبا للنجاسة كما مرّ ففي صورة العلم بملاقات الشي ء الخارجي مع الدم في الباطن لا يوجب نجاسة الشي ء الخارجى ما دام لا يكون معه الدم في الخارج فضلا عما يكون الشك في ملاقاته مع الدم في الباطن.

***

[مسئلة 13: اذا استهلك الدم الخارج من بين الاسنان]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: اذا استهلك الدم الخارج من بين الاسنان في ماء الفم فالظاهر طهارته بل جواز بلعه نعم لو دخل من الخارج دم في الفم فاستهلك فالاحوط الاجتناب عنه و الاولى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 138

غسل الفم بالمضمضة او نحوها.

(1)

اقول: مضى بعض الكلام فى المسألة الاولى من المسائل المتعلقة بنجاسة البول و الغائط.

و نقول في المقام اما في الصورة الاولى بان الدم لا يكون نجسا بناء على عدم نجاسته ما دام في الباطن و اما جواز بلعه اذا استهلك في ماء الفم و عدم جوازه فنقول بناء على عدم نجاسة الدم الداخل فلا وجه للقول بحرمة بلعه من باب كونه من الخبائث لان عدّه من الخبائث مشكل و مع الشك الاصل حلية بلعه و لا وجه آخر لحرمة بلعه.

و كذا الامر في الصورة الثانية لعدم دليل على تنجس الباطن بالنجاسة كما مرّ.

و اما بلعه مع عدم الاستهلاك في ماء الفم فلا يجوز لانه دم نجس دخل من الخارج.

***

[مسئلة 14: الدم المنجمد تحت الاظفار او تحت الجلد]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 14: الدم المنجمد تحت الاظفار او تحت الجلد من البدن ان لم يستحل و صدق عليه الدم نجس فلو انخرق الجلد و وصل الماء إليه تنجس و يشكل معه الوضوء او الغسل فيجب اخراجه ان لم يكن حرج و معه يجب ان يجعل عليه شيئا مثل الجبيرة فيتوضّأ او يغتسل هذا اذا علم انه دم منجمد و ان احتمل كونه لحما كالدم من جهة الرض كما يكون كذلك غالبا فهو طاهر.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 139

(1)

اقول: اما نجاسته و تنجيسه الماء بعد انخراق الجلد واضح لان بالانخراق صار الباطن ظاهرا و الدم في الظاهر

نجس و ينجس ما يلاقيه و بعد كون الموضع من مواضع الوضوء و احتاج الى الغسل يجب اخراج الدم من الموضع ان امكن له لوجوب طهارة مواضع الوضوء و الغسل و ان يصل الماء في الوضوء و الغسل بالبدن.

و ان كان اخراج الدم حرجا يجب على المكلف وضع شي ء على الموضع كالجبيرة و الوضوء او الغسل «مع ضم التيمم احتياطا بناء على ما يأتى إن شاء اللّه في مبحث الجبيرة من ان الاحوط ضم التيمم».

و اما اذا احتمل كونه لحما فصار كالدم من جهة الرض او غيره و بعبارة اخرى صار مورد الشك في انه دم او لحم فيحكم بطهارته لاصالة الطهارة.

***

[السادس و السابع: الكلب و الخنزير البريان]
اشارة

قوله رحمه اللّه

السادس و السابع: الكلب و الخنزير البريان دون البحرى منهما و كذا رطوباتهما و اجزائهما و ان كانت مما لا تحله الحياة كالشعر و العظم و نحوهما و لو اجتمع احدهما مع الآخر او مع آخر فتولد منهما ولد فان صدق عليه اسم احدهما تبعه و ان صدق عليه اسم احد الحيوانات الآخر او كان مما ليس له مثل في الخارج كان طاهرا و ان كان الاحوط الاجتناب عن المتولّد منهما اذا لم يصدق عليه اسم احد الحيوانات الطاهرة بل الاحوط الاجتناب عن المتولّد من احدهما مع طاهر اذا لم يصدق عليه اسم ذلك الطاهر فلو نزى كلب على شاة او خروف على كلبة و لم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 140

يصدق على المتولّد منهما اسم الشاة فالاحوط الاجتناب عنه و ان لم يصدق عليه اسم الكلب.

(1)

اقول: لا اشكال في نجاستهما في الجملة نصا و فتوى كما ادعى عليها الاجماع.

و نحن نذكر اخبار الباب كى يتضح لك حكم اصل المسألة

و بعض التفريعات المتعلقة بنجاسة الكلب و الخنزير إن شاء اللّه فنقول بعونه تعالى اما الاخبار الدالة على نجاسة الكلب.

فالاولى: ما رواها الفضل ابو العباس قال «قال ابو عبد اللّه عليه السّلام ان اصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله و ان مسّه جافا فاصبب عليه الماء قلت و لم صار هذه المنزلة قال لان النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم امر بقتلها» «1».

الثانية: ما رواها فضل بن ابى العباس في حديث «انه سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الكلب فقال رجس نجس لا يتوضأ بفضله و اصبب ذلك الماء و اغسله بالتراب أوّل مرة ثم بالماء.» «2»

الثالثة: ما رواها محمد بن مسلم عن ابي عبد اللّه عليه

السّلام «قال سألته عن الكلب يشرب من الاناء قال اغسل الاناء الحديث.» «3»

الرابعة: ما رواها محمد بن مسلم «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الكلب يصيب شيئا من جسد الرجل قال تغسل المكان الذي اصابه» «4»

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 12 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 12 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 12 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(4) الرواية 4 من الباب 12 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 141

الخامسة: ما رواها حريز عمن اخبره عن ابى عبد اللّه عليه السّلام «قال اذا ولغ الكلب في الاناء فصبه» «1».

السادسة: ما رواها معاوية بن شريح عن ابى عبد اللّه عليه السّلام «في حديث انه سئل عن سئور الكلب يشرب منه او يتوضأ قال لا قلت أ ليس هو سبع قال لا و اللّه انه نجس لا و اللّه انه نجس.» «2»

«روي صاحب الوسائل هذه الرواية أيضا في الباب الاوّل من ابواب الأسآر عن معاوية بن شريح قال سئل عذافر أبا عبد اللّه عليه السّلام مع زيادة راجع»

السابعة: ما رواها ابو بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «في حديث قال لا يشرب سئور الكلب الا ان يكون حوضا كبيرا يستقى منه». «3»

الثامنة: ما رواها ابو سهل القرشى قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام «قال سألته عن لحم الكلب قال هو مسخ قلت أ هو حرام قال هو نجس اعيده «ها» عليه ثلاث مرات كل ذلك يقول هو نجس «4».»

التاسعة: ما رواها الصدوق في الخصال باسناده عن على عليه السّلام «قال تنزهوا عن قرب الكلاب فمن اصاب

الكلب و هو رطب فيغسله و ان كان جافا فلينضح ثوبه بالماء» «5»

العاشرة: ما رواها محمد بن مسلم قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام «عن الكلب

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 12 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 6 من الباب 12 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 7 من الباب 12 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(4) الرواية 10 من الباب 12 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(5) الرواية 11 من الباب 12 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 142

السلوقي فقال اذا مسسته فاغسل يدك». «1»

اما ما يدلّ على نجاسة الخنزير:

فالاولى: ما رواها على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام «قال سألته عن الرجل يصيب ثوبه خنزير فلم يغسله فذكر و هو في صلاته كيف يصنع به قال ان كان دخل في صلاته فليمض و ان لم يكن دخل في صلاته فلينضح ما اصاب من ثوبه الّا ان يكون فيه اثر فيغسله قال و سألته عن خنزير يشرب من اناء كيف يصنع به قال يغسله سبع مرات». «2»

الثانية: ما رواها خيران الخادم «قال كتبت الى الرجل اسأله عن الثوب يصيبه الخمر و لحم الخنزير أ يصلى فيه أم لا فانّ اصحابنا قد اختلفوا فيه فقال بعضهم صلّ فيه فان اللّه انّما حرّم شربها و قال بعضهم لا تصل فيه فكتب عليه السّلام لا تصل فيه فانه رجس «3».»

الثالثة: ما رواها سليمان الاسكاف «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن شعر الخنزير يخرز به قال لا بأس و لكن يغسل يده اذا اراد ان يصلى» «4».

الرابعة: ما رواها على بن رئاب عن ابى عبد اللّه عليه السّلام «في

الشطرنج قال المقلب لها كالمقلب لحم الخنزير قال قلت ما على من قلب «يقلب خ ل» لحم الخنزير قال يغسل يده». «5»

و الناظر في الاخبار المذكورة يرى ان نجاستهما مورد النصوص.

______________________________

(1) الرواية 9 من الباب 12 من ابواب النجاسات من الرسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 13 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 13 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(4) الرواية 3 من الباب 13 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(5) الرواية 4 من الباب 13 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 143

و ما روي في قبال تلك الاخبار الدال على طهارتهما فلا بد من ردّ علمها الى اهلها ان لم يمكن حملها على ما لا ينافي الاخبار المتقدمة لعدم مقتضى الحجية فيها مع هذا التسالم و اعراض الاصحاب عنها.

اما هذا البعض من الروايات الدالة بظاهرها على الطهارة:

منها ما رواها ابن مسكان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال سألته عن الوضوء مما ولغ الكلب فيه و السنور او شرب منه جمل او دابة او غير ذلك أ يتوضأ منه او يغتسل قال نعم الّا ان تجد غيره فتنزّه عنه» «1».

و حملها الشيخ على صورة كون الماء كرا كما لا بعد فيه لقوة احتمال ورودها في مياه الغدران التي تزيد غالبا على الكر خصوصا بقرينة رواية ابى بصير المتقدمة و هي الرواية السابعة الدالة على عدم جواز عن سئور الكلب الّا ان يكون حوضا كبيرا يستقى منه.

اقول: لانه على فرض اطلاق رواية ابن مسكان المتقدمة يقيد اطلاقها برواية ابى بصير المتقدمة المفصّلة بين الكر و غيره:

منها ما رواها زرارة عن ابى عبد اللّه عليه السّلام «قال سألته عن

الحبل يكون من شعر الخنزير يستقى به الماء من البئر هل يتوضأ من ذلك الماء قال لا بأس» «2».

اقول و هذه الرواية ليست مربوطة بما نحن فيه اصلا بل الظاهر منها جواز الانتفاع من شعر نجس العين يجعله جبلا و يستقى به و اما الماء الذي يستقى به طاهر أم لا فلا يكون الخبر متعرضا له اصلا.

و منها ما رواها الحسين بن زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال قلت له الشعر

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 2 من ابواب الأسآر من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 14 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 144

الخنزير يعمل حبلا و يستقى به من البئر التي يشرب منها او يتوضأ بها فقال لا بأس به» «1».

اقول مقتضى ظاهر السؤال في الرواية كونه عن ماء البئر و الشرب و التوضى عنه فقال لا بأس به لعدم نجاسة ماء البئر بملاقاة النجاسة و لا يستفاد منها طهارة شعر الخنزير اصلا.

اذا عرفت ذلك نقول بان الاخبار المتوهمة دلالتها على طهارة الخنزير مما لا وجه لها كما بينا و على فرض دلالتها حيث لا يكون مقتضى الحجية فيها للاعراض الاصحاب عنها لا يصح التمسك بها.

و بعد ثبوت نجاسة الكلب و الخنزير في الجملة يقع الكلام إن شاء اللّه في جهات:
الجهة الاولى: هل الحكم بالنجاسة مختص بالبرى من الكلب و الخنزير

او يشمل البحرى منهما الحق عدم الشمول لان منصرف الاخبار هو البرى منهما و ظاهر الاخبار منصرف عن البحرى منهما مضافا الى ما قيل من ان لفظ الكلب و الخنزير حقيقة في البرى منهما.

و يمكن الاستدلال في خصوص الكلب و كون النجس منه خصوص البرى منه و عدم شمول حكم النجاسة للبحرى منه بما رواها عبد الرحمن بن الحجاج «قال سال أبا عبد اللّه عليه السّلام رجل و

انا عنده عن جلود الخز فقال ليس به بأس فقال الرجل جعلت فداك انها علاجى و انما هي كلاب تخرج من الماء فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام اذا خرجت تعيش خارجة من الماء فقال الرجل لا قال ليس به بأس» «2» بناء على عدم جواز لبس النجس فى الصّلاة و على كل حال لا اشكال في الحكم.

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 14 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 10 من ابواب لباس المصلى من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 145

الجهة الثانية: و لا فرق في نجاستهما بين اجزائهما

فتمام اجزائهما من اللحم و العظم و كل ما هو منهما حتى ما لا تحلّه الحياة كالشعر منهما نجس لان بعض التعبيرات في النصوص المتقدمة ذكرها من تعرض ملاقات بعض مواضعهما او اطلاق الاصابة و الجواب الدال على نجاسته و عدم سؤال عن موضع الاصابة و ان الكلب هو باجزائه و كذا الخنزير يقتضي ذلك اعني نجاستهما بكل اجزائهما مضافا الى اطلاق بعض معاقد الاجماعات.

الجهة الثالثة: لو اجتمع الكلب مع الخنزير او اجتمع احدهما مع حيوان آخر
اشارة

فتولد منهما ولد هل يكون الولد نجسا أو لا فللمسألة صور:

الصورة الاولى: اذا اجتمع احدهما مع الآخر و تولد ولد يصدق عليه اسم احدهما

فلا اشكال في نجاسته لان الكلب و الخنزير نجس و على الفرض يصدق على المتولد منهما اما اسم الكلب و اما اسم الخنزير.

الصورة الثانية: ما اذا اجتمع احدهما مع حيوان آخر

مثل ما نزى كلب على شاة فتولد منهما ولد يصدق عليه اسم الكلب فلا اشكال فى نجاسته.

الصورة الثالثة: مثل الثانية لكن تولد منهما و لم يصدق عليه اسم احدهما

سواء يصدق عليه اسم حيوان آخر معها أو لا يصدق اسم حيوان آخر عليه فلا وجه لنجاسة الولد المتولد منهما.

و دعوى نجاسته اما بان المتولد من احدهما يكون جزء من احدهما.

ففيه انه لا يكون جزء من احدهما بل يكون في بطن احدهما.

او بدعوى ان الولد تكوّن من احدهما و المتكوّن من احدهما نجس مثلهما.

ففيه ان مجرد التكوّن من احدهما لا يوجب كونه مثلهما حكما لانه و ان كان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 146

مبدأ تكوّنه من نجس العين و لكن استحال بصورة اخرى و لو تم هذا الوجه فلا بد من القول بنجاسة الحيوانات الطاهرة لكونها متكوّنة من المني و المنى من كل حيوان ذى النفس نجس و كيف يمكن الالتزام به.

و اما بدعوى استصحاب نجاسته لانه فيما كان جنينا كان نجسا فستصحب النجاسة السابقة.

و فيه انه مع الاستحالة تبدل الموضوع فلا مجال معه للاستصحاب.

اذا عرفت ذلك فالاقوى طهارته مع عدم صدق اسم احدهما عليه فان صدق عليه اسم حيوان طاهر مثلا يقال انه شاة فطاهر لان الشاة طاهر و ان لم يصدق عليه اسم واحد من الحيوانات فنشك في طهارته فالاصل يقتضي طهارته.

الصورة الرابعة: المتولد من احدهما و حيوان آخر مع عدم صدق اسم احدهما عليه

فالامر فيه سهل و الاقوى طهارته سواء يصدق عليه اسم حيوان طاهر أو لا يصدق عليه اسم شي ء من الحيوانات كما عرفت في الصورة الثالثة و لكن مع ذلك نقول.

اما في الصورة الثالثة اعني في صورة تولده منهما يشكل الحكم بطهارة المتولد فيما لا يصدق عليه اسم احد هما و لا اسم حيوان آخر لانه بعد فرض نجاسة الكلب و الخنزير يكون الحكم بنجاستهما كاف في نجاسة المتولد منهما لانه الكلب و الخنزير لا غيرهما و ان

لم يصدق عليه اسم احد هما نظير الآنية الملفقة من الذهب و الفضة و ان لم يصدق عليها انها آنية الذهب و لا اسم آنية الفضة لكن نعلم بكونها محكومة بحكمهما فكذلك في المقام و الاحوط ترتيب آثار النجاسة فيما لا يصدق على المتولد اسم احد الحيوانات الطاهرة في هذه الصورة اعني صورة كونه متولّدا منهما لوجود الملاك الذي يوجب النجاسة و هو كونه المتولد منهما.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 147

و اما في الصورة الرابعة و ان لم يجر ما قلنا في الصورة الثالثة لكن ينبغي الاحتياط في صورة عدم صدق اسم حيوان طاهر عليه.

***

[الثامن: الكافر باقسامه حتى المرتد بقسميه]
اشارة

قوله رحمه اللّه

الثامن: الكافر باقسامه حتى المرتد بقسميه و اليهود و النصارى و المجوس و كذا رطوباته و اجزائه سواء كانت مما تحله الحياة أو لا و المراد بالكافر من كان منكرا للالوهية او التوحيد او الرسالة او ضروريّا من ضروريّات الدين مع الالتفات الى كونه ضروريّا بحيث يرجع انكاره الى انكار الرسالة و الاحوط الاجتناب عن منكر الضروري مطلقا و ان لم يكن ملتفتا الى كونه ضروريّا و ولد الكافر يتبعه في النجاسة الّا اذا اسلم بعد البلوغ او قبله مع فرض كونه عاقلا مميزا و كان اسلامه عن بصيرة على الاقوى و لا فرق في نجاسته بين كونه من حلال او من الزنا و لو في مذهبه و لو كان احد الابوين مسلما فالولد تابع له اذا لم يكن عن زنا بل مطلقا على وجه مطابق لاصل الطهارة.

(1)

اقول: اعلم ان الكلام في نجاسة الكافر يقع في جهات:

الجهة الاولى: لا اشكال في ان المشهور شهرة محققة عند اصحابنا رضوان اللّه تعالى عليهم هو نجاسة الكافر مطلقا
اشارة

كتابيّا كان او غير كتابىّ بل ادعي الاجماع عليه من غير واحد و لم اجد مخالفا الا ما حكى عن ابن الجنيد و العماني و نهاية

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 148

الشيخ رحمه اللّه فى خصوص الكتابى و تبعه بعض المتأخرين.

[ما قاله فى مفتاح الكرامة]
اشارة

و كان المناسب ان ننقل هنا ما قاله العلامة المتتبّع رحمه اللّه في كتابه الشريف المسمى بمفتاح الكرامة حتى يظهر لك حال الاجماع و الشهرة و وضع مخالفة ما نقل من المخالفين و هذا ما قاله في هذا المقام «و الكافر مشركا كان او غيره ذمّيا كان او غيره اجماعا في الناصريات و الانتصار و الغنية و السرائر و المعتبر و المنتهى و البحار و الدلائل و شرح «لفاضل» و ظاهر التذكرة «و نهاية الاحكام» و في «التهذيب» اجماع المسلمين عليه «قال» الفاضل الهندي و كانه اراد اجماعهم على نجاستهم في الجملة لنص الآية الشريفة و ان كان العامة يأولونها بالحكمية و في الغنية» ان كل من قال بنجاسة المشرك قال بنجاسة غيره من الكفار «و في حاشية المدارك» ان الحكم بالنجاسة شعار الشيعة يعرفه علماء العامة منهم بل و عوامهم يعرفون ان هذا مذهب الشيعة بل و نسائهم و صبيانهم يعرفون ذلك و جميع الشيعة يعرفون ان هذا مذهبهم في الاعصار و الامصار و نقل عن القديمين القول بعدم نجاسة اسئار اليهود و النصارى و عن ظاهر المفيد في رسالته الغريّة و ربما ظهر ذلك في موضع من النهاية حيث قال و يكره ان يدعو الانسان احدا من الكفار الى طعامه فياكل معه فان دعاه فليامره بغسل يديه ثم يأكل معه ان شاء لكنّه صرّح قبله في غير موضع

بنجاستهم على اختلاف مللهم و خصوصا اهل الذمة و لذا اعتذر عنه المحقّق في النكت بالحمل على الضرورة او المؤاكلة في اليابس قال و غسل اليد لزوال الاستقذار النفساني الذي يعرض من ملاقات النجاسات العينية و ان لم تفد طهارة اليد و اعتذر عنه ابن ادريس بانه ذكر ذلك ايرادا لا اعتقادا و مال الى طهارتهم صاحب المدارك و المفاتيح قال الاستاذ في حاشية المدارك لا يحسن جعل ابن ابى عقيل من جملة القائلين بعدم نجاسة هؤلاء مع تخصيصه عدم النجاسة بأسئارهم و انّه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 149

لا يقول بانفعال الماء القليل و السؤر عند الفقهاء، الماء القليل الذي لاقاه فم الحيوان او جسمه، قال و الكراهة في كلام المفيد لعلّه يريد منها المعنى اللغوى فيكون ابن الجنيد هو المخالف فقط «الخ».

و يستفاد من كلامه امور:
الامر الاوّل: قيام الاجماع على نجاسة الكافر

و قلّ مورد من موارد ادعي عليه الاجماع لا يرى مخالف له الّا الاقل من القليل مثل هذا المورد بل لا يرى مخالف الّا ابن الجنيد لان غيره ممن عد من المخالفين كالشيخ و ابن ابى عقيل لا وجه له لما ذكر.

الامر الثاني: الشهرة المحققة

و لا تجد مخالفا لنجاسة الكافر الّا ابن جنيد و قلّما يتق في الفقه شهرة مثل هذه الشهرة و لهذه الشهرة نقول لو شك احد في حصول الاجماع الذي يمكن حدس قول الامام عليه السّلام منه او قلنا بعدم حجيّة الاجماع بهذا المعني و قلنا بان المراد من الاجماع في كلام القدماء رحمهم اللّه هو النّص كما افاده سيدنا الاعظم آية اللّه البروجردي رحمه اللّه و اذا راينا مثل هذه الشهرة نطمئن بوجود نصّ عن المعصوم عليه السّلام و اطلاع المشهور من القدماء عليه و لو لم يبلغ بنا و لهذا يكون مثل هذه الشهرة حجة وجهها ظاهر لانه بعد ما نرى من ان وضعهم في الفقه و فتواهم هو الاقتصار في المدرك في الاحكام على النّص من النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم او الائمة عليهم السّلام حتى نرى انهم مقيّدون في ذكر فتاويهم بعين ما ورد في نصوص اهل البيت و لم يتعدوا الى شي ء آخر و اكتفوا بالنصوص ورد كل سلف الى الخلف و يظهر للمراجع في كتبهم هذا حتى ان الشيخ رحمه اللّه كان بنائه في كتاب التذكرة المعد لذكر التفريعات بان يحصّل حكم التفريعات من النصوص و لهذا نقول نحن اهل النّص و لا نعمل ببعض ما يعمل به مخالفونا من العمل بالقياس ففي المسألة المبحوثة نقول، بان الشهرة تدل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى،

ج 2، ص: 150

على كون فتوى المعصوم عليه السّلام هو ما عليه الشهرة و لهذا لو وجدت رواية تدل على طهارة الكافر نكشف عن وجود خدشة فيها يوهن صدورها او جهة صدورها و كان هذه السر في ان الفقهاء منا مع انهم روا هذه الرواية الدالة على الطهارة و نقلوها في كتبهم مع ذلك لا يعتنوا بها و لا بدلنا من رد علمها الى اهلها.

الامر الثالث: يظهر لك مما مر في ضمن كلامه ان نجاسة الكافر كان من المسلمات عند الخاصة

حتى انها من الامور المسلمة عند علماء العامة بل عوامهم فضلا عن التسالم عندنا بحيث يعد من جملة شعائرنا و من هذا الوضوح عند الفريقين نكشف تحقق السيرة على النجاسة و هي غير الاجماع و الشهرة المدعاة دليل آخر على نجاسة الكافر هذا حال المسألة بحسب الفتوى و الاجماع و الشهرة و السيرة.

و اما بمقتضى النّص

فاستدل على نجاسة الكافر بالكتاب الكريم و بعض الاخبار
اشارة

فنقول بعونه تعالى

اما الكتاب الكريم قوله تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ
اشارة

فَلٰا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ بَعْدَ عٰامِهِمْ هٰذٰا وَ إِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللّٰهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شٰاءَ إِنَّ اللّٰهَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ «1» و قد يستدل بهذه الآية على نجاسة المشرك فتمّ الاستدلال به كما يأتي في مطاوى البحث و قد يستدل بهذه الآية على نجاسة مطلق الكافر حتى من لم يكن مشركا وجه الاستدلال هو ان المراد بالمشرك كما في القاموس هو الكافر فتدل الآية الشريفة على نجاسة مطلق الكافر.

و اشكل على الاستدلال بالآية على نجاسة الكافر بامور
الامر الاوّل ان المراد بالمشرك كما في اللغة هو من اتّخذ شريكا للّه تعالى في الالوهية

و مجرد اطلاقه في بعض الموارد على الكافر لا يوجب حمل اللفظ عليه مطلقا فلا تدل الآية الّا على

______________________________

(1) سورة التوبة، الآية 28.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 151

نجاسة المشرك لا مطلق الكافر.

و رد بان من يكون منكرا للالوهية من الكفار و غير معترف بها رأسا فهو نجس بالاولوية لانه مع فرض نجاسة المشرك كما يدل عليها الآية المذكورة فمن يكون منكرا للّه تعالى راسا فهو نجس بطريق الاولى.

و اما المجوس فانهم نجس لانهم من المشركين لانهم يقولون بالوهية يزدان و اهرمن و النور و الظلمة و اما اليهود و النصارى فنجس لانهم مشركون لقوله تعالى وَ قٰالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّٰهِ وَ قٰالَتِ النَّصٰارىٰ الْمَسِيحُ ابْنُ اللّٰهِ ذٰلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوٰاهِهِمْ يُضٰاهِؤُنَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قٰاتَلَهُمُ اللّٰهُ أَنّٰى يُؤْفَكُونَ «1» اتَّخَذُوا أَحْبٰارَهُمْ وَ رُهْبٰانَهُمْ أَرْبٰاباً مِنْ دُونِ اللّٰهِ وَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَ مٰا أُمِرُوا إِلّٰا لِيَعْبُدُوا إِلٰهاً وٰاحِداً لٰا إِلٰهَ إِلّٰا هُوَ سُبْحٰانَهُ عَمّٰا يُشْرِكُونَ «2».

و اورد على الجواب أولا بان المستفاد من الآية الاولى كون اليهود قائلين بان العزير ابن اللّه و النصارى قائلين بان المسيح ابن اللّه و لا يستفاد من ذلك انّهما قائلون بان

العزير و المسيح شريكان للّه تعالى في الالوهية و المراد من الآية الثانية على ما ورد في بعض الاخبار كانت الاحبار و الرهبان يحلّلون الحرام و يحرّمون الحلال و لاجل ذلك قال اللّه تعالى اتَّخَذُوا أَحْبٰارَهُمْ وَ رُهْبٰانَهُمْ أَرْبٰاباً مِنْ دُونِ اللّٰهِ».

و ثانيا غاية ما يمكن ان يستفاد من الآيتين هي كون اليهود و النصارى مشركين حين نزول الآية او قبله و اما كون كل يهودي و نصراني حتى من يتولد بعد صدور الآية مشركا فلا يستفاد من الآيتين.

اقول يمكن دعوى دلالة الآيتين على شرك النصارى الى زمان نزول الآيتين

______________________________

(1) سورة التوبة، الآية 30.

(2) سورة التوبة، الآية 31.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 152

لقوله تعالى في الآية الثانية وَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ لان المسيح لم يحلّ حراما و لم يحرّم حلال فاتخاذهم المسيح ربّا يكون من باب اعتقادهم بالاقانيم الثالثة.

الّا ان يقال ان قوله جلّ جلاله أَرْبٰاباً مِنْ دُونِ اللّٰهِ هو انهم اتخذوه ربّا من دون اللّه تعالى و هو غير المشرك باللّه.

و لكن قوله تعالى سُبْحٰانَهُ عَمّٰا يُشْرِكُونَ شاهد على انّهم اتخذوه ربّا على سبيل التشريك.

و اما الاشكال الثاني فاشكال وارد لانه لو سلّم دلالة الآيتين على شرك اليهود و النصارى لاجل ما كانا معتقدين به من قول اليهود عزير بن اللّه و من باب اعتقاد النصارى بان المسيح ابن اللّه فلا تدل الآيتان بشرك كل يهودي و نصرانى حتى من لا يكون معتقدا بهذا الاعتقاد الفاسد و بعبارة اخرى لا يستفاد من الآيتين بعد اتعاب النفس في الاستدلال بها الّا كون القائل بمقالة ما اعتقد به اليهود و النصارى حين نزول الآية مشرك و يكفي في نجاستهما مع هذا

الاعتقاد. قوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ ففي الحقيقة بعد اللتيا و التي يثبت بالآيتين الصغرى اعنى شرك اليهود و النصارى المعتقدين بما في الآيتين و يثبت بالآية الاخرى و هي قوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ الكبرى و هى نجاسة كل مشرك. و اما شرك كل يهودي و نصراني فلا يستفاد من الآيتين فلا مجال لان يقال بنجاسة كل يهودي و نصراني بقوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ.

و مما مر ظهر لك ان الاستدلال بالآية الشريفة على نجاسة مطلق الكافر غير سليم عن الاشكال و اما بالنسبة الى نجاسة خصوص المشرك فيصحّ الاستدلال بها و سليم عن الاشكال المذكور.

الامر الثاني من الامور التي اشكل بها على الآية الشريفة المذكورة

و هي

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 153

قوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ هو ان دلالتها على نجاسة المشرك او مطلق الكافر مبنيّة على ان يكون المراد من النجس هو النجس المصطلح اعني النجس المقابل للطاهر و هذا غير معلوم لاحتمال كون المراد من النجس هو القذر باعتبار القذارة المعنوية التي تكون في المشرك باعتبار شركه و هذا الاشكال ان كان واردا فلا يتمّ الاستدلال بالآية حتى على نجاسة خصوص المشرك فضلا على نجاسة مطلق الكافر.

و فيه ان النجس لم يكن مثل القذر حتى تأتى فيه هذا الاحتمال بل النجس مقابل الطاهر و لهذا اذا ورد مثلا ان الكلب رجس نجس لا يحتمل ان المراد من كونه نجسا انه قذر بالقذارة المعنوية او عرفية بل الظاهر منه ان الكلب نجس في قبال بعض الآخر من الحيوانات او السباع الذي يكون طاهرا.

مضافا الى ان التعبير شاهد على ذلك فان قوله فلا يقربوا المسجد الحرام بعد عامهم «الخ» مناسب مع نجاستهم الجسمية.

ان قلت ان قذارتهم المعنوية تناسب

مع التفريع بعدم قربهم المسجد الحرام.

قلت ان كان الموجب لعدم قربهم المسجد الحرام هو القذارة المعنوية و هى الشرك فذكر النجاسة يكون لغوا و كان المناسب ان يقال انّما المشركون لا يقربوا المسجد الحرام فان الظاهر من قوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلٰا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرٰامَ كون نجاستهم موجبا لذلك لا شركهم فلا يبقى اشكال من هذا الحيث فلا حاجة الى اتعاب النفس كما اتعب نفسه صاحب «1» الحدائق رحمه اللّه من حمل النجس على المعنى المصطلح بانه بعد كونه مصطلح الائمة عليهم السّلام هو هذا و ان مصطلحهم على طبق مصطلح اللّه تعالى لانهم أمناء وحيه فيحمل قوله تعالى على طبق مصطلحهم، لامكان دفع هذا التوجيه و انه لا ملازمة بين مصطلحهم و مصطلح اللّه تعالى.

______________________________

(1) الحدائق، ج 5 ص 165.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 154

فتلخص مما مر في الامر الثاني الذي تعرضنا فيه الاشكال الثاني على الاستدلال بالآية الشريفة المذكورة عدم ورود الايراد.

و ان فرض ورود الايراد فلا يمكن الاستدلال بها على نجاسة مطلق الكافر و لا على نجاسة خصوص المشرك لانه ان كان المراد من النجس القذر بمناسبة القذارة المعنوية فلا يمكن الاستدلال بها على النجس المقابل للطاهر و لكن العمدة عدم ورود الايراد فافهم.

الامر الثالث: من الامور التي اوردت على الآية الشريفة

و هي قوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ هو انه بعد ما تبيّن في محله بان المصدر غير قابل للحمل على الذات بلا تقدير و كلمة «نجس» بفتح النون و الجيم مصدر لا يمكن حملها على الذات في قوله تعالى انّما المشرك الّا بتقدير ذي فمعنى قوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ اي ذو نجاسة و كفى في صحة الحمل اي حمل ذو ادني الملابسة

فيكفي كونهم ذي نجاسة لعدم انفكاك بدنهم غالبا عن النجاسات العرضية لعدم تجنّبهم عن النجاسات الشرعية كالبول و الدم و غير هما و اكلهم لحم الخنزير و شربهم الخمر فلا تدل الآية على نجاسة المشرك ذاتا.

و فيه امّا أولا فان كلمة «نجس» بفتح النون و الجيم كما اطلقت و اريد بها المصدر كذلك تطلق و تراد بها الوصف و لا مانع من ان تكون في المقام بمعنى الوصف بمعنى ان المشركين متصفون بالنجاسة.

و ثانيا يمكن حمل المصدر على الذات بالمبالغة مثل زيد عدل و يكون ابلغ و اولى من التقدير اعني تقدير ذى لان المجاز خير من الاضمار و التقدير فزيد عدل و ان كان مجازا في الكلمة او في الاسناد خير من التقدير مطلقا و كذلك في المقام.

فتلخص من ذلك كله ان الآية الشريفة تدل على نجاسة المشركين من الكفار

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 155

سواء كانوا من غير اهل الكتاب القائل بالشرك او الكتابي منهم القائل بمقالة الشرك مثل من يقول من اليهود و النصارى بان للّه تعال شريكا في الالوهية و اما من كان نعوذ باللّه منكرا لاصل وجود اللّه تعالى فهو نجس بالاولوية القطعية و اما من لم يكن مشركا فلا يمكن الاستدلال على نجاسته بالآية المذكورة.

و استدل على طهارة اهل الكتاب بقوله تعالى وَ طَعٰامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعٰامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ. «1»

و فيه انه بعد تفسير الطعام المذكور في الآية الشريفة بالحبوب لا مجال للاستدلال بها على الطهارة نذكر لك بعض الاخبار الدالة على ان المراد من الطعام هو الحبوب و اشباهها مثل ما رواها قتيبة الاعشى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام

في حديث انه سئل عن قوله تعالى وَ طَعٰامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتٰابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعٰامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ قال كان ابى يقول انما هي الحبوب و اشباهها «2» و غير ذلك راجع الباب 51 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

هذا كله بحسب ما يستفاد من القرآن الكريم

و اما بحسب الروايات.
اشارة

فما يمكن ان يستدل بها على نجاسة الكافر روايات:

الرواية الاولى: ما رواها «سعيد الاعرج

قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن سئور اليهودي و النصراني فقال لا» «3».

و دلالتها على عدم جواز سئور اليهودي و النصراني واضحة ان قلت يمكن ان يكون وجه عدم الجواز هو ابتلائهما بالنجاسات الظاهرية لا كفر هما.

______________________________

(1) سورة المائدة، الآية 5.

(2) الرواية 4 من الباب 51 من الاطعمة المحرمة من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 3 من ابواب الأسآر من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 156

اقول اطلاق الجواب يقتضي عدم الجواز حتى حال طهارتهما عن النجاسات الظاهرية مثل حال طهارة بدنهما عن هذه النجاسات الظاهرية لان اطلاق الجواب يشمل حتى هذا الحال.

الرواية الثانية: ما رواها محمد بن مسلم

«قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن آنية اهل الذمة و المجوس فقال لا تاكلوا في آنيتهم و لا من طعامهم الذي يطبخون و لا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر. «1»»

و الاشكال فيها بان الظاهر من قوله عليه السّلام «و لا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر» هو كون النهي لاجل النجاسة العرضية لا الذاتية ليس في محله لانه بعد النهي المطلق فى الصدر الرواية عن الاكل فى آنيتهم و طعامهم الّذي يطبخونه يكون لاجل النجاسة الذاتية ثم بعد ذلك ذكر حكما آخرا و هو كون آنيتهم التي يشربون فيها الخمر نجس و هذا لا ينافي مع اطلاق صدر الرواية.

الرواية الثالثة: ما رواها عبد اللّه بن يحيى الكاهلى

«قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قوم مسلمين يأكلون و حضرهم رجل مجوسى أ يدعونه الى طعامهم فقال اما انا فلا أو اكل المجوسى و أكره ان احرّم عليكم شيئا تصنعون في بلادكم «2».»

قد يتوهم دلالة هذه الرواية على عدم نجاسة المجوسى لقوله عليه السّلام «اكره ان احرّم عليكم» و لكن يدفع هذا التوهم قوله عليه السّلام «اما انا فلا او اكل المجوسى» فهذا شاهد على تحريم المؤاكلة مع المجوسى و قوله عليه السّلام «و اكره ان احرّم عليكم» شاهد على رعاية التقية بالنسبة الى السائل و انه مع ما يصنعون في بلادكم من تحليلهم لمؤاكلته معهم كيف احرّم عليكم و اوردكم في الهلاكة، و الحاصل ان صدر الرواية و

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 14 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 14 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 157

هو قوله عليه السّلام اما انا فلا او اكل المجوسي دليل

على عدم الجواز و اما الذيل ان لم يكن دليلا على التقية فلا اقل من عدم ظهوره في عدم التحريم فظهور الصدر باق بحاله مع انه لا فرق بين المعصوم عليه السّلام و بين السائل في الحكم الّا من حيث ابتلاء السائل بالتقية فيكون الذيل أيضا شاهد على الحرمة لانه لو لم يكن التقية كان حراما المؤاكلة معه أيضا للسائل اللّهم الّا ان يقال بان ما قال عليه السّلام «اما انا فلا او اكل المجوسي» اعم من التحريم لإمكان كون تركه لاجل كراهة ذلك لا لاجل حرمته لكن هذا لا يناسب مع ما قال في الذيل من ان علة عدم تحريمه على السائل هي قوله عليه السّلام «و اكره ان احرّم عليكم شيئا تصنعون في بلادكم» لانه مع كون المؤاكلة على ما فرضت مكروها لا محرّما ليس ما يصنعون في بلادهم محرّما حتى لاجله لا يحرّم عليه فلا تصح العلة على هذا الاحتمال فهذا الاحتمال اي احتمال كون ترك المعصوم عليه السّلام لاجل كراهته مردود.

مضافا الى ان قوله عليه السّلام في الرواية «و اكره ان احرّم عليكم «الخ» ظاهر بل صريح في ان المؤاكلة مع المجوسي محرمة في حدّ ذاتها و لكن لم يحرّم عليهم لاجل التقية.

نعم لا بد من حمل المؤاكلة في الرواية على المساورة لا المؤاكلة التي الاعم من المساورة لان المساورة عبارة عن التشريك في اناء واحد و قصعة واحدة و هي حرام لا مطلق المؤاكلة التي تشمل حتى صورة عدم التشريك في اناء واحد و تحصل حتى بالمعية في سفرة واحدة و لو لم يكن بتشريك في اناء و لم تحصل ملاقاة مع الرطوبة بين الفردين او الافراد لان المؤاكلة بهذا

المعني خارج عن محل الكلام لدلالة بعض الاخبار المتمسكة على طهارة اهل الكتاب على جواز المؤاكلة و مفاد هذه الطائفة من الاخبار خارج عن محل الكلام لان محل الكلام في نجاسة الكافر في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 158

المساورة و الاختلاط و المؤاكلة معه في ظرف واحد بالتشريك و مع الرطوبة.

و ممّا ذكرنا من الفرق بين المؤاكلة و المساورة ربما يختلج بالبال احتمال آخر و هو ان يكون النظر في السؤال كما هو الظاهر منه عن المؤاكلة الاعم من المساورة و هو عليه السّلام قال اما انا فلا او اكل المجوسي» حتى اذا كانت المؤاكلة بدون المساورة لاجل كون ذلك مكروها و كراهته لان يحرّم عليهم كانت من باب ابتلائهم في بلادهم بالمؤاكلة معهم.

لكن هذا الاحتمال مدفوع بقوله عليه السّلام و اكره ان «احرّم عليكم» لانه لو كانت المؤاكلة مكروها و لهذا قال اما انا فلا او اكل المجوسي فليس المناسب ان يقول اكره ان احرّم عليكم فقوله اكره ان احرّم عليكم» دليل على كون ترك مواكلته لاجل حرمته و لكن لا يحرّم عليهم لاجل ابتلائهم بالتقية فيتم الاستدلال على نجاسة المجوسي بالرواية.

نعم هذا الاستظهار من حمل المؤاكلة على خصوص المساورة لا يدلّ على جواز المؤاكلة بدون المساورة.

الرواية الرابعة: ما رواها محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السّلام

«في رجل صافح رجلا مجوسيّا فقال يغسل يده و لا يتوضأ» «1»

تدل على نجاسة المجوسي بعد حمل مورد الرواية على صورة وجود رطوبة مسرية في يديهما او يد إحداهما اقلا لاشتراط سراية النجاسة من الملاقي «بالفتح» الى «الملاقى» بالكسر بالرطوبة المسرية و الّا فمع يبوسة كل منهما لا تسرى النجاسة من إحداهما الى الأخرى لان كل يابس ذكي و يمكن حمل قوله عليه

السّلام في الرواية

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 14 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 159

«يغسل» على الاستحباب بقرينة عدم كون مجرد المصافحة يوجب للغسل بل على تقدير نجاسته يجب الغسل مع السراية فالامر بالغسل مطلقا سواء توجب المصافحة السراية أم لا شاهد على ان مجرد المصافحة يوجب استحباب الغسل و لكن يمكن ان يقال بان الرواية ليست الّا في مقام بيان وجوب غسل اليد بملاقات بدن المجوسي و ليست في مقام بيان ما يشترط في نجاسة ملاقيه كما ترى في الحكم بالغسل في سائر النجاسات فالرّواية تدل على النجاسة فتدبر.

الرواية الخامسة: ما رواها ابو بصير عن احدهما عليهما السّلام

«في مصافحة المسلم اليهودي و النصراني قال من وراء الثوب فان صافحك بيده فاغسل يدك.» «1»

يدلّ على نجاسة اليهودي و النصراني بما عرفت في الرواية الرابعة.

و يحتمل فيها ما احتملنا في الرواية السابقة و يردّ الاحتمال بما قلنا في الرواية السابقة.

الرواية السادسة: ما رواها على بن جعفر عن اخيه ابى الحسن موسى عليه السّلام

قال سألته عن مواكلة المجوسي في قصعة واحدة و ارقد معه على فراش واحد و اصافحه فقال لا» «2».

و بهذه الرواية تقيّد ما يدلّ على جواز مطلق المؤاكلة و يدلّ على عدم جواز مواكلة المجوسي اذا كانت المؤاكلة بنحو المساورة و التشريك كما في مورد الاكل معه في قصعة واحدة.

و ربّما يشكل على الاستدلال لانه بعد عدم حرمة الرقود معه و مصافحته بل

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 14 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 6 من الباب 14 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 160

كراهتهما فلا بد من حمل قوله عليه السّلام «لا» على الكراهة و على مطلق المرجوحية فلا تدل على المدعى.

الا ان يقال بان القول بكراهة الرقود معه و المصافحة معه يكون من باب دليل آخر فيبقي النهي بحاله من حيث المؤاكلة في قصعة واحدة فتدلّ الرواية على النجاسة فتأمل.

الرواية السابعة: ما رواها هارون بن خارجة

«قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام اني اخالط المجوسي فآكل من طعامهم فقال لا «1».»

الرواية الثامنة: ما رواها علي بن جعفر

انه سئل اخاه موسى بن جعفر عليه السّلام «عن النصراني يغتسل مع المسلم في الحمام قال اذا علم انه نصراني اغتسل بغير ماء الحمام الا ان يغتسل وحده على الحوض فيغسله ثم يغتسل و سأله عن اليهودي و النصراني يدخل يده في الماء أ يتوضأ منه للصلاة قال لا الا ان يضطر إليه.» «2»

و ربما يتوهم كون المراد من الاضطرار هو الاضطرار الى استعمال الماء و عدم وجود ماء آخر فيقال لا معنى لتغيير الحكم الوضعي و هو بطلان الوضوء بالماء النجس بالاضطرار فان صار الماء نجسا بملاقات اليهودي او النصراني فلا يجوز التوضؤ به مضطرا كان الى ذلك أم لا.

و بعبارة اخرى لا يصح الوضوء بالماء النجس سواء كان له ماء آخر أم لا نعم مع عدم وجود ماء آخر ينتقل التكليف بالتّيمم و هذا يوهن الرواية فلا بد من حمل النهي فيها على الكراهة و انه يكره الوضوء بماء يلاقيه يد اليهودي او النصراني الا ان يضطر إليه لعدم وجود ماء آخر فتكون الرواية غير دالة على نجاسة

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 14 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 9 من الباب 14 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 161

اهل الكتاب.

لكن فيه ما نقول بانه أوّلا من المحتمل كون الاضطرار الى التوضي به لاجل التقية فلا مسرح له الا التوضي من الماء النجس لان المشهوريين العامّة القول بطهارة الكافر و هذا احتمال قريب في الرواية.

و ثانيا لو لم تدل الفقرة الاخيرة و هي قوله و سأله الخ» على

النجاسة فلا اشكال في دلالة الصدر و يحتمل كون الصّدر و الذيل روايتان سئل مرة عن الاغتسال من ماء الحمام و اخرى عن التوضي بالماء الذي ادخل اليهودي او النصراني يده فيه.

الرواية التاسعة: و هي ما رواها علي بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليه السّلام

«قال سألته عن فراش اليهودي و النصراني ينام عليه قال لا بأس و لا يصلى في ثيابهما و قال لا يأكل المسلم مع المجوسي في قصعة واحدة و لا يقعده على فراشه و لا مسجده و لا يصافحه قال و سألته عن رجل اشترى ثوبا من السوق للبس لا يدري لمن كان هل تصلح الصّلاة فيه قال ان اشتراه من مسلم فليصل فيه و ان اشتراه من نصراني فلا يصلي فيه حتى يغسله.» «1»

اقول: ربما يتوهم ان قرينة السياق يقتضي حمل النهى عن الاكل على الكراهة لانه بعد كون النهي عن القعود على الفراش و مسجده و مصافحته محمولا على الكراهة فالنّهي عن الاكل محمول على الكراهة لكن هذا التوهم فاسد لان النهي ظاهر في التحريم و لو لا الدليل من الخارج على عدم حرمة هذه الثلاثة كان اللازم حمل النهي فيها على الحرمة فلا وجه لحمل النهي عن الاكل على الكراهة.

______________________________

(1) الرواية 10 من الباب 14 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 162

نعم ان كان كل هذه الاربعة المذكورة متعلقا بالنهي الواحد مثلا كانت العبارة هكذا «نهي عن الاكل و القعود في فراش المجوسي و مسجده و المصافحة معه» كان مجال لان يقال بعد كراهة الثلاثة المذكورة لا يمكن حمل النهي بالنسبة الى الاكل على التحريم لان المفروض كون النهي نهيا واحدا و النهي الواحد ليس قابلا لحمل بعض النهي عنه على الكراهة و حمله

بالنسبة الى البعض على التحريم فلا بد من حمل النهي على مطلق المرجوحية كما قيل و لكن ان النهي في الرواية متعدّدا لا واحدا كما ترى فلا مجال لهذا الدعوي في هذه الرواية.

الرواية العاشرة: ما رواها العيص

«قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مواكلة اليهودي و النصراني و المجوسي ناكل من طعامهم قال لا» «1».

و لا يمكن حملها على مطلق المؤاكلة و ان كانت بلا مساورة و الاشتراك و ابتلائه بملاقاتهم حتى يحمل على الكراهة لان قوله نأكل من طعامهم» يدلّ على كون المؤاكلة بنحو المساورة و الاكل من طعامهم المتوقف على الملاقات مع الرطوبة معهم فالرواية ظاهرة في الحرمة.

الرواية الحادية عشر: ما رواها زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام

«في آنية المجوسي فقال اذا اضطررتم إليها فاغسلوها بالماء» «2» هذا كله في الروايات المتمسكة بها على النجاسة و لا اشكال في دلالة بعضها و ان استشكل في دلالة بعضها الآخر.

و فيها ما يدلّ على نجاسة اليهود و النصارى بالصراحة او من باب انهما اهل الكتاب و فيها ما يدل على نجاسة المجوسي و لو فرض عدم كونه من جملة اهل الكتاب للتصريح في بعض الروايات على ما يدل على نجاسته.

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 52 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

(2) الرواية 12 من الباب 14 من ابواب النجاسات و الاوانى و الجلود، من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 163

و في قبال تلك الروايات ما يتمسك به على طهارتهم
اشارة

او يمكن ان يتمسك به و هي طوائف من الاخبار:

الطائفة الاولى: بعض الاخبار الذي قيل بدلالته على جواز مواكلتهم
اشارة

و المعاشرة و الاختلاط معهم.

الرواية الاولى: ما رواها ابراهيم بن ابي محمود

«قال قلت للرضا عليه السّلام الجارية النصرانية تخدمك و انت تعلم انها نصرانيّة لا تتوضأ و لا تغتسل من جنابة قال لا بأس تغسل يديها». «1»

وجه الاستدلال توهّم السائل نجاسة العرضيّة للنصرانيّة و جوابه عليه السّلام بعدم الباس بانها تغسل يديها فترتفع نجاستها العرضيّة.

و فيه انه مع كون القضية قضية خاصة غير معلوم وجهها و لعله عليه السلام كان مبتلا بها لاجل التقية فلا يستفاد من الرواية ازيد من كون النصرانية خادمة له و اما كونها مبتلى بها في مأكوله و مشروبه و بعبارة اخرى ابتلاء الامام عليه السّلام بملاقاتها او ملاقات ما يلاقيها مع الرطوبة فغير معلوم و السؤال من عدم وضوئها و غسلها لاجل وجود القذارة فيها غير القذارة النصرانية و هو غير مناسب مع الخادم فاجاب عليه السّلام بانها تغسل يديها ثم ان ما يأتي بالنظر كون سؤال السائل عن القضية الفرضية بمعنى انه أفرض ان لك خادمة نصرانية لا ان للامام عليه السّلام كان له خارجا خادمة نصرانية و نظر السائل الى القذارة العرفية التي لها من باب عدم مبالاتها و عدم وضوئها و غسلها و اجاب عليه السّلام بان هذه القذارة ترفع بالغسل لا انّها تلاقي مع الرطوبة مع سيدها او غيره حتى كانت الرّواية دليلا على طهارة النصرانية فتأمل.

______________________________

(1) الرواية 11 من الباب 14 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 164

الرواية الثانية: ما رواها ذكريا ابن ابراهيم

«قال كنت نصرانيّا فاسلمت فقلت لابى عبد اللّه عليه السّلام ان اهل بيتي على دين النصرانيّة فاكون معهم في بيت واحد و آكل من آنيتهم فقال أ يأكلون لحم الخنزير قلت لا قال لا بأس.» «1»

اقول: روى الراوي الرواية بنحو آخر

نذكر حتى يتضح لك الحال روي في الوافى عن الكليني في باب البر بالوالدين من ابواب ما يجب على المؤمن من الحقوق في المعاشرات و هي هذه «كالعدة عن البرقي عن علي بن الحكم عن ابن وهب عن ذكريا بن ابراهيم «قال كنت نصرانيا فاسلمت و حججت فدخلت على ابي عبد اللّه عليه السّلام فقلت اني كنت على نصرانية و اني اسلمت فقال و اي شي ء رايت في الاسلام قلت قول اللّه تعالى ما كنت تدري ما الكتاب و لا الايمان و لكن جعلناه نورا نهدى به من نشاء فقال لقد هداك اللّه ثم قال اللهم اهده ثلاثا سئل عما شئت يا بنيّ فقلت ان ابي و امي على النصرانية و اهل بيتى و امي مكفوفة البصر فاكون معهم و آكل في آنيتهم فقال يأكلون لحم الخنزير فقلت لا و لا يمسّونه فقال لا بأس فانظر امك فبرّها فاذا ماتت فلا تكلها الي غير و كن انت الذي تقدم بشأنها و لا تخبرنّ احدا انك اتيتني حتى تأتيني بمنى إن شاء اللّه تعالى قال فاتيته بمنى و الناس حوله كانّه معلّم الصبيان هذا يسأله و هذا يسأله فلمّا قدمت الكوفة لطفت بامي و كنت اطعمها و أفلي ثوبها و راسها و أخدمها فقالت لي يا بنيّ ما كنت تصنع بي هذا و انت على ديني فما الذي ارى منك مذ هاجرت فدخلت في الحنيفية فقلت رجل من آل نبينا امرني بهذا فقالت هذا الرجل هو النبي فقلت لا و لكنه ابن نبي فقالت لا يا بني هذا نبى ان هذه وصايا الأنبياء فقلت يا أمه ليس يكون بعد نبينا نبي و لكنه ابنه فقالت يا

بنيّ دينك خير دين أعرضه عليّ فعرضته عليها و دخلت في الاسلام و علّمتها فصلّت

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 53 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 165

الظهر و العصر و المغرب و العشاء الآخرة ثم عرض لها عارض في الليل فقالت يا بنيّ اعد عليّ ما علّمتني فاعدته عليها فاقرّت به و ماتت فلما اصبحت كان المسلمون الذين غسّلوها و كنت انا الذي صليت عليها و نزلت في قبرها.»

و بعد المراجعة بهذه الرواية تفهم ان تجويز الامام عليه السّلام مع أمه النصرانية المعاشرة كان لما يرى بالاعجاز من ان ذلك الحشر و النشر بصير سببا لاسلام أمه و لا مانع من تجويز المعاشرة بل الاكل في آنيتهم لاجل ذلك و هذا غير كون اليهود و النصارى طاهرا فالرواية الثانية لا تدلّ على طهارة اهل الكتاب.

الرواية الثالثة: ما رواها عيسى بن القاسم

«قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن مواكلة اليهودي و النصراني فقال لا بأس اذا كان طعامك و سألته عن مواكلة المجوسي فقال اذا توضّأ فلا بأس.» «1»

و دلالتها على الطهارة تتوقف على كون المؤاكلة بنحو المساورة و هذا غير معلوم بل المؤاكلة اعم من ان يكون بنحو يبتلي الشخص بملاقات من يؤاكله مع الرطوبة و اما التجويز في مواكلة المجوسي اذا توضأ فيمكن ان يكون ذلك من آداب المائدة و ليس فيه اشعار على كون المؤاكلة بنحو يلاقي كل منهما الآخر مع الرطوبة هذا بناء على كون الفاعل في قوله «اذا توضأ هو المجوسى» كما هو الظاهر الرواية لا المسلم و على كل حال بعد كون المؤاكلة اعم من المساورة تعارض الرواية مع ما دل على النجاسة اذا

كانت بنحو المساورة لدلالة بعض ما دل على النجاسة صريحا على النجاسة اذا كانت المؤاكلة بالمساورة او كونها في قصعة واحدة.

الرواية الرابعة: ما رواها إسماعيل بن جابر

«قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام ما

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 53 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 166

تقول في طعام اهل الكتاب فقال لا تاكله ثمّ سكت هنيئة ثم قال لا تأكله ثمّ سكت هنيئة ثمّ قال لا تأكله و لا تتركه تقول انه حرام و لكن تتركه تنزها عنه انّ في آنيتهم الخمر و لحم الخنزير.» «1» وجه التمسك بذيل الرواية الدال على ان النهي يكون نهيا تنزيهيا.

و لكن المتأمل في صدر الرواية و انه عليه السّلام نهي عن اكل طعام اهل الكتاب و تكراره النهي يرى ان وجه ما قاله عليه السّلام في الذيل ليس الا التقية و لو لم تكن الرواية ظاهرة في التقية فلا اقلّ من احتمالها فلا يبقى مع هذا الاحتمال ظهور للرواية في طهارتهم مضافا الى ان العلة المذكورة في ذيل الرواية «ان في آنيتهم الخمر و لحم الخنزير لا تلايم مع الكراهة فتأمل.

الرواية الخامسة: ما رواها عمار الساباطي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام

«قال سألته عن الرجل هل يتوضأ من كوز او اناء غيره اذا شرب منه على انّه يهودي فقال نعم فقلت من ذلك الماء الذي يشرب منه قال نعم.» «2»

و دلالتها على الطهارة تتوقف على حمل قوله «اذا شرب منه على انه يهودي» على صورة علمه بذلك و اما ان كان مجرد تخيّله ذلك او ظنّه بكون من شرب منه هو اليهودي فلا تدل على الطهارة لان منشأ تجويز الوضوء في هذه الصورة هو اصالة الطهارة و لا يبعد كون المحتمل هذا لان الاناء و الكوز من الغير فشرب منه فتخيل كون صاحبه يهود يا فسئل عن الوضوء و مع هذا الاحتمال فلا تدلّ الرواية

على طهارتهم.

الطائفة الثانية: بعض الروايات الدالة على جواز تصدى اهل الكتاب لغسل المسلم او المسلمة:
اشارة

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 54 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 3 من ابواب الأسآر الميّت من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 167

الرواية الاولى: ما رواها عمّار بن موسى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام

«في حديث قال قلت فان مات رجل مسلم و ليس معه رجل مسلم و لا امرأة مسلمة من ذوي قرابته و معه رجال نصاري و نساء مسلمات ليس بينه و بينهنّ قرابة قال يغتسل النصارى ثم يغسلونه فقد اضطر، و عن المرأة المسلمة تموت و ليس معها امرأة مسلمة و لا رجل مسلم من ذوي قرابتها و معها نصرانية و رجال مسلمون «و ليس بينها و بينهم قرابة» قال تغتسل النصرانية ثم تغسلها» «1».

الرواية الثانية: ما رواها خالد عن زيد بن علي عن آبائه عن علي عليه السّلام

«قال:

اتى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم نفر فقالوا ان امرأة توفيت معنا و ليس معها ذو محرم فقال كيف صنعتم فقالوا صببنا عليها الماء صبا فقال او ما وجدتم امرأة من اهل الكتاب تغسلها قالوا لا قال أ فلا يمّموها.» «2»

قال في المعتبر بعد نقل الخبرين و عندي في هذا التّوقف و الاقرب دفنها من غير غسل لان غسل الميت يفتقر الى النية و الكافر لا يقع منه نية القربة ثم طعن في الحديث الاول بان السند كله فتحيّة و الحديث الثاني بان رجاله زيديّة.

اقول: مع ضعف سند هما كما ترى من عبارة المعتبر لا يمكن التعويل عليهما.

ان قلت ان الروايتين مجبورة ضعفهما بعمل الاصحاب لان ما قبل المحقق رحمه اللّه قد عمل بهما في مورده.

قلت مع إن عمل الاصحاب غير معلوم لكون المسألة مختلفا فيه من حيث

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 19 من ابواب غسل الميّت من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 10 من ابواب غسل الميت من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 168

النص و الفتوى غاية ما يمكن ان يقال بعد عمل الاصحاب بهما هو تجويزهم غسل الكافر مع فقد

المسلم و اما كيفية تجويزهم من مباشرة الكافر بدن المسلم او المسلمة الميت او عدم مباشرته فهو غير معلوم و من هذا الحيث يكون عملهم مثل نفس الروايتين غير معلوم فلا يمكن الاستدلال بهما على طهارة الكتابي.

و الاشكال بعدم تمشى قصد القربة من النصراني و الحال ان الغسل عبادة موقوف بقصد القربة.

ممكن الدّفع اما بان هذا اجتهاد في مقابل النص لانه بعد تجويزه يسقط هذا الشرط.

و اما بانّ الآمر يقصد القربة و هو كاف و لكن مع ذلك نقول اما أولا بانه كما يمكن ان يكون تجويز تغسيل الكافر المسلم من باب كون الكافر طاهرا كذلك يمكن ان يكون من باب العفو عن تنجيسه فى هذا المورد و الرواية لا تدل الا على اغتساله و لا يذكر فيها ان وجه اغتساله طهارة النصراني او العفو عن تنجيسه فى هذا المورد و مع هذا الاحتمال لا يستفاد من الرواية طهارة النصراني.

و امّا ثانيا كما بيّنا غاية ما يستفاد من الخبرين هو تغسيل المماثل الكافر المسلم اذا لم يكن مماثل المسلم او ذو قرابة مسلمة و اما كيفية غسله فلا تعرض في الرواية لها فنقول بمقتضى عدم جواز تنجيس الميت و وجوب كون بدنه طاهرا حال الغسل بان يغسله النصراني بنحو لا ينجسه و بعبارة اخرى ان الرواية متعرضة لحيث وجوب تغسيل الكافر المسلم في صورة عدم المماثل و ذي القرابة من المسلمين و اما حيث آخر و هو وجوب طهارة بدن الميت المسلم حال الغسل و بعده حتى دفن فالرواية غير متعرضة لها فدليل اعتبارها باق بحاله فاذا جمعنا هذه الرواية مع ما دل على وجوب طهارته تكون نتيجة الجمع ان يغسله بنحو لا يوجب تنجيس

الميت المسلم.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 169

فتلخص ان الروايتين لا تدلان على طهارة النصراني هذا كله في الاخبار المتمسكة بها على طهارة الكافر او ما يمكن ان يتمسك بها على الطهارة.

فنقول بعونه تعالى انه اذا تأمّلت فيما بيّنا فى هذه الروايات لم تجد ما بينها ما يمكن الاستدلال بها على الطهارة الّا الرواية الخامسة من الطائفة الاولى من الطائفتين المستدلة بهما على الطهارة لما عرفت من عدم ظهور غيرها في الطهارة.

الطائفة الثالثة: بعض الاخبار الواردة في طهارة ما يعمله الذمي

او كان تحت يده كالرواية التي رواها معاوية بن عمّار «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الثياب السابريّة يعملها المجوس و هم اخباث «اجناب» و هم يشربون الخمر و نسائهم على تلك الحال البسها و لا اغسلها و اصلّي فيها قال نعم قال معاوية فقطعت له قميصا و خططته و فتلت له إزارا و رداء من السابري ثمّ بعثت بها إليه في يوم جمعة حين ارتفع النهار فكأنّه عرف ما اريد فخرج بها الى الجمعة» «1» و غيرها راجع الباب المذكور.

اقول: يحتمل ان فرض السائل في الرواية المذكورة صورة علمه بملاقات المجوسي مع الثياب مع الرطوبة و مع ذلك جوّز عليه السّلام لبسه و الصّلاة فيه بدون غسله و صلّى عليه السلام فيه مع هذا الحال و لازم هذا الاحتمال عدم نجاسة الخمر أيضا.

و فيه انه مع فرض كونه اخباث و هم يشربون الخمر لا يمكن الالتزام به فلا مجال لهذا الاحتمال و يحتمل ان يكون فرض السائل صورة الشك في ملاقات المجوسي الثياب مع الرطوبة و هذا هو الظاهر من الرواية لعدم الملازمة بين نجاستهم و بين ملاقاتهم الثياب مع الرطوبة فلا تدل الرواية و نظائرها على

طهارة المجوسي فيكون الاستدلال بها في غير محله.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 73 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 170

الطائفة الرابعة: بعض الروايات الدالة على طهارة الثوب الذي يستعيره الذمي

و هي روايات راجع الباب 74 من ابواب النجاسات من الوسائل نذكر واحدة منها.

و هي ما رواها عبد اللّه بن سنان «قال سئل ابي أبا عبد اللّه عليه السّلام و انا حاضر اني اعير الذمي ثوبي و انا اعلم انه يشرب الخمر و يأكل لحم الخنزير فيرده على فاغسله قبل ان اصلى فيه فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام صل فيه و لا تغسله من اجل ذلك فانك اعرته اياه و هو طاهر و لم تستيقن انه نجسه فلا بأس ان تصلّي فيه حتى تستيقن انه نجسه». «1»

اعلم ان هاتين الطائفتين بلسانهما لا تكونان مربوطتين بالمقام بل الحكم فى إحداهما بالطهارة كما بينا في ذيل رواية معاوية بن عمار يكون من باب اصالة الطهارة في صورة الشك في النجاسة و انه حيث لا يعلم بنجاسة ما وقع تحت يد الكتابي بملاقاته مع الرطوبة يكون محكوما بالطهارة و فى الاخرى لاجل استصحاب الطهارة مع الشك فى تنجيسه.

ان قلت ان توهم السائل نجاسة ما وقع تحت يده يكون لاجل النجاسة العرضية و هو ابتلاء الكتابي بشرب الخمر و اكل لحم الخنزير لا الذاتية و هذا يدلّ على ان كون المعلوم عندهم طهارته ذاتا.

قلت أولا مجرد تخيّل السائل لا يكفي في كون الكافر طاهرا و لم يقرّره الامام عليه السّلام بل صار في مقام بيان حكم آخر يكون مورد سؤال السائل و هو عدم نجاسة ما تحت يده مع الشك في النجاسة.

و ثانيا فرض السائل على تقدير كون الصادر في رواية

معاوية «و هم

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 74 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 171

اخبات» خباثة نفس المجوسى و نجاسته.

مضافا الى ان ما تحت ايديهم لو نجس ينجس غالبا بما يلاقيه من مأكولهم و مشروبهم و لهذا ذكر شرب خمرهم و اكل لحم الخنزير و هذا لا يدل على كون نظر السائل و مركوز ذهنه هو طهارتهم بانفسهم فعلى هذا لا وجه لجعل الطائفتين من جملة ادلة طهارة كتابي.

اقول و مما قلنا في طي الاستدلال بالاخبار المتمسكة بها على نجاسة اهل الكتاب و الاخبار المتمسكة بها على طهارتهم يظهر لك ان جل الاخبار المتمسكة على النجاسة تدل على نجاستهم.

و اما الاخبار المتمسكة على طهارتهم فلا يتم الاستدلال بها على الطهارة الا رواية او روايتين.

اذا عرفت ذلك نقول بعونه تعالى شأنه انه قد يقال بانه بعد ما مضى في مبحث التعادل و الترجيح انه اذا امكن التوفيق بين الخبرين المتعارضين بالجمع العرفي فيؤخذ به و بعبارة اخرى يرفع التعارض بالجمع العرفي و بعبارة ثالثة لا يرى تعارض بينهما مع امكان الجمع العرفي بين المتعارضين.

فيقال انه قد مضى في المبحث المذكور بانه اذا كان لسان احد المتعارضين النهي و لسان ما يعارضه الجواز فيحمل الظاهر على النص بنظر العرف فيرفع عندهم عن ظاهر النهي بسبب ما يعارضه الذي هو نص في الجواز فتكون النتيجة حمل النهي في الطائفة التي ظاهر في الحرمة في حد ذاته على الكراهة بقرينة الطائفة المعارضة لها التي هي نص في الجواز فيقال في المورد بان مقتضى الجمع العرفي هو حمل النهي في الطائفة الاولى من الاخبار و هي ما دل على نجاسة اهل الكتاب

بقرينة الطائفة الثانية المعارضة للاولى و هي الاخبار المتمسكة بها على الطهارة على الكراهة فتكون نتيجة الجمع هو القول بكراهة ملاقات اهل الكتاب مع الرطوبة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 172

و فيه أوّلا انه كما قلنا في مبحث التعادل و الترجيح من ان مورد الكلام في باب تعارض الخبرين و ما يقال فيه من الجمع العرفي او الترجيح بالمرجحات و بالاخرة التخيير او التوقف بالكيفية المذكورة في محلّه.

يكون كل ذلك في صورة وجود مقتضي الحجة لكل واحد من الخبرين المتعارضين و بعبارة اخرى يكون محلّ الكلام هو في صورة تعارض الحجتين لا في صورة تعارض الحجة مع اللاحجة.

فاذا لم يكن في احد الخبرين مقتضى الحجية فلا مجال لاعمال قاعدة التعارض من الجمع العرفي و غير ذلك فبناء عليه نقول بانه مع اعراض الاصحاب عن الاخبار المتمسكة بها على الطهارة لوضوح اعراضهم مع هذه الشهرة القوية على النجاسة و مطابقة هذه الطائفة المتمسكة بها على الطهارة مع فتوى المشهور من العامة فليس مقتضى الحجيّة موجود فى الاخبار المتمسكة على الطهارة فلا مجال لاعمال قواعد التعارض مثل الجمع العرفي في المقام.

بل لو لم يكن معارض لهذه الطائفة لا يمكن التمسك بها على الطهارة بل نقول تصل النوبة بالاصل.

و ثانيا على فرض الاغماض عن الاشكال الاول بالالتزام على شمول مورد تعارض الخبرين و اعمال ما يترتب عليه لصورة تعارض الحجية مع اللاحجة او قلنا فرضا بوجود مقتضى الحجية لبعض ما يستدل عليه من الروايات على طهارة الكافر.

نقول بان المورد ليس قابلا للجمع العرفي بالنحو المتقدم من الجمع بحمل الاخبار الناهية عن مباشرة الكافر على الكراهة بقرينة الاخبار المجوزة لان محل كلامنا غير قابل لهذا الجمع.

ذخيرة

العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 173

بيانه ان في الخبرين المتعارضين اذا كان لسان احدهما الامر و لسان الآخر الجواز او لسان احدهما النهي و لسان الآخر الجواز يحمل في الصورة الاولى الخبر الذي لسانه الامر على الاستحباب و في الصورة الثانية الخبر الذي ظاهره النهي على الكراهة بقرينة ما يعارضه على الجواز لحمل الظاهر على النص و هو جمع عرفي و بذلك يرتفع التعارض بينهما عند العرف لكنه لا يمكن الجمع بالنحو المذكور في محل كلامنا لان لسان بعض الروايات المستدلة بها على النجاسة آبية عن هذا الحمل و هذا الجمع مثل الرواية الثالثة من هذه الطائفة نذكر الرواية لتتميم الفائدة.

فنقول اما الرواية فهى ما رواها عبد اللّه بن يحيى الكاهلي «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن قوم مسلمين يأكلون و حضرهم رجل مجوسيّ أ يدعونه الى طعامهم فقال اما انا فلا او اكل المجوسيّ و اكره ان احرّم عليكم شيئا تصنعون في بلادكم.» «1»

و قد مضى الكلام في دلالتها على النجاسة و ذكر ما يمكن ان يورد على دلالتها و الجواب عنه و الحاصل ان صدر الرواية و هو قوله عليه السّلام «اما انا فلا أؤاكل المجوسي» و ذيلها و هو قوله عليه السّلام «و اكره ان احرم عليكم شيئا تصنعون في بلادكم» ظاهر في ان عدم مواكلته مع المجوسي كان من باب حرمته و ان عدم تحريمة على السائل يكون من باب ابتلاء السائل بالتقية.

اذا عرفت ذلك نقول بانه بعد كون قوله عليه السّلام و اكره ان احرّم عليكم الخ صريح في ان عدم تحريمه على السائل كان من باب ابتلائه بالتقية فيستفاد من هذه الفقرة ان الحكم

هو الحرمة في حدّ ذاته و عدم تحريمه على السائل لاجل ابتلاء السائل بالتقية و حيث ان المذكور الحرمة لقوله و اكره ان احرّم عليكم الخ فلا يمكن الجمع بين هذه

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 14 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 174

الرواية و ما استدل من الاخبار على الطهارة لان التعبير بالحرمة غير قابل للحمل على الكراهة بعنوان الجمع بين الطائفتين المتعارضتين.

و مثل الرواية الثامنة من الروايات المتقدمة المستدلة بها على نجاسة الكافر نذكر الرواية و هي ما رواها علي بن جعفر عن اخيه انه سال اخاه موسى بن جعفر عليهما السّلام «عن النصراني يغتسل وحده على الحوض فيغسله ثم يغتسل و سئل عن اليهودي و النصراني يدخل يده في الماء أ يتوضأ منه للصلاة قال لا الا ان يضطر إليه.» «1»

فان ظاهر قوله عليه السّلام في ذيل الرواية بعد ما سئل السائل «عن اليهودي و النصراني يدخل يده في الماء أ يتوضأ منه للصلاة» قال «لا الا ان يضطر إليه» لا يمكن حمل «لا» في كلام الامام عليه السّلام على الكراهة لانه لو كان التوضى منه مكروها يجوز و لو لم يكن الشخص مضطرا إليه لاجل التقية مثلا فجوازه في صورة الاضطرار فقط دليل على كون النهي للتحريم فلا يمكن الجمع بين هذه الرواية و بين بعض ما يستدل به من الروايات على طهارة الكافر بحمل النهي على الكراهة.

فهذا وجه آخر على عدم امكان الجمع بين الطائفة الدالة من الاخبار على نجاسة الكافر و بين الطائفة المتمسكة بها على طهارة الكافر بالجمع بينهما بالجمع العرفي من حمل الطائفة الاولى على الكراهة بقرينة الجواز في الطائفة

الثانية و هذا وجه خطر ببالى بعد الدقة في الروايات و لم أر من تفطن به غيري.

اذا عرفت عدم امكان الجمع بالجمع العرفي بين الطائفتين من الروايات

______________________________

(1) الرواية 9 من الباب 14 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 175

المربوطة بالباب نقول بعون اللّه تعالى في المقام.

انه كما قلنا في مبحث التعادل و الترجيح مقتضى القاعدة مع عدم امكان الجمع العرفي بين الخبرين المتعارضين هو الاخذ مما فيه احد المرجحات ان كان لاحدهما الترجيح.

فتقول في ما نحن فيه بان الترجيح يكون مع الاخبار الدالة على نجاسة الكافر.

بيانه ان اوّل المرجحات يكون الشهرة و قد اختلفوا في ان الشهرة المرجحة للرواية على معارضها هل تكون الشهرة الفتوائية او الشهرة الروائية و ليس المقام، مقام التكلم في ان المرجح اي شهرة من الشهرتين.

و نقول بان الترجيح مع الطائفة من الاخبار الدالة على النجاسة بكلتا الشهرتين.

لان الشهرة ان كانت فتوائية فالشهرة الفتوائية كما عرفت في صدر المبحث تكون مع الطائفة من الاخبار التي تدل على النجاسة لان القائل بالطهارة بين قدمائنا الامامية رضوان اللّه تعالى عليهم و بين المتأخرين منهم رضوان اللّه تعالى عليهم اقل من القليل فالشهرة الفتوائية على طبق الاخبار الدالة على النجاسة.

و ان كانت الشهرة المرجحة الشهرة الروائية فأيضا تكون هذه الشهرة مع الطائفة الدالة على النجاسة.

و ان ابيت عن ذلك و فرضت كون الروايات المتمسكة بها على طهارة الكافر أيضا مشهورة بالشهرة الروائية فنقول بانه لا اشكال في كون الطائفة الدالة على النجاسة من الاخبار تكون اشهر و قال المعصوم عليه السّلام بعد قول السائل بان كلاهما

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 176

مشهور

ان «خذ باشهرهما».

فتلخص ان الترجيح بسبب الشهرة فتوائية كانت او روائية يكون مع الروايات الدالة على النجاسة و مع قطع النظر عن الترجيح بالشهرة يبلغ الامر بعدها على الترجيح بمخالفة العامة فأيضا يكون الترجيح مع الاخبار الدالة على النجاسة لانه كما ذكرنا في صدر المسألة المشهور شهرة قويّة هو القول بالطهارة عندهم بل على ما ذكرها السيد رحمه اللّه اعني السيد المرتضى علم الهدى يكون القول بنجاسة الكافر من متفردات الامامية فالروايات الدالة على النجاسة تخالف مع العامة و لا بدّ من الاخذ بخلافهم لان الرشد في خلافهم فعلى هذا يكون الترجيح مع الاخبار الدالة على النجاسة و ردّ علم الاخبار المتمسكة على الطهارة الى اهلها.

و قد ظهر لك ان الحق نجاسة الكافر و نعطف عنان الكلام إن شاء اللّه الى بعض جهات اخرى.

الجهة الثانية: يشمل حكم نجاسة الكافر للمرتد بقسميه

اعني المرتد الفطري و هو من كان مسلما فكفر او اشرك او كان مرتدا مليّا و هو من كان على ملة الكفر فأسلم ثمّ كفر.

لشمول اطلاقات الادلة الدالة على نجاسة المشرك و غيره من اليهودي و النصراني و المجوسي للمرتد بقسميه.

الجهة الثالثة: [حكم رطوباته و ما لا تحله الحياة منه]

بعد معلومية نجاسة الكافر في الجملة على ما مرّ يقع الكلام في انه هل يشمل الحكم بنجاسته رطوباته و ما لا تحله الحياة من اعضائه أم لا.

اقول ان كان الوجه في الحكم بالنجاسة هو الاجماع يمكن الشك في شمول الحكم للموردين لعدم تصريح من المجمعين بالشمول او عدمه و القدر المتيقّن من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 177

الاجماع هو عدم الحكم في الموردين.

و اما ان كان الدليل النص كما قدّمنا دلالته على الحكم و بعبارة اخرى يكون الدليل الدليل اللفظي لا الدليل اللبي يمكن ان يقال بشموله للموردين.

ان قلت ان مورد الجلّ من الاخبار لو لا الكل هو المؤاكلة او آنية الكافر و هما لا يشملان الرطوبات و ما لا تحله الحياة منه.

قلت بعد دلالة عدة من الروايات المتقدمة ذكرها على النجاسة مع قطع النظر عن الآية الشريفة إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فلا يفهم العرف من نجاسة الكافر الا نجاسته بجميع اجزائه مثل ما اذا قال في الكلب انه رجس نجس يفهم العرف من ذلك نجاسته بجميع اجزائه و لا يفهم التفكيك بين اجزائه من يده و رجله و جميع رطوباته و غيرها من اجزائه و بين ما تحله الحياة منه و بين ما لا تحله الحياة منه فكذلك في الكافر.

و من جهة هذا الفهم العرفي نقول بانه لو كان نظر الشارع اختصاص حكم النجاسة ببعض اجزاء الكافر كان عليه البيان.

مضافا

الى ان نجاسة آنيتهم و النهي عن الاكل منها ليس الا من باب ملاقات رطوبة منه او غيرها مع الآنية فتنجست الآنية بملاقاتها فيكون الكافر نجسا بجميع اجزائه حتى رطوباته و ما لا تحله الحياة من اجزاء بدنه.

الجهة الرابعة: قال المؤلف رحمه اللّه و المراد بالكافر
اشارة

من كان منكرا للالوهية او التوحيد او الرسالة او ضروريا من ضروريات الدين مع الالتفات الى كونه ضروريا بحيث يرجع انكاره الى انكار الرسالة.

اقول: بعد عدم ورود لفظ الكافر في الآيات و الروايات المتمسكة بها على

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 178

النجاسة فلا فائدة في اتعاب النفس الى فهم المراد من الكافر لغة ثم بعد ذلك نقول يقع الكلام في امور:

الامر الاول: لا اشكال في شمول، حكم النجاسة لمن يكون منكرا للالوهيّة

و لمن يكون منكرا للتوحيد اما منكر التوحيد فانه مشرك و تدل على نجاسته الآية الشريفة المتقدمة ذكرها و هي قوله تعالى إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ.

و بعد كون المشرك اعنى منكر التوحيد نجسا نقول بان منكر الالوهية نجس بطريق الاولى مضافا الى قيام الاجماع في كليهما.

الامر الثانى: من يكون منكرا لرسالة نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله و سلم فهو كافر نجس.

اما اليهود و النصارى و المجوس فنجس لكونهم مذكورين في ضمن الروايات المتقدمة المتمسكة على النجاسة و اما غيرهم فمن كان منكرا لرسالته صلّى اللّه عليه و آله و سلم فلعدم الفرق بينهم و بين اليهود و النصارى و المجوس لان وجه نجاسة غير مشركيهم المحكومين بالنجاسة بإطلاق الاخبار هو كونهم منكرين لرسالة نبينا صلّى اللّه عليه و آله و سلم.

مضافا الى الاجماع الدال على ذلك.

الامر الثالث: هل يشمل حكم النجاسة لمن يكون منكرا لضروري من ضروريات الدين أم لا.
اشارة

اقول: لا اشكال في نجاسة منكر الضروري بل غير الضرورية من الدين اذا رجع انكاره الى انكار اصل الرسالة لما عرفت من نجاسة منكر رسالة نبينا صلّى اللّه عليه و آله و سلم.

انما الكلام في ان كفر منكر الضروري و نجاسته هل يكون من باب ان انكاره يصير سببا لانكار الرسالة فلا يكون انكار الضروري سببا مستقلا للنجاسة و الكفر بل السبب في الحقيقة في انكار الضروري للكفر و النجاسة هو انكار الرسالة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 179

او ان انكار الضروري بنفسه سبب للكفر و النجاسة و ان لم يكن انكاره موجبا لانكار الرسالة مثل ما كان انكاره الضروري من باب اعتقاده بعدم كونه من احكام الدين لشبهة حصلت له بحيث لو علم انه من الدين لقبله و على هذا التقدير يكون انكار الضروري سببا مستقلا للكفر و النجاسة فقد يقال بالثاني تمسّكا بالوجوه التي نذكره إن شاء اللّه.

الوجه الاول: دلالة بعض الروايات
اشارة

على سببية انكار بعض الاحكام الشرعية حتى حكما واحدا للكفر نذكر منها روايات:

الرواية الاولى: ما رواها عبد الرحيم القصير

قال كتبت مع عبد الملك بن اعين الى ابي عبد اللّه عليه السّلام «اسأله عن الايمان ما هو فكتب الى مع عبد الملك بن اعين سألت رحمك اللّه عن الايمان» الى ان قال عليه السّلام «و لا يخرجه الى الكفر الا الجحود و الاستحلال ان يقول للحلال هذا حرام و للحرام هذا حلال و دان بذلك.» «1»

الرواية الثانية: ما رواها ابو الصباح الكناني عن ابي جعفر عليه السّلام

و فيها قال «و قلت لابى جعفر عليه السّلام ان عندنا قوما يقولون اذ شهد ان لا إله الا اللّه و ان محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم فهو مؤمن قال فلم يضربون الحدود و لم تقطع ايديهم و ما خلق اللّه عز و جلّ خلقا اكرم على اللّه عز و جلّ من المؤمن لان الملائكة خدام المؤمنين و ان جوار اللّه للمؤمنين و ان الجنة للمؤمنين و ان الحور العين للمؤمنين ثم قال فما بال من جحد الفرائض كان كافر» «2».

الرواية الثالثة: ما رواها عبد اللّه بن سنان

«قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن

______________________________

(1) الرواية 12 من باب ان الايمان اخص من الاسلام من الوافى، ص 18 من الطبع الحجرى و اصول كافى ج 3، ص 49، ح 1.

(2) من باب مجمل القول فى الايمان و مفضله ص 22 بالطبع الحجرى؛ اصول كافى ج 3، ص 58، ح 2.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 180

الرجل يرتكب الكبيرة من الكبائر فيموت هل يخرجه ذلك من الاسلام و ان عذّب كان عذابه كعذاب المشركين أم له مدة انقطاع فقال من ارتكب كبيرة من الكبائر فزعم انها حلال اخرجه ذلك من الاسلام و عذّب باشدّ العذاب و ان كان معترفا انه ذنب و مات عليها اخرجه من الايمان و لم يخرجه من الاسلام و كان عذابه اهون من عذاب الاوّل «1».

الرواية الرابعة: ما رواها العجلى عن ابي جعفر عليه السّلام

«قال سألته عن ادنى ما يكون العبد به مشركا فقال من قال للنواة انها حصاة و للحصاة هى نواة ثم دان به.» «2»

و قريب من هذه الرواية ما في ذيل الرواية التي رواها في السّفينة «3» في مادة «فضل» عن ابراهيم بن محمود قال قلت للرضا عليه السّلام «الى ان قال في ذيلها» ان ادنى ما يخرج الرجل من الايمان ان يقول للحصاة هذه نواة ثم يدين به و يبرأ من خالفه الخ.

الرواية الخامسة: ما رواها سليم بن غيث

«قال سمعت عليّا عليه السّلام يقول و اتاه رجل فقال له ما ادنى ما يكون به العبد مؤمنا و ادنى ما يكون به العبد كافرا، و ما يكون به العبد ضالا» «ففيها قال عليه السّلام و ادنى ما يكون به العبد كافرا من زعم ان شيئا نهى اللّه تعالى عنه ان اللّه تعالى امر به و نصبه دينا يتولى عليه و يزعم انه يعبد الذي امر به و انّما يعبد الشيطان و ادني ما يكون به العبد ضالا ان لا يعرف حجة اللّه

______________________________

(1) الرواية 7 من باب مجمل القول في الايمان و مفصّله- صفحه 29 بالطبع الحجرى؛ وسائل، ج 1 ص 22 ح 10.

(2) الرواية 2 من باب ادنى الكفر و الشرك و الضّلال من الوافى، ص 42 من الطبع الحجرى؛ اصول كافى، ج 4 ص 122 ح 1.

(3) سفينة البحار، ج 2، ص 366.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 181

تعالى الخ «1».»

وجه الاستدلال دلالة هذه الروايات و نظائرها على سببيّة انكار الحلال و الحرام للكفر.

و فيه ان الظاهر من هذه الروايات كون منشأ الكفر الجحود و الانكار و هذا لا يحصل الا مع علم الشخص و

زعمه بكون حكم شي ء الحلية فانكرها او ان حكم شي ء الحرمة فانكرها «و جحدوا بها و استيقنتها انفسهم» فلا يوجب مجرد عدم الاعتراف و الاعتقاد بحلية الحرام او حرمة الحلال مثل ما اذا كان هذا التخيل من باب شبهة حصلت له فاعتقد بحلية شي ء مع كونه حراما واقعا او بالعكس.

و الحاصل انه لا يستفاد من الاخبار الا خصوص صورة الجحود و الانكار لا مطلقا حتى في صورة كان وجه اعتقاده على خلاف الواقع من باب اشتباهه في اجتهاده فاعتقد حلية الحرام الواقعي او اعتقد حرمة الحلال الواقعي يكون كافرا و لو فرض اطلاق لهذه الاخبار بحيث كان لازم اطلاقها القول بكفر كل من اعتقد حرامة ما هو حلال في الواقع او بالعكس و لو لم يكن عن جحود مثل من اعتقد باجتهاده حرمة شي ء يكون حلالا في الواقع او بالعكس و لو لم يكن عن جحود مثل من اعتقد باجتهاده حرمة شي ء يكون حلالا في الواقع او بعكسه لخطاء اجتهاده فيما اعتقده فلا بد من تقييده بالصورة التي قلنا لعدم امكان الالتزام له مسلّما.

مضافا الى انه بعد فرض اثبات الكفر بهذه الاخبار لا يكون لنا نصّ على نجاسة مطلق الكافر حتى يقال بنجاسة منكر الضروري و قد مرّ سابقا بان لفظ الكافر ليس مذكورا في باب النجاسة في آية و رواية اصلا فافهم.

______________________________

(1) من باب ادنى الكفر و الشرك و الضلال من الوافى صفحة 42 من الطبع الحجرى؛ اصول كافى، ج 4 ص 152 ح 1.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 182

[الوجه] الامر الثاني: ان الاسلام عبارة عن مجموع ما جاء به النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلم

فمن انكر واجبا من واجباته او حراما من محرّماته فهو خارج عن الاسلام و فيه ان المعتبر في صحة اسلام

الشخص كونه معتقدا بما جاء به الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم و ان كان على سبيل الاجمال و لا يلزم معرفة جميع الواجبات و المحرّمات تفصيلا فمن يعتقد عدم وجوب ما كان واجبا واقعا او حرمة ما كان حراما واقعا في الشرع مع انه لو علم انه واجب او حرام يعتقد بها لا يكون خارجا عن الاسلام.

مضافا الى ان ما قيل في الامر الثاني يكون على فرض تماميّته دليلا على ان وجه نجاسة منكر الضروري هو كون انكار الضروري من باب ان انكاره ينتهي الى انكار الرسالة لا انه سبب مستقل بنفسه.

[الوجه] الامر الثالث: هو التمسك بعبارة بعض فقهائنا

رضوان اللّه تعالى عليهم و كلماتهم من افراد منكر الضروري من غيره او عدم التقييد في نجاسته بصورة كون انكاره منتهيا بانكار الرسالة و غير ذلك.

و فيه انه لا مجال للتمسك بكلمات الاصحاب رحمهم اللّه أولا، لان الكلام الصادر من بعضهم قابل للتوجيه.

و ثانيا، يفيد كلامهم في فرض ظهور في احد طرفي البحث لاخذ الاجماع و التمسك بالاجماع امر آخر و اذا بلغ الكلام الى دعوى الاجماع على كون منكر الضروري محكوما بالنجاسة من باب سببيّة المستقلة فنقول لا يثبت اجماع على ذلك.

ثم انه نقول بعدم تمامية الوجوه المستدلة بها على كون انكار الضروري سببا مستقلا للنجاسة لان عمدة الوجوه هو الوجه الاول و هو بعض الروايات التي تعرضنا له و عرفت انه ليس له اطلاق يشمل حتى صورة لا ينتهي انكار الضروري بانكار الرسالة.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 183

فمنكر الضروري كافر و نجس في خصوص ما ينتهي انكاره بانكار الرسالة.

الجهة الخامسة: في حكم ولد الكافر من حيث النجاسة و عدمها.
اشارة

و قبل الشروع في المقصود

نقدّم امرين:

الامر الاول: ان ما يدّعى من تسالم الاصحاب على تبعية ولد الكافر للوالدين في الاسر و الاسترقاق لا يوجب تبعيته لهما في النجاسة لان التسالم ليس في النجاسة.

الامر الثاني: الكلام في نجاسة ولد الكافر يكون في نجاسة كل من ولد ممن قلنا بنجاسة من المشركين و غيرهم فان قلنا بنجاسة الكتابي فاولادهم داخلون في محل النزاع هنا.

اذا عرفت ذلك نقول بان الكلام في المسألة يقع في موارد:
المورد الاول: فيما يكون ابواه كافرين
اشارة

فنقول تارة يقع

فيما كان ولد الكافر بالغا

فلا اشكال في انه لو لم يسلم يكون كافرا نجسا لانه من الكافرين المحكومين بالنجاسة كما انه لو اسلم يقبل اسلامه و يشمله احكام المسلمين و يكون محكوما بالطهارة مثل سائر المسلمين.

و تارة يقع الكلام فيما يكون صبيّا مميّزا و لم يبلغ الحلم

و الكلام فيه مرة يقع في حكمه من حيث النجاسة و الطهارة اذا اسلم صبيّا مميزا و بعبارة اخرى في قبول اسلامه فلا ينبغي الاشكال في قبوله اسلامه لانه مميّز. و حديث رفع القلم و هو المروي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و في الحديث المذكور «رفع القلم عن الصبي حتى يحتلم» لا يدلّ على عدم قبول اسلامه او طاعاته بل يدلّ على رفع قلم التكليف عنه و عدم المؤاخذة على ترك ما يجب عليه او فعل ما يحرّم فعله ما دام يكون صبيّا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 184

و تارة يقع الكلام في كفره فكما يأتي الكلام فيه إن شاء اللّه في الصبي الغير المميز انه اذا كان ابواه كافرين فهو محكوم بحكمهما في الكفر.

و وجهه ان هذا الصبي يكون يهوديا او نصرانيا او مجوسيا بعد كونه عاقلا رشيدا مميّزا و ان لم يكن بالغا، او لما يدعي من التسالم على ذلك.

و تارة اخرى في نجاسته فنقول بعد كونه محكوما بكفر يوجب النجاسة مثل الشرك او اليهودية او النصرانية او المجوسية فهو نجس لان هذه الطوائف نجس كما بيّنا.

ان قلت ان حديث رفع القلم عن الصبي يرفع حكم النجاسة.

قلت ان الحديث يرفع قلم التكليف عن الصبي و اما الحكم الوضعي فلا يرتفع به و لهذا نقول بضمان الصبي و بالغسل على الصبي لو حصل سببه له حال صبابته فيجب عليه بعد البلوغ اداء ما

ضمنه و الغسل الحاصل سببه حين صبابته.

و تارة يقع الكلام في حكم الصبي الغير المميّز من ولد الكافر
اشارة

من حيث الكفر و النجاسة و الكلام فيه في موارد:

المورد الاول: اذا كان الصبي الغير المميّز ممن يكون ابواه كافرين يستدل على كفره و نجاسته بامور:
الامر الاوّل: بعض الروايات الواردة في تفسير. قوله تعالى

وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ اتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمٰانٍ أَلْحَقْنٰا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَ مٰا أَلَتْنٰاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْ ءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمٰا كَسَبَ رَهِينٌ «1».

مثل ما رواها الوافى و قال فيها «اما اطفال المؤمنين فانهم يلحقون بآبائهم و

______________________________

(1) سورة الطور، الآية 21.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 185

اولاد المشركين فيلحقون بآبائهم و هو قول اللّه تعالى بايمان ألحقنا بهم ذريّتهم» «1».

و بعض الآخر من الروايات مثل ما روي في الوافي في الباب المذكور عن «الفقيه» و هي ما رواها وهب بن وهب عن جعفر بن محمد عن ابيه عليهما السّلام قال قال على عليه السّلام اولاد المشركين مع آبائهم في النار و اولاد المسلمين مع آبائهم في الجنة «2».

و مثل ما رواها في الوافي عن جعفر بن بشير عن عبد اللّه بن سنان قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن اولاد المشركين يموتون قبل ان يبلغوا الحنث قال كفار و اللّه اعلم بما كانوا عاملين يدخلون مداخل آبائهم. «3»

اقول: فيه أولا ان ظاهر هذه الاخبار مخالف مع بعض من القواعد المسلّمة عند العدلية لانه كيف يعذّب اولاد الكفار ما دام لم يعصوا و ماتوا قبل ان يبلغوا الحلم و مجرد علمه تعالى بانه لو فرض انهم يبقون في الدنيا و بلغوا يعصون اللّه لا يوجب ان يعذبهم و يستحقون العقوبة.

و على تقدير صحة سندها لا بدّ من توجيهها بنحو لا يكون مخالفا مع القواعد مسلّمة.

و ثانيا على فرض الاغماض عن هذا الاشكال نقول بان غاية ما يدل عليه هذه الاخبار كون اولاد الكفار مثل آبائهم في الآخرة و يعامل معهم ما يعامل

مع آبائهم و هذا لا يفيد لما نحن في بحثه من نجاسة ولد الكافر و عدمها و لا دلالة لهذه الاخبار على نجاسة الصبي الغير المميز من اولاد الكافر و لا مميّزه فلا ربط لهذه الاخبار بما نحن فيه.

الامر الثاني: انه بعد كون الكفر امرا عدميا

و هو عدم الاسلام في محل قابل

______________________________

(1) وافي ج 3 باب 112 من ابواب ما بعد الموت.

(2) وافي ج 3 باب 112 من ابواب ما بعد الموت.

(3) وافي ج 3 باب 112 من ابواب ما بعد الموت.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 186

للاسلام فالولد الكافر كافرا لانه لا يكون مسلما و هو في محل قابل للاسلام.

و فيه ان النسبة بين الكفر و الاسلام العدم و الملكة اعني من كان شانه الاسلام و لم يسلم فهو كافر و الصبي الغير المميز ليس من شانه لعدم تميزه و لا يحكم بكفره بنفسه كما لا يحكم باسلامه بنفسه الا بالتبع ان وجدنا دليلا على نجاسته بالتبعية.

الامر الثالث: من الامور المتمسك بها على نجاسة الصبي الغير المميّز

من ولد الكافر الاستصحاب بيانه هو دعوى ان ولد الكافر كان قبل ولادته دما او علقة و كان فى هذا الحال نجسا لكونه دما فبعد ولادته حال صبابته يستصحب النجاسة السابقة.

و فيه أولا كون الدم الباطن نجسا محل كلام بل المقدار المسلم من نجاسته صورة خروجه في الخارج.

و ثانيا لو اغمضنا عن الاشكال الاوّل نقول ان المعتبر في حجية الاستصحاب بقاء موضوع المستصحب بنظر العرف لانه الحاكم في بقاء الموضوع و عدمه في الاستصحاب كما مر الكلام فيه في الاستصحاب فعلى هذا نقول في المقام بعدم مجال لجريان الاستصحاب لعدم بقاء الموضوع في نظره لان الدم غير الانسان فالمتقين غير المشكوك فلا يجري الاستصحاب.

الامر الرابع: الذي يستدل به على نجاسة الصبي الغير المميّز

من ولد الكافر هو الاجماع بل التسالم عند اصحابنا على نجاسته.

اقول: اما دعوى التسالم عليه فكما قلنا في صدر البحث على نجاسة ولد الكافر غير معلوم و لكن لا يبعد تحقق الاجماع عليه كما ترى في بعض كلماتهم.

ثم انه يقع الكلام فيما كان ولد الكافر من الزنا و انه هل الحكم بنجاسة الصبي

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 187

الغير المميز من اولاد الكافر يختص بخصوص ما كان ولد الحلال او يشمل حكم النجاسة صورة كون الولد للكافر من الحرام و بعبارة اخرى كان من الزنا و ان كان في مذهبه.

وجه عدم الشمول ان الولد من يكون ولدا شرعيّا لوالديه و ولد الزنا ليس كذلك.

وجه الشمول هو ان الولد الواقع موضوعا لحكم النجاسة هو من يكون ولدا لغة و هو من يكون منشأ وجوده والده فمن تولد من شخص من الزنا فهو ولد له مثل من تولد منه من الطريق المشروع.

اقول و ان كان ليس للشارع في الولد

اصطلاح بل كل من يكون منشأ لتولد شخص فهو ولد له كما في اللغة و العرف.

لكن ما ينبغي ان يقال في المقام هو ان الدليل الدال على نجاسة ولد الكافر فيما كان من حلال ان كان الدليل الاوّل و الثاني و الثالث مما بينا لك فكان القول بنجاسته فيما كان من الزنا كان سهلا لانه يمكن دعوى شمول الولد لكل ولد سواء كان من الحلال او كان من الحرام و اما ان كان الدليل في نجاسة ولد الغير المميز من الكافر هو الاجماع فقط كما عرفت لعدم تمامية ما بقي من الادلة فشمول الحكم لولد الحرام من الكافر مشكل نعم لو كان معقد الاجماع هو نجاسة ولد الكافر لا يبعد القول بنجاسة ولد الزنا من الكافر لكن تحقق الاجماع بحيث يشمل ولد الحرام من الكافر مشكل و ان كان الاحوط القول بنجاسة الصبي من الكافر المتولد من الحرام هذا كله فيما كان كل من الأب و الام كافرا.

المورد الثاني: اذا كان احد الابوين مسلما و الآخر كافرا

فهل يحكم بنجاسة الولد المتولد منهما في كل مورد قلنا بنجاسة الولد المتولد من الكافرين او لا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 188

لا وجه للقول بنجاسته فى هذه الصورة لان المورد الذي قلنا بنجاسة الولد المتولّد من الكافرين كان الصبي الغير المميز المتولد من الكافرين و لم يكن دليل على نجاسته الا الاجماع و شموله للمورد غير معلوم فلا وجه لنجاسته.

المورد الثالث: لو زنا نعوذ باللّه مسلما مع كافرة او بالعكس فتولد منهما ولد

فهل يكون نجسا او لا.

لا وجه لنجاسته لان الوجه في نجاسة ولد المتولد من الكافرين في مورد قلنا به لم يكن الّا الاجماع و تحقق الاجماع في المورد و هو المتولد من مسلم و كافر غير معلوم و لو شك في طهارته و نجاسته فمقتضى اصالة الطهارة هو الطهارة.

***

[مسئلة 1: الاقوى طهارة ولد الزنا من المسلمين]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: الاقوى طهارة ولد الزنا من المسلمين سواء كان من طرف او طرفين بل و ان كان أحد الابوين مسلما كما مر.

(1)

اقول: المشهور طهارة ولد الزنا و نسب الى الصدوق و علم الهدى و الحلي رحمهم اللّه نجاسته و كفر ولد الزنا من المسلمين بل المحكي عن الحلي رحمه اللّه نفي الخلاف عنه و ما يمكن ان يستدل به روايات.

الرواية الاول: ما رواها ابن ابي يعفور عن ابي عبد اللّه عليه السّلام

«قال لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها غسالة الحمام فان فيها غسالة ولد الزنا و هو لا يطهر الى سبعة آباء و فيها غسالة الناصب و هو شرّ هما ان اللّه لم يخلق خلقا شرا من الكلب و

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 189

ان الناصب اهون على اللّه من الكلب.» «1»

وجه الدلالة النهي عن الاغتسال عن الماء المجتمع من غسالة الحمام لاجل اغتسال ولد الزنا و الناصب فيدلّ على نجاستهما.

و فيه ان الظاهر عن الاغتسال من باب القذارة المعنوية الموجودة في ولد الزنا و عدم طهارته المعنوية و الا ان كان المراد النجاسة الظاهرية و عدم طهارته الظاهرية كان اللازم نجاسته الى سبعة آباء «اى الى اولاده، نازلا الى السبعة» و هو مما لا يمكن الالتزام به.

الرواية الثانى: ما رواها حمزة بن احمد عن ابي الحسن الاول عليه السّلام

«قال سألته او سأله غيري عن الحمام قال ادخله بميزر و غصّ بعدل و لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها ماء الحمام فانه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب و ولد الزنا الناصب لنا اهل البيت و هو شرّهم.» «2»

وجه الاستدلال ما ذكرنا في الرواية الاولى.

و فيه ان النهي عن الاغتسال يكون لاجل القذارة المعنوية الموجودة في ماء البئر كما هو صريح الرواية الاولى.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 2، ص: 189

و ان ابيت عن حمل ظاهر الرواية على القذارة المعنوية فلا أقلّ من كون الرواية ذا احتمالين احتمال كون النظر الى القذارة الظاهرية و بعبارة اخرى النجاسة و احتمال كون النظر الى القذارة المعنوية و لا نظر فيها الى النجاسة و

بعد كونها ذا احتمالين لا يمكن الاستدلال بها على النجاسة.

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 11 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 11 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 190

الرواية الثالثة: ما رواها الوشاء عمن ذكره عن ابي عبد اللّه عليه السّلام

«انه كره سئور ولد الزنا و سؤر اليهودي و النصراني و المشرك و كل ما «من خ» خالف الاسلام و كان اشد ذلك عنده سؤر الناصب» «1».

أقول و هذه الرواية ضعيفة السند لكون «من ذكر عنه» الوشاء مجهولا.

مضافا الى ان كراهته عليه السلام عن سؤر المذكورين في الرواية لا تفيد الا المرجوحية لمناسبتها مع كل من الحرمة و الكراهة.

الرواية الرابعة: ما رواها في كتاب ثواب الاعمال

و هي ما رواها محمد بن مسلم عن ابي جعفر عليه السّلام «قال لبن اليهودية و النصرانيّة و المجوسية احب الي من ولد الزنا» «2».

بدعوى دلالتها على نجاسة لبن ولد الزنا و ذلك يدل على نجاسته لان لبنه من اجزائه.

و فيه ان مبغوضية لبن ولد الزنا و كونه ابغض من لبن اليهودي و النصارى و المجوس يكون من جهة خباثة المعنوية و تأثير هذه الخباثة في الولد هذا كله في الاخبار المتمسّكة بها على نجاسة ولد الزنا و قد عرفت عدم دلالتها و مع الشك يكون المرجع اصالة الطهارة.

هذا كله فيما كان ولد من الزنا من طرف الأب و الام و كانا مسلمين و امّا ان كان ولد من الزنا من طرف واحد فقط، فله صورتان:

الصورة الاولى: كون كل منهما مسلمين و يكون بالنسبة الى واحد من الأب

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 3 من ابواب الأسآر من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 75 من ابواب الاحكام الاولاد من الوسائل، ج 15، ص 184.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 191

او الام ولد من الزنا فقط فالحكم بطهارته اوضح لأنّ الاخبار المتقدمة على تقدير ثبوت دلالتها منصرفة عن هذه الصورة المذكورة.

الصورة الثانية: ما اذا كان ولد من الزنا من طرف واحد و لكن كان

واحد من الرّجل و المرأة كافرا فقد مرّ في المورد التي قدمنا ذكرها في مسئلة 1، طهارته على الاقوى لعدم شمول الاجماع الذي هو العمدة في نجاسة ولد الكافر للمورد.

***

[مسئلة 2: لا اشكال في نجاسة الغلاة و الخوارج و النواصب]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: لا اشكال في نجاسة الغلاة و الخوارج و النواصب و اما المجسمة و المجبرة و القائلين بوحدة الوجود من الصوفية اذا التزموا باحكام الاسلام فالاقوى عدم نجاستهم الّا مع العلم بالتزامهم بلوازم مذاهبهم من المفاسد.

(1)

اقول: اعلم ان الكلام في هذه المسألة يقع في جهات:

الجهة الاولى: يقع الكلام في نجاسة الغلات و عدمها و هم على طوائف:
الطائفة الاولى: من يعتقد نعوذ باللّه ألوهية امير المؤمنين عليه و السلام

او غيره من الائمة عليهم السّلام و انه الرب الآمر و الاله المجسم الذي نزل على الارض فمن كان ممّن يعتقد بذلك فهو كافر نجس لانه انكر اللّه تعالى و منشأ كفره و نجاسته هو كونه منكرا للّه تعالى سواء كان من يعتقد ألوهية صنم او شخص من الاشخاص لما مر سابقا من ان منكر اللّه تعالى كافر نجس لانه بعد كون المشرك كافرا نجسا فمنكر اللّه تعالى بالطريق الاولى.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 192

الطائفة الثانية: من يرجع غلوّه الى انكار ضروري او ضروريات من الدين

و لا ينتهي ذلك بانكار اللّه تعالى بل هو معتقد باللّه تعالى و لكن يدعي مقاما لامير المؤمنين عليه السّلام و الحال ان اللّه تعالى لم يجعل له مثلا يدعي ان امر التكوين و التشريع بيده عليه السّلام و هو الذي يحيي و يميت.

و الحال انه ما فوّض اللّه تعالى امر الخلق و التشريع به عليه السلام بالضرورة و هو مخالف للقرآن الكريم.

و يظهر من الآثار الواردة عن المعصومين عليهم السّلام خلاف هذا الاعتقاد و مخالفة هذا الاعتقاد لما عليه المسلمون و لكن كما قلنا في البحث عن نجاسة منكر الضروري من الدين انه ليس سببا مستقلا للنجاسة بل يوجب انكاره للنجاسة اذا كان انكاره موجبا لانكار الرسالة فاذا انكر امرا من الدين مع علمه بانه من الضروريات من الدين فهو نجس لانه في الحقيقة انكر الرسالة و اما ان كان منشأ انكاره عدم علمه بكون ذلك من الدين و لو كان انكاره لشبهة عرضت له فلا يوجب انكاره للنجاسة لعدم كون منشأ انكاره انكار رسالة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم بل لو علم انه قاله اتبعه و انقاده فعلى هذا نقول بان

هذه الطائفة الثانية يحكم بنجاستهم في خصوص ما اذا كان اعتقادهم منتهيا بانكار الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم.

الطائفة الثالثة: طائفة قد يتّهمون بالغلو و الحال انهم لا يعتقدون بامر يوجب الغلو

لانهم لا يقولون بالوهية امير المؤمنين عليه السّلام و لا غيره من الأئمة عليهم السّلام و لا بربوبيّتهم و لا يعتقدون انه فوض امر الخلق و التشريع إليهم بل يعتقدون انهم ولاة امره و اكرم الخلق عنده.

و ان كان يطلب منهم الرزق و الشفاء و الصّحة و غير ذلك و لا يطلب منهم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 193

من باب ان يتوهم انهم مستقلون في اعطاء شي ء منها او دفع بلايا منهم عليهم السّلام.

بل من باب انهم الوسائل عند اللّه و ما يفعلون شيئا الا باذن اللّه تعالى و لا يسند شي ء من هذه الامور المتوسلة بهم الا يرى انهم الوسائل و السبيل إليه تعالى مثل نسبة احياء الموتى في القرآن الكريم الى عيسى على نبينا و آله و عليه السلام فهذه الطائفة لا ينكرون اللّه تعالى و لا رسوله صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لا لضروري من ضروريات الدين فلا اشكال في كونهم مسلمين مؤمنين عارفين باللّه و رسوله و الأئمة المعصومين و درجاتهم و لا مجال للشك في طهارتهم بل علوّ شأنهم.

الجهة الثانية: في حكم الخوارج من حيث النجاسة و الطهارة

فنقول بعونه تعالى ان اريد بهم من يعتقد نعوذ باللّه كفر امير المؤمنين عليه الصّلاة و السلام.

خذ لهم اللّه تعالى و الذين يتقربون الى اللّه تعالى ببغضه و بمحاربته و بمخالفته فلا اشكال في نجاستهم لان هذا اعلى مرتبة نصب العداوة لامير المؤمنين و الائمة المعصومين صلوات اللّه و سلامه عليهم.

و ان اريد بهم من يخرج على امام زمانه مثلا خرج على امير المؤمنين عليه السّلام و يحارب معه لكن لا من باب اعتقاده بنصب عداوته و جواز محاربته بل بداعي المشتهيات النفسانية و

بلوغه الى الآمال الدنيوية كما يتّفق لبعض العصاة الذين يعصون اللّه تعالى لغلبة الهوى و اعانة الشقوة فهذا الامر و ان كان من اكبر الكبائر عند اللّه الا انه لا يوجب النجاسة الظاهرية لعدم دليل على نجاسته بالخصوص و عدم وقوع هذا العنوان تحت احد العناوين الموجبة للنجاسة.

الجهة الثالثة: في حكم النواصب من حيث النجاسة و عدمها

فنقول ان النواصب هم الذين ينصبون العداوة لاهل البيت عليهم السّلام و يظهرون بغضهم و منهم معاوية و يزيد لعنهما اللّه و من يحذو حذوهم و كان، على طريقتهم فلا اشكال في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 194

كفرهم و نجاستهم كما يدلّ الروايات المذكورة في باب من ابواب ماء المضاف من الوسائل و لو اشكل في دلالة بعضها بمناسبة ذكر الناصب في طي بعض من لم نقل بنجاسته مثل ولد الزنا فنقول يكفينا في ذلك بعض الروايات.

مثل ما رواها ابن ابي يعفور عن ابي عبد اللّه عليه السّلام في حديث قال «و اياك ان تغتسل من غسالة الحمّام ففيها يجتمع غسالة اليهودي و النصراني و المجوسي و الناصب لنا اهل البيت و هو شرهم فان اللّه تبارك و تعالى لم يخلق خلقا انجس من الكلب و ان الناصب لنا اهل البيت لا نجس منه». «1»

و هذه الرواية صريحة في نجاسة الناصب و ليس فيها مجرّد النهي عن الاغتسال حتى يكون مجال لتوهم ان النهي لعله يكون من باب الكراهة او القذارة المعنوية بقرينة ذكره في بعض الاخبار من جملة ما لا يقال بنجاسته مثل ولد الزنا.

وجه عدم المجال هو ان المصرّح في هذه الرواية نجاسته نجاسة ظاهرية لعدّ نجاسته فى هذه الرواية من سنخ نجاسة الكلب الذي نجاسته نجاسة ظاهريه بل هو أنجس

من الكلب.

و لعل وجه انجسيته من الكلب لان الناصب نجس بالنجاسة الظاهرية و النجاسة الباطنيّة و الحال ان الكلب نجس بالنجاسة الظاهرية فقط.

و ربما يستشكل في نجاسة الناصب و يبعّدها لانه مع كثرة النصب في دولة بني امية يرى مساورة الائمة عليهم السّلام و اصحابهم مع النصاب يدخلون مداخلهم و بيوتهم و هم يدخلون بيوت الائمة و اصحابهم و مداخلهم و مع ذلك ما نرى في رواياتنا نهيا عن مساورتهم و لا ترى في الآثار اجتناب الائمة عليهم السّلام عنهم و هذا كاشف قطعي

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 11 من ابواب ماء المضاف من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 195

عن عدم نجاستهم.

و فيه ان ما قيل عن عدم بيان نجاستهم عن قبل الائمة عليهم السّلام يكون مخالف الوجدان هذا رواية ابن ابي يعفور المتقدمة ذكرها عن الصادق عليه السّلام و زمانه مثل زمان ابيه عليهما السّلام انتشر فيه اكثر الاحكام و عدم بسط هذا الحكم قبل ذلك مثل عدم انتشار كثير من الاحكام كان لاجل عدم بسط يدهم عليهم السّلام.

و اما مساورة الائمة عليهم السّلام معهم فغير معلوم و لو فرض اتفاقها كان ذلك من باب التقية و كذا اصحابهم رضوان اللّه تعالى عليهم فلا يرد الاشكال.

الجهة الرابعة: في حكم المجسمة من حيث النجاسة و الطهارة

اعلم ان القائل بالتجسم ان كان يدّعي ان اللّه تعالى يكون جسما حقيقة كسائر الاجسام و كما ان لنا اعضاء و جوارح يكون للّه تعالى غاية الامر مع جسميته يكون خالق غيره و موجد سائر الاجسام و كان ملتزما بلوازم هذا الاعتقاد الفاسد من الحدوث و الحاجة الى المكان و عدم كونه قديما فيكون كافرا نجسا لانه على هذا يكون منكرا للّه تعالى

في الحقيقة لان اللّه تعالى ليس بحادث و هو غني غير محتاج حتى الى الحيّز و المكان فمن يقول و يعتقد باللّه الحادث المحتاج فهو منكر للّه تعالى و المنكر للّه تعالى كافر و نجس و ان كان في كون مجرد ذلك موجبا للكفر و النجاسة اشكال لعدم كونه منكرا للّه تعالى و لا مشركا الا ان يقال بانه منكر للّه لانكار صفاته.

او من باب انه انكر الضروري اذا كان عالما بكونه من الضروريات حتى يكون انكاره انكار الرسالة.

و اما ان كان غير ملتزم بلوازم هذا القول الفاسد فمع اعتقاده بجسميّته يعتقد قدمه و عدم حدوثه و عدم احتياجه فهو و ان كان صاحب عقيدة فاسدة و هي القول بجسميّته لكن كون ذلك موجبا لكفره و نجاسته لا دليل له و اما اذا اعتقد انه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 196

جسم لكن لا مثل سائر الاجسام و هو قديم غير محتاج فلا يوجب هذا الاعتقاد في حد ذاته لكفره الا اذا كان من باب كون اعتقاده على خلاف الضروري من الدين و هو عدم كون اللّه تعالى جسما ففي هذه الصورة يكون نجسا اذا كان انكاره مستلزما لانكار الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نعم ان كان نفس القول بالتجسم انكار الضروري فيكون القول بان اللّه تعالى جسم مع العلم بكونه ضروريا من ضروريات الذين موجبا للنجاسة فتأمل.

الجهة الخامسة: يقع الكلام في حكم المجبّرة من حيث النجاسة و عدمها

فنقول ان المجبّرة طائفة يعتقدون بماله توالي فاسدة فيعتقدون ابطال التكليف و الثواب و العقاب و اسناد الظلم الى اللّه تعالى كما في اشعار الحميرى في مقام قدحهم.

انّ المجبّرين يجادلون بباطل و خلاف ما يجدون فى القرآن أ يقول ربّك للخلائق

آمنوا جهرا و يجرهم على العصيان ان صحّ قولكم فتعوذوا. من ربّكم و ذروا تعوذكم من الشيطان.

فتقول انه حيث يكون هذا الاعتقاد في الحقيقة انكار بعض ضروريات الدين مثل انكار التكليف و المعتقد بهذا الاعتقاد منكر لضروري الدين و قلنا ان منكره كافر و نجس فيما يوجب انكاره انكار الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و لكن اذا لم يعتقدوا بهذه التوالى الفاسدة بل يعتقد بخلاف التوالي الفاسدة لا يحكم بكفرهم و لا نجاستهم لان منشأ كفر هذه الطائفة يكون اعتقادهم بهذه التوالي الفاسدة و اما ما في التنقيح «1» من استبعاد كفر من يقول بالجبر و لا يلتزم بلوازمه الفاسدة من انه لو قلنا بذلك يلزم القول بكفر اكثر المخالفين و نجاستهم لان الاشاعرة القائلين بهذا القول من اكثر المخالفين في قبال المعتزلة.

______________________________

(1) التنقيح، ج 2، ص 75.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 197

و فيه ان مجرد ذلك لا يوجب الحكم بعدم كفرهم و نجاستهم و الا فجمعية المنكرين للّه و للرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم يكون اكثر فالعمدة عدم الدليل في هذه الصورة على نجاستهم.

الجهة السادسة: يقع الكلام في نجاسة المفوّضة و عدمها

فنقول ان المؤلف لم يتفرد المفوضة بالذكر و لعل عدم ذكره كان من باب عدّها من جملة الغلاة و على كل حال فان كان المراد من المفوّضة مقابل المجبّرة و هي أنهم كانوا معتقدين بان اللّه تعالى فوّض امر الخلق و الرزق الى بعض عباده فهم في قباله تعالى فهم مشركون و قائله نجس و من باب ان ذلك انكار الضروري من الدين لان خلاف هذا الاعتقاد من ضروريات الدين و كل من انكر الضروري من الدين كما قلنا مكررا

في طي بعض المباحث الماضية في نجاسة الكافر اذا كان انكار الضروري ينتهي الى انكار الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم موجب للنجاسة فهذه الطائفة مع هذا الاعتقاد كما قلنا في صورة المتقدمة نجس.

الجهة السابعة: يقع الكلام في نجاسة القائلين بوحدة الوجود و عدمها

فنقول بعونه تعالى ان القائلين به تارة يقولون بالوحدة السنخية بمعني ان سنخ وجود اللّه تعالى و سنخ وجود غيره من الموجودين المخلوقين له من سنخ واحد و ان كانت النسبة بينهما التشكيك فهو تعالى في اعلى درجاته مرتبة و قوة و كمالا و الوجود في الممكن في انزل مراتب الوجود من حيث الضعف و النقصان و لكن كل منهما وجود حقيقة فهو اللّه تعالى فرد من الوجود لكماله و هنا فرد آخر من الوجود بنقصانه و مع ذلك كل منهما من سنخ واحد لان كلا منها موجود و ان كان الاول خالق الثاني و موجده كما يظهر ذلك من اكثر اهل الفلسفة كما قال السبزواري في منظومته.

«يعطى اشتراكه صلاح المقسم كذلك اتحاد معنى العدم الخ».

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 198

فهذا القول قول بكثرة الوجود و الموجود و هو ما ينقل عن المعصوم عليه السّلام في دعائه «انت الخالق و انا المخلوق و انت الرب و انا المربوب» فالقائل بهذا القول بان اللّه و غيره من مخلوقاته موجودان متعددان و هذا القول لا يوجب كفرا و لا يكون القائل به نجسا.

و تارة يراد بالقائل بوحدة الوجود من يقول بوحدة الوجود و الموجود حقيقة و انه ليس في الخارج الا وجود واحد و موجود واحد و ان كان له تطوّرات متكثرة و اعتبارات مختلفة كما يظهر ذلك من كلمات بعض الصوفية و في اشعارهم كما حكي

عن بعضهم قال ليس في جبّتى سوى اللّه فصاحب هذا القول يقول بوحدة الخالق و المخلوق وحدة حقيقية و بين بعض المخلوقات مع البعض الآخر و هو يقول لا فرق بين الخالق و المخلوق الا بالاعتبار و صاحب هذا الاعتقاد بحسب ظاهر الشرع منكر للّه تعالى ان كان يعتقد انّ نفسه اللّه تعالى و مشرك ان كان يعتقد انه غير اللّه تعالى بالاعتبار و لكن مع وجوب وجود اللّه تعالى فهو مع غيرية الاعتبارية شريك مع اللّه تعالى في الوجود و هو نجس باعتقاده ذلك.

مع انه لا يتصور من هذا المعنى من الوحدة الا العينية و الاتحاد لا الغيرية و الاشتراك لان الغيرية امر عدمي و ليس الوجود بزعمه الا وجود واحد و لكن يمكن تصوير بعض صور آخر كما يظهر من بعض الكلمات في المراد من وحدة الوجود و لا ثمرة في ذكره.

و الضابط ان الاعتقاد بها ان كان يوجب انكار اللّه تعالى او الشرك باللّه تعالى او انكار الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فيحكم بنجاسته و كفره و الا فلا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 199

[مسئلة 3: غير الاثنى عشرية من فرق الشيعة اذا لم يكونوا ناصبين]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: غير الاثنى عشرية من فرق الشيعة اذا لم يكونوا ناصبين و معادين لسائر الائمة و لا سابّين لهم طاهرون و اما مع النصب او السب للائمة الذين لا يعتقدون بامامتهم فهم مثل سائر النواصب.

(1)

اقول: الكلام فى المسألة يقع في موارد:

المورد الاول: في ان غير الاثنى عشرية من فرق المسلمين [هل يكون محكومين بالطهارة او النجاسة]

سواء كانوا منكرين لامامة الائمة المعصومين عليهم السّلام او بعضهم اذا لم يكونوا ناصبين و لا من معادين و لا سابين لهم هل يكون محكومين بالطهارة او النجاسة.

و قبل الورود في بيان الحق في المسألة نقول بانه مع ما يرى في بعض كلمات فقهائنا رضوان اللّه تعالى عليهم من دعوى الشهرة على طهارة الفرق المذكورة الا ما استثني على ما عرفت.

يرى دعوى الشهرة على نجاستهم فقد حكي عن صاحب الحدائق رحمه اللّه دعوى الشهرة بين الفقهاء على نجاستهم.

فمع دعوى الشهرة على كل طرفى المسألة لا يصح الاستدلال بها على الطهارة او النجاسة.

اذا عرفت ذلك نقول ان المناسب عطف عنان الكلام الى ما يستدل به على النجاسة الاول بعض الروايات الدالة على ان بتبعية علي عليه السّلام يكون الشخص مؤمنا و بمخالفته يصير كافرا مثل ما رواها المفضل بن عمر عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال قال

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 200

ابو جعفر عليه السّلام ان اللّه جعل عليا عليه السّلام علما بينه و بين خلقه ليس بينه و بينهم علم غيره فمن تبعه كان مؤمنا و من جحده كان كافرا و من شك فيه كان مشركا» «1».

و مثل ما رواها مروان بن مسلم «قال قال الصادق جعفر بن محمد عليه السّلام الامام علم فيما بين اللّه عز و جل بين خلقه فمن عرفه كان مؤمنا

و من انكره كان كافرا» «2»

و غيرها من الروايات وجه الاستدلال دلالة هذه الطائفة على كفر المخالف للامام و الكفر ملازم للنجاسة.

و نقول في جواب الاستدلال بهذا الطائفة من الروايات. اما الاستدلال بها على نجاستهم، فنقول لا تعرض لنجاستهم في هذه الطائفة من الروايات و دعوى ملازمة النجاسة مع الكفر فبعد التصريح بكفرهم فيها فبالملازمة يحكم بنجاستهم أيضا.

ففيه انه كما مر سابقا في طي البحث عن نجاسة الكافر على طبق عنوان مؤلف العروة ليس في الآيات و الروايات حكم النجاسة مترتبا على عنوان الكافر و ملازمة بين عنوان الكافر و بين النجاسة و الكفر و النجاسة.

و اما الكلام في كفرهم من باب ان المذكور في الخبرين المتقدمين حكم بكفرهم فنقول بعد ما نرى من ان المذكور في الروايات جعل المناط في الاسلام و حقن الدماء و تجويز النكاح و التوارث هو الشهادتان الشهادة بانه لا إله الا اللّه و الشهادة بان محمدا رسول اللّه و انّه بمجرد ذلك يحكم باسلام الشخص مثل ما رواها سماعة «قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام اخبرني عن الاسلام و الايمان أ هما مختلفان فقال ان الايمان يشارك الاسلام و الاسلام لا يشارك الايمان فقلت فصفهما لي فقال

______________________________

(1) الرواية 13 من الباب 5 من ابواب حدّ المؤمن من الوسائل.

(2) الرواية 18 من الباب 5 من ابواب حدّ المؤمن من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 201

الاسلام شهادة ان لا إله الا اللّه و التصديق برسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و به حقنت الدماء و عليه جرت المناكح و المواريث و على ظاهر جماعة الناس و الايمان الهدى و ما يثبت في

القلوب من صفة الاسلام و ما ظهر من العمل به و الايمان ارفع من الاسلام بدرجة ان الايمان يشارك الاسلام في الظاهر و الاسلام لا يشارك الايمان في الباطن و ان اجتمعا في القول و الصفة» «1» و بعد ملاحظة هذه الرواية لا بدّ من حمل الطائفة من الروايات الدالة بظاهرها عل كفرهم اما على الكفر في مقابل الايمان لا في مقابل الاسلام و اما على الكفر الباطني.

هذا كله بالنسبة الى التعبير بالكفر في هذه الطائفة من الاخبار المتمسكة بها على نجاسة غير الاثنى عشرية و لو لم يكن ناصبيّا و لا من الخوارج و المعادين و السابين للائمة عليهم السّلام من عدم كون المراد من الكفر فيها هو الكفر الموجب للنجاسة مضافا الى ما قدمنا من انه لو كان الكفر في الاخبار الكفر الظاهري فلا يقتضي نجاستهم لعدم كون كل كفر موجبا للنجاسة لعدم الملازمة بينهما.

منها بعض الروايات الدالة على ان المخالف ناصب فيقال انه بعد كونه ناصبا فهو نجس.

مثل ما رواها عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال ليس الناصب من نصب لنا اهل البيت لانّك لا تجد رجلا يقول انا ابغض محمدا و آل محمد و لكن الناصب من نصب لكم و هو يعلم انكم تتولونا و انكم من شيعتنا «2».

و مثل ما رواها محمد بن ادريس في آخر السرائر نقلا من كتاب مسائل

______________________________

(1) من باب ان الإيمان اخص من الاسلام من ابواب تفسير الايمان و الاسلام من الوافي صفحة 18 بالطبع الحجرى؛ اصول كافى، ج 3 ص 46 ح 1.

(2) الرواية 3 من الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح

العروة الوثقى، ج 2، ص: 202

الرجال عن محمد بن احمد بن زياد و موسى بن محمد بن على بن عيسى «قال كتبت إليه يعني علي بن محمد عليهما السّلام اسأله عن الناصب هل احتاج في امتحانه الى اكثر من تقديمه الجبت و الطاغوت و اعتقاد إمامتهما فرجع الجواب من كان على هذا فهو ناصب» «1».

بدعوى دلالة الرواية الاولى على ان مجرد نصب العداوة للشيعة يوجب كون الناصب ناصبيا و دلالة الرواية الثانية على انه يكفي في كون الشخص ناصبيا تقديمه الجبت و الطاغوت فتدلّ على نجاسة كل من يقدّمهما لانه من النواصب.

و فيه ان الرواية الاولى فلا يبعد كون الظاهر منها كون نصب عداوته للشيعة من باب كون الشيعة يعتقد إمامة امير المؤمنين و الائمة عليهم السّلام و يحبّونهم و يبغضون اعدائهم فنصب عداوته لهم لا ينفك عن عداوته مع امير المؤمنين عليه السّلام او الائمة كلهم او بعضهم لان من يبغض احدا لحبّة لاحد فهو مبغض لمن يحبه و هذا ليس الا لنصب العداوة لمن يحبّ من يبغضه هذا الشخص.

فعلى هذا مفاد الرواية هو كون الناصب للشيعة ناصبا لاهل البيت عليهم السّلام لان بغضه لها لاجل بغضه لاهل البيت فهو ممّن ينصب العداوة لعلي عليه السّلام او الائمة و قد مضى انه كافر نجس و هذا غير مفروض الكلام في المسألة لان الكلام في المسألة يكون في حكم نجاسة المخالف للشيعة الاثنى عشرية و لم يكن ممّن نصب العداوة لعلي و لا للائمة عليهم السّلام و لا من الخوارج و لا المعاندين و لا السابين لهم.

و اما قوله عليه السّلام في الرواية «ليس الناصب من نصب لنا اهل البيت لانّك لا تجد رجلا يقول

انا ابغض محمدا و آل محمد و لكن الناصب من نصب لكم الخ».

______________________________

(1) الرواية 14 من الباب 2 من ابواب ما يجب فيه الخمس من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 203

فالمراد منه اما ان الناصب لا يقول انا انصب العداوة لمحمد و آله صلوات اللّه و سلامه عليه و عليهم و اما ان يكون المراد ان الناصب ليس منحصرا بمن يظهر البغض و العداوة مستقيما بمحمد و آله صلّى اللّه عليه و آله و سلم بل يحصل بان ينصب العداوة لشيعتهم من باب انهم يتولونهم كما يظهر ذلك من قوله عليه السّلام في الرواية بعد الجملة المذكورة «و لكن الناصب من ينصب لكم و هو يعلم انكم تتولونا و انكم من شيعتنا».

و اما الرواية الثانية فقد يجاب عن الاستدلال بها بما في التنقيح «1» و حاصله ان غاية ما يستفاد من الرواية كون كل مخالف لامير المؤمنين او لسائر الائمة عليهم السّلام ناصبى الا ان ذلك لا يوجب كون كل مخالف معهم عليهم السّلام نجسا لعدم وجود دليل يدل على نجاسة كل ناصبي.

و فيه انه قد مضى ان كل من يكون من النواصب نجس لدلالة رواية ابن ابي يعفور المتقدمة ذكرها في طي البحث عن نجاسة النواصب و فيها انه انجس من الكلب و قوله عليه السّلام قبله «و الناصب لنا الخ» مفرد معرف بالالف و الا و مفرد المعرّف بالالف و اللام يفيد العموم ففى الحقيقة يثبت برواية ابن يعفور المتقدمة ذكرها في حكم الناصب و هو ان كل ناصبي نجس الكبرى و من هذه الرواية اعني رواية السرائر الصغرى فتكون النتيجة بعد ضم الصغرى و هي كون المخالف ناصبيا

بالكبرى و هو كون كل ناصبي نجس المستفاد من رواية ابن يعفور هو كون المخالف نجسا فلا يتم كلام التنقيح في مقام الجواب عن الاستدلال بالرواية الثانية.

اقول: فما ينبغي ان يقال في جواب الاستدلال بالرواية الثانية ان يقال و يسهّل الخطب هو انه بعد ما نرى من الضرورة ان مجرد الشهادتين الشهادة بانه لا إله الا اللّه و ان محمدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم يكفي في تحقق الاسلام و نرى من الصّدر

______________________________

(1) التنقيح، ج 2، ص 85.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 204

الاول معاملة الاسلام و الطهارة مع المخالفين من غير الناصب و المعاندين للائمة عليهم السّلام و الساب بهم و الخوارج فلا بد من حمل هذه الرواية و نظائرها على ما لا ينافي هذه الخارجية و الضرورة مثل حمل ما استدل به على نجاستهم على صورة التي يقدم المخالف الجبت و الطاغوت بنحو ينصب العداوة مع الائمة عليهم السّلام او كون نصب العداوة من قبل المخالف للشيعة من باب نصب عداوتهم للائمة عليهم السّلام و على كل حال لا يمكن القول بنجاستهم برواية قابلة للتوجيه مع السيرة المستمرة على خلافها.

و قد يستدل على نجاستهم بانه بعد ما كان المعلوم نجاسة منكر الضروري من الدين كما مر الكلام فيه فيقال بان ولاية امير المؤمنين عليه الصّلاة و السلام من الضروريات في الدين فمن انكرها كان منكرا للضروري فيكون نجسا.

و فيه انه قد مرّ عند البحث عن نجاسة منكر الضروري من الدين انه ليس منكر الضروري على الاطلاق نجسا بل اذا كان انكاره له موجبا لانكاره رسالة الرسول صلّى اللّه عليه و آله و سلم يكون موجبا

لنجاسة منكر الضروري و اما اذا لم ينته انكاره بانكار الرسالة مثل ما كان منشأ انكاره عدم توجه الشخص بكونه ضروريا و لو كان من باب شبهة تعرضه بحيث انه لو توجه بكونه من الدين لا ينكره فبناء عليه لو اعتقد المخالف ان امير المؤمنين عليه السّلام خليفة رسول صلّى اللّه عليه و آله و سلّم و الامام بعده بلا فصل و مع ذلك ينكر إمامته و خلافته مثل بعض المخالفين من الذين غصبوا الخلافة مع ما شافهوا من الآيات التي نزل على رسول اللّه صلى اللّه عليه و آله و سلم في شأن علي عليه السّلام و النصوص الصادرة من مقام الرسالة في قصة غدير الخم و غيره فهم نجس لا كلام فيه بحسب الموازين.

[المورد الثانى المنافقين و اتباعهم]

و اما من انكر ولايته لشبهة او شبهات اوقع في نفسه من الاولين من المنافقين و اتباعهم جحودا و لطلب الدنيا و امثالهم كثير فيهم لعدم توجههم و وقوعهم في محيط الضلالة فكان انكاره شبهة او غيرها بحيث لو توجه بطريق الحقّ لقبله فلا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 205

ينتهي انكاره هذا الضروري بانكار الرسالة لعدم توجهه بانه من الدين فلا يمكن القول بنجاسته و محل الكلام في هذه المسألة فى هذا القسم من المخالفين الذين لم يكونوا من النواصب و الخوارج و المعادين و السابين لاحد من الائمة عليهم السّلام.

ثم انه يكون في حكم المخالفين غير النواصب و الخوارج و المعادين و السابّين لاحد الائمة صلّى اللّه عليه و آله و سلم من حيث الطهارة بعض الطوائف الشيعة غير الاثنى عشرية كالزيدية و الفتحية و الكيسانية و الاسماعيلية اذا كانوا منكرين لبعض الائمة و

لم يعتقدوا بامر آخر يوجب النجاسة مثل ان يكونوا ناصبين العداوة لبعض الائمة عليهم السّلام ففي هذه الصورة نجس لما قلنا بيانه في محله.

***

[مسئلة 4: من شك في اسلامه و كفره طاهر]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة: من شك في اسلامه و كفره طاهر و ان لم يجر عليه سائر احكام الاسلام.

(1)

اقول: اعلم ان الكلام يقع في الموردين:

المورد الاول: في حكم من شك في اسلامه و كفره

فتارة يعلم حالته السابقة من الاسلام او الكفر و تارة لا يعلم حالته السابقة.

اما في الصورة الاولى و هي الصورة العلم بحالته السابقة مثل ما اذا كان محكوما بالاسلام سابقا بتبع ابويه المسلمين او اشرف ابويه المسلمين ثم بعد ذلك شك في اسلامه و كفره فيحكم باسلامه ببركة الاستصحاب هذا فيما كانت الحالة السابقة الاسلام و اما اذا كانت الحالة السابقة المعلومة هي الكفر مثل الصبي التابع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 206

لابويه الكافرين في الكفر فحكم بكفره بتبعهما و لو شك بعد بلوغه في كفره يحكم بكفره للاستصحاب.

و السّر في ذلك هو ان من كان محكوما بالاسلام بتبع ابويه فما لم يظهر الكفر و الجحود لا يحكم بكفره فمع كونه سابقا محكوما بالاسلام يستصحب اسلامه.

و اما من كان محكوما بالكفر و لو بالتبع فما لم يظهر الاسلام و كانت حالته السابقة الكفر يستصحب كفره لاعتبار الاظهار في مثله و الاعتراف بالوحدانية و النبوة.

اما الصورة الثانية و هي الصورة الجهل بالحالة السابقة و شك في اسلام الشخص و كفره فالكلام ان كان في نجاسته و طهارته مثل ساير الموارد التي شك في نجاسة شي ء و طهارته بالشبهة الموضوعية فالمحكّم اصالة الطهارة لانه بعد ما نعلم نجاسة الكافر و طهارة المسلم و نشكّ في ان هذا الشخص من ايّهما فان كان كافرا يكون نجسا و ان كان مسلما يكون طاهرا يحكم بطهارته لاصالة الطهارة.

و ان كان الكلام في غير حيث النجاسة و الطهارة من الاحكام فياتى ان شاء

اللّه في المورد الثاني، فنقول بعونه تعالى.

المورد الثانى: بقي الكلام فيمن شك في اسلامه و كفره في الاحكام الأخر

غير الطهارة و النجاسة مثل حقن دمه و نكاحه و إرثه و اكل ذبيحته و الصّلاة عليه اذا مات و ساير تجهيزاته.

فنقول بانه اما فيما كان محكوما بالاسلام بالاستصحاب كما فرض في الصورة الاولى فيترتب على اسلامه المستصحب كل اثر يترتب على الاسلام، كما انه مع استصحاب كفره يترتب عليه كل اثر يترتب على الكفر.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 207

و اما فيما لا يعلم حالته السابقة و قلنا بطهارته فلا بد من ملاحظة الدليل الوارد فى كل مورد من الموارد فان كان الحكم المستفاد منه مترتبا على الاسلام فلا يترتب عليه كما انه ان كان مترتبا على الكفر فلا يترتب عليه لان كلا منهما غير معلوم.

هذا تمام الكلام في نجاسة الكافر و الحمد للّه و الصلاة على رسوله و آله.

***

[التاسع الخمر بل كل مسكر مائع بالاصالة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

التاسع الخمر بل كل مسكر مائع بالاصالة و ان صار جامدا بالعرض لا الجامد كالبنج و ان صار مائعا بالعرض.

(1)

اقول: اعلم ان الاشهر بل المشهور نجاسة الخمر بل نجاسة كل مسكر مائع بالاصالة لانه لم ينقل القول بالطهارة الا عن الصدوق في المقنعة و والده في الرسالة و الجعفي و العماني و بعض المتأخرين كالمقدس الاردبيلي رحمهم اللّه.

فالمشهور عندنا هو القول بالنجاسة
اشارة

كما ان المشهور بين العامة أيضا هو القول بالنجاسة هذا بحسب الفتوى.

و اما بحسب النص فنقول بعونه تعالى اما ما يمكن ان يستدل على نجاسته من

القرآن الكريم قوله تعالى يٰا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ

وَ الْأَنْصٰابُ وَ الْأَزْلٰامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطٰانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. «1»

______________________________

(1) سورة المائدة، الآية 90.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 208

وجه الاستدلال ان اللّه تعالى جعل الخمر رجسا و الرجس هو النجس كما يظهر من اللغة.

و فيه أولا ان كون معنى الرجس النجس لم ينقل عن اهل اللغة كما يظهر للمراجع فيها بل المنقول عنهم ان الرجس الاثم كما هو المناسب للمقام لان عمل الشيطان هو الاثم.

و ثانيا لا يصح حمل الرجس فى هذه الآية الشريفة على النجس لان الميسر و الانصاب و الازلام لا يكون نجسا فلا بد من حمل الرجس في الآية على الاثم او على القذارة المعنوية الموجودة في كل من المذكورات في الآية.

و اما الروايات فعلى طائفتين
اشارة

طائفة يستدل بها على النجاسة و طائفة يستدل بها على الطهارة.

اما الطائفة التي يستدل بها على النجاسة فهي روايات:
اشارة

الرواية الاولى: ما رواها يونس عن بعض من رواه عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال اذا اصاب ثوبك خمرا و نبيذ مسكر فاغسله ان عرفت موضعه و ان لم تعرف موضعه فاغسله كله و ان صليت فيه فاعد صلاتك» «1».

الرواية الثانية: ما رواها ابو بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «في حديث النبيذ قال ما يبلّ الميل ينجّس حبّا من ماء يقولها ثلاثا.» «2»

الرواية الثالثة: ما رواها عمّار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال لا تصلّ في بيت فيه خمر و لا مسكر لانّ الملائكة لا تدخله و لا تصلّ في ثوب قد اصابه خمر او مسكر

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 38 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 6 من الباب 38 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 209

حتى تغسله.» «1»

الرواية الرابعة: ما رواها زكريا بن آدم قال سألت أبا الحسن عليه السّلام «عن قطرة خمر او نبيذ مسكر قطرت في قدر فيه لحم كثير و مرق كثير قال يهراق المرق او يطعمه اهل الذمة او الكلب و اللحم اغسله و كله قلت فانه قطر فيه الدم قال الدم تاكله النار ان شاء اللّه قلت فخمر او نبيذ قطر في عجين او دم قال فقال فسد قلت ابيعه من اليهودي و النصارى و ابين لهم قال نعم فانّهم يستحلّون شربه قلت و الفقّاع هو بتلك المنزلة اذا قطر في شي ء من ذلك قال فقال اكره انا ان آكله اذا قطر في شي ء من طعامي.» «2»

الرواية الخامسة: ما رواها ابو بكر الحضرمي «قال قلت

لابى عبد اللّه عليه السّلام اصاب ثوبي نبيذ اصلّي فيه قال نعم قلت قطرة من نبيذ قطر في حبّ أشرب منه قال نعم ان اصل النبيذ حلال و ان اصل الخمر حرام» «3».

قال في الوسائل بعد ذكر الخبر «حمله الشيخ على النبيذ الذي لا يسكر كما مر في الماء المضاف».

الرواية السادسة: و هي ما رواها على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام «قاله سألته عن النضوح يجعل في النبيذ أ يصلح ان تصلى المرأة و هو في رأسها قال لا حتى تغتسل منه» «4».

الرواية السابعة: ما رواها عمار بن موسى بن ابي عبد اللّه عليه السّلام (قال سألته عن

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 38 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 8 من الباب 38 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 9 من الباب 38 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(4) الرواية 15 من الباب 38 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 210

الدن يكون فيه الخمر هل يصلح ان يكون فيه خلّ او ماء كامخ او زيتون قال اذا غسل فلا بأس و عن الابريق و غيره يكون فيه خمر أ يصلح ان يكون فيه ماء قال اذا غسل فلا بأس و قال في قدح او اناء يشرب فيه الخمر قال تغسله ثلاث مرات و سئل أ يجزيه ان يصبّ فيه الماء قال لا يجزيه حتى يدلكه بيد و يغسله ثلاث مرات» «1».

الرواية الثامنة: و هي ما رواها عبد اللّه بن سنان «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الذي يعير ثوبه لمن يعلم انه يأكل لحم الجرى او يشرب الخمر فيرده أ يصلّى فيه

قبل ان يغسله قال لا يصلى فيه حتى يغسله» «2».

الرواية التاسعة: و هي ما رواها عبد اللّه بن سنان «قال سئل ابى أبا عبد اللّه عليه السّلام و انا حاضر اني اعير الذّمي ثوبي و انا اعلم انه يشرب الخمر و يأكل لحم الخنزير فيرده عليّ فاغسله قبل ان اصلّي فيه فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام صلّ فيه و لا تغسله من اجل ذلك فانّك اعرته ايّاه و هو طاهر و لم تستيقن انه نجسه فلا بأس ان تصلى فيه حتّى تستيقن انه نجّسه» «3».

الرواية العاشرة: ما رواها هشام بن الحكم «انه سال أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الفقاع فقال لا تشربه فانه خمر مجهول و اذا اصاب ثوبك فاغسله». «4»

و غير ذلك من الاخبار الواردة في موارد مختلفة يدلّ على النجاسة و لو اشكل في سند بعض الروايات او دلالة بعض الاخبار المتقدمة ذكرها ففي دلالة

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 51 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 38 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 74 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(4) الرواية 5 من الباب 38 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 211

اكثرها على النجاسة تكون غنى و كفاية.

و اما ما يمكن الاستدلال به من الاخبار على الطهارة:

الرواية الاولى: ما رواها حفص الاعور «قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام الدّن يكون فيه الخمر ثم يجفّف يجعل فيه الخلّ قال نعم.» «1»

الرواية الثانية: ما رواها الحسين بن موسى الحناط «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرجل يشرب الخمر ثم يمجه من فيه فيصيب ثوبي فقال لا بأس» «2».

اقول: يمكن حمل الرواية من قوله عليه السّلام

لا بأس على عدم نجاسة الفم بالنجاسات او طهارته بعد ذهاب عين النجاسة منه على فرض نجاسته و لهذا لا تدل على طهارة الخمر.

الرواية الثالثة: ما رواها الحسين بن ابي سارة «قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام ان اصاب ثوبى شي ء من الخمر اصلى فيه قبل ان اغسله قال لا بأس ان الثوب لا يسكر» «3».

الرواية الرابعة: ما رواها عبد اللّه بن بكير «قال سئل رجل أبا عبد اللّه عليه السّلام و انا عنده عن المسكر و النبيذ يصيب الثوب قال لا بأس» «4».

الرواية الخامسة: ما رواها الحسين بن ابي سارة «قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام انا نخالط اليهود و النصارى و المجوس و ندخل عليهم و هم يأكلون و يشربون فيمرّ ساقيهم و يصيب على ثيابي الخمر فقال لا بأس به الّا ان تشتهي ان

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 51 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 39 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 10 من الباب 38 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(4) الرواية 11 من الباب 38 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 212

تغسله لأثره.» «1»

الرواية السادسة: مرسلة الصدوق «محمد بن علي بن الحسين قال سئل ابو جعفر و ابو عبد اللّه عليهما السّلام فقيل لهما انّا نشتري ثيابا يصيبها الخمر و ودك الخنزير عند حاكتها أ نصلّي فيها قبل ان نغسلها فقال نعم لا بأس ان اللّه انّما حرم اكله و شربه و لم يحرم لبسه و مسّه و الصّلاة فيه «2».

و قال في الوسائل و في «العلل» عن ابيه عن سعد عن محمد بن الحسين «على» و محمد

بن اسماعيل و يعقوب بن يزيد كلّهم عن حماد بن عيسى عن حريز عن بكير عن ابى جعفر عليه السّلام و عن ابي الصباح و ابى سعيد و الحسن النبال عن ابي عبد اللّه عليه السّلام.

اقول فالرواية و ان روي على نقل الوسائل أولا مرسلا و لكن على ما حكي عن العلل تكون مسندة.

الرواية السابعة: ما رواها عبد اللّه بن جعفر في قرب الاسناد عن احمد و عبد اللّه ابني محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الخمر و النبيذ المسكر يصيب ثوبي فاغسله و اصلي فيه قال صل فيه الا ان تقذره فتغسل منه موضع الأثر ان اللّه تعالى انّما حرّم شربها.» «3»

الرواية الثامنة: ما رواها على الواسطي «قال دخلت الجويرية و كانت تحت عيسى بن موسى، على ابي عبد اللّه عليه السّلام و كانت صالحة و قالت اني أتطيّب لزوجي فيجعل في المشطة التي امتشط بها الخمر و اجعله في راسي قال لا بأس». «4»

______________________________

(1) الرواية 12 من الباب 38 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 13 من الباب 38 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 14 من الباب 38 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(4) الرواية 2 من الباب 37 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 213

[الجمع بين الروايات]

اذا عرفت ما ذكرنا من الطائفتين من الروايات فقد يقال بانه يمكن الجمع بين الطائفتين بالجمع العرفي لان الظاهر من الطائفة الاولى المستدلة بها على نجاسة الخمر اما الامر بغسل الثوب او غيره اذا اصابه الخمر او النهي عن الصّلاة في الثوب الملاقي للخمر فمن الامر

بالغسل او النهي عن الصّلاة في الثوب مثلا يستفاد نجاسة الخمر و حيث ان الطائفة الثانية نص في عدم وجوب الاجتناب و الغسل فيحمل الظاهر على النص فيقال ان الظاهر من الطائفة الاولى و هو الامر بالغسل او النهي عن مثلا قبل الغسل يحمل الامر فيها على الاستحباب و النهي فيها على الكراهة بقرينة نصوصيته الطائفة الثانية في جواز الاستعمال و عدم وجوب الغسل.

و فيه انه لا يمكن هذا الجمع في محل الكلام:

اما أولا فلإباء بعض الاخبار من الطائفة الاولى عن هذا الحمل مثل الرواية الثانية من هذه الطائفة التي قدمنا ذكرها فانّ فيها قال ابو عبد اللّه عليه السّلام «في حديث النبيذ قال ما يبل الميل ينجّس حبا من ماء يقولها ثلاثا» لا يمكن حملها على الاستحباب لانها نص في نجاسة النبيذ.

و مثل الرواية الرابعة من الطائفة الاولى فان فيها بعد ما قال السائل «قلت فخمر او نبيذ قطر في عجين او دم قال فسد الخ» فقوله عليه السّلام «فسد» بملاقات العجين للخمر او النبيذ لا يساعد مع استحباب غسل ما يلاقي الخمر او النبيذ او كراهة استعماله قبل الغسل.

و كذلك في الطائفة الثانية من الاخبار المستمسكة بها على طهارة الخمر ما لا يمكن الالتزام به مثل تجويز لبس ودك الخنزير و الصّلاة فيه في الرواية السادسة من الطائفة الثانية و الحال انه من المسلّم عدم جواز الصّلاة فيه فلو فرض عدم نجاسة الخنزير لا يمكن القول بجواز الصّلاة فيه لانه غير مأكول اللحم.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 214

فممّا مر تعرف عدم امكان الجمع العرفي بين الطائفتين اذا عرفت ذلك نقول بانه بعد عدم امكان الجمع العرفي و وقوع التعارض

بين الطائفتين من الروايات نقول ان كان الترجح لإحداهما لا بدّ من الاخذ بما فيه المرجح فنقول ان كانت الشهرة المرجحة الشهرة الفتوائي فالترجيح مع الطائفة الدالة على النجاسة و ان كانت الشهرة الروائي فيحث ان كلا من الطائفتين مشهورتان بالشهرة الروائية نقول لا بدّ من الاخذ باشهرهما و لا يبعد كون الطائفة الدالة على النجاسة اشهر و ان ابيت عن ذلك فالمرجح بعد الشهرة و ان كان مخالفة العامة لكن حيث لا يكون كل منهما مخالفا للعامة لان مشهور العامة قائلون بالنجاسة فلا بدّ من ملاحظة ما هو المرجح بعد ذلك و المرجح بعدها هو كون احد الخبرين مخالفا لقول حكامهم و حيث ان الطائفة الاولى الدالة على النجاسة مخالفا لحكام العامة و الطائفة الثانية الدالة على الطهارة موافقا لحكامهم فلا بد من الاخذ بالطائفة الاولى الدالة على النجاسة فتلخص من ذلك كله انه لا بدّ من الاخذ بما دل على النجاسة.

و ثانيا فقد دلّ الرواية التي رواها سهل بن زياد «قال قرأت في كتاب عبد اللّه بن محمد الى ابي الحسن عليه السّلام جعلت فداك روي زرارة عن ابي جعفر و ابي عبد اللّه عليهما السّلام في الخمر يصيب ثوب الرجل انهما قالا لا بأس بان تصلي فيه انّما حرّم شربها و روي عن «غير» زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام انه قال اذا اصاب ثوبك خمر او نبيذ يعنى المسكر فاغسله ان عرفت موضعه و ان لم تعرف موضعه فاغسله كله و ان صليت فيه فاعد صلاتك فاعلمني ما آخذ به فوقع عليه السّلام بخطه و قرأته خذ بقول ابي عبد اللّه عليه السّلام» «1».

و الرواية التي رواها علي بن محمد

عن سهل بن زياد عن خيران الخادم «قال

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 38 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 215

كتبت الى الرجل عليه السّلام اسأله عن الثوب يصيبه الخمر و لحم الخنزير أ يصلي فيه أم لا فان اصحابنا قد اختلفوا فيه فقال بعضهم صلّ فيه فان اللّه انّما حرّم شربها و قال بعضهم لا تصل فيه فكتب عليه السّلام لا تصلّ فيه فانه رجس الحديث». «1» على انّ ما يجب اخذه من بين الطائفتين المتقدمتين هو الطائفة الاولى الدالة على النجاسة فهذان الخبران كالاخبار العلاجية فى هذا الموضوع الخاص و لا بد من الاخذ بمدلولهما فافهم.

فتلخّص ان الاقوى نجاسة الخمر.

ثم بعد ذلك نقول يقع الكلام في جهات:
الجهة الاولى: [في نجاسة كل مسكر مائع بالاصالة]
اشارة

كما لا اشكال في نجاسة الخمر لدلالة روايات كثيرة و ما يقابلها من الروايات الدالة على الطهارة مطروح كما عرفت.

كذلك لا اشكال في نجاسة كل مسكر مائع بالاصالة لوجوه:

الوجه الاولى: التصريح بذلك في بعض الروايات

المتقدمة الدالة على النجاسة اعني الطائفة الاولى مثل ما في الرواية الاولى «اذا اصاب ثوبك خمر او نبيذ مسكر فاغسله».

و ما في الرواية الثانية «و لا تصل في ثوب قد اصابه خمر او مسكر حتى تغسله فامر بغسل الثوب باصابة المسكر له كما امر بغسله باصابة الخمر به.

الوجه الثاني: بعد كون الخمر هو المسكر فاذا ثبت نجاسة الخمر يثبت نجاسة كل مسكر.

و يظهر ذلك اي كون الخمر هو المسكر من بعض اهل اللغة.

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 38 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 216

و من بعض الروايات مثل ما رواها عبد الرحمن بن الحجاج عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم الخمر من خمسة العصير من الكرم و النقيع من الزبيب و البتع من العسل و المزر من الشعير و النبيذ من التمر» «1».

و مثل ما رواها علي بن ابراهيم في تفسيره عن ابي الجارود عن ابى جعفر عليه السّلام في قوله تعالى إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ الآية اما الخمر فكل مسكر من الشراب اذا اخمر فهو خمر و ما اسكر كثيره فقليله حرام و ذلك ان أبا بكر شرب قبل ان تحرم الخمر فسكر الى ان قال فانزل اللّه تحريمها بعد ذلك و انما كانت الخمر يوم حرّمت بالمدينة فضيخ البسر و التمر فلمّا نزل تحريمها خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فقعد في المسجد ثم دعا بآنيتهم التي كانوا ينبذون فيها فاكفاها كلها و قال هذه كلها خمر حرّمها اللّه فكان اكثر شي ء اكفى في ذلك اليوم الفضيخ و لم اعلم اكفى ء يومئذ من خمر العنب شيئا الا اناء واحد كان فيه زبيب و

تمر جميعا فامّا عصير العنب فلم يكن منه يومئذ بالمدينة شي ء و حرّم اللّه الخمر قليلها و كثيرها و بيعها و شرائها و الانتفاع بها قال و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من شرب الخمر فاجلدوه فان عاد فاجلدوه و ان عاد رابعة فاقتلوه و قال حقّ على اللّه ان يسقي من يشرب الخمر مما يخرج من فروج المومسات و المومسات الزواني يخرج من فروجهنّ صديد و الصّديد قيح و دم غليظ مختلط يؤذي اهل النار حرّه و نتنه قال و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم من شرب الخمر لم تقبل منه صلاة اربعين ليلة من يوم شربها فان مات في تلك الاربعين ليلة من غير توبة سقاه اللّه يوم القيامة من طينة خبال الحديث» «2».

و مثل ما رواها عطا بن يسار عن ابي جعفر عليه السّلام «قال قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم كل

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 1 من الاشربة المحرمة من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 1 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 217

مسكر حرام و كل مسكر خمر» «1».

الوجه الثالث: التنصيص بالعموم في كلمات القائلين بالنجاسة و بعض معاقدة الاجماعات

من اصحابنا رضوان اللّه تعالى عليهم فلهذا لا ينبغي التشكيك في عموم حكم النجاسة لكل مسكر مائع بالاصالة.

الجهة الثانية: اذا صار المسكر المائع بالاصالة جامدا بالعرض فهو نجس

مثل حال كونه مائعا لشمول الادلة له و لو فرض الشك في نجاسته و طهارته يستصحب نجاسة السابقة اعني حال كونه مائعا.

الجهة الثالثة: المسكر الجامد بالاصالة طاهر

و ان صار مائعا بالعرض و وجهه ما يدعي من الاجماع او الشهرة على طهارته.

و مع الشك في الطهارة و النجاسة فالمحكّم هو اصالة الطهارة نعم قد يقال بانه لا تصل النوبة باصالة الطهارة لانه مع وجود الاصل اللفظي اعني العموم و الاطلاق لا تصل النوبة بالاصل العملي و في المقام عموم الاخبار المتقدمة الدالة على نجاسة المسكر او اطلاقها يشمل المسكر الجامد لانه فرد من العموم او الاطلاق فلا بد من القول بنجاسة المسكر الجامد مثل المسكر المائع.

و قيل في جوابه بان الدليل الدال على نجاسة المسكر و هو الاخبار التي تعرضنا له في اصل المسألة منصرف عن المسكر الجامد.

و فيه انه لا وجه للانصراف.

اقول: لكن يأتي بنظرى القاصر وجه آخر لعدم شمول الاخبار الدالة على نجاسة المسكر للمسكر الجامد و هو ان ما ذكرنا من الروايات الدالة علي نجاسة

______________________________

(1) الرواية 5 من الباب 15 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 218

الخمر و المسكر و ان كان لها الاطلاق من حيث الخمر لكن لا اطلاق لها من الحيث الذي يكون مورد البحث في هذه الجهة و هو البحث عن شمول المسكر النجس لما يكون جامدا بالاصالة لان المراجع في كل من الروايات الدالة على النجاسة يرى ان مورد السؤال و الجواب و بعبارة اخرى مورد التكلم فيها هو الخمر و المسكر المائع لان السؤال مثلا عن اصابة الخمر او النبيذ المسكر او المسكر و عن قطرة قطر في ثوب او اناء او نحو

ذلك و لا عموم و لا اطلاق لواحدة من الروايات تشمل المسكر الجامد.

ان قلت انه كما قلت بشمول حكم نجاسة المسكر المائع بالاصالة لما اذا صار جامدا بالعرض نقول بنجاسة المسكر الجامد و لا اقل في المسكر الجامد الذي صار مائعا بالعرض.

قلت ان وجه شمول حكم نجاسة المسكر المائع بالاصالة لما اذا صار جامدا بالعرض هو شمول الاطلاق او العموم لطبيعة المسكر المائع بالاصالة كما ترى ان هذا مورد الظاهر من الروايات و بعد شموله له يقال ان للمسكر المائع فردان، فرد بقي على مائعيته و فرد صار جامدا بالعرض فكما يشمل الاطلاق او العموم الفرد الاول يشمل الفرد الثاني لان كلا منهما فرد لطبيعة المسكر المائع و هذا بخلاف المسكر الجامد بالاصالة لان الروايات الواردة في نجاسة الخمر و المسكر لا اطلاق و لا عموم لها يشمل المسكر الجامد من رأس بل مورد كلها هو الخمر و النبيذ و المسكر المائع للخصوصيات الواردة في الروايات فتلخص مما بينا لك عدم شمول حكم النجاسة الثابتة للمسكر المائع بالاصالة و ان صار جامدا للمسكر الجامد بالاصالة و ان صار مائعا بالعرض.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 219

[مسئلة 1: الحق المشهور بالخمر]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: الحق المشهور بالخمر العصير العنبى اذا غلى قبل ان يذهب ثلثاه و هو الاحوط و ان كان الاقوى طهارته نعم لا اشكال في حرمته سواء غلى بالنار او بالشمس او بنفسه و اذا ذهب ثلثاه صار حلالا، سواء كان بالنار او بالشمس او بالهواء بل الاقوى حرمته بمجرد النشيش و ان لم يصل الى حد الغليان و لا فرق بين العصير و نفس العنب فاذا غلى نفس العنب من غير ان يعصر

كان حراما و اما التمر و الزبيب و عصيرهما فالاقوى عدم حرمتهما أيضا بالغليان و ان كان الاحوط الاجتناب عنهما اكلا بل من حيث النجاسة أيضا.

(1)

اقول: اما حكم المسألة من حيث الفتوى و ان حكى ان القول بالنجاسة هو المشهور بين قدماء اصحابنا رضوان اللّه تعالى عليهم او كونه المشهور مطلقا بل عن كنز العرفان دعوى الاجماع عليها لكن يظهر للمراجع عدم تحقق الشهرة بين القدماء على النجاسة لعدم عين و لا اثر في كلمات جلّهم غير ما حكى عن ابن حمزة و ابن ادريس و ان قال العلامة رحمه اللّه في المختلف الخمر و كل مسكر و الفقّاع و العصير اذا غلى قبل ذهاب ثلثيه بالنار او من نفسه نجس ذهب إليه اكثر علمائنا كالشيخ المفيد رحمه اللّه و الشيخ ابي جعفر و السيد المرتضى و ابى الصلاح و سلار و ابن ادريس».

اقول: و لم اروجها لنقله رحمه اللّه مع عدم وجود القول بها في كتبهم الا ما اشرنا إليه الّا اجتهاد منه او عثوره بما لم يعثر عليه غيره.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 220

و على كل حال فنعم ما قاله العلامة الهمداني «1» رحمه اللّه و كيف كان ففي المسألة في هذا العصر قولان مشهوران و اما الاعصار المتقدمة فلم ينقح لنا حالها انتهى.

و لا حاجة في اتعاب النفس ازيد من ذلك في وضع الحكم في المسألة من حيث الفتوى لانه من الواضح عدم حصول شهرة محققة كاشفة عن وجود نصّ لم يبلغ إلينا في المسألة فالمهم عطف عنان الكلام الى ما يقتضيه النص فنقول بعونه تعالى يستدل على نجاسة العصير العنبي ببعض الروايات:

الرواية الاولى: ما رواها معاوية بن عمار

قال سألت أبا عبد اللّه

عليه السّلام عن الرجل من اهل المعرفة بالحق يأتينى بالبختج و يقول قد طبخ على الثلث و انا عرف انه يشربه على النصف أ فأشربه بقوله و هو يشربه على النصف؟ فقال خمر لا تشربه، قلت: فرجل من غير اهل المعرفة ممن لا نعرفه يشربه على الثلث و لا يستحلّه على النصف يخبرنا ان عنده بختجا على الثلث قد ذهب ثلثاه و بقي ثلثه يشرب منه؟ قال:

نعم «2».

وجه الاستدلال بالرواية هو قوله عليه السّلام في جواب السائل «خمر لا تشربه» فان قوله «خمر» يكون صغرى للكبرى التي ثبتت كما عرفت في نجاسة الخمر فاذا ضمت الصغرى و هي قوله عليه السّلام «خمر» «يعني العصير خمر» بالكبرى و هي كل خمر نجس تكون النتيجة ان العصير نجس.

و قد يورد على الاستدلال أوّلا ان الاستدلال مبني على كون المذكور في الرواية كلمة «خمر» و هذا غير معلوم لان الرواية بنقل الكليني تكون بدون كلمة

______________________________

(1) مصباح الفقيه، طبع الجديد ج 7 ص 195.

(2) الرواية من الباب 7 من ابواب الاشربة المحرّمة من الوسائل بنقله عن الكافي ليس كلمة (خمر) في نقله.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 221

«خمر» و الشيخ رحمه اللّه و ان نقله باضافة كلمة «خمر» لكن كما يقال يكون الكليني اضبط من الشيخ في النقل مضافا الى ان الشيخ رحمه اللّه روى الخبر و اخذه من الكليني رحمه اللّه حيث قال في مشيخة التهذيب «و من جمله ما ذكرته عن احمد بن محمد بن عيسى ما رويته بهذه الاسانيد عن محمد بن يعقوب عن عدة من اصحابنا عن احمد بن محمد بن عيسى» و المراجع في سند الكافي يرى انّه يروي عن

احمد بن محمد، فاما ان يكون فى نسخة الكافى الموجود عنه الشيخ رحمه اللّه هذه الزيادة او وقع الزيادة منه اشتباها فالنقل من الكلينى رحمه اللّه. يكون مختلفا، فعلى ما في نسخ الكافي الموجودة عندنا بلا زيادة و على ما روى الشيخ رحمه اللّه يكون مع الزيادة فلم نعلم انّ الصّادر ايّهما و اذا كان الشيخ رحمه اللّه ناقلا عن الكافي فلا مجال لأن يقال انّ الدّوران بين الزيادة و النّقيصة و الاصل عدم الزّيادة لا عدم النّقيصة لانّه بعد ما نرى من انّ كلّ نسخ الكافي يكون بدون هذه الزيادة و تكون هذه الزّيادة فقط في نقل الشّيخ رحمه اللّه، فكيف يمكن الاعتماد بنقل ما تفرّد به الشيخ رحمه اللّه لانه ربما وقع الغلط و الزيادة في نسخة الكافي الذي روي عنه الشيخ او وقعت الزيادة من نفس الشيخ رحمه اللّه فلا يمكن ان يقال ان بناء العقلاء في مثل المورد على عدم الزيادة.

و ثانيا لو سلّمنا كون الوارد كلمة الخمر في الرواية فنقول، بعونه تعالى:

امّا ان يقال بان المراد من البختج الوارد في الرواية المذكورة هو مطلق العصير العنبي فنقول بانه بعد عدم كون مطلق العصير العنبي بتمام اقسامه خمرا مسلّما «بل لا يكون قسم من اقسامه خمرا حقيقة لعدم تسلم ذلك ان لم نقل بتسلّم عدمه اذ لو كان العصير خمرا كان معلوما يعلمه الناس مثل ساير انواع الخمر» فالتنزيل لا يكون تنزيلا حقيقيا فلا يكون المراد من قوله (خمر لا تشربه) كونه خمرا حقيقة بل المراد كونه خمرا تنزيلا و بعد كون الحمل الحمل التنزيلي فاذا كان في المنزّل عليه و صفا واضحا- يحمل التنزيل عليه و في المقام يكون التنزيل

باعتبار الحرمة بمعنى انه

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 222

كالخمر في الحرمة و لهذا قال لا تشربه.

و اما كونه كالخمر من حيث النجاسة فغير معلوم.

و اما ان يقال بكون البختج قسما خاصا من العصير و هو الذي يعبّر عنه في الفارسية به «مي پخته» كما فسّر بذلك في نهاية اللغة فنقول، مضافا الى ان الدليل اخص من المدعى اذ لا يدل الا على كون هذا القسم من العصير خمرا.

نقول كما قلنا في الاحتمال الاوّل، بانّه ان ثبت خمرية هذا القسم حقيقية فتدل الرواية على كون هذا القسم خمرا و يدل على نجاسته ما يدل على نجاسة الخمر، و ان لم يعلم ذلك فلا يمكن حمل التنزيل على التنزيل الحقيقي بل لا بد من حمله على كونه خمرا تنزيلا و كونه تنزيلا كالخمر في حكم الظاهر و هو الحرمة و اما غير ذلك فغير معلوم.

فتلخص عدم استفادة نجاسة العصير اذا غلى قبل ان يذهب ثلثاه من الرواية.

الثانى: بعض ما ورد من الاخبار الدال على ان الخمر يؤخذ من خمسة او من ستة او تسعة

و منها العصير يؤخذ من الكرم و قد ذكرنا بعض اخباره عند التعرض لنجاسة كل مسكر و فيه انه لا يستفاد من هذه الاخبار الا ان قسما من اقسام الخمر يؤخذ من الكرم و لا يدل على ان كل ما يؤخذ من الكرم فهو خمر.

الثالث: بعض الاخبار «1» الواردة في نزاع آدم و نوح على نبيّنا و آله و عليهما السلام مع ابليس

لعنه اللّه في قصبتين من عنب فانه لا يستفاد منه الّا حرمة الخمر و لا يرتبط بالمقام لانّ السؤال عن بدء الخمر و حرمتها.

الرابع: ما رواها ابو بصير

«قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام و سئل عن الطلاء فقال ان طبخ حتى يذهب منه اثنان و يبقى واحد فهو حلال و ما كان دون ذلك فليس

______________________________

(1) الرواية 1 و 2 و 3 و 4 و 5 من الباب 2 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 223

فيه خير».

و فيه انها لا تدل الّا على حرمته قبل ذهاب ثلثيه و اما النجاسة فلا «1».

الخامس: ما رواها محمد بن الهيثم عن رجل عن ابي عبد اللّه عليه السّلام

«قال سألته عن العصير يطبخ بالنار حتى يغلى من ساعته أ يشربه صاحبه فقال اذا تغير عن حاله و غلا فلا خير فيه حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه» «2» و هي لا تدل الّا على حرمة شربه بعد ما تغيّر عن حاله حتى يذهب ثلثاه و اما نجاسته فلا يستفاد منها.

فتلخص من كل ما بيّنا انه لم اجد وجها لنجاسة العصير العنبي اذا غلى.

و ما قيل من انه خمر كما في بعض الكلمات مثل كلام الصدوق رحمه اللّه فهو لا يصير دليلا و الحال انه لو كان خمرا، لشاع و ما يخفى امره و لو شك في حكمه من حيث الطهارة و النجاسة فمقتضى الاصل اعنى اصالة الطهارة طهارته و لكن مع ذلك الاحتياط حسن على كل حال اذا عرفت ذلك

يقع الكلام في بعض جهات اخرى:
الجهة الاولى: [في ان حرمته هل هي مختصة بما كان بسبب خاص]
اشارة

لا اشكال في حرمة العصير العنبى في الجملة انما الكلام يقع أولا في ان حرمته هل هي مختصة بما كان بسبب خاص كغليانه بالنار مثلا أو لا سواء غلى بالنار او بالشمس او بالهواء او بنفسه.

و ثانيا يقع الكلام في ان الحرمة تعرضه بمجرد النشيش او تعرضه اذا غلى او تعرضه اذا غلى و اشتد.

نذكر الاخبار المربوطة بالمقام و ما يستفاد منها فنقول:

الرواية الاولى: الرواية التى رواها ابو بصير المتقدمة ذكرها و فيها قال «ان

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 2 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

(2) الرواية 7 من الباب 2 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 224

طبخ حتى يذهب منه اثنان و يبقى واحد فهو حلال و ما كان دون ذلك فليس فيه خير». «1»

الرواية الثانية: الرواية الخامسة المتقدمة ذكرها اعني مرسلة محمد بن الهيثم عن رجل عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال سألته عن العصير يطبخ بالنار حتى يغلى من ساعته أ يشربه صاحبه فقال اذا تغيّر عن حاله و غلى فلا خير فيه حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه». «2»

الرواية الثالثة: ما رواها حمّاد بن عثمان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام «قال لا يحرم العصير حتى يغلى» «3».

الرواية الرابعة: ما رواها حمّاد بن عثمان عن أبى عبد اللّه عليه السّلام «قال سألته عن شرب العصير قال تشرب ما لم يغل فاذا غلا فلا تشربه قلت اى شي ء الغليان قال القلب.» «4»

الرواية الخامسة: ما رواها ذريح قال سمعت أبا عبد اللّه عليه السّلام «يقول اذا نشّ العصير او غلا حرم» «5».

الرواية السادسة: ما رواها ابن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال كل عصير اصابته النار فهو حرام

حتى يذهب ثلثاه و يبقي ثلثه.» «6»

الرواية السابعة: ما رواها عقبة بن خالد عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «في رجل اخذ

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 2 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

(2) الرواية 7 من الباب 2 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 3 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

(4) الرواية 3 من الباب 3 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

(5) الرواية 4 من الباب 3 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

(6) الرواية 1 من الباب 2 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 225

عشرة ارطال من عصير العنب فصبّ عليه عشرين رطلا من ماء ثم طبخهما حتى ذهب منه عشرون رطلا و بقى عشرة ارطال أ يصلح شرب تلك العشرة أم لا فقال ما طبخ على الثلث فهو حلال» «1».

الرواية الثامنة: ما رواها عبيد بن زرارة عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «انه قال في الرجل انه باع عصيرا فجسه السلطان حتى صار خمرا فجعله صاحبه خلا فقال اذا تحوّل عن اسم الخمر فلا بأس به.» «2»

الرواية التاسعة: ما رواها ابن ابى يعفور عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال اذا زاد الطلاء على الثلث فهو حرام.» «3»

اذا عرفت ما قدمنا لك من الروايات نعطف عنان الكلام الى

ما يستفاد من الاخبار
اشارة

فنقول كما قلنا يقع الكلام في الجهة الاولى في امرين:

الامر الاوّل: في انه هل يختص حكم حرمة العصير بما اذا كان الغليان فيه ببعض الاسباب المخصوصة

مثلا يكون الغليان بالنار او يعمّ غيره مثل ما كان الغليان بالشمس او بالهواء او بنفسه فنقول بان المذكور في بعض الروايات و ان كان صورة طبخ العصير بالنار كالرواية الاولى و الثانية و غيرهما لكن حيث يكون بعض الروايات المتقدمة مطلقا من هذا الحيث فلا فرق في حكم الحرمة بعد تغيّر حاله «يأتي الكلام فيما هو سبب للتحريم من الغليان او غيره إن شاء اللّه» بين كون التغير الحاصل فيه الموجب لحرمة شربه بالنار او بالشمس او الهواء او بنفسه.

الامر الثاني: هل يكفي في حرمة العصير العنبي مجرد الشخونة

او النشيش او

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 8 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 31 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

(3) الرواية 8 من الباب 2 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 226

يعتبر الغليان او الاشتداد فنقول بعونه تعالى بان بعض الروايات المتقدمة ذكرها ساكت عن هذا الحيث راسا كالرواية الاولى و السادسة و السابعة و الثامنة و التاسعة و المستفاد من الرواية الثانية هو ان العصير اذا تغير عن حاله و غلى فلا خير فيه و مفهومه عدم الحرمة اذا لم يغل و كذا الثالثة تفيد ذلك بمفهوم الغاية و كذا الرابعة تدلّ على ثبوت الحرمة اذا غلى و مفهومه عدم الحرمة ما لم يغل و فسّر فيها الغليان بالقلب فهذه الثلاثة تدل على اعتبار الغليان في تحقق الحرمة للعصير و مفهومها عدم الحرمة ما لم يصل بهذه المرتبة بمفهوم الشرط و الغاية.

و اما الرواية الخامسة فمفادها حرمته اذا نشّ العصير او غلى.

قد يقال بان مقتضى هذه الرواية كفاية تحقق احد الامرين اما النشيش و اما الغليان في الحرمة.

و يرد

عليه بان لازم كون النشيش سببا للحرمة هو لغوية جعل الغليان سببا للحرمة لان النشيش يحصل دائما قبل الغليان.

و قد يقال بانّا نجمع بين الروايات الدالة على موضوعية الغليان و بين الرواية الدالة على كفاية النشيش او الغليان في الحرمة بان يحمل سببية النشيش للحرمة بما اذا تغير و طبخ العصير بغير النار كالشّمس و الهواء او بنفسه و يحمل سببيّة الغليان للحرمة بما كان طبخ العصير بالنار.

و الشاهد على ذلك عدم تحقق الغليان المفسّر بالقلب في غير النار لانه اذا تغير طبخ العصير بغير النار لم يحصل له حالة الغليان اصلا كما نقل بعض فضلاء بحثنا بامتحانه ذلك.

و الروايات الثلاثة المعلقة فيها الحرمة على الغليان يحمل على الطبخ بالنار كما ان المصرّح في الرواية الثانية ان الطبخ كان بالنّار.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 227

و يشكل ذلك بانه بعد كون الرواية الخامسة مطلقا لانه قال عليه السّلام فيها اذا نشّ العصير او غلا حرم» و اطلاقه يقتضي كفاية احد الامرين في مطلق العصير فلو فرض عدم تحقق الغليان في بعض افراده و هو ما اذا كان بغير النار و تعليق الحرمة بالنشيش فى هذا القسم دائما و لكن بعد كون النشيش بمقتضى هذه الرواية كاف في الحرمة في مطلق العصير. فاذا كان الطبخ بالنّار فمقتضى اطلاق هذه الرواية كفايته في الحرمة و لو لم يحصل الغليان و هذا معارض مع الروايات الثلاثة الدالة على عدم حصول الحرمة الا بعد الغليان فبما قلت من حمل النشيش على ما كان بغير النار و حمل الغليان على ما كان بالنار لا يمكن الجمع بين هذه الرواية و الروايات الثلاثة.

فالاولى، ان يقال في مقام الجمع

بان النشيش مرتبة من الغليان و بعبارة اخرى بعد ما شرع المائع ماء كان او غيره من اثر الحرارة على تغيير الحالة فاذا شرع في الغليان يحصل له النشيش و هو صوت الماء و غيره اذا غلى كما في القاموس و المعبّر بالفارسية كما في منتهى الارب «آواز جوشش آب و ديگ و غير آن» فيكون النشيش و الغليان مساويا في الوجود تقريبا و لا يكون بينهما فصل وجودي معتدّ به أو لا فصل بينهما اصلا لانه لو لم يكن غليان لما كان له الصوت فبناء على هذا كيف نقول بان النشيش يكون فيما لا يكون غليان اصلا كالمطبوخ بغير النّار، الا ان يقال بانّه في المطبوخ بالنار يتحقق الغليان و القلب بمراتب واضحة و لكن في غير النار لم يبلغ بهذه المرتبة بل بالغليان المساوق للنشيش فقط.

و الحاصل انّا نقول بعد ظهور الروايات الثلاثة بل صراحتها في اعتبار الغليان في الحرمة لا يمكن رفع اليد عنها بمجرد ما ورد في رواية ذريح من اعتبار النش او الغليان و انه قبل الغليان يعرضه الحرمة لاحتمال كون النشيش مساوقا مع الغليان خصوصا مع التّخيير بينهما في الحكم بالحرمة و لا ينافي ما قلنا مع ما قيل ان النش

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 228

يكون في غير النار دائما لانه بعد كونه مساوقا للغليان فقد تحقق موضوع الحرمة.

الجهة الثانية: [العصير الّذي غلى بغير النار هل يكون مثل المغليّ بالنار]

بعد ما لا اشكال في ان العصير المطبوخ بالنار اذا غلى يحرم شربه و اذا ذهب ثلثاه و بقى ثلثه حلّ شربه.

يقع الكلام في العصير الّذي غلى بغير النار في انه هل يكون مثل العصير المغليّ بالنار في حلية شربه اذا ذهب ثلثاه و بقي

ثلثه و بعبارة اخرى في ارتفاع حرمة شربه الحاصلة بالغليان بعد ذهاب ثلثيه يكون المغليّ بغير النار مثل المغلى بالنار أو لا يصير المغليّ بغير النار من العصير حلالا الّا بصيرورته خلا او لا يحلّ اصلا بل يبقى على حرمة الحادثة فيه بالغليان.

اعلم ان العصير المغلى بغير النار لا يحل بذهاب الثلثين لان كل ما يدل من الاخبار المتقدمة ذكرها يكون مورده الغليان الحاصل بالنار و في هذه الصورة جعل الحلية بذهاب ثلثيه راجع الاخبار المتقدمة فترى ان موردها هو صورة الغليان بالنار و انه يحرم بالغليان و تذهب الحرمة بذهاب ثلثيه و لا تجد في الاخبار ما كان متعرضا لصورة الطبخ بغير النار فلا وجه للقول بان العصير المغلىّ بغير النار تذهب حرمته الحاصلة فيه بالغليان بذهاب الثلثين منه.

ان قلت كما قلت من انه لا فرق في عروض الحرمة للعصير بين كون غليانه بالنار و بين كون غليانه بغير النار فكذلك تقول في ذهاب ثلثيه لرفع هذه الحرمة بين كون ذهاب الثلثين بالنار او بغير النار.

قلت بأن الفارق بين الصورتين اعني صورة عروض الحرمة و بين صورة رفع الحرمة هو وجود بعض الاخبار المطلقة الدالة بإطلاقها على عروض الحرمة بغليان العصير سواء كان هذا الغليان بالنار او بغير النار و لكن لا تعرض لهذا البعض من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 229

الاخبار المطلقة لحلية العصير بذهاب الثلثين لما اذا كان الغليان و ذهاب ثلثيه بغير النار لا بالصراحة و لا بالإطلاق و لهذا لا يمكن الالتزام بان ذهاب الثلثين موجب لحلية العصير اذا كان الغليان بغير النار.

اذا عرفت ذلك نقول بانه تارة يقال بان ماء العنب الذي يغلى بغير النار

يصير مسكرا فلا اشكال في حرمته بالغليان و بقاء حرمته الى ان ينقلب خلا لما دل على مطهرية الانقلاب كما يأتي إن شاء اللّه في المطهرات و لكن لو قلنا بذلك لا بدّ و ان نقول بنجاسته أيضا حال الاسكار و تغيّره بالغليان و بقاء نجاسته الى ما قبل انقلابه خلا لما عرفت من نجاسة كل مسكر مائع بالاصالة لكن الاشكال في صيرورته مسكرا بالغليان مطلقا.

نعم يمكن ان يقال بصيرورته مسكرا في بعض الموارد كما ينادي به الرواية الثانية من الروايات المتقدمة ذكرها و هى ما رواها عبيد بن زرارة.

و تارة يقال بعدم سكر العصير العنبى اذا غلى بغير النار او الشك في ذلك فنقول لا وجه لبقاء حكم حرمة العصير الثابت بغليانه بغير النار بعد صيرورته خلًّا الا استصحاب الحزمة.

و لا وجه للتمسك بالاخبار المتقدمة لان المستفاد من الاخبار ليس الا حيث حدوث الحرمة بالغليان و اما متى تبقى هذه الحرمة فالاخبار ساكتة عن ذلك فلا بد للتمسك ببقاء الحرمة بعد صيرورة العصير خلا الى استصحاب الحرمة السابقة الحادثة له بحدوث الغليان.

و لكن لا تصل النوبة بالاستصحاب لانه بعد صيرورة العصير خلًّا يشمله اطلاق دليل حلية الخل مثل ما ورد في حلية الخل و لسانه الاطلاق و مثل بعض

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 230

ما ورد من ان الخمر اذا صار خلا يكون حلالا و لا وجه لحليّته الا كونه خلا فكذلك في محل كلامنا فتلخّص مما مر انه اذا صار العصير في محل الكلام خلا يرتفع به الحرمة الحاصلة بالغليان.

و الحاصل ان العصير اذا غلى بالنار يحرم شربه و يرتفع التحريم بذهاب ثلثيه و اما اذا غلى بغير النار

يحرم شربه و ترتفع حرمته بصيرورته خلا فافهم.

فرع اذا غلى نفس العنب من غير ان يعصر هل يكون شربه حرام أو لا قد يتوهم عدم حرمته بالغليان جمودا على ظاهر الدليل بدعوى ان المذكور في الروايات كما رايت العصير و العنب غير العصير.

و فيه ان الاقوى عدم الفرق لان ماء العنب اذا غلى قبل ان يعصر و ان لم يكن بعصير بنفسه لكن مثله حكما بتنقيح المناط القطعى لان المناط في حرمة العصير ليس عصره بل هذا الماء اذا غلى يصير حراما و الماء في العنب مثله فيصير بحكمه اذا غلى فلا مجال و لا اشكال في حرمته هذا تمام الكلام في العصير العنبي.

الجهة الثالثة: يقع الكلام في العصير التمرى

فنقول بعونه تعالى المشهور حليّته ما لم يسكر.

و لا حاجة لحليّته الى اقامة الدليل لانه مع الشك في حليته و حرمته يكفي الاصل اعنى اصالة الحلية فاذا لا بدّ من ملاحظة انه هل يكون دليل على حرمته حتى ترفع اليد لاجله عن الاصل المذكور أو لا فنقول بان ما يمكن ان يستدل به على حرمة شربه بعض الروايات المتقدمة ذكرها في الجهة الاولى.

الرواية الاولى: و هي ما رواها ابن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال كل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 231

عصير اصابته النار فهو حرام حتى يذهب ثلثاه و يبقي ثلثه» «1» بدعوى ان من اقسام العصير العصير التمرى فيشمله عموم «كل عصير اصابته النار فهو حرام.

و فيه أولا كما في «الفقيه» يكون العصير هو العصير العنبي.

و ثانيا كون المراد من العصير في الروايات مطلق العصير غير معلوم لان التعبير عنه في بعض الروايات بالبختج ربما يكون هو العصير الماخوذ من خصوص العنب لا

غيره.

و ثالثا لو كان البناء على الجمود بعموم الرواية و هو كل عصير يلزم تخصيص الاكثر لان الاكثر من المعصرات لا يكون حراما.

الرواية الثانية: ما رواها عمار بن موسى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «في حديث انه سئل عن النضوح المعتق كيف يصنع به حتى يحل قال خذ ماء التمر فاغسله حتى يذهب ثلثا ماء التمر» «2».

الرواية الثالثة: ما رواها عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال سألته عن النضوح قال يطبخ التمر حتى يذهب ثلثاه و يبقي ثلثه ثم يمتشطن» «3».

وجه الاستدلال بهاتين الروايتين المرويتين عن عمار الساباطي هو حليّة العصير التمري بالتّثليث.

و فيه «بعد كون المحتمل ان الروايتين ليستا الا رواية واحدة» ان النضوح على ما نقل طيب مخصوص يحصل من اختلاط اشياء و منها التمر و يصير مسكرا بعد مدة.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 2 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 32 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 37 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 232

فالسؤال يكون لعلاج يرفع به سكره و يرتفع الاشكال في الصّلاة معه و اذا صنع كما امر عليه السّلام بان يأخذ التمر و يغسله حتى يذهب ثلثاه لم يصر مسكرا بعد ذلك فليست الروايتان مربوطتين بالمقام اصلا فتلخص من كل ذلك ان العصير التمرى اذا صار مسكرا فهو نجس و حرام و المستفاد من بعض الاخبار دوران الحرمة مدار الاسكار و اذا لم يصر مسكرا فلا وجه لحرمته و ان غلى فافهم.

الجهة الرابعة: يقع الكلام في العصير الزبيبى
اشارة

و الحق عدم حرمته بالغليان كما عليه الشهرة او الاتفاق تقريبا و استدل على الحرمة بامرين:

الامر الاول: بعض الاخبار.
منها الرواية المتقدمة ذكرها في الجهة الاولى

و هي ما رواها ابن سنان عن ابى عبد اللّه عليه السّلام «قال كل عصير اصابته النار فهو حرام حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه» «1».

وجه الاستدلال دعوى ان العصير المذكور في الرواية مطلق يشمل كل عصير.

و فيه ما مضى سابقا بانه أولا ما قال في الفقيه بان العصير هو العصير العنبى.

و ثانيا ان المراد من العصير في الروايات هو العصير العنبى كما في بعض الروايات.

و ثالثا بان الالتزام بان العصير في الرواية المذكورة عام او مطلق يلزم تخصيص الاكثر لانّه لا اشكال في حلية اكثر المعصرات.

و منها ما رواها عمار بن موسى الساباطي

«قال وصف لى ابو عبد اللّه عليه السّلام

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 2 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 233

المطبوخ كيف يطبخ حتى يصير حلالا فقال لى عليه السّلام تاخذ ربعا من زبيب و تنقّيه ثم تصبّ عليها اثنى عشر رطلا من ماء ثم تنقعه ليلة فاذا كان ايام الصّيف و خشيت ان ينشّ جعلته في تنور سخن قليلا حتى لا ينشّ ثم تنزع الماء منه كله اذا اصبحت ثم تصبّ عليه من الماء بقدر ما يغمره ثم تغليه حتى يذهب حلاوته ثم تنزع ماءه الآخر فتصبّه على الماء الاول ثم تكيله كله فتنظر كم الماء ثم تكيل ثلثه فتطرحه في الاناء الذي تريدان تغليه و تقدّره و تجعل قدره قصبة او عودا فتحدّها على قدر منتهى الماء ثم تغلى الثلث الآخر حتى يذهب الماء الباقي ثم تغليه بالنار فلا تزال تغليه حتى يذهب الثلثان و يبقي الثلث ثم تأخذ لكل ربع رطلا من عسل فتغليه حتى تذهب رغوة العسل و تذهب قساوة العسل في المطبوخ ثم تضربه بعود

ضربا شديدا حتى يختلط و ان شئت ان تطيبه بشي ء من زعفران او شي ء من زنجبيل فافعل ثم اشربه فان احببت ان يطول مكثه عندك فروّقه» «1».

و منها ما رواها عمار عن ابى عبد اللّه عليه السّلام

«قال سئل عن الزبيب كيف يحل طبخه حتى يشرب حلالا قال تاخذ ربعا من زبيب فتنقّيه ثم تطرح عليه اثنى عشر رطلا من ماء ثم تنقعه ليلة فاذا كان من غد نزعت سلافته ثم تصبّ عليه من الماء بقدر ما يغمره ثم تغليه بالنار غلية ثم تنزع ماءه فتصبه على الاول ثم تطرحه في اناء واحد ثم توقد تحته النار حتى يذهب ثلثاه و يبقي ثلثه و تحته النار ثم تأخذ رطل عسل فتغليه بالنار غلية و تنزع رغوته ثم تطرحه على المطبوخ ثم اضربه حتى يختلط به و اطرح فيه ان شئت زعفرانا و طيبه ان شئت بزنجبيل قليل قال فان اردت ان تقسمه اثلاثا لتطبخه فكله بشي ء واحد حتى تعلم كم هو ثم اطرح عليه الاول في الاناء الذي تغليه فيه ثم تصنع فيه مقدارا و حدّه حيث يبلغ الماء ثم اطرح الثلث

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 5 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 234

الآخر و حدّه حيث يبلغ الماء ثم اطرح الثلث الآخر و حدّه حيث يبلغ الماء ثم توقد تحته بنار لينة حتى يذهب ثلثاه و يبقي ثلثه.» «1»

اقول: ان هاتين الروايتين رواية واحدة لقرب مضمونهما و كون الراوي في كل منهما هو العمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام و على كلّ حال نقول ان الروايتين لا تدلان على المدعى لانهما مضافا الى اجمالهما و مضافا الى عدم دخل ما فيهما في التثليث مسلّما

تكونان متعرضتين للعلاج لدفع اسكاره ظاهرا لا انّه لا يحلّ ماء الزبيب و لو لم يسكر الا بالتثليث و تعارضهما مع الروايات الواردة في العصير العنبى و تعارض كلّ واحد منهما مع الآخر و لا اقل من عدم ظهورهما في حرمة العصير الزّبيبى بالغليان و حليّته بالتثليث.

و منها ما رواها إسماعيل بن الفضل الهاشمي
اشارة

قال شكوت الى ابي عبد اللّه عليه السّلام «قراقر تصيبنى في معدتى و قلة استمرائى الطعام فقال لى لم لا تتخذ نبيذا نشربه نحن و هو يمرئ الطعام و يذهب بالقراقر و الرياح من البطن قال فقلت له صفه لى جعلت فداك قال تأخذ صاعا من زبيب فتنقيه من حبّه و ما فيه ثم تغسل بالماء غسلا جيّدا ثمّ تنقعه في مثله من الماء او ما يغمره ثم تتركه في الشتاء ثلاثة ايام بلياليها و في الصيف يوما و ليلة فاذا اتى عليه ذلك القدر صفّيته و أخذت صفوته فجعلته في اناء و اخذت مقداره بعود ثم طبخته طبخا رقيقا حتى يذهب ثلثاه و يبقى ثلثه ثم تجعل عليه نصف رطل عسل و تأخذ مقدار العسل ثم تطبخه حتى تذهب الزيادة ثم تأخذ زنجبيلا و خولنجان و دارصينى و زعفران و قرنفلا و مصطكى و تدقه و تجعله في خرفة رقيقة و تطرحه فيه و تغليه معه غلية ثم تنزله فاذا برد صفّيت و اخذت منه على غذائك و عشائك قال ففعلت فذهب عنى ما كنت أجده و هو

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 5 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 235

شراب طيب لا يتغيّر اذا بقى إن شاء اللّه.» «1»

اقول و الكلام فيها هو الكلام في الروايتين السابقتين منها

و ما فيهما من الاشكال.

الموضع الاول: يقع الكلام في سند الحديث و الكلام فيه يقع في موارد:
اشارة

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 5 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 2 من ابواب الاشربة المحرمة من المستدرك.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 236

المورد الاول: في انه هل يصحّ الاعتماد بزيد النّرسى حتى يصحّ الاعتماد على اصله المنسوب إليه لو فرض وجود اصل له أم لا.

المورد الثاني: في انه هل يكون له اصل او لا.

المورد الثالث: في ان الموجود الذي نسب إليه هل يكون الاصل الذي منه او لا

اما الكلام في المورد الاول اعني صحة الاعتماد على «زيد النرسي» و اصله» او عدمه:

فنقول ان المنقول من الصدوق و استاده رحمهما اللّه هو عدم الاعتماد عليه كما قال الاردبيلى رحمه اللّه في جامع «1» الروات «زيد النّرسى، روى عن ابي عبد اللّه و ابي الحسن عليهما السّلام له كتاب يرويه جماعة منهم ابن ابى عمير «جش» له اصل لم يروه محمد بن على بن بابويه و قال لم يروه محمد بن الحسن بن الوليد و كان يقول وضعه محمد بن موسى السمان الهمدانى و قال ابن الغضائرى هذا غلط فانى رايت كتابه مسموعا من محمد بن ابى عمير و قال الشيخ أيضا ان كتابه رواه عنه ابن ابى عمير «مح» الى هنا كان كلام الاردبيلي في جامع الروات» اقول بعد ما يكون مختارى في حجية الخبر الواحد و جواز الاخذ به هو الاطمينان بالصدور و هذا يحصل بمجرد الوثوق بقول الراوي.

و بعد ما هو المعروف عند الاصحاب بان محمد بن ابي عمير لا يروي الّا عن الثّقة و لهذا قيل، ان مراسيله بحكم المسانيد و هو على الفرض روى من كتابه مضافا الى رواية غيره عنه أيضا كما عرفت عن «جش» فعلى ذلك يكون الخبر المذكور بحدّ ساير الروايات التي

يكون البناء على الاخذ بها فمن هذا الحيث يمكن دفع الاشكال.

______________________________

(1) جامع الرواة، ج 1، ص 343.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 237

اما الكلام فى المورد الثاني: يقع الكلام في انه هل يكون لزيد النّرسى اصل

او هو من الموضوعات فنقول بعونه تعالى ان منشأ كون الاصل المنتسب إليه موضوعا ليس الّا قول ابن الوليد و لم يبيّن مدركه و في قباله قال الشيخ رحمه اللّه ان له و لزيد الزراد اصلين و لم يروهما محمد بن على بن الحسين بن موسى بن بابويه و قال في الفهرست لم يرو عنهما محمد بن الحسن بن الوليد و كذا الغضائرى و كذا النجاشى و قد تصدّى الوحيد البهبهاني و العلامة الطباطبائى قدس سرهما على ما نقل الشيخ الشريعة في افاضة الغدير لتصحيح استناد الاصل المذكور الى زيد و اختاره الشيخ الشريعة رحمه اللّه و سيدنا الاستاذ الحجة رحمه اللّه.

اقول: و مع نسبة هذه الاجلاء الاصل إليه هل يكتفي بها لصحة الاستناد إليه او انه بعد عدم رواية الصدوق و ابن الوليد عنه و قول الثاني بان الأصل المنسوب إليه من الموضوعات يقال بعدم صحة الاستناد وجهان؟

اما الكلام فى المورد الثالث: [ان ما بايدينا من الاصل المنتسب إليه هل هو اصله أولا]

بعد فرض تسلّم الامر الاول و هو كون زيد النّرسى ثقة من الثقات و يحصل من روايته الاطمينان بالصدور و بعد فرض تسلم الامر الثاني و هو ان لزيد النّرسى اصل.

يقع الكلام في ان ما بايدينا من الاصل المنتسب إليه هل هو اصله أو لا يكون ما بايدينا اصله قد عرفت ان منشأ نسبة هذا بزيد النّرسى و دعوى انه اصله هو ما وجده العلامة المجلسي رحمه اللّه و كانت هذه النسخة على ما نقل كتبت في القرن الثالث من الهجرة و لا عين و لا اثر له بين الاصحاب الى زمان العلامة المجلسي و ان كان عند الشيخ حرّ العاملى رحمه اللّه نسخة اخذها منها.

فهل يمكن الاعتماد على هذه النسخة و يقال انها تكون اصل

زيد النّرسي أو لا.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 238

غاية ما يمكن ان يقال في تمامية الاستناد هو ان تاريخ كتابة هذه النسخة المنتسبة على ما فيها يكون القرن الثالث من الهجرة و ان بعض الاخبار المذكورة في هذه النسخة ذكر في بعض الكتب المعتبرة كالكافي مرويا عن زيد النّرسي و انه من البعيد جعل كتاب و تسميته باصل زيد النّرسي و جعل اخبار و وضعها و نقلها باسم زيد غاية البعد و لكن مع هذا لا يوجب كل ذلك حصول الوثوق و الاطمينان بكون الكتاب الذي كان عند العلامة المجلسى رحمه اللّه هو اصل زيد النّرسى.

نعم ينبغي الاحتياط في مسئلتنا و في كل حكم يكون مستنده هذا الكتاب فقط.

ثم انه يقال بانه على فرض تسليم الموارد الثلاثة المتقدمة اعني وثاقة زيد النّرسي و ان له اصل و ان هذا الاصل هو الذي كان عند العلامة المجلسى رحمه اللّه لا يمكن التعويل على هذه الرواية لضعفها باعراض الاصحاب عنه لعدم تعرض قدماء اصحابنا لها مع قرب زمانهم بزمان زيد و هذا اعراض عنهم منها فتصير ضعيفة.

و فيه ان مجرد عدم ذكر اصحابنا عن اصل زيد هذه الرواية التي يدعي انها منه لا يكون اعراضا لانك تقول بعدم ذكرهم عن اصل زيد فلا معنى لان يقال اعرضوا عنه لإمكان عدم وقوفهم إليه و مجرد ذلك ليس اعراضا نعم عدم تعرض قدماء اصحابنا لاصله لو كان دليلا او مؤيدا يكون دليلا او مؤيدا لعدم وجود الاصل او عدم وقوفهم بالاصل فعدم ذكر هذا الاصل في كلمات جلّ الاصحاب اما يكون لعدم اصل له او لعدم وقوفهم عليه و قد ذكرنا الكلام فيه في الامر

الثاني و الثالث من الموارد الثلاثة و ما ينبغى ان يقال.

الموضع الثاني: يقع الكلام في دلالة هذا الحديث

اعني الرواية المنسوبة باصل زيد النّرسي.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 239

فنقول بعونه تعالى ما يأتي بالنظر ان هذه الرواية مع قطع النظر عن الاشكال في سندها كما عرفت الكلام فيه يكون الظاهر عدم اشكال في دلالتها على حرمة العصير الزبيبي في الجملة و حليّته بذهاب الثلثين مع انها لا تخلوا عن الاجمال و مبدأ الحرمة و ان لم يكن مذكورا في صدر الرواية بانه بالغليان او غيره لكن يستفاد من ذيلها ان الحرمة تعرض العصير الزبيبى اذا وصلت الحلاوة بالماء من العصير او نش او غلى.

و حيث ان العمدة الاشكال في سند الرواية فلا اثر للتكلّم في الدلالة ازيد من ذلك.

هذا تمام الكلام في الامر الاول من الامرين المتمسك بهما على حرمة العصير الزبيبي و هو بعض الاخبار و قد عرفت عدم امكان الاستدلال به و عدم تمامية الامر الاول من الامرين المستدل بهما على حرمة العصير الزبيبى.

و منها رواية زيد النّرسى

التى رواها العلامة المجلسي قدس سره في اطعمة البحار عن النسخة الموجودة عنده و كان تاريخ النسخة سنة 374 و كانت بخط الشيخ منصور بن محسن الابى و ذكر انه كتبها من اصل محمد بن الحسن بن الحسين بن أيوب القمى الناقل له خط الشيخ الاجل المجوال هارون بن موسى التلعكبرى و تلك النّسخة كانت عند الشيخ حرّ العاملى و الرواية ما ننقله في الذيل.

«زيد النّرسى قال سئل ابو عبد اللّه عليه السّلام عن الزبيب يدق و يلقى في القدر ثم يصبّ عليه الماء و يوقد تحته فقال لا تاكله حتى يذهب الثلثان و يبقي الثلث فان النار قد اصابته قلت فالزبيب كما هو في القدر و يصبّ عليه الماء ثم يطبخ و

يصفى عنه الماء فقال كذلك هو سواء اذا ادت الحلاوة الى الماء فصار حلوا بمنزلة العصير ثمّ نشّ من غير ان تصيبه النّار فقد حرم و كذلك اذا اصابته النار فاغلاه فقد فسد» «2» و النقل بهذا النحو على ما قال سيدنا الاستاد الحجة قدس سره كان عن البحار و نقله في المستند و المستدرك و كذلك نقل الشيخ الشريعة قدس سره في افاضة الغدير و قال هذا مطابق للنسخ الصحيحة من اصل زيد النّرسي الموجودة بايدينا فمن نقل متن الحديث على غير هذا النحو لعله كان من النقل بالمعنى او كان للمسامحة في النقل، اذا عرفت الحديث نقول يقع الكلام فيه في موضعين:

الامر الثانى من الامرين الذين استدل بهما على الحرمة هو استصحاب الحرمة التعليقية

فيقال ان هذا كان سابقا اذا غلى يحرم و بعبارة اوضح كان هذا الذي يكون زبيبا فعلا اذا غلى سابقا في حال كونه عنبا يحرم فكذلك في الحال ببركة الاستصحاب.

و اورد على هذا الاستصحاب بايرادات بعضها بعض الايرادات الّتي اورد على استصحاب التعليقي من رأس و انه لا مجال للاستصحاب التعليقي اصلا.

مثل الاشكال بان التعليقية ان كانت السببية بمعني الغليان للحرمة او الملازمة الموجودة بين الغليان للحرمة فنقول أوّلا ليس هذا الاستصحاب تعليقيا بل هو الاستصحاب التّنجيزى لان المستصحب يكون امرا منجّزا و هو السببية او الملازمة و ثانيا لا تكون السببية المذكورة او الملازمة من المجعولات الشريعة كى يكون قابلا لوصول يد الشارع عليه اثباتا او نفيا فاذا قال الشارع لا تنقض اليقين بالشك

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 240

لا يشمل المورد.

و ان كان المستصحب الوجوب او الحرمة فبناء على مختار الشيخ الانصاري رحمه اللّه في واجب المشروط من كون القيد فيه قيدا للمادة و كون

الوجوب فعليا قبل حصول الشرط يمكن الاستصحاب.

و اما بناء على قول من يقول بان الشرط في الواجب المشروط راجع الى الهيئة فلا مجال للاستصحاب اعنى استصحاب الحرمة او الوجوب لعدم وجوب قبل تحقق الشرط في الواجب المشروط حتى يستصحب.

و مثل الاشكال بكون الاستصحاب المعلّق معارض مع الاستصحاب المنجزّ مثلا في المقام كما تستصحب الحرمة المعلقة كذلك تستصحب الحلية المنجزة قبل الغليان.

فنقول، ان هذا القسم من الاشكال يكون محل بحثه في الاصول عند التعرض لحجية الاستصحاب التعليقي و انّه حجة أم لا و تعرضنا له في محله و في المقام بعد الفراغ عن البحث الاصولي ينبغي التكلم في المقام في انه على فرض حجيته هل يكون فيما نحن فيه اشكال آخر في اجراء الاستصحاب التعليقي في المقام بالخصوص و لو لم نشكل في حجية هذا الاستصحاب أو لا.

فنقول بعد فرض حجية الاستصحاب التعليقي ربما يقال بعدم مجال لجريانه فيما نحن فيه لامرين:

الامر الاوّل: انه لا بدّ في الاستصحاب من بقاء الموضوع حتى تكون القضية المشكوكة متحدة مع القضية المتيقّنة و في المقام ليس كذلك بل تكون القضية المشكوكة غير القضيّة المتيقنة لان الموضوع المتقين هو العنب و موضوع القضية المشكوكة هو الزبيب و الزبيب غير العنب.

و اجيب عن هذا الاشكال بان الزبيب عنب بنظر العرف و لهذا يصح بنظرهم

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 241

ان يقال ان هذا لو غلى سابقا يحرم فكذا في الحال.

الامر الثاني: و هو العمدة ان موضوع حكم الحرمة كما عرفت عند البحث عن حرمة العصير العنبي اذا غلى بمقتضى الاخبار هو ماء العنب المسمى بالعصير فالمستفاد من الادلة هو حرمة ماء العنب اذا غلى فنقول لا يجرى

الاستصحاب التعليقي لعدم بقاء الموضوع لان الموضوع في السابق كان ماء العنب و في زمان الشك ليس ماء عنب في البين و الزبيب ليس ماء العنب عند العرف فلا مجال لجريان الاستصحاب التعليقي لاعتبار بقاء الموضوع في الاستصحاب.

فتلخّص مما مرّ عدم دليل على حرمة العصير الزبيبى نعم ينبغي الاحتياط بترك شربه اذا غلى الى ان يذهب ثلثاه.

***

[مسئلة 2: اذا صار العصير دبسا بعد الغليان]
اشارة

مسئلة 2: اذا صار العصير دبسا بعد الغليان قبل ان يذهب ثلثاه فالاحوط حرمته و ان كان لحليته وجه و على هذا فاذا استلزم ذهاب ثلثيه احتراقه فالاولى ان يصب عليه مقدار من الماء فاذا ذهب ثلثاه حلّ بلا اشكال.

(1)

اقول: قد عرفت ان المصرّح به في روايات الباب اعتبار ذهاب الثلثين في ذهاب الحرمة و طرو الحلية للعصير بعد حرمة شربه بالغليان و كذا رفع النجاسة عن العصير بناء على عروض النجاسة له بالغليان و طهارته بالتثليث.

و لكن قد يقال بحلية العصير المحرم شربه بالغليان بالنار اذا صار دبسا و لو لم يذهب ثلثاه كما حكى عن المقدس الاردبيلي قدس سرّه و ذكر الشهيد الثاني بنحو

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 242

الاحتمال في المسالك.

و على كل حال

ما يمكن ان يكون وجها لحلية العصير اذا صار دبسا امور:
الامر الاول: ما رواها عمر بن يزيد

«قال قال ابو عبد اللّه عليه السّلام اذا كان يخضب الاناء فاشربه» «1» و خضب الاناء عبارة عن القوام و السخانة و هو كناية عن صيرورته دبسا.

و اشكل على الرواية بان رواية معاوية بن وهب المذكورة فى هذا الباب المذكور فيها رواية عمر بن يزيد و هي ما نذكرها «معاوية بن وهب قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن البختج فقال اذا كان حلوا يخضب الاناء و قال صاحبه قد ذهب ثلثاه و بقي الثلث فاشربه» «2» تدل على اعتبار خضب الاناء و ذهاب ثلثيه.

و عن الشيخ الشريعة في مقام الرد عن هذا الاشكال ان رواية معاوية لا تعارض رواية عمر بن يزيد للزوم اخراج رواية معاوية عن ظاهرها بجعل الواو بمعنى «او» فتدل على كفاية احد الامرين اما خضب الاناء و اما ذهاب الثلثين او حمل الشرط الاخير على الاولوية بمعنى

اولوية ان يقول صاحبه قد ذهب ثلثاه او حمل الاول يعني «اذا كان حلوا يخضب الاناء» على الاولوية بمعنى انه مع اخبار ذي اليد بذهاب ثلثيه الاولى تحقق خضب الاناء و ذلك لان قول ذي اليدان كان مثبتا لما ادعاه فلا وجه لاشتراط اخباره بذهاب ثلثيه.

و قال سيدنا الحجة رحمه اللّه اشكالا على الشيخ الشريعة رحمه اللّه بان اعتبار الحلاوة و خضب الاناء كان لحصول الاطمينان.

اقول: اما ما افاده سيدنا الحجة رحمه اللّه فغير تمام لانه ان كان قول ذي اليد

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 7 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 7 من ابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 243

حجة من باب الاطمينان فلا يصح ما قاله لحصول الاطمينان من نفس قول ذي اليد و الا لا يؤخذ بقوله.

و اما ان كان حجة تعبدا فلا وجه لاعتبار امر زائد على اخباره و هو خضب الاناء و حصول الاطمينان بهذا الامر الزائد.

و اما ما قاله الشيخ الشريعة رحمه اللّه ففيه أوّلا ما قاله رحمه اللّه و هو ما حكى عن شيخ الطائفة رحمة اللّه و بعض آخر من احتمال كون خضب الاناء في رواية عمر بن يزيد من باب بيان الأمارة على ذهاب ثلثيه فلا تعارض بين هذه الرواية و ما دل على اعتبار ذهاب ثلثي العصير، بل قيل بانّه لا يمكن صيرورة العصير بمرحلة يخضب الاناء ان كان خضب الاناء عبارة عن صيرورته دبسا الّا بذهاب ثلثيه بل ادعى بعض فضلاء بحثنا ان العصير لا يصير دبسا غالبا الّا بذهاب، اكثر من ثلثيه. و لا يحتاج الى حمل «الواو» في رواية معاوية

على «او».

و ثانيا مقتضى اطلاق رواية عمر هو جواز الشرب اذا خضب الاناء سواء ذهب ثلثاه أم لا و مقتضى الاخبار المتقدمة في اصل مسئلة العصير هو انه يجوز الشرب اذا ذهب ثلثاه.

فنقول تارة يقال انّ خضب الاناء أمارة على تحقق ذهاب ثلثيه فلا تعارض بين رواية عمر و ساير الروايات و كذا رواية معاوية.

و تارة يقال ان خضب الاناء و صيرورته حلوا يحصل قبل ذهاب ثلثي العصير. فنقول لا يمكن الجمع بين رواية عمر، و الاخبار الدالة على اعتبار ذهاب ثلثيه الّا بان يقيد اطلاق رواية عمر بها، فيقال اذا كان حلوا يخضب الاناء يجوز شربه بشرط ذهاب ثلثين. و ان ابيت عن هذا الجمع فيقع بينهما التعارض لانّ مقتضى علية كل منهما لغوية عليّة الاخرى لانه ان كان خضب الاناء علة لرفع الحرمة فمع فرض كون تحققه قبل ذهاب ثلثي العصير فجعل ذهاب ثلثيه علة لرفع

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 244

الحرمة بصير لغوا لحصول الخضب دائما قبله، و ان كان ذهاب ثلثيه رافعا للحرمة فجعل الخضب رافعا يكون لغوا لانّ ذهاب ثلثيه لا يتحقق الّا بعد الخضب و لهذا يقع بينهما التعارض و بعد التعارض لا اشكال في عدم وجود المرجّح لرواية عمر بل الترجيح ان كان، يكون للروايات المعتبرة فيها ذهاب الثلثين و التّرجيح مع الرّوايات المتقدّمة لموافقتها مع الشّهرة الرّوائية و الفتوائية و ان لم يكن ترجيح في البين فتكون النتيجة تساقطهما فيرجع الى الاصل، و الاصل في المقام هو استصحاب الحرمة الثابتة للعصير بعد الغليان الى ان يذهب ثلثاه، فمع خضب الاناء و قبل ذهاب ثلثين لو شككنا في بقاء الحرمة و عدمه يكون مقتضى

الاستصحاب هو الحرمة الى ان يذهب ثلثاه.

الامر الثاني: اطلاقات الدالة على حلية الدبس

فهي تشمل المورد لانه دبس على الفرض.

و فيه انه على فرض تحقق اطلاق متعرض لهذا الحيث «و انّى لم اجد رواية متعرضة لذلك». نقول ان هذا الاطلاق مقيد بما دل من الروايات على ان العصير اذا غلى بالنار يحرم و لا يحل الّا بعد ذهاب ثلثه، لأنّ الدبس لا يحصل الّا من العصير المغليّ بالنار بالكيفية المخصوصة و مورد الروايات المتعرضة لحلية العصير بذهاب ثلثيه هو ما غلى بالنار، فلو كان دليل يفيد حلية الدبس مطلقا لا بدّ من تقييده بصورة ذهاب ثلثي العصير.

الامر الثالث: دعوى انصراف الادلة الدالة على حلية العصير بذهاب ثلثيه

عن صورة صيرورته دبسا قبل ان يذهب ثلثاه.

و فيه ان ذلك دعوى لا دليل له و لم اجد وجها للانصراف.

الامر الرابع: انه صار طاهرا بالانقلاب لانقلابه دبسا

و فيه انه لا دليل على مطهرية انقلاب العصير بصيرورته دبسا و لكن بانقلابه خلًّا يصير طاهرا و حلالا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 245

للدليل ثم انه نقول بعد عدم الدليل على الحلية قبل ان يذهب ثلثاه و ان صار دبسا يكفي لبقاء الحرمة الاستصحاب لانه اذا شككنا في ان ما صار دبسا قبل ذهاب ثلثيه هل يحلّ شربه أم لا، نستصحب الحرمة.

***

[مسئلة 3: يجوز اكل الزبيب و الكشمش و التمر في الأمراق]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: يجوز اكل الزبيب و الكشمش و التمر في الامراق و الطبيخ و ان غلت فيجوز اكلها باىّ كيفيّة كانت على الاقوى.

(1)

اقول: امّا بناء على القول بعدم نجاسة العصير الزبيبى و التمرى و عدم حرمتهما، فواضح و امّا بناء على القول بنجاستهما او حرمتهما فقيل بانه لا وجه للطهارة او الحلية و لو بعد ذهاب ثلثيه لعدم الدليل عليه الا بان يكون قليلا بمقدار يستهلك في المرق و لا يصدق عليه العصير.

و مع ذلك الحكم بطهارتها على القول بنجاستها بالغليان و كذا القول بحليتها على القول بحرمتها بالغليان مشكل.

***

[العاشر: الفقّاع]
اشارة

قوله رحمه اللّه

العاشر: الفقّاع و هو شراب متخذ من الشعير على وجه مخصوص و يقال ان فيه سكرا خفيا و اذا كان متخذا من غير

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 246

الشعير فلا حرمة و لا نجاسة الّا اذا كان مسكرا.

(1)

اقول، اما نجاسة الفقاع من حيث الفتوى فالشهرة قائمة عليها بل الاجماع على المحكى عن جماعة و نجاسته من متفردات الامامية على ما قال سيد المرتضى قدس سرّه في الاطعمة من الانتصار.

و ما يمكن ان يستدل به على نجاسته مع قطع النظر على الشهرة امور:
الامر الاوّل: ان الفقاع من المسكرات المائعة بالاصالة

و قد عرفت نجاستها و مقضى اطلاق دليل نجاستها هو نجاسة الفقاع لان الاطلاق يشمل الفقاع أيضا.

و استشكل في كونه مسكرا بانه لا يوجب السكر و قيل جوابا عن الاشكال بانه مسكر و لكن يكون سكره خفيّا و لعل التعبير في بعض الروايات في باب الفقاع بان الفقاع «خمر استصغره الناس» يكون من ذلك الباب اعني خفاء سكره.

و على كل حال على تقدير كونه مسكرا يكفي في نجاسته ما مضى من نجاسة كل مسكر.

الامر الثاني: بعض الروايات المعتبر فيه بان الفقاع «خمر»

او هو «الخمر» او هي الخمر بعينها» او خمر مجهول» او هذه الخمرة» و الاخبار بهذه العبارات كثيرة «1» و كذا بعض الاخبار المتعرض فيه بان الخمر يؤخذ من خمسة اشياء و عدّ واحدة منها ما يؤخذ من «الشعير» «2» فيقال بعد التعبير بكونه خمر او هو الخمر بعينها او خمر مجهول و غير ذلك لا بدّ من ترتيب احكام الخمر عليه من الحرمة و النجاسة و اقامة

______________________________

(1) راجع الباب 27 من الابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

(2) راجع الباب 2 من الابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 247

الحدّ على شاربه كما وقع التصريح باقامة الحدّ عليه في بعض الروايات.

اقول و يمكن الاشكال بالتمسك بمثل هذه الاخبار على نجاسة الفقاع من باب انه بعد عدم كون الفقاع خمرا حقيقة يكون الحمل اى حمل الخمر عليه حملا تنزيليا يعني انه بمنزلة الخمر و بعد كون الحمل تنزيلا لا بدّ من ملاحظة وجه شبه اظهر من غيره فيقال ان حمل الخمرية عليه يكون بمناسبة شباهة ظاهرة او اثر ظاهر في الخمر يكون التنزيل بمناسبته و اذا بلغ الامر الى هنا فنقول ان الشباهة الظاهرة و الاثر

الظاهر الذي نزّل الشارع الفقاع بمنزلة الخمر هو الحرمة كما يستفاد ذلك اى حرمته من بعض الاخبار فيحمل التنزيل على ذلك و يقال ان التعبير بان الفقاع خمر يكون باعتبار كونه مثل الخمر و بمنزلته في الحرمة.

و فيه ان الاخبار التي فيها التعبير بانه خمر ان كانت قابلة للحمل على ذلك لكن ما ورد في بعض الروايات من انه يؤخذ الخمر من اشياء و من جملتها الشعير يدلّ على ان الفقاع خمر حقيقة لان الفقاع يؤخذ من الشعير.

و ان قيل بأنه يأخذ من غير الشعير أيضا.

نقول بان ما يؤخذ من الشعير فهو خمر لدلالة بعض الاخبار عليه «1» فيتم الاستدلال للنجاسة بهذا القسم من الاخبار لانه نجس بعد كونه قسما من الخمر بناء على ان الخمر الماخوذ من الشعير يكون هو الفقاع و لا يؤخذ منه خمر آخر.

و الّا يمكن المناقشة في دلالة هذا البعض من الاخبار لان هذا القسم من الاخبار لا تدل الّا على اخذ خمر من الشعير و اما كون الماخوذ هو الفقاع المتعارف فغير معلوم.

______________________________

(1) راجع الباب 1 من الابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 248

الامر الثالث: ما رواها هشام بن الحكم

انه سأل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الفقاع فقال لا تشربه فانّه خمر مجهول و اذا اصاب ثوبك فاغسله «1» و لا اشكال في دلالتها على نجاسة الفقاع لانه قال عليه السّلام «و اذا اصاب ثوبك فاغسله» بل تدل على نجاسة الخمر أيضا.

و مقتضى هذه الرواية نجاسة الفقاع و لو لم يكن مسكرا لانه امر عليه السّلام بغسل الثوب اذا اصابه الفقاع هذا بالنسبة الى نجاسة الفقاع.

و اما الكلام في بيان حقيقة الفقاع و موضوعه فهو على

ما ترى قال السيد رحمه اللّه هو «شراب متخذ من الشعير على وجه مخصوص» و قال انه ان كان متخذا من غير الشعير فلا حرمة و لا نجاسة الّا اذا كان مسكرا.

اعلم ان هنا كلاما في ان الفقاع هو خصوص شراب متخذ من الشعير كما عن مجمع البحرين.

او هو اعم مما يتخذ منه و من الزبيب و الرمان و الدّبس و يسمّون الجميع فقاعا كما حكى عن سؤال المهنّأ بن سنان.

و موضوع الفقاع غير مذكور فيما بايدينا من الاخبار المربوطة بالمقام و لم يكن في البين الّا قول اهل اللغة و بعضهم قال بان الفقاع هو الشراب المتّخذ من الشعير و بعضهم قال بانه الاعم من ذلك فاذا كان الامر كذلك يكون الشراب المتخذ من الشعير هو القدر المتيقن من الفقاع و يحكم بنجاسته و حرمة شربه.

و اما المتّخذ من غير الشعير فان كان مسكرا هو نجس و يحرم شربه لنجاسة كل مسكر مائع بالاصالة و يحرم شربه.

______________________________

(1) الرواية 9 من الباب 27 من الابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 249

و اما اذا لم يكن متخذا من الشعير و لم يكن مسكرا فنقول بانه بعد كون موضوع حكم النجاسة و الحرمة و هو الفقاع امره دائر بين الاقل و الاكثر فبالنسبة الى الاقل و هو المتخذ من الشعير لا اشكال في شمول حكم العام او المطلق له فهو محكوم بمقتضى الدليل بالحرمة و النجاسة و اما الاكثر فشمول الدليل له غير معلوم فالمرجع مع الشك و عدم وجود الدليل اللفظي يكون الاصل العملي فيحكم بطهارته لاصالة الطهارة و بحليّة شربه لاصالة الحلية.

هذا كله بناء على كون الفقاع الواقع

في لسان الدليل الدالة على نجاسة الفقاع او حرمته كان امره دائرا بين الاقل و الاكثر و بعبارة اخرى يكون الشّك بين كون الاقل و هو المتخذ من الشعير و بين الاكثر و هو كون المراد من الفقاع المذكور في لسان الدليل هو اعم مما يؤخذ من الشعير و غيره فعلى هذا الفرض قلنا من ان المتقين هو الاقل و الاكثر يكون مشكوكا و قلنا ما عرفت.

و لكن يمكن ان يقال بان المراد من الفقاع المذكور في لسان الاخبار هو خصوص الشراب المتخذ من الشعير لا غيره لما في الروايات من ان الشعير من جملة الاشياء التي يؤخذ منه الخمر. «1»

فنقول بعد كون الفقاع الذي يكون شربه حراما و يكون نجسا هو ما يؤخذ من الشعير فليس المورد من قبيل دوران العام او المطلق بين الاقل و الاكثر.

ففي ما يقال من اخذ الفقاع من غير الشعير لو فرض وقوعه نقول ان كان مسكرا فحرام شربه و يكون نجسا.

و ما لا يكون مسكرا فمع عدم الدليل اللفظي على حرمته و لا نجاسته نقول

______________________________

(1) راجع الباب 1 من الابواب الاشربة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 250

بعدم حرمة شربه و بعبارة اخرى بحليّة شربه باصالة الحلية و نقول بطهارته باصالة الطهارة.

***

[مسئلة 1: ماء الشعير الذي يستعمله الاطباء في معالجاتهم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: ماء الشعير الذي يستعمله الاطباء في معالجاتهم ليس من الفقاع فهو طاهر حلال.

(1)

اقول: و وجهه واضح لان الفقاع شراب يتخذ من الشعير بنحو خاص و كيفية خاصة و ماء الشعير لا يؤخذ بهذا النحو الخاص فدليل حرمة شرب الفقاع و نجاسته لا يشمل ماء الشعير فهو طاهر حلال شربه و لو شك في نجاسته او حرمته

فالاصل هو طهارته و حليّته.

***

[الحادي عشر: عرق الجنب من الحرام]
اشارة

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 2، ص: 250

قوله رحمه اللّه

الحادي عشر: عرق الجنب من الحرام سواء خرج حين الجماع او بعده من الرجل او المرأة سواء كان من زنا او غيره كوطي البهيمة او الاستمناء. او نحوهما مما حرمته ذاتية بل الاقوى ذلك فى وطى الحائض و الجماع في يوم الصوم الواجب المعيّن او فى الظهار قبل التكفير.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 251

(1)

اقول: اما

الكلام في نجاسة عرق الجنب من الحرام و عدمها
اشارة

فقد ادعى ان المشهور عند قدماء اصحابنا رضوان اللّه تعالى عليهم هو نجاسته بل عن الخلاف دعوى الاجماع عليه و وافقهم جمع من المتاخرين.

و لكن كما يرى المراجع في كلام المراجع و في كلام القدماء يكون ظاهر كلام بعضهم هو عدم جواز الصّلاة فيه كما هو ظاهر الاخبار التي نذكرها إن شاء اللّه و لم يصرح فيها بنجاسته.

و في قبال ذلك ذهب جمع من اصحابنا الى القول بطهارته كما عن الحلّي و الفاضلين و جماعة من المتاخرين قدس اللّه اسرارهم بل قيل عليه جمهورهم بل حكي عن الحلى الاجماع على طهارته مدّعيا ان من اختار نجاسته في كتاب رجع عنه في كتابه الاخر هذا بالنسبة الى وضع الفتوى في المسألة.

و اما الاخبار المربوطة بما نحن فيه
اشارة

ارويها «غير رواية فقه الرضا» عن كتاب جامع احاديث الشيعة الّذي الّف تحت اشراف سيدنا الاعظم المرجع الاعلى في عصره فقيه الاسلام آية اللّه العظمى الحاج آغا حسين البروجردي قدس سره و بذل جهده و لطفه و شئونه و مساعيه الجميلة.

الرواية الاولى: مرسلة الشهيد رحمه اللّه في الذكري

روي محمد بن همام باسناده الى ادريس بن يزداد الكفرثوثى انه كان يقول بالوقف. فدخل بسر من راى في عهد ابي الحسن عليه السّلام و اراد ان يسأله عن الثوب الذي يعرق فيه الجنب أ يصلي فيه فبينما هو قائم في طاق باب لانتظاره عليه السّلام اذ حرّكه ابو الحسن عليه السّلام بمقرعة و قال مبتدئا ان كان من حلال فصلّ فيه و ان كان من حرام فلا تصلّ فيه «1» اثبات

______________________________

(1) الرواية 19 من الباب 14 من ابواب النجاسات من جامع الاحاديث الشيعة.

الوسائل ج 2 الباب 27 من ابواب النجاسات ح 12 لكن ذكر ادريس بن داود (برزاخ ل).

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 252

الوصية صفحه 179 عن احمد بن محمد بن مابنداذ الكاتب الاسكافي قال تقلّدت ديار ربيعة و ديار مضر «و ذكر كيفيّة ورود ادريس بن- زياد- كذا- عليه الى ان قال» فسألته بعد مقامه عندنا اياما ان يهب لى زورة الى سر من راى لينظر الى ابي الحسن عليه السّلام و ينصرف (و ذكر كيفية دخوله على ابى الحسن عليه السّلام ثم ذكر نحو ما ذكر في الذكري».

الرواية الثانية: المناقب 452 ج 2 نقلا من كتاب المعتمد في الاصول

قال على بن مهزيار «في حديث وروده على ابى الحسن صاحب العسكر عليه السّلام) ثم قلت اريد ان اسأله عن الجنب اذا عرق في الثوب فقلت في نفسى ان كشف وجهه فهو الامام فلمّا قرب منّى كشف وجهه ثم قال ان كان عرق الجنب في الثوب و جنابته من حرام لا يجوز الصّلاة فيه و ان كان جنابته من حلال فلا بأس فلم يبقى في نفسى بعد ذلك شبهة». «1»

الرواية الثالثة: البحار صفحه 27 ج 18 بعد نقل حديث المناقب

قال وجدت في كتاب عتيق من مؤلفات قدماء اصحابنا اظنّه مجموع الدعوات لمحمد بن هارون بن موسى التلعكبري رواه عن ابى الفتح غازى بن محمد الطرائفي عن على بن عبد اللّه الميمونى عن محمد بن على بن المعمر عن على بن يقطين بن موسى الاهوازى عنه عليه السّلام مثله و قال ان كان من حلال فالصلاة في الثوب حلال و ان كان من حرام فالصلاة في الثوب حرام». «2»

الرواية الرابعة: الفقه الرضوي

ان عرقت في ثوبك و انت جنب و كانت الجنابة من حلال؛ فتجوز الصّلاة فيه و ان كان حراما فلا تجوز الصّلاة فيه حتى بغسل) هذا هو تمام الروايات المستدلة بها على نجاسة الجنب من الحرام.

______________________________

(1) جامع الاحاديث، ج 2، ص 119.

(2) جامع الاحاديث، ج 2، ص 120.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 253

ثم انه يقع الكلام في موضعين: الموضع الاول في سند الاخبار الموضع الثاني في دلالتها.

اما الكلام في الموضع الاول [سند الروايات]

فنقول لا اشكال في ضعف سند الروايات المذكورة في حدّ ذاتها.

مضافا الى بعد وجود قضايا متعددة اعني سؤال اشخاص متعددة عن موضوع واحد بكيفية واحدة لان في كلها غير رواية فقه الرضا يكون نظر السائل في السؤال ما اراد في نفسه فاجاب الامام عليه السّلام.

و قيل بان ضعف سندها منجبر بعمل الاصحاب لان قدماء اصحابنا عملوا على طبقه و افتوا به.

و فيه ان مجرد مطابقة الفتوى مع الخبر لا يوجب جبر ضعف السند لان منشأ كون عمل المشهور جابرا هو استنادهم الى الخبر فيقال مع كون سنده ضعيفا في حدّ ذاته نكشف من استناد المشهور إليه كونهم واقفين على ما اوجب اعتمادهم بالخبر و ان لم يصل إلينا و اما اذا لم يقف المشهور بالخبر راسا و الشاهد عدم ذكر عنه في كتبهم كيف نقول بجبر ضعف السند بالشهرة فلهذا لا يكون فتوى المشهور جابرا لضعف سند الاخبار لان مطابقة فتوى المشهور مع مفاد الخبر بدون الاستناد إليه لا يكون جابرا خصوصا مع ما يظهر من الشيخ رحمه اللّه في التهذيب «1» من كون استنادهم الى رواية اخرى حيث قال «لا بأس بعرق الحائض و الجنب و لا يجب غسل الثوب منه الّا ان

يكون الجنابة من حرام فتغسل ما اصابه من عرق صاحبهما من جسد و ثوب و يعمل في الطهارة بالاحتياط» الى ان قال «2» «فاما ما يدل على ان الجنابة من حرام فانه يغسل الثوب منها احتياطا فهو ما اخبرني به الشيخ ايده اللّه عن احمد بن

______________________________

(1) التهذيب، ج 1، ص 268.

(2) التهذيب، ج 1، ص 271.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 254

محمد عن ابيه عن سعيد بن عبد اللّه عن احمد بن محمد عن الحسن بن محبوب عن ابان بن عثمان عن محمد الحلبي قال قلت لابي «1» عبد اللّه عليه السّلام رجل اجنب في ثوبه و ليس معه ثوب غيره قال يصلي فيه و اذا وجد الماء غسله (لا يجوز ان يكون المراد بهذا الخبر الّا من عرق في الثوب من جنابة اذا كانت من حرام لانا قد بيّنا ان نفس الجنابة لا يتعدى الى الثوب و ذكرنا أيضا ان عرق الجنب لا ينجس الثوب فلم يبق معني يحمل عليه الخبر إلا عرق الجنابة من حرام فحملناه عليه». «2»

اقول و من الواضح ان الرواية لا تدل على نجاسة عرق الجنب من الحرام بل الظاهر ان ثوبه صار نجسا بالمنى فقال صل فيه حيث لا ثوب له غيره ثم بعد ذلك اغسله فافهم.

نعم ان قلنا بكفاية مطابقة فتوى المشهور مع مفاد الخبر لجبر الضّعف يصحّ ان يقال بانّ ضعف سند هذه الاخبار يجبر بعمل الاصحاب.

نعم هنا كلام آخر و هو انّ نفس كون الحكم مشهورا عند قدماء اصحابنا رضوان اللّه تعالى عليهم ربما يوجب ان يقال بان الاحوط ترك الصّلاة في عرق الجنب من الحرام كما كان هذا مختار سيدنا الاعظم

آية اللّه البروجردي رحمه اللّه بل يكون حجة في بعض الموارد و دليلا على حكم اللّه و هو فيما نرى منهم الإفتاء بحكم و لم نجد نصا عليه و نعلم انهم لا يفتون بشي ء الّا بعد وجود نص عليه من احد المعصومين عليهم السّلام مع كونهم في فتواهم مقتصرين بالنص و لم يتعدوا عن هذه الطريقة و انّهم من جهة قربهم بزمانهم عليهم السّلام ربما وقفوا بنص او نصوص لم يصل إلينا مع كون بنائهم في مقام ذكر الفتوى الاقتصار على متن الروايات كما يرى من الصدوقين و الشيخ في بعض كتبه.

______________________________

(1) الرواية 11 من الباب 27 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) التهذيب، ج 1، ص 271.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 255

و هذا كله في اصل مسئلة الشهرة عند القدماء في الجملة و لكن في تحقق الشهرة في ما نحن فيه اشكال لان الشيخ رحمه اللّه و ان قال في النهاية بعدم حلية الصّلاة فيه و لكن عبارته في التهذيب «1» كما عرفت يكون من باب الاحتياط و في موضع من المبسوط و ان قال بذلك لكن قال في موضع آخر على ما حكى عنه يكون النهي تغليظ في الكراهة و هذا عبارته المحكية لان المبسوط لم يكن عندي فعلا «قال في المبسوط في باب تطهير الثياب و ان كانت الجنابة من حرام وجب غسل ما عرق فيه على ما رواه بعض اصحابنا انتهى» و قال في باب حكم الثوب و البدن الخ فان عرق فيه «اى الثوب» و كانت الجنابة من حرام روي صحابنا انه لا يجوز الصّلاة فيه و ان كان من حلال لم يكن به بأس و يقوى

ان ذلك تغليظ في الكراهة دون فساد الصلاة انتهى».

و المفيد رحمه اللّه ففي المقنعة قال بذلك على سبيل الاحتياط.

و على ما حكي انّ الحلّي عدل عن ذلك و قال بالطهارة فلم يبق القائل الّا الصدوقين و ابن البرّاج على ما حكي عنه فلم تبق شهرة فتوائية على الحكم بالنجاسة.

و اما الكلام في الموضع الثاني اعني مقام دلالة الاخبار

فنقول بعونه تعالى انه يقع الكلام في انه بعد ما تري ان مفاد الروايات على فرض صحة سندها و وجود مقتضى الحجيّة فيها ليس الّا النهي عن الصّلاة في عرق الجنب من الحرام و هل يستكشف عن النهي في الصّلاة في ثوب فيه عرق الجنب من الحرام نجاسة عرقه كما اذا قال مثلا لا تصل في الدم او اعد الصّلاة لانه لا منشأ للنهي عن الصّلاة فيه الّا النجاسة كما اختاره جمع.

______________________________

(1) التهذيب، ج 1، ص 271.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 256

او يقال بان غاية ما يستفاد من الاخبار هو حرمة الصّلاة فيه و اما نجاسته فلا يستفاد منه و لا يمكن الاستناد في النجاسة الى الشهرة لان المراجع في كلمات القدماء يري ان فتوى بعضهم ليس الّا حرمة الصّلاة مثل مفاد الاخبار فالشّهرة ليست الّا على تحريم الصّلاة و اما الشهرة على النجاسة فغير معلوم اقول كما عرفت تكون الشهرة عند القدماء غير معلوم.

و على تقدير وجود الشهرة فالشهرة ليست الاعلى عدم جواز الصّلاة في عرق الجنب من الحرام لان العمدة في المقام هو كلام الصدوقين و السيد قدس سرهم و هم يقولون بحرمة الصّلاة ففتواهم عين مفاد الاخبار المتقدم فلا نعلم بكون فتواهم على عدم جواز الصّلاة فيه فقط او نجاسة العرق الجنب من الحرام أيضا كما لا نعلم مفاد

الاخبار فلهذا كلما يستفاد من الاخبار لا بد من الاخذ به بناء على عدم اشكال في سندها.

و اعلم ان الاخبار المتقدمة متعرضة لحرمة الصّلاة لا فيها ان كان عرق الجنب من الحرام لا يصلي فيه فقد يقال بانه لا وجه لحرمة الصّلاة فيه الّا نجاسته فكما ان قوله مثلا اغسل ثوبك من ابوال ما لا يؤكل لحمه يدلّ على نجاسة البول و الحال ان الامر لا يكون الّا بالغسل كذلك لو قال ان كان من حرام فلا تصل فيه يفيد النجاسة لانه لا معنى للنهي عن الصّلاة الّا نجاسته كما لا معنى للأمر بغسل المتلوّث بالبول الّا نجاسته.

و فيه أوّلا، ان الموارد مختلفة ففي بعضها نفهم بالفهم العرفى الملازمة مثل قوله اغسل ثوبك من ابواب ما لا يؤكل لحمه فان الغسل و وجوبه لا معنى له الّا لاجل القذارة الحاصلة في الثوب و هو النجاسة. و لكن في المورد لم نفهم هذه الملازمة اذ من المحتمل عدم جواز الصّلاة فيه لاجل خصوصية فيه غير النجاسة مثل النهي عن الصلاة في غير المأكول فهل قلت بانه نكشف من ذلك نجاسة غير المأكول و

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 257

لو شككنا في النجاسة فالاصل هو الطهارة.

و ثانيا: لسان بعض الاخبار الواردة في طهارة عرق الجنب يكون مطلقا ينافي مع مدلول هذه الاخبار.

ان قلت ان ما دل من الاخبار على طهارة عرق الجنب مطلق و هذه الاخبار مقيد فيقيّد بها إطلاقها و تكون النتيجة التفصيل بين عرق الجنب من الحلال و بين عرق الجنب من الحرام، بالطهارة في الاوّل و النجاسة في الثاني.

قلت بعض اخبارها و ان كان مطلقا و لم نقل بان المطلقات

التي تكون في مقام البيان غير قابل للتقييد لكن في بعضها خصوصية ينافي التقييد مثل ما روي زيد بن على عن ابيه عن جده عن على عليهم السّلام «قال سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و سلم عن الجنب و الحائض يعرقان في الثوب حتى يلصق عليهما فقال ان الحيض و الجنابة حيث جعلهما اللّه عز و جل ليس في العرق فلا يغسلان ثوبهما» «1».

فانها تدل على ان العرق لا ينجس و لا يؤثر فيه الجناية و هذا ينافي مع ما دل على عدم جواز الصّلاة في عرق الجنب من الحرام و انه يؤثر فيه الجناية فالجمع بينهما لا يمكن بالإطلاق و التقييد.

فلا بد امّا من الجمع بينهما بحمل ما دل على النهي عن الصّلاة في العرق ان كان من الحرام على الكراهة كما احتمله العلامة الهمداني- رحمه اللّه- و هذا لا يمكن في المقام لانه ان كان لسان ما دل على عدم جواز الصّلاة في عرق الجنب من الحرام بصورة النهي فقط كان لهذا الحمل مجال فيقال بحمل النهي على الكراهة و لكن لسان بعض هذه الطائفة من الاخبار هو حلية الصّلاة ان كان الجنابة من الحلال و حرمة الصلاة ان كان من الحرام كما في ما رواها في البحار انّه وجدها في كتاب عتيق، و امّا

______________________________

(1) الرواية 9 من الباب 27، من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 258

ان يقال بعد كون مفاد رواية زيد عدم تاثير الجنابة في العرق و ظاهر ما دل على النهي عن الصّلاة في عرق الجنب من الحرام على عدم جواز الصلاة فيه بانه يحمل هذه الطائفة على عدم

جواز الصّلاة فيه لا النجاسة كما هو ظاهره فيبقى نفى ظهور كل من الطائفتين بحاله.

و امّا ان يقال بانه بعد عدم امكان الجمع بينهما بالإطلاق و التقييد و لا على حمل ما دل على النهي عن الصّلاة على الكراهة و لا على حمل هذه الطائفة على ظاهرها من عدم جواز الصّلاة فقط لا النجاسة و قلنا بحجية كل من الطائفتين من الاخبار بانه يقع التعارض بينهما و بعد وقوع التعارض لا بد من الاخذ بما فيه الترجيح ان كان مرجح لاحدهما و الا ينتهي الامر بالتساقط و التخيير.

فنقول ان اوّل المرجحات الشهرة، فان كانت الشهرة المرجحة هي الفتوائية فهي على فرض كونها موافقة لما دلّ على عدم جواز الصّلاة في عرق الجنب من الحرام.

نقول كما عرفت حيث تكون هذه الشهرة المدعاة على خصوص عدم جواز الصلاة و ليست شهرة فتوائية قائمة على نجاسته و ظاهر الاخبار لا يدل الّا على ذلك لا على النجاسة فالروايات مع ضم الشهرة الفتوائية لا تدل الا على عدم جواز الصلاة و اما على نجاسة عرق الجنب من الحرام فلا فيكون المتيقّن عدم جواز الصلاة و اما نجاسته فلا يدل عليه و ظهور الطائفة الدالة على طهارة عرق الجنب مطلقا باق بحاله و ليس له معارض.

و ان كانت الشهرة المرجّحة الشهرة الروائى فالترجيح مع ما دل على طهارة عرق الجنب مطلقا فلا بد من الاخذ بها و طرح ما دل على عدم جواز الصّلاة في عرق الجنب من الحرام، لكن مع هذا لا يجوز الصّلاة فيه بناء على حجية ما دل على النهي عن الصّلاة فيه لعدم معارض له من هذا الحيث.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 259

فتلخص ان الاقوى هو طهارة عرق الجنب عن الحرام لعدم الدليل على النجاسة كما مر بيانه و على فرض تمامية الدليل اعني الشهرة او النص و هو الاخبار المتقدمة ذكرها فلا يستفاد منه إلا عدم جواز الصّلاة فيه لا النجاسة، لمّا مرّ.

و اما التمسك على نجاسة عرقه لبعض ما ورد في غسالة ماء الحمام مثل ما رواها «محمد بن على بن جعفر عن ابى الحسن الرضا عليه السّلام «في حديث قال من اغتسل من الماء الذي قد اغتسل فيه فاصابه الجذام فلا يلومنّ الا نفسه فقلت لابى الحسن عليه السّلام ان اهل المدينة يقولون انّ فيه شفاء من العين فقال كذبوا يغتسل فيه الجنب من الحرام و الزاني و الناصب الذي هو شرهما و كل من خلق اللّه ثم يكون فيه شفاء من العين الحديث». «1» فغير مفيد لانّ هذا القسم من الروايات على تقدير دلالته على النجاسة يدل على نجاسة بدن الجنب لا عرقه فافهم.

تتمة بعد ما عرفت عدم حجية بعض الروايات الدالة على عدم جواز في عرق الجنب عن الحرام في حدّ ذاته و عرفت عدم تحقق شهرة فتوائيه حتى على عدم جواز الصّلاة حتى تكون جابرة لضعف سندها بل عرفت عن كلام الشيخ رحمه اللّه ان السند عنده على النجاسة غير هذه الاخبار فلا يمكن الاستناد لا على نجاسة عرق الجنب عن الحرام بل و لا على عدم جواز الصّلاة فيه.

نعم ينبغي الاحتياط بالنسبة الى النجاسة لان الموجود من الرواية و الشهرة المدعاة ليس قائما الّا على عدم جواز الصّلاة لا على نجاسة عرقه و يجب الاحتياط بالنسبة الى خصوص الصّلاة و انه يترك الصّلاة فيه احتياطا وجوبيا للشهرة المدعاة على ذلك

و لا يستفاد من هذه الروايات متيقنا، فافهم هذا بالنسبة الى اصل المسألة و اما الكلام في بعض خصوصياته فقال المؤلف رحمه اللّه.

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 11 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 260

«سواء خرج حين الجماع او بعده من الرجل او المرأة سواء كان من زنا او غيره كوطى البهيمة او الاستمناء او نحو خما مما حرمته ذاتية».

اقول كل ذلك لاطلاق الدليل على فرض تماميّته. قال (بل الاقوى ذلك في و طى الحائض و الجماع في يوم الصوم الواجب المعيّن او في الظهار قبل التكفير).

منشأ الاشكال في شمول الاخبار له على ما قيل هو دعوى كون ظاهر الدليل كون الجنب من حرام من جهة الفاعل او القابل و اما الحرمة من جهة الفعل بمعنى كون الفعل اعني الوطي حراما فلا يشمله الدليل.

و فيه مع انه يمكن ان يقال بانه في كل الموارد يكون الفعل حراما و لهذا يحرم على الفاعل او القابل اذا ففى كلها يصدق ان الفاعل و القابل اجنب من الحرام فيشمله اطلاق الدليل.

***

[مسئلة 1: العرق الخارج منه حال الاغتسال]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: العرق الخارج منه حال الاغتسال قبل تمامه نجس و على هذا فليغتسل في الماء البارد و ان لم يتمكن فليرتمس في الماء الحار و ينوي الغسل حال الخروج او يحرّك بدنه تحت الماء بقصد الغسل.

(1)

اقول: وجوب اغتسال الجنب من الحرام في الماء البارد و عدم كفاية غسله في الماء الحار مبنى على نجاسة عرقه و خروج عرقه بمجرد خروجه عن الماء اذا كان الماء حارّا و عدم كفاية اغتساله في الماء الحار حال التمكن من الاغتسال في الماء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2،

ص: 261

البارد بالنحو المذكور يعني حال الخروج من الماء او بحركته تحت الماء بنيّة الغسل و كل ذلك محل الاشكال.

اما وجوب الاغتسال مع التمكن في الماء البارد من باب انّ عرقه نجس و اذا اغتسل في الماء الحارّ يخرج عرقه و هو نجس فنقول.

أوّلا بعدم نجاسة عرقه كما عرفت.

و ثانيا على فرض نجاسة عرقه نقول ان حصول العرق دائما مع اغتساله في الماء الحارّ بمجرد خروجه عن الماء الحار غير معلوم بل كثيرا ما يكون معلوم العدم.

و لو شك في خروج العرق منه بمجرد الخروج عن الماء الحارّ يستصحب طهارة بدنه.

و اما ما قال من انه لو لم يتمكّن من الاغتسال في الماء البارد فيغتسل في الماء الحار بالكيفيتين اما ينوي الغسل حال الخروج من الماء الحار أو يحرّك بدنه تحت الماء بنية الغسل و الظاهر من كلامه عدم كفاية هاتين الكيفيتين مع التمكن من الاغتسال بالماء البارد فنقول بانه لو اكتفي بالكيفيتين المذكورتين بعد تحقق الارتماس في الماء بنيّة الغسل حال الخروج او بالحركة تحت الماء بنية الغسل فلا فرق بين حال الاضطرار و الاختيار فما قال المؤلف المعظم من كفاية ذلك حال الاضطرار و عدم التمكن من الغسل في الماء البارد لا وجه له بل يكفي الغسل في الماء الحار بإحدى الكيفيتين حتى في صورة التمكن من الغسل في الماء البارد و اغتساله في الحار.

اذا عرفت ذلك نقول بعد فرض نجاسة عرق الجنب من الحرام فعرقه نجس قبل تمام الغسل و لكن لا يوجب الخروج عن الماء الحار مطلقا لان يعرق فلو خرج من الماء و ارتمس في الماء بعد فصل لا يعرق غالبا ان لم نقل دائما فيمكن له بعد غسل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 262

بدنه الغسل الترتيبي و الارتماسى كليهما اما في الماء البارد فلا اشكال في صحة غسله سواء يكون غسله ارتماسيا او ترتيبيّا و اما في الماء الحارّ فمع عدم عرقه بخروجه عن الماء او مع الشك في خروج العرق منه بعد طهارة بدنه يصحّ منه الغسل بكلا نحويه و اما مع اليقين بعرقه بسبب خروجه عن الماء فمع كفاية تحريك البدن تحت الماء مع نية الغسل ثلاث مرات مرة بنية الرأس و مرة بنية طرف اليمين و مرة بنية طرف اليسار فيصح منه الغسل الترتيبي و اما الغسل الارتماسي فيشكل صحّته منه تحت الماء بكلا نحوي الذي ذكر المؤلف رحمه اللّه لا بان ينوي الغسل حال الخروج عن الماء و لا بتحريك البدن تحت الماء بنية الغسل لما يدّعى من ان الارتماسى لا يصدق الّا بان يكون تمام البدن او معظمه خارج الماء حتى يصدق انه ارتمس في الماء و لا يبعد ذلك.

***

[مسئلة 2: اذا اجنب من حرام ثم من حلال او من حلال ثم من حرام]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: اذا اجنب من حرام ثم من حلال او من حلال ثم من حرام فالظاهر نجاسة عرقه أيضا خصوصا في الصورة الاولى.

(1)

اقول: بناء على نجاسة عرق الجنب من الحرام لا اشكال في نجاسة عرقه في الصورة الاولى و هي ما اذا اجنب من حرام ثم اجنب من حلال لانه يصدق عليه انّه اجنب من الحرام.

و اما في الصورة الثانية و هي صورة اجنب من الحلال ثم اجنب من حرام فيشكل القول بنجاسة عرقه بدعوى ان الظاهر من اخذ الجنابة موضوعا للحكم بنجاسة عرقه هو صرف، وجوده لا ان يكون كل سبب سببا مستقلا للحكم حتى

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى،

ج 2، ص: 263

يكون: لازمه ان الرجل مثلا لو وطى مرات بجب عليه اغسال متعددة بعدد كل مرة غسلا فلهذا اذا اجنب في اوّل مرة بحصول سبب الجنابة يقال انه جنب و لهذا لو اوجد سببا آخرا قبل ان يغتسل لا يقال انه اجنب مجددا حتى اذا كانت جنابته الاولية من حلال يقال انه اجنب من حلال و ان اجنب بعده من الحرام و كذا لو جنب أولا من حرام يقال انه اجنب من حرام و ان اجنب بعده من حلال و لكن مع ذلك الاحوط الاجتناب عن عرقه في الصورة الثانية بناء على القول بنجاسة عرق الجنب من الحرام.

***

[مسئلة 3: المجنب من حرام اذا تيمّم]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: المجنب من حرام اذا تيمّم لعدم التمكن من الغسل فالظاهر عدم نجاسة عرقه و ان كان الاحوط الاجتناب عنه ما لم يغتسل و اذا وجد الماء و لم يغتسل بعد فعرقه نجس لبطلان تيممه بالوجدان.

(1)

اقول: نجاسة عرقه و عدم نجاسته في حال يسوّغ التيمم له فمبنىّ على كون التيمم مطهرا مثل الوضوء او مبيحا للصلاة فقط فان قلنا بالاوّل فعرقه لا يكون نجسا و ان قلنا بالثاني فعرقه نجس يأتي الكلام فيه في باب التيمم إن شاء اللّه و اما نجاسة عرقه بعد وجدان الماء قبل الغسل فواضح لان التيمم و لو كان يفيد الطهارة فيفيد في خصوص حال الاضطرار و اما مع وجدان الماء فلا.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 264

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: الصبي الغير البالغ اذا اجنب من حرام ففي نجاسة عرقه اشكال و الاحوط امره بالغسل اذ يصح منه قبل البلوغ على الاقوى.

(1)

اقول: وجه عدم نجاسته عدم حرمته عليه لحديث رفع القلم الّا ان

يدعي حرمته ذاتا بمعني ان الجنابة من الحرام حرام ذاتا سواء تحقق من البالغ او غيره و لا دليل على ذلك.

و اما صحة غسله قبل البلوغ على تقدير الغسل فلان غاية ما يقتضي رفع القلم هو عدم الوجوب و الالزام لا عدم الحسن و المناط فاذا اتى به يكون صحيحا.

***

[الثاني عشر: عرق الابل الجلالة]
اشارة

قوله رحمه اللّه

الثاني عشر: عرق الابل الجلالة بل مطلق الحيوان الجلال على الأحوط.

(2)

اقول: القول بالنجاسة منسوب الى جمع من القدماء بل حكي ان المشهور عندهم النجاسة.

[ما استدل به على النجاسة]

و يدلّ عليها من الاخبار ما رواها حفص البختري عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال لا تشرب من البان الابل الجلالة و ان اصابك شي ء من عرقها فاغسله» «1» و هذه

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 15 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 265

الرواية على ما قيل من جملة الروايات الحسنة او المصحّحة باصطلاح علماء الرجال و على كل حال يكون الوثوق بصدورها فلا اشكال في سندها خصوصا مع كونها معتضدة بالشهرة الفتوائية من القدماء على طبقها.

و اما دلالتها على نجاسة عرق الابل الجلالة فواضح لان الامر بغسل ما أصابه ليس الا لاجل كون عرقه نجسا.

و في قبال هذه الرواية و ما ذهب إليه جمع من قدماء اصحابنا حكي عن الحلي و المنتقى و العلامة في كتبه الطهارة و عامة المتاخرين ذهبوا الى ان عرقه طاهر

[ما استدل به على الطهارة]
اشارة

و استدل عليها بوجوه:

الوجه الاوّل: طهارته و طهارة سئوره مع الملازمة بين طهارتهما و طهارة عرقه.

و فيه انه لا ملازمة بين طهارة الابل و سؤره و بين عرقه فيمكن ان يكون عرقه نجسا مع كون نفسه و سئوره طاهرا.

الوجه الثاني: ان القول بنجاسة عرق الابل الجلال يوجب الفرق بينه و بين غيره

ممّا لا يؤكل لحمه بل يلزم الفرق بينه و بين ساير الحيوانات الجلالة لعدم الاشكال في طهارة عرق ساير الحيوانات و كذا لا اشكال في طهارة عرق الحيوانات الجلالة غير الابل الجلالة.

و فيه ان ذلك مجرد الاستبعاد و لا ينبغي ان يجعل الاستبعاد دليلا.

الوجه الثالث: انه بعد الاجماع على طهارة عرق غير الابل الجلالة من الجلالات

يوجب ان يحمل ما دلّ على نجاسة عرق الجلّالات على الاستحباب.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 266

مثل ما رواها هشام بن سالم عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال لا تأكل اللحوم الجلالة و ان اصابك من عرقها فاغسله» «1» و مرسلة الفقيه نهي عن ركوب الجلالات و شرب البانها و ان اصابك من عرقها فاغسله.

و بعد حمل هذين الخبرين على الاستحباب يوجب حمل الامر بالغسل عن عرق الابل الجلالة في رواية حفص البختري المتقدمة ذكرها على الاستحباب لكون سياقها متحدا مع الخبرين.

و فيه ان مجرد وحدة السياق لا يوجب هذا الحمل أوّلا و حمل الخبرين على الاستحباب للاجماع على طهارة ساير الجلالات لا يوجب حمل خبر حفص البخترى على الاستحباب اذ لا اجماع على خلافه بل الشهرة الموافقة له تعضده ثانيا و عدم الالتزام بالخبرين و عدم القول بنجاسة ساير الجلالات ليس من باب حمل الامر في الخبرين على الاستحباب بل من باب اعراض الاصحاب عن ظاهرهما ثالثا.

و الحاصل ان رواية حفص تدل على وجوب غسل ما اصابه عرق الابل الجلالة و لا مانع من الاخذ بظاهرها فالاقوى نجاسة عرق الابل الجلالة.

***

[مسئلة 1: الاحوط الاجتناب عن الثعلب و الارنب و ...]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: الاحوط الاجتناب عن الثعلب و الارنب و الوزغ و العقرب و الفأر بل مطلق المسوخات و ان كان الاقوى

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 15 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 267

طهارة الجميع.

(1)

اقول: اختار النجاسة بعض من قدماء اصحابنا رضوان اللّه تعالى عليهم في الجملة فحكى عن بعضهم القول بالنجاسة في الاولين او الثالث و الرابع او الخامس من المذكورات و العمدة في المسألة بعض الاخبار الدالة على النجاسة

بالنسبة الى كل منها بل بعضها يدل على نجاسة كل السباع و بعضها يدل على نجاسة خصوص من يكون من الخمسة المذكورة نذكر الاخبار إن شاء اللّه.

الرواية الاولى: ما رواها يونس مرسلا عن رجل «عن بعض اصحابنا خ» عن ابى عبد اللّه عليه السّلام «قاله سألته هل يحلّ ان يمسّ الثعلب و الارنب او شيئا من السّباع حيّا او ميّتا قال لا يضرّه و لكن يغسل يده» «1» و هذه المرسلة تدل على نجاسة جميع السباع.

الرواية الثانية: ما رواها هارون بن حمزة الغنوى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام «قال سالته عن الفارة و العقرب و اشباه ذلك يقع في الماء فيخرج حيّا هل يشرب من ذلك الماء و يتوضأ به «منه خ ل» قال يسكب منه ثلث مرات و قليله و كثيره بمنزلة واحدة ثم يشرب منه «و يتوضأ منه» غير الوزغ فانه لا ينتفع بما يقع فيه» «2» هذه الرواية في خصوص الوزغ.

الرواية الثالثة: ما رواها ابو بصير عن ابى جعفر عليه السّلام «قال سألته عن الخنفساء تقع في الماء أ يتوضأ به قال نعم لا بأس به قلت فالعقرب قال أرقه» «3» هذه الرواية في

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 6 من ابواب غسل المس من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 9 من ابواب الأسآر من الوسائل.

(3) الرواية 5 من الباب 9 من ابواب الأسآر من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 268

خصوص العقرب.

الرواية الرابعة: ما رواها سماعة و فيها «و ان كان عقربا فرق الماء» «1» في خصوص العقرب.

الرواية الخامسة: و هي ما رواها على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام «قال سألته عن الفارة

الرطبة قد وقعت في الماء فتمشى على الثياب أ يصلى فيها قاله اغسل ما رايت من اثرها و ما لم تره أنضحه بالماء» «2» و هي في خصوص الفارة.

الرواية السادسة: ما رواها على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليه السّلام «قال سألته عن الفارة و الكلب اذا اكلا من الخبز او شمّاه أ يؤكل قال يترك ما شمّاه و يؤكل ما بقى» «3».

الرواية السابعة: ما روى في قرب الاسناد باسناده عن على بن جعفر عن اخيه موسى عليه السّلام «قال سألته عن الفارة و الكلب اذا اكلا من الخبر و شبهه أ يحلّ اكله قال له يطرح منه ما اكل و يؤكل الباقي.» «4»

و هذه الثلاثة وردت في خصوص الفارة.

الرواية الثامنة ما ورد في وجوب نزح الماء من البئر عند وقوع الفارة و الوزغة فيه.

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 9 من ابواب الأسآر من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 33 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 36 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(4) الرواية 2 من الباب 36 من ابواب النجاسات بهذه السند و عنه عن احمد بن الحسن عن عمرو بن سعيد عن مصدق عن عمار عن ابى عبد اللّه عليه السلام.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 269

و اما ما يدل على نجاسة مطلق المسوخات فلم ار فيما تتبّعت في الاخبار و ان حكي عن الشيخ القول بنجاستها في بعض كتبه.

و في قبال القول بنجاسة المذكورات و ما ورد من الروايات الظاهرة في حد ذاتها على نجاستها فالمشهور عند المتأخرين او اتفاقهم يكون على طهارتها.

و ما يمكن ان يستدل بها على الطهارة روايات:

الرواية الاولى: ما دل على

طهارة خصوص الفارة و العقرب و اشباه ذلك و الدالة على نجاسة خصوص الوزغ. و هي الرواية الثانية من الروايات المتقدمة ذكرها و هي ما رواها هارون بن حمزة الغنوي.

الرواية الثانية: ما رواها على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام «في حديث قال سألته عن العظاية و الحية و الوزغ يقع في الماء فلا يموت أ يتوضأ منه للصلاة قال لا بأس به و سالته عن فارة وقعت في حب دهن و اخرجت قبل ان تموت ابيعه من مسلم قال نعم و يدهن منه». «1»

الرواية الثالثة: ما رواها إسحاق بن عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام عن أبا جعفر عليه السّلام كان يقول لا بأس بسؤر الفأرة اذا شربت من الإناء ان تشرب منه و تتوضأ منه. «2»

يستفاد من هذه الروايات عدم الباس بما تلاقيه الفارة او العقرب او الوزغ.

و لم اجد في هذه الاخبار ما يدلّ، على عدم الباس في خصوص الثعلب و الارنب.

و ما يمكن ان يستدل بعمومه على عدم الباس ليس الا الرواية الآتية و هي

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 9 من ابواب الأسآر من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 9 من ابواب الأسآر من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 270

الرواية الرابعة، و هى ما رواها الفضل ابو العباس «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن فضل الهرة و الشاة و البقرة و الابل و الحمار و الخيل و البغال، و الوحش و السباع فلم اترك شيئا الّا سألت عنه فقال لا بأس حتى انتهيت الى الكلب فقال رجس نجس الحديث» «1» و هذه الرواية بعمومها تدل على طهارة الوحوش و السباع

و من حملتها الثعلب و الارنب و عدم نجاسة كل من الوحوش و السباع.

فنقول اما نجاسة مطلق السباع فلا دليل عليه الّا مرسلة يونس المتقدمة ذكرها في طى الاخبار المستدلة على النجاسة و هذه المرسلة ضعيفة السند و مع قطع النظر عن ذلك نقول بانه بعد دلالة رواية الفضل ابى العباس على عدم الباس بفضل السباع يحمل النهي في مرسلة يونس على الكراهة جمعا فيبقى الاشكال في حكم الثعلب و الارنب من حيث النجاسة و الطهارة حيث ان مرسله يونس نص في وجوب غسل ما يلاقيها و رواية الفضل ابي العباس تدل على طهارتهما بالعموم.

و ربما يقال بان مقتضى القاعدة في مقام الجمع العرفي هو تخصيص عموم رواية الفضل بمرسلة يونس فتكون النتيجة هي القول بنجاستهما.

لكنه بعد ضعف سند مرسلة يونس و اعراض الاصحاب عنه فلا تقام مع رواية ابي العباس المتقدمة الدالة على طهارة.

خصوصا مع تسلّم قابلية الثعلب و الارنب للتذكية مع فرض ان نجس العين لا يقبل التذكية.

فتلخص ممّا مر طهارة المذكورات في المسألة و مطلق المسوخ.

***

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 11 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 271

[مسئلة 2: كل مشكوك طاهر]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: كل مشكوك طاهر سواء كانت الشبهة لاحتمال كونه من الاعيان النجسة او لاحتمال تنجسه مع كونه من الاعيان الطاهرة و القول بان الدم المشكوك كونه من القسم الطاهر او النجس محكوم بالنجاسة ضعيف نعم يستثنى مما ذكرنا الرطوبة الخارجة بعد البول قبل الاستبراء بالخرطات او بعد خروج المني قبل الاستبراء بالبول فانّها مع الشك محكومة بالنجاسة.

(1)

اقول: اعلم ان الكلام في المسألة يقع في موارد:

المورد الاوّل: في ان الشبهة سواء كانت الشبهة الحكمية

مثل ما اذا شك في ان حكم عرق الجنب من الحرام هل يكون الطهارة او يكون النجاسة او كانت الشبهة موضوعية مثل ما اذا شك في تنجس شي ء طاهر ففي كلتا الصورتين بحكم بطهارة المشكوك.

وجه الطهارة في الصورة الاولى اعني الشبهة الحكمية هو ما مر في محله من ان الحكم في الشك في الطهارة و النجاسة بالشبهة الحكمية الطهارة.

و وجه الحكم بالطهارة فى الصورة الثانية اعنى الشبهة الموضوعية بعض الروايات:

الرواية الاولى: ما رواها عمار عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «في حديث» قال كل شي ء

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 272

نظيف حتى تعلم انه قذر فاذا علمت فقد قذر و ما لم تعلم فليس عليك.» «1»

الرواية الثانية: ما رواها حفص بن غياث عن جعفر عن ابيه عن على عليهم السّلام «لا أبالي أ بول اصابنى او ماء اذا لم اعلم» «2» و غير ذلك.

المورد الثاني: في ان الدم المشكوك كونه من اقسام الطّاهر او النجس

فهل يحكم بطهارته او يحكم بنجاسته فنقول قد يتوهم انه محكوم بالنجاسة لرواية عمار و هي هذه «روى عمار بن موسى عن ابى عبد اللّه عليه السّلام قال سأل عما تشرب منه الحمامة فقال كل ما اكل لحمه تتوضأ من سئوره و اشرب و عن ماء شرب منه باز أو صقر او عقاب فقال كل شي ء من الطير يتوضأ ممّا يشرب منه الّا ان ترى في منقاره دما فان رايت في منقاره دما فلا تتوضأ منه و لا تشرب» «3».

وجه التوهم انه مع عدم معلومية كون الدم في منقاره من القسم الدم النجس او من القسم الطاهر نهي عن شربه و التوضى منه.

و فيه انا قلنا سابقا في ذيل مسئلة 7 من مسائل مبحث نجاسة الدم ان

مورد الرواية ليس الّا ما يكون الدم الموجود في منقار الطير من القسم النجس من الدم لان ما ذكر من الطير لا يبتلي منقاره بالدم الطاهر كالدم المتخلف من الذبيحة او دم حيوان لا نفس له فلو فرض ان «دما» في قوله عليه السّلام في الرواية المذكورة «الّا ان ترى في منقاره دما» يكون له الاطلاق فهو منصرف الى الدم النجس لما قيل من عدم ابتلاء منقار الطير المذكور في الرواية بالدم الطاهر فلا تدل الرواية على ما توهمه المتوهم و لو فرض بالفرض الغير الصحيح ان الرواية المتقدمة تدل على محكومية الدم الذي يوجد في منقار الطّير بالنجاسة حتى في صورة الشك فيختص هذا الحكم

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 37 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 37 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 2 من الباب 4 من ابواب الأسآر من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 273

بخصوص مورده و هو الدم الواقع في منقار الطير و اما الدم في غير هذا المورد المشكوك كونه من القسم النجس او الطاهر و كذا في غير هذا المورد مما يشك في طهارة شي ء و نجاسته بالشبهة الموضوعية فالحكم هو الطهارة لعموم كل شي ء نظيف حتى يعلم انه قذر.

المورد الثالث: و اما الكلام في الرطوبة الخارجة بعد البول

قبل الاستبراء بالخرطات او بعد المني قبل الاستبراء بالبول فياتي الكلام فيه إن شاء اللّه من ان ذلك من باب ما يقتضيه النّص.

***

[مسئلة 3: الاقوى طهارة غسالة الحمام]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: الاقوى طهارة غسالة الحمام و ان ظنّ نجاستها لكن الاحوط الاجتناب عنها.

(1)

اقول: اعلم ان محل الكلام في طهارة غسالة الحمام او نجاسته ليس فيما يعلم نجاستها و لا فيها يعلم طهارتها لانه في الصورة الاولى تكون محكومة بالنجاسة و في الصورة الثانية محكومة بالطهارة مسلما.

بل يكون محل الكلام فيما يشك في طهارته و نجاسته و المسألة ذات قولين.

فعن بعض القول بالنجاسة او المنع عن التطهّر بها او عدم جواز استعمالها و عن بعض القول بطهارتها.

و ما يمكن ان يستدل على نجاستها روايات:

الرواية الاولى: ما رواها حمزة بن احمد عن ابى الحسن الاوّل عليه السّلام «قال سألته او ساله غيري عن الحمام قال ادخله بميزر و غضّ بصرك و لا تغتسل من البئر التي تجتمع فيها ماء الحمام فانه يسيل فيها ما يغتسل به الجنب و ولد الزنا و

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 274

الناصب لنا اهل البيت و هو شرهم.» «1»

الرواية الثانية: ما رواها محمد بن على بن جعفر عن ابى الحسن الرضا عليه السّلام «في حديث» قال من اغتسل من الماء الذي قد اغتسل فيه فاصابه الجذام فلا يلومنّ الّا نفسه فقلت لأبي الحسن ان اهل المدينة يقولون ان فيه شفاء من العين فقال كذبوا يغتسل فيه الجنب من الحرام و الزاني و الناصب الذي هو شر هما و كل من خلق اللّه ثم يكون فيه شفاء من العين» «2».

الرواية الثالثة: ما رواها على بن الحكم عن رجل عن ابى الحسن عليه السّلام «في حديث» انه قال لا تغتسل من غسالة ماء الحمام فانه يغتسل فيه من الزنا و يغتسل فيه ولد الزنا و الناصب لنا اهل البيت و هو شرهم. «3»

الرواية

الرابعة: ما رواها ابن ابى يعفور عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال لا تغتسل من البئر التي يجتمع فيها غسالة الحمام فان فيها غسالة ولد الزنا و هو لا يطهر الى سبع آباء و فيها غسالة الناصب و هو شر هما ان اللّه لم يخلق خلقا شرا من الكلب و ان الناصب اهون على اللّه من الكلب» «4».

الرواية الخامسة: ما رواها عبد اللّه بن ابي يعفور عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «في حديث» قال و اياك ان تغتسل من غسالة الحمام ففيها تجتمع غسالة اليهودي و النصراني و المجوسي و الناصب لنا اهل البيت فهو شرهم فان اللّه تبارك و تعالى لم يخلق خلقا انجس من الكلب و ان النّاصب لنا اهل البيت اهل البيت لا نجس منه.» «5»

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 11 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 11 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 11 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

(4) الرواية 4 من الباب 11 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

(5) الرواية 5 من الباب 11 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 275

وجه الاستدلال بهذه الروايات على نجاسة غسالة الحمام هو ان يقال ان منشأ النهي عن الاغتسال من غسالة الحمام ليس الّا نجاستها فتدل هذه الاخبار على نجاستها.

و في قبال تلك الاخبار قد يستدل على طهارة غسالة الحمام بما رواها ابو يحيى الواسطي عن بعض اصحابنا عن ابى الحسن الماضي عليه السّلام «قال سئل عن مجتمع الماء في الحمام من غسالة الناس يصيب الثوب قال لا بأس» «1».

اقول و دلالة هذه الرواية

على عدم نجاسة غسالة الحمام واضحة لكن الاشكال في ضعف سندها لكونها مرسلة و عدم معلومية ان بعض اصحابنا الّذي يروى عنه ابو يحيى من هو و هل يكون موثوقا به أو لا فلا يمكن الاستناد بها.

ثم بعد ذلك نقول بان مفاد كل من الروايات الخمسة هو النهي عن الاغتسال من غسالة الحمام و ليس فيها تعبير بالنجاسة و من المحتمل ان يكون النهي لاجل القذارة المعنوية في غسالة الحمام و هي اغتسال الجنب عن الحرام او ولد الزنا او الناصب او اليهودي او النصراني او المجوسي كما يستفاد من ظاهر الاخبار استناد النهي عن الاستعمال و الاغتسال كان لاجل وجود القذارة المعنوية في غسالتها لاجل بعض هذه الامور لا من جهة النجاسة الظاهرية و يؤيد ذلك ان بدن الجنب حتى الجنب من الحرام غير ملازم دائما للنجاسة حتى يكون النهى عن الاغتسال بها لاغتسال الجنب.

و يؤيد ذلك انّ اغتسال النّاصب او اليهودي من ماء الحمّام لا يوجب دائما لنجاسة الغسالة لاحتمال اتّصالها بالمادّة فلا تلازم مع النجاسة.

و يؤيده أيضا ما ورد في بعض رواياتها من منشأ النّهى كان لاغتسال ولد

______________________________

(1) الرواية 9 من الباب 9 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 276

الزنا و هو لا يطهر الى سبعة آباء و الحال انّ المراد من عدم طهارته الى سبعة آباء «على فرض صحة الرواية» ليس عدم الطهارة الظاهرية اعنى النجاسة الظاهرية بل المراد هو القذارة المعنوية.

و الحاصل انه بعد ما عرفت في المسألة السابقة طهارة كلما شك في طهارته و نجاسته من قوله عليه السّلام كل شي ء نظيف حتى تعلم انه قذر فلا يمكن القول بنجاسة

غسالة الحمام مع الشك في نجاستها و المحتمل في الروايات المتقدمة المستدلة بها على نجاستها هو ما قلنا من ان المحتمل بالاحتمال القوى كون النهي لاجل القذارة المعنوية لا لاجل النجاسة الظاهرية.

***

[مسئلة 4: يستحب رشّ الماء اذا اراد انّ يصلى في معابد اليهود و النصارى]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: يستحب رشّ الماء اذا اراد انّ يصلى في معابد اليهود و النصارى مع الشك في نجاستها و ان كانت محكومة بالطهارة.

(1)

اقول: منشأ ذلك دلالة بعض الاخبار على ذلك مثل ما رواها عبد اللّه بن سنان عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال سألته عن الصّلاة في البيع و الكنائس و بيوت المجوس فقال رش وصل «1»» و في خصوص بيوت المجوس.

ما رواها الحلبى «في حديث» قال سئل ابو عبد اللّه عليه السّلام عن الصّلاة في بيوت

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 13 من ابواب مكان المصلى من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 277

المجوس و هي ترشّ بالماء قال لا بأس.» «1»

و ما رواها ابو بصير «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الصّلاة في بيوت المجوس فقال رشّ و صل.» «2»

و الكلام يقع في جهات:

الجهة الاولى: اعلم ان رش الماء كما يستحب في معابد اليهودي و النصارى

اذا اراد الشّخص ان يصلي فيها كذلك يستحب في بيوت المجوس أيضا فحصر الاستحباب في كلام المؤلف رحمه اللّه ان كان لمجرد عدم كونه في مقام تعرض حكم استحباب رش الماء في بيوت المجوس فيما يريد الصّلاة فيها فلا اشكال و اما ان كان من باب تخيّل انحصار هذا الحكم بخصوص معابد اليهود و النصارى فلا وجه له كما بينا دلالة بعض الاخبار عليه.

الجهة الثانية: هل يكون استحباب رش الماء في خصوص ما يشك في نجاسة معابدهما او بيوت المجوس

او لا بل يستحب و لو لم يكن شاكا في نجاستها ظاهر الروايات هو الثاني و لكن المؤلف انحصر مورد الاستحباب بصورة الشك في النجاسة.

الّا ان يدعى ان وجه الانحصار بصورة الشك من باب كون تسالم الاصحاب على الاستحباب فى هذه الصورة.

الجهة الثالثة: وجه حمل الامر بالرش على الاستحباب

هو ان يقال حيث ان الامر بالصلاة محمول على الاستحباب لا الوجوب لانه ورد في مورد توهم الحضر فلذلك امر بالرش بقرينة السياق.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 14 من ابواب مكان المصلى من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 14 من ابواب مكان المصلى من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 278

او ان يدّعى انّ ذلك من باب التّسامح في أدلّة السّنن، كما عن بعض شراح العروة.

و كل من الوجهين لم يخل من الاشكال الّا ان يدعي تسالم من الاصحاب عليه فتامل.

***

[مسئلة 5: في الشك في الطهارة و النجاسة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: في الشك في الطهارة و النجاسة لا يجب الفحص بل يبني على الطهارة اذا لم يكن مسبوقا بالنجاسة و لو امكن حصول العلم بالحال في الحال.

(1)

اقول: و يدل عليه بعض الروايات:

مثل الرواية التي رواها زرارة التي يتمسك بها على حجية الاستصحاب و فيها قال «قلت فهل عليّ ان شككت في انه اصابه شي ء ان انظر فيه قال لا و لكنّك انّما تريد ان تذهب الشك الذي وقع في نفسك.» «1»

هذا كله فيما لم تكن الحالة السابقة النجاسة و الا فمع كون الحالة السابقة النجاسة تستصحب النجاسة.

***

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 37 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 279

[فصل: في طريق ثبوت النجاسة]

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 281

قوله رحمه اللّه

فصل في طريق ثبوت النجاسة

طريق ثبوت النجاسة او التنجس العلم الوجداني او البينة العادلة و في كفاية العدل الواحد اشكال فلا يترك مراعات الاحتياط و تثبت أيضا بقول صاحب اليد بملك او اجارة او عارية او امانة بل او غصب و لا اعتبار بمطلق الظن و ان كان قويّا فالدهن و اللبن و الجبن المأخوذ من اهل البوادي محكوم بالطهارة و ان حصل الظن بنجاستها بل قد يقال بعدم رجحان الاحتياط بالاجتناب عنها بل قد يكره او يحرم اذا كان في معرض الوسواس.

(1)

اقول:

اما وجه حجية العلم و البينة و كفاية العدل الواحد فيما يورث الاطمينان

و عدم حجّيته فيما لا يورث الاطمينان و ثبوته بقول ذي اليد اذا لم يكن متهما و عدم اعتبار مطلق الظن فقد مضى الكلام فيه في طى المسألة السادسة من المسائل المذكورة في طى فصل ماء البئر النابع من الكتاب فراجع.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 282

و من المعلوم ان الظن اذا بلغ حد الاطمينان فهو حجة لحجيّة الاطمينان كما عرفت.

و اما كون الدهن و اللبن و الجبن الماخوذ من اهل البوادي محكوم بالطهارة كما قال المؤلف رحمه اللّه لاصالة الطهارة لا لاستصحاب الطهارة كما قال في المستمسك «1» لان الشخص لا يكون عالما بحالته السابقة حتى يكون مورد الاستصحاب فمع الشك في النجاسة تجري اصالة الطهارة و ان كان الظن الغير المعتبر قائما على نجاستها لان غاية الماخوذة في اصالة الطهارة هو العلم او ما يقوم مقامه و هو الظن المعتبر فمع الشك في النجاسة يحكم بطهارة المشكوك حتى يحصل العلم او ما يقوم مقامه من الظن المعتبر.

و مما قلنا يظهر لك ان اطلاق كلام المؤلف رحمه

اللّه «و ان حصل الظن» غير تمام لان الظن على قسمين معتبر و غير معتبر و ما ليس بالحجة منه هو الظن الغير المعتبر بنجاستها» فافهم.

و اما ما قال المؤلف رحمه اللّه من انه قد يقال بعدم رجحان الاحتياط بالاجتناب عنها بل قد يكره او يحرم اذا كان في معرض الوسواس.

فنقول اما الاحتياط فلا اشكال في رجحانه في حدّ ذاته عقلا.

نعم يمكن ان يقال بانه يستظهر من مطاوى بعض ما ورد عنهم من عدم وجوب الفحص عن النجاسة بل القاء امر يوجب حصول الشك في النجاسة حتى من عمل بعض المعصومين عليهما السّلام عدم رجحان الاحتياط بل كراهته و اما حرمته فيما يكون معرضا لحصول الوسواس و ينجرّ إليه غالبا و يكون اضرارا على النفس و

______________________________

(1) المستمسك، ج 1، ص 423.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 283

كلاهما حرام لذم الوسواس و انه من عمل الشيطان و انه اضرار بالنفس.

***

[مسئلة 1: لا اعتبار بعلم الوسواسى في الطهارة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 1: لا اعتبار بعلم الوسواسى في الطهارة و النجاسة.

(1)

اقول: اما الكلام في تلك المسألة ثبوتا بمعنى انه هل يمكن نهي الوسواسي عن متابعته عن علمه أم لا فنقول بعد ما تحقق في علم الاصول من ان العلم على قسمين طريقي و لا تناله يد الجعل اثباتا و نفيا و موضوعى و هو ما يكون قابلا للجعل اثباتا و نفيا و هو العلم الموضوعي اعني القسم الثاني.

فبناء عليه لو نهى الشارع الوسواسى عن اتباع علمه يكون من باب جعل العلم في النجاسة موضوعيا بمعنى انه اذا علم مثلا من الطرق المتعارفة بالنجاسة يكون نجسا او اذا علم من الطرق الخاصّة يكون نجسا و علم الوسواسي لا اعتبار به لعدم حصوله

من الطرق المتعارفة.

و فيه انه من الواضح ان الطهارة و النجاسة الواقعتين في لسان الشرع و انهما تكونان ذات بعض الآثار هي الطهارة و النجاسة الواقعيّتين سواء تعلق العلم بهما أم لا، نعم بالعلم يصير الواقع على المكلف منجّزا.

و يحتمل ان يكون الواقع هو الموضوع لكن في غير حالة الوسواس فيكون الشي ء نجسا او طاهرا واقعا لكن في غير الوسواسي.

و فيه انه لا دليل على ذلك و ما ورد من ذم الوسواسى لا يدل الّا على كون

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 284

الواقع مع العلم موضوعا للطهارة او النجاسة للوسواسي و ليس الواقع مقيدا بعدم كونه وسواسيا.

و يحتمل ان يكون ترتب بعض الآثار على عدم الوسواس بمعنى انّ الطهارة و النجاسة هي الطهارة و النجاسة الواقعيتين و ليس العلم مأخوذا فيهما موضوعا و ليس الواقع فيهما مشروطا بعدم الوسواس و لكن الشارع جعل ترتب بعض الآثار المترتبة على الطهارة او النجاسة مشروطا بعدم الوسواس مثلا يكون اثر من آثار النجاسة نجاسة ملاقيها فجعل الشارع ترتب هذا الاثر على عدم الوسواس فاذا كان الشخص وسواسيا لا يترتب هذا الاثر اعني نجاسة ملاقيها على النجاسة و هذا امر ممكن في مقام الثبوت و يمكن تقييد بعض الآثار الثابتة للنجاسة على عدم كون الشخص من اهل الوسواس في مقام الثبوت و مع الدليل على اثباته يقال به.

و اما في مقام الاثبات فما يمكن ان يستدل به على عدم اعتبار علم الوسواسي بعض الروايات.

مثل ما رواها عبد اللّه بن سنان «قال ذكرت لابى عبد اللّه عليه السّلام رجلا مبتلى بالوضوء و الصّلاة و قلت هو رجل عاقل فقال ابو عبد اللّه عليه السّلام و اى

عقل له و هو يطيع الشيطان فقلت له و كيف يطيع الشيطان فقال سله هذا الذي يأتيه من اىّ شي ء هو فانه يقول من عمل الشيطان» «1».

و مثل ما رواها محمد بن مسلم عن ابى جعفر عليه السّلام «قال اذا اكثر عليك السهو فامض على صلاتك فانه يوشك ان يدعك انما هو من الشيطان» «2».

و مثل ما رواها حريز عن زرارة و ابى بصير «جميعا قالا قلنا له الرجل يشك

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 10 من ابواب مقدمات العبادات من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 16 من ابواب الخلل الواقع في الصّلاة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 285

كثيرا في صلاته حتى لا يدري كم صلّى و لا ما بقي عليه قال يعيد قلت فانه يكثر عليه ذلك كلّما اعاد شك قال يمضى في شكه ثم قال لا تعودوا الخبيث من انفسكم نقض الصّلاة فتطيعوه فان الشيطان خبيث معتاد لما عوّد فليمض احدكم في الوهم و لا يكثرن نقض الصّلاة فانه اذا فعل ذلك مرّات لم يعد إليه الشك قال زرارة ثم قال انما يريد الخبيث ان يطاع فاذا عصى لم يعد الى احدكم» «1».

وجه الاستدلال بهذه الروايات هو ان يقال ان المستفاد منها كون الوسواسي مطيع الشيطان و اطاعته حرام، فلا يجوز ترتيب الاثر بعلمه لانه اطاعة الشيطان و هو حرام فرفع الشارع منّة بعض الاحكام الاوّلية لعنوان طار و هو اطاعة الشيطان و موجبية العمل به طغيان الشيطان و لهذا ما اوجب في الشك على الوسواسي ما يقتضيه الشك لو لا الوسواس فكذلك في النجاسة، هذا كله في عدم اعتبار علم الوسواسي في النجاسة و اما في الطهارة

فلا وجه لعدم اعتبار علم الوسواسي في الطهارة لان وجه عدم اعتبار علمه في النجاسة كان من باب انه يقطع بالنجاسة من بعض الاسباب الغير المتعارفة التي يكون قطعه من باب اطاعة الشيطان و اما في الطهارة فيمكن ان يقال بان علمه بالطهارة ليس منشأه اطاعة الشيطان بل اثر الوسواس غالبا عدم العلم بالطهارة لانه قلّ مورد يوجد حصول العلم بالطهارة للوسواسي من جهة الوسواس و اطاعة الشيطان بل يمكن عدم وجود الوسواس و منشئيّته لحصول الطهارة اصلا و لا يكون علمه بالطهارة ببعض الاسباب الغير المتعارفة بخلاف علمه بالنجاسة فان حصول العلم بالنجاسة للوسواسي يكون غالبا لاسباب غير متعارفة و باغواء الشيطان فلا يقاس علم الوسواسي بالطهارة بعلمه بالنجاسة و عدم اعتبار علمه بالطهارة مثل عدم اعتبار علمه بالنجاسة يكون

______________________________

(1) الرواية 12 من الباب 16 من ابواب الخلل الواقع في الصّلاة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 286

محل الاشكال.

***

[مسئلة 2: العلم الاجمالي كالتفصيلى فاذا علم بنجاسة احد الشيئين]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 2: العلم الاجمالي كالتفصيلى فاذا علم بنجاسة احد الشيئين يجب الاجتناب عنهما الّا اذا لم يكن احد هما محلا لابتلائه فلا يجب الاجتناب عما هو محل الابتلاء أيضا.

(1)

اقول: قد مضى تحقيق ذلك في الاصول و مجمل القول فيه ان العلم الاجمالي كالتّفصيلى في التنجز و استحقاق العقوبة على مخالفته و استحقاق المثوبة على اطاعته لعدم الفرق في العلم بين صورة الاجمال و التفصيل في المتعلق و لا يوجب اجمال المتعلق الفرق في حكم العقل و ان كان نحوة اطاعتهما مختلفة، ففي التفصيلي يجب الاتيان بالمعلوم المفصّل الممتاز، و اما في الاجمالى يجب الاحتياط بفعل الاطراف فيما كان العلم الاجمالي قائما بطلب شي ء و الاحتياط بالاجتناب عن الاطراف

فى ما كان العلم الاجمالي قائما بالاجتناب عن المعلوم بالاجمال بحكم العقل لتحصيل اطاعة المعلوم الواقعي في البين، نعم فيما كان بعض الاطراف خارجا عن محل الابتلاء فلا يتنجّز العلم الاجمالي لان العلم الاجمالي كالتفصيلي يصير منجزا في صورة يصح بعث المولى نحو المعلوم او زجره عنه و يصح و يمكن انبعاث العبد نحو مطلوب المولى او مزجوره و هذا فيما لا يكون البعث او الزجر نحو الشي ء لغوا و عبثا عند العقل و فيما لا يحصل للعبد انقداح الداعي نحو الفعل او الترك يكون البعث و الزجر عنه لغوا و عبثا عند العقل و لا فرق في ذلك بين الواقع المنكشف بالعلم الاجمالي او التفصيلي فكما لا يصح للمولى امره بشرب العبد عن اناء يكون في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 287

الخارج مشتبها بين الاناء الذي واقع تحت يده و بين الاناء الذي لا يتمكن العبد من الوصول إليه و وقوعه تحت يده و شربه منه.

كذلك لا يمكن للمولى امره بعبده بشربه من الاناء المعيّن الذي لا يتمكّن العبد من الوصول به لعدم وجوب امتثال امره حينئذ فلهذا لا بدّ في تنجز العلم الاجمالى من ان يكون بحيث لو كان المعلوم في كل طرف من اطرافه كان المأمور متمكنا من امتثاله و اتيانه حتى يصح التكليف به و يمكن للعبد انقداح الداعي نحو فعله او تركه فيصح في هذه الصورة امر المولى او نهيه و لهذا قال المؤلف رحمه اللّه من ان العلم الاجمالي كالتفصيلي الّا اذا كان بعض اطرافه خارجا عن محل الابتلاء و هذا تمام الكلام و لا اشكال فيه فيما كان الخروج عن محل الابتلاء في بعض

الاطراف قبل العلم.

و اما ان كان خروج بعض اطراف العلم الاجمالي بعد تنجز العلم فهل يكون العلم الاجمالي منجزا فى هذا الحال أو لا و يكون اثر بقاء العلم على التنجز الاحتياط في الطرف الباقى في محل الابتلاء وجودا و عدما و قد مضى الكلام فيه في الاصول.

***

[مسئلة 3: لا يعتبر في البينة حصول الظن بصدقها]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 3: لا يعتبر في البينة حصول الظن بصدقها نعم يعتبر عدم معارضتها بمثلها.

(1)

اقول: اما عدم اعتبار حصول الظن من البينة في حجيتها فلاطلاق ادلتها و انها حجة حتى مع عدم حصول الظن منها. و اما عدم اعتبارها في صورة معارضتها بمثلها مثل ما اذا قامت البينة على النجاسة و قامت بينة اخرى على الطهارة فلاجل عدم شمول ادلة حجية البينة لمورد التعارض لان جعلهما حجة في مورد التعارض

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 288

يلزم التعبد بالمتعارضين فيتساقطان بالتعارض.

و ما ورد من الاخذ بما فيه المرجّح في الخبرين المتعارضين مخصوص بالخبرين فلا يتعدى الى غيرهما.

نعم لو كان مستند احدي البينتين العلم و مستند الأخرى الاصل تقدم البينة المستندة الى العلم على المستندة بالأصل كما ذكرنا في طى المسألة 7 من فصل ماء البئر النابع فراجع.

***

[مسئلة 4: لا يعتبر في البينة ذكر مستند الشهادة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 4: لا يعتبر في البينة ذكر مستند الشهادة نعم لو ذكرا مستندها و علم عدم صحته لم يحكم بالنجاسة.

(1)

اقول: لاطلاق أدلّتها و احتمال خطاء الشّاهد في مستنده، ملغى عند العقلاء و عدم اعتنائهم بهذا الاحتمال و لم يردع الشارع عن طريقتهم.

نعم اذا ذكر الشاهد مستند شهادته و علم عدم صحته لم يحكم بالنجاسة مثل ما اذا قال الشاهد استنادي في الشهادة بالنجاسة بقول شخص يعلم كذبه فلا يعتني بهذه البينة.

***

[مسئلة 5: اذا لم يشهدا بالنجاسة]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 5: اذا لم يشهدا بالنجاسة بل بموجبها كفى و

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 289

ان لم يكن موجبا عند هما او عند احد هما فلو قالا ان هذا الثوب لاقي عرق المجنب من حرام او ماء الغسالة كفى عند من يقول بنجاستهما و ان لم يكن مذهبهما النجاسة.

(1)

اقول: لانه اذا كانت البينة قائمة على ما كانت مؤداها ذات اثر شرعي في نظر من يقوم عنده البينة يكفي و هي حجة و ان لم يكن مؤدي الشهادة ذات اثر عند احد من الشاهدين او عند كل منهما.

***

[مسئلة 6: اذا شهدا بالنجاسة و اختلف مستندهما]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 6: اذا شهدا بالنجاسة و اختلف مستندهما كفى في ثبوتها و ان لم تثبت الخصوصية كما اذا قال احد هما ان هذا الشي ء لاقي البول و قال الآخر انه لاقي الدم فيحكم بنجاسته لكن لا يثبت النجاسة البولية و لا الدمية بل القدر المشترك بينهما لكن هذا اذا لم ينف كل منهما قول الآخر بأن اتفقا على اصل النجاسة و اما اذا نفاه كما اذا قال احد هما انه لاقي البول و قال الآخر لا بل لاقي الدم ففي الحكم بالنجاسة اشكال.

(2)

اقول: الضابط في قول البينة و حجيّتها هو ان يشهد الشاهدان و كانا مشتركين في الشهادة بحيث يخبر كلّ منهما عن قضية واحدة فاذا اخبرا بما هو كذلك يتبع قولهما و ان اختلفا في بعض الخصوصيات نعم لا تثبت الخصوصيات التي ليست

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 290

مورد اتفاقهما.

و اما اذا اخبرا عما لا يرجع الى قضية واحدة بل يكون اخبار كل منهما عن قضية غير الآخر فليس اخبار هما حجة مثلا اخبر احد هما

بنجاسة الشي ء الفلاني و اخبر الآخر بنجاسة هذا الشي ء لكن احد هما يقول بانّه تنجّس بدم الرعاف و الآخر اخبر بسبب تنجسه بدم الاسنان فشهادتهما حجة و يحكم بالنجاسة لاتّفاقهما في الاخبار الدم.

و اما اذا اخبرا بامرين مثل ان يخبر احد هما بملاقاة الثوب الفلاني مع البول و اخبر الآخر بان هذا الثوب لاقاه الدم فليست البينة حجة لعدم كون المشهود به امرا واحدا و قضية واحدة.

و يظهر لك ان المثال الذي ذكره المؤلف و قال بثبوت النجاسة بالبينة ليس في محله لان مثاله من القسم الثاني الذي قلنا بعدم حجية البينة فيه.

و اذا كان الميزان ما قلنا فيكفي في عدم حجية البينة عدم اخبار الشاهدين بامر واحد و لا يسمع قول البينة و ان لم يكن كل واحد من الشاهدين او واحد منهما ينف القول الآخر منهما نعم لو نفى كل منهما الآخر فهو أيضا من القسم الثاني اعني صورة عدم اخبار هما عن قضية واحدة فلا يسمع قولهما لا لكون كل منهما نافيا للآخر بل لعدم كون اخبار هما على امر واحد فافهم.

***

[مسأله 7: الشهادة بالاجمال كافية]

قوله رحمه اللّه

مسأله 7: الشهادة بالاجمال كافية أيضا كما اذا قالا احد هذين نجس فيجب الاجتناب عنهما و اما لو شهد احد هما

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 291

بالاجمال و الآخر بالتعيين كما اذا قال احدهما احد هذين نجس و قال هذا معينا نجس ففي المسألة وجوه وجوب الاجتناب عنهما و وجوبه عن المعيّن فقط و عدم الوجوب اصلا.

(1)

اقول: اما الشهادة بالاجمال كافية اذا كانت شهادة الشاهدين بقضية واحدة مثلا اذا قالا احد هذين نجس لملاقاة احد هما المردّد مع الدّم.

و اما لو شهد احد هما بالاجمال

و الآخر بالتعيين فتارة يكون مع اجمال احد هما يرجع شهادتهما الى الاخبار عن القضية الواحدة، غاية الامر ان احد هما يخبر عنها على الاجمال و الآخر على التعيين، كما اذا اخبر كل منهما على وقوع الدم الكذائى، غاية الامر يشهد احد هما بانه مثلا وقع في الاناء الابيض من الإناءين و الآخر بوقوع الدم في احد من الإناءين لكن لا يخبر بانه وقع في الاناء الابيض او الاسود فهما يشهدان بوقوع الدم الكذائى و لكن اختلافهما يكون من حيث الاجمال و التفصيل.

فنقول في هذه الصورة بان البينة حجة فيما يكون الشاهدان مخبرين عنه و متحدين فيه ففي المثال هما متحدان في وقوع النجاسة و مختلفان في انّها وقعت في اي من الإناءين، فيقول احد هما انّها وقعت في الاناء المعين و هو الاناء الابيض و الآخر لا يخبر الّا عن وقوعه في احد الإناءين فهو متفق مع الاوّل في وقوعه في واحد منهما لكن لا يخبر عن وقوعه في اي منهما فهو لا ينكر الاوّل و لا ينفيه، فلا مانع من الأخذ بالبينة في المقدار المتفق عليهما كل منهما و متحدان فيها فالبينة حجة في هذا المقدار.

و تارة لا يكون اخبار الشاهدين عن الواقعة الواحدة مثل ما اذا اخبر

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 292

احدهما بوقوع دم الرعاف في احد من الإناءين و اخبر الآخر بوقوع دم من الفم على الاناء المعيّن من هذين الإناءين فلا تكون البينة حجة لعدم كون اخبار كل من الشاهدين عن واقعة واحدة لان احد هما يشهد بوقوع دم الرعاف في الإناءين و الآخر يشهد بوقوع الفم في احد المعيّن من هذين الإناءين.

فتلخص مما مران

الميزان في حجية البينة و عدمها هو ما قلنا من ان اخبار الشاهدين اذا كان عن قضية واحدة يكون اخبار هما حجّة و ان لم يكن عن قضية واحدة لا يكون اخبار هما حجة و حيث ان اخبار هما يكون في الصورة الاولى عن القضية الواحدة فالبينة حجة فيها و اما في الصورة الثانية لا تكون البينة حجة لعدم كون اخبار الشاهدين عن القضية الواحدة.

***

[مسأله 8: لو شهد احد هما بنجاسة الشي ء فعلا و الاخر بنجاسة سابقا]

قوله رحمه اللّه

مسأله 8: لو شهد احد هما بنجاسة الشي ء فعلا و الاخر بنجاسة سابقا مع الجهل بحاله فعلا فالظاهر وجوب الاجتناب و كذا اذا شهدا معا بالنجاسة السابقة لجريان الاستصحاب.

(1)

اقول: لا وجه لوجوب الاجتناب في الصورة الاولى لان الشاهدين لا يخبران عن واقعة واحدة لان احد هما يخبر عن نجاسته السابقة و الآخر عن نجاسته فعلا نعم لو كان من يخبر بنجاسته فعلا يخبر عن نجاسته سابقا أيضا يسمع قولهما بالنسبة الى النجاسة السابقة فيستصحب النجاسة السابقة، لكن هذا غير مفروض المسألة في كلام المؤلف رحمه اللّه كما انه لو اخبر احد هما بنجاسته سابقا و الاخر بنجاسته

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 293

فعلا و يكون اختلافهما من حيث الزمان فقط و مع قطع النظر عن الزمان يخبران عن امر واحد مثل ما اذا اخبر احد هما بان الدم الكذائي وقع في الاناء الكذائى في الامس و اخبر الاخر بان هذا الدم وقع في الاناء المذكور في الحال فأيضا لا يثبت بقولهما حتى اصل النجاسة لان النجاسة المخبر بها احد هما بوقوعها في الامس ما قامت البينة عليه بل المخبر به هو الخبر الواحد و به لا يثبت نجاستها حتى يستصحب و كذلك لا تثبت

النجاسة فعلا بقول من يخير عن نجاسته الفعلية.

ان قلت ان نفس النجاسة يثبت بالبينة لقيام البينة عليه.

قلت ليس للنجاسة الاعم من السابق و اللاحق اثر حتى يترتب عليه.

***

[مسأله 9: لو قال احدهما انه نجس و قال الاخر انه كان نجسا]

قوله رحمه اللّه

مسأله 9: لو قال احد هما انه نجس و قال الاخر انه كان نجسا و الآن طاهر فالظاهر عدم الكفاية به و عدم الحكم بالنجاسة.

(1)

اقول: اعلم انه تارة يكون اخبار الشاهدين عن واقعتين لا واقعة واحدة مثل ما اذا اخبر احد هما عن ملاقاة الدم مع الاناء الخاص في الامس و اخبر الاخر بملاقاة البول مع هذا الاناء في امس ففي هذا الفرض لم يسمع قولهما لان البينة لم تقم على قضية و واقعة واحدة سواء اخبر كلاهما بنجاسته فعلا او احدهما فقط لعدم تحقق البينة على مورد واحد.

و تارة يحكى الشاهدان عن واقعة واحدة مثلا يخبران بان دم رعاف زيد في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 294

الامس وقع في الاناء الخاص المعيّن غاية الامر احد هما يخبر بطهارة الاناء و زوال النجاسة و الاخر يشهد ببقاء نجاسته فعلا ففي هذه الصورة يحكم بنجاسته السابقة لقيام البينة على النجاسة في الامس و يحكم ببقاء النجاسة فعلا ببركة الاستصحاب و لا يعتنى بقول من يخبر بطهارة الاناء لانه خبر واحد و ان كان عدلا لعدم اثبات الطهارة و النجاسة باخبار العدل الواحد الا اذا حصل الاطمينان من قوله.

و تارة يخبر كل منهما و لكن لا يخبران عن مستندهما فيخبر احدهما عن نجاسة الاناء مثلا في الامس و لكن يخبر عن طهارته فعلا و يخبر الاخر عن نجاسته الفعلية بدون اخباره عن نجاسته السابقة او طهارة هذا الشي ء، ففي هذه الصورة يقع التعارض

بينهما لان احد هما يخبر عن نجاسته فعلا و الاخر يخبر عن طهارته الفعلية فيتساقطان بالتعارض و لا بدّ من الرجوع الى أمارة اخرى او اصل آخر.

***

[مسأله 10: اذا اخبرت الزوجة او الخادمة او المملوكة بنجاسة ما في يدها]

قوله رحمه اللّه

مسأله 10: اذا اخبرت الزوجة او الخادمة او المملوكة بنجاسة ما في يدها من ثياب الزوج او ظروف البيت كفي في الحكم بالنجاسة و كذا اذا اخبرت المربية للطفل او المجنون بنجاسته او نجاسة ثيابه بل و كذا اذا اخبر المولى بنجاسة بدن العبد او الجارية او ثوبهما مع كونهما عنده او في بيته.

(1)

اقول: كل ذلك لاطلاق دليل حجية اليد و ان كان يشكل ذلك في حجية قول

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 295

المولى بالنسبة الى عبده لعدم صدق ذي اليد على المولى بالنسبة الى عبده و ما تحت يد العبد بمجرد كون العبد ملكا له خصوصا فيما اخبر المملوك على خلاف ما يخبر المولى.

نعم لا يبعد ذلك في خصوص ما يكون تحت يد المولى من ثياب العبد و غيره.

***

[مسأله 11: اذا كان الشي ء بيد شخصين كالشريكين يسمع قول كل منهما فى نجاسته]

قوله رحمه اللّه

مسأله 11: اذا كان الشي ء بيد شخصين كالشريكين يسمع قول كل منهما فى نجاسته نعم لو قال احد هما انه طاهر و قال الاخر انه نجس تساقطا كما ان البينة تسقط مع التعارض و مع معارضتها بقول صاحب اليد تقدم عليه.

(1)

اقول: اما وجه سماع قول كل منهما فلان الشي ء تحت يد كل منهما و قول ذي اليد حجة و اما اذا اخبر احد منهما بطهارة ما يكون تحت يدهما و الاخر بنجاسته تساقطا لتساقط كل من المتعارضين في مقام التعارض الّا في خصوص الخبرين كما مرّ في الاصول.

نعم ان كان مستند احد الشّريكين الاصل و مستند الاخر العلم يقبل قول من يكون مستنده العلم كما مر في طى المسألة 7 من المسائل التي تعرضنا في فصل ماء البئر النابع.

اما اذا تعارضت البينة مع قول ذي اليد تقدم

البينة الّا اذا كان مستندها الاصل فيقدم قول ذي اليد عليها فى هذه الصورة كما مرّ بيانه في المسألة 7 من

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 296

المسائل المتعرضة في فصل ماء البئر النابع من الكتاب فراجع.

***

[مسأله 12: لا فرق في اعتبار قول ذي اليد بالنجاسة]

قوله رحمه اللّه

مسأله 12: لا فرق في اعتبار قول ذي اليد بالنجاسة بين ان يكون فاسقا او عادلا بل مسلما او كافرا.

(1)

اقول: لشمول دليل اعتباره لكل هذه، نعم يجب ان لا يكون متهما كما مر بيانه في فصل ماء البئر النابع.

***

[مسئلة 13: في اعتبار قول صاحب اليد اذا كان صبيّا]

قوله رحمه اللّه

مسئلة 13: في اعتبار قول صاحب اليد اذا كان صبيّا اشكال و ان كان لا يبعد اذا كان مراهقا.

(2)

اقول: قد عرفت ان العمدة في حجية قول ذى اليد هو سيرة العقلاء و لم يردع عنه الشارع و لا فرق عند العقلاء بين كون ذي اليد بالغا او غير بالغ نعم يشكل تحقق السيرة في غير البالغ الذي لا يكون مميزا فافهم.

***

[مسأله 14: لا يعتبر في قبول قول صاحب اليد ان يكون]

قوله رحمه اللّه

مسأله 14: لا يعتبر في قبول قول صاحب اليد ان يكون قبل الاستعمال كما قد يقال فلو توضأ شخص بماء مثلا و

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 297

بعده اخبر ذو اليد بنجاسته يحكم ببطلان وضوئه و كذا لا يعتبران يكون ذلك حين كونه في يده فلو اخبر بعد خروجه عن يده بنجاسته حين كان في يده يحكم بالنجاسة في ذلك الزمان و مع الشك في زوالها تستصحب.

(1)

اقول: لاطلاق دليل اعتبار قول ذي اليد من هذه الجهات المذكورة في المسألة 12 و 13 و 14 فافهم.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 299

[فصل: في كيفية تنجيس المتنجسات]

اشارة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 301

قوله رحمه اللّه

فصل في كيفية تنجيس المتنجسات

يشترط في تنجيس الملاقي للنجس او المتنجس ان يكون فيهما او في احدهما رطوبة مسرية، فاذا كانا جافين لم ينجس و ان كان ملاقيا للميتة، لكنّ الاحوط غسل ملاقي ميّت الانسان قبل الغسل و ان كانا جافّين، و كذا لا ينجس اذا كان فيهما او في احدهما رطوبة غير مسرية، ثم ان كان الملاقي للنجس او المتنجس مائعا ينجس كله كالماء القليل المطلق او المضاف مطلقا و الدهن المائع و نحوه من المائعات، نعم لا ينجس العالي بملاقات السافل اذا كان جاريا من العالي، بل لا ينجس السافل بملاقات العالي اذا كان جاريا من السافل كالفوّارة من غير فرق في ذلك بين الماء و غيره من المائعات، و ان كان الملاقي جامدا اختصت النجاسة بموضع الملاقاة سواء كان يابسا كالثوب اليابس اذا لاقت النجاسة جزء منه او رطبا كما فى الثوب المرطوب او الارض المرطوبة فانّه اذا وصلت النجاسة الى جزء

من الارض او الثوب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 302

لا يتنجس ما يتصل به و ان كان فيه رطوبة مسربة بل النجاسة مختصّة بموضع الملاقاة، و من هذا القبيل الدهن و الدبس.

الجامدان، نعم لو انفصل ذلك الجزء المجاور ثم اتصل تنجس موضع الملاقات منه فالاتصال قبل الملاقات لا يؤثر في النجاسة و السراية بخلاف الاتصال بعد الملاقات، و على ما ذكر فالبطيخ و الخيار و نحوهما مما فيه رطوبة مسرية اذا لاقت النجاسة جزء منها لا يتنجس البقية بل يكفي غسل موضوع الملاقات الا اذا انفصل بعد الملاقاة ثم اتصل.

(1)

اقول: يقع الكلام في الاحكام المذكورة في المسألة في جهات:

الجهة الاولى: يشترط في تنجّس الملاقي للنجس او المتنجس ان يكون فيهما او في احدها رطوبة مسرية
اشارة

فاذا كانا جافين لم ينجس لوجهين:

الوجه الاوّل: دلالة بعض الاخبار على ذلك

نذكر بعضها، منها ما رواها الفضل ابو العباس «قال، قال ابو عبد اللّه عليه السّلام اذا اصاب ثوبك من الكلب رطوبة فاغسله و ان مسّه جافا فاصبب عليه الماء الحديث.» «1»

و منها ما رواها على بن جعفر عن اخيه موسى عليه السّلام «قال سألته عن الرجل يقع ثوبه على حمار ميّت هل يصلح له الصّلاة فيه قبل ان يغسله قال ليس عليه غسله و يصلى فيه و لا بأس» «2».

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 26 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 5 من الباب 26 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 303

بناء على حمل الرواية على صورة كونهما جافين بقرينة ما يدل على تنجّس الثوب اذا كان فيه او في الحمار الميت او فيهما رطوبة مسرية.

و منها ما رواها موسى بن قاسم عن على بن محمد عليهما السّلام «قال سألته عن خنزير اصاب ثوبا و هو جاف هل تصلح الصّلاة فيه قبل ان يغسله قال نعم ينضحه بالماء ثم يصلي فيه الحديث» «1».

و منها ما رواها على بن جعفر عن اخيه موسى بن جعفر عليهما السّلام «قال سألته عن الرجل وقع ثوبه على كلب ميّت قال ينضحه بالماء و يصلي فيه و لا بأس.» «2»

و منها ما رواها عبد اللّه بن جعفر في قرب الاسناد عن عبد اللّه بن الحسن عن جده على بن جعفر «و ذكر الحديث الذي قبله و زاد و سألته عن الرجل يمشى في العذرة و هي يابسة تصيب ثوبه و رجليه هل يصلح له ان يدخل المسجد فيصلّى و لا يغسل ما اصابه قال ان كان يابسا

فلا بأس» «3».

و منها ما رواها الحلبي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «عن الرجل يطأ في، العذرة او البول أ يعيد الوضوء قال و لكن يغسل ما اصابه «4» قال الكليني و في رواية اخرى اذا كان جافا فلا يغسله» «5».

الوجه الثاني: الارتكاز العرفي

فان المرتكز عندهم هو ان منشأ تنجس الملاقي تسرية القذارة من النجس او المتنجس به فلا يأتي بنظرهم قذارة مع عدم

______________________________

(1) الرواية 6 من الباب 26 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 7 من الباب 26 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 8 من الباب 26 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(4) الرواية 15 من الباب 26 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(5) الرواية 16 من الباب 26 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 304

كون رطوبة مسرية في كل من الملاقي و الملاقي او في احدهما و مع هذا الارتكاز لو فرض اطلاق في ادلة تنجس المتنجسات فقدر المتيقن من اطلاقها هو خصوص صورة وجود رطوبة مسرية فيهما او في احدهما لانه المنصرف إليه من الاطلاق.

مضافا الى ما عرفت في الوجه الاول من دلالة بعض الاخبار على انهما اذا كان جافّين لم ينجس الملاقي و هكذا اذا كان في احدهما او في كليهما رطوبة غير مسربة مثل الرواية الاولى، من الروايات المذكورة في الوجه الاول ففيها قال اذا اصاب ثوبك من الكلب فاغسله» و مع كون الرطوبة غير مسرية لم يصدق انه اصاب ثوبك» و العمدة هو الارتكاز العرفي الذي قلنا.

و لا فرق في ذلك بين النجاسات فلا يتنجّس ما يلاقي الميتة و ان كانت ميّت الانسان اذا لم يكن في الملاقي لها رطوبة مسرية لعموم الدليل

من الارتكاز او بعض الاخبار المتقدمة في الحمار الميّت نعم ينبغى الاحتياط في خصوص ميّت الانسان اذا لاقاه قبل الغسل و ان لم يكن في الميت و لا ما يلاقيه رطوبة مسرية و لا يجب ذلك كما مرّ الكلام فيه عند التعرض لنجاسة الميتة فراجع.

الجهة الثانية: اذا كان الملاقي للنجس او المتنجّس مائعا تنجّس كله

كالماء القليل المطلق و المضاف مطلقا و الدهن المائع و نحوه من المائعات.

و يدلّ عليه ما ورد في نجاسة الماء القليل بملاقاته للنجاسة و قد مرّ الكلام فيه و ما مرّ من نجاسة المضاف مطلقا قليله و كثيره و ان كان كرّات.

و ما ورد في المرق الذي وقعت فيه الفارة كما في الرواية «او قطرة خمر او نبيذ مسكر،» في الرواية «1».

______________________________

(1) الرواية 3 من الباب 5 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 305

و ما ورد في خصوص «السمن اذا ماتت فيه الفارة» «1» نعم لا ينجس العالى بملاقات السافل اذا كان جاريا من العالى بل لا ينجس السافل بملاقات العالى اذا كان جاريا من السافل و قد مرّ وجهه في فصل الماء الراكد بلا مادة فراجع.

الجهة الثالثة: اذا كان الملاقي جامدا اختصت النجاسة بموضع الملاقات.

و يدل عليه ما رواها زرارة عن ابي جعفر عليه السّلام «قال اذا وقعت الفارة في السمن فماتت فان كان جامدا فالقها، و ما يليها و كل ما بقي و ان كان ذائبا فلا تاكله و استصبح به و الزيت مثل ذلك». «2»

و قال المؤلف رحمه اللّه «سواء كان يابسا كالثوب اليابس اذا لاقت النجاسة جزء منه او رطبا كما في الثوب المرطوب او الأرض المرطوبة فانه اذا وصلت النجاسة الى جزء من الأرض او الثوب لا يتنجس ما يتصل به و ان كان فيه رطوبة مسرية بل النجاسة مختصة بموضع الملاقات و من هذا القبيل الدهن و الدبس الجامدين نعم لو انفصل ذلك الجزء المجاور ثم اتّصل تنجّس موضع الملاقات منه فالاتصال قبل الملاقات لا يؤثّر في النجاسة و السراية بخلاف الاتصال بعد الملاقات».

اقول اما فيما يكون الملاقي يابسا

كالثوب اليابس فلا اشكال في نجاسة خصوص موضع الملاقات.

و اما فيما كان في الملاقي للنجس او المتنجس رطوبة فتارة لا تكون الرطوبة مسرية فلا اشكال في عدم نجاسة الجزء المتصل بموضع الملاقات أيضا لما قلنا من اعتبار كون الرطوبة مسرية بلا فرق بين صورة الاتصال بذلك الموضع الملاقي او اتصاله بموضع الملاقات بعد صيرورته نجسا.

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 5 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 5 من ابواب الماء المضاف و المستعمل من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 306

و تارة تكون في الموضع الملاقي مع النجس او المتنجس رطوبة مسرية ففي هذه الصورة كما تري اختار المؤلف رحمه اللّه و جماعة من المحشّين التفصيل بين صورة اتصال الثوب او الأرض فقال بعدم صيرورة ما يتصل بالموضع الملاقي للنجس نجسا و ان كان في هذا الموضع رطوبة مسرية و بين ما ينفصل هذا الجزء المتصل ثم اتصل بالموضع الملاقي للنجس فقال بتنجسه لملاقاته مع الموضع الملاقي للنجس مع فرض وجود رطوبة مسرية فى هذا الموضع الملاقي و لم أر فرقا بين الموضعين الّا دعوى ان العرف لا يحكم في الصورة الاولى بان هذا الجزء المتصل اثّر فيه الرطوبة المسرية من المتنجس و لاقاه لكن يحكم بذلك في الصورة الثانية.

***

[مسأله 1: اذا شك في رطوبة احد المتلاقيين]

قوله رحمه اللّه

مسأله 1: اذا شك في رطوبة احد المتلاقيين او علم وجودها و شك في سرايتها لم يحكم بالنجاسة و اما اذا علم سبق وجود المسرية و شك في بقائها فالاحوط الاجتناب و ان كان الحكم بعدم النجاسة لا يخلو من وجه.

(1)

اقول: و اما فيما شك في رطوبة احد المتلاقيين او علم وجودها و شك في سرايتها

فلا يحكم بالنجاسة للشك في تحقق ما هو معتبر في نجاسة الملاقي للنجس فيحكم بطهارة الملاقي.

اما لاستصحاب الطهارة ان كان مستصحب الطهارة.

و اما لاصالة الطهارة للشك في طهارته و نجاسته بل يمكن ان يقال باصالة

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 307

الطهارة في صورة وجود حالة السابقة أيضا لان نفس الشك يكفى في جريان اصالة الطهارة و لا حاجة الى ملاحظة الحالة السابقة و على كل حال لا اشكال في محكومية الملاقي بالطهارة.

و اما اذا علم سبق وجود الرطوبة المسرية و شك في بقائها فالاقوى أيضا الطهارة لان استصحاب الرطوبة المسرية لا يثبت كون الملاقات مع الرطوبة المسرية الا على القول بالاصول المثبتة و وجه الاحتياط الاستحبابى هو ان الواسطة خفيّة لا يعتنى به العرف فيترتب على الاستصحاب الاثر المقصود.

***

[مسأله 2: الذباب الواقع على النجس الرطب]

قوله رحمه اللّه

مسأله 2: الذباب الواقع على النجس الرطب اذا وقع على ثوب او بدن شخص و ان كان فيهما رطوبة مسرية لا يحكم بنجاسته اذا لم يعلم مصاحبته لعين النجس و مجرد وقوعه لا يستلزم نجاسة رجله لاحتمال كونها مما لا تقبلها و على فرضه فزوال العين يكفي في طهارة الحيوانات.

(1)

اقول: الوجه في ذلك هو ان الثوب او البدن في فرض الشك في مصاحبة الذّباب لعين النجس محكوم بالطهارة للاصل و مجرد وقوع الذباب الواقع على النجس الرطب على الثوب لا يوجب نجاسة الثوب اما لاحتمال ان رجل الذباب لا تقبل النجاسة فلا يعلم بالنجاسة و لا يجب الفحص و اما انه لو قبلتها فزوال العين مطهّرها.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 308

[مسأله 3: اذا وقع بعر الفأر في الدهن او الدبس الجامدين]

قوله رحمه اللّه

مسأله 3: اذا وقع بعر الفأر في الدهن او الدبس الجامدين يكفي القائه و القاء ما حوله و لا يجب الاجتناب عن البقية و كذا اذا مشى الكلب على الطين فانّه لا يحكم بنجاسة غير موضع رجله الا اذا كان وحلا و المناط في الجمود و الميعان انه لو اخذ منه شي ء فان بقي مكانه خاليا حين الاخذ و ان امتلأ بعد ذلك فهو جامد و ان لم يبق خاليا اصلا فهو مائع.

(1)

اقول: اما فيما وقع بعر الفأر في الدهن الجامد او غيره فيكفي القائه و القاء ما يليه و لا يجب الاجتناب عن البقية لما دل عليه في بعض الاخبار المتقدم ذكره و يأتى ذكره بعد ذلك إن شاء اللّه عند التعرض لكيفيّة تنجّس المتنجسات في الجامدات و كذلك اذا مشى الكلاب على الطين فانه لا يحكم بنجاسة غير موضع رجله الا اذا كان وحلا

نعم انه بعد ما عرفت في أوّل الفصل في كيفية تنجّس المتنجسات انه اذا كان الملاقي للنجس مائعا ينجس بتمامه لا خصوص موضع ملاقاته مع النجس كما اذا لاقي النجس الماء الذي ينجس بملاقات النجس كالماء القليل.

و اما اذا كان جامدا لا ينجس الا موضع ملاقاته مع النجس.

يقع الكلام في ضابط المائع و الجامد فنقول ان ما ذكر فيه هذا الحيث بعض الاخبار:

منها ما رواها زرارة عن ابى جعفر عليه السّلام «قال اذا وقعت الفارة في السمن فماتت فان كان جامدا فالقها و ما يليها و ان كان ذائبا فلا تأكله و استصبح به و الزيت

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 309

مثل ذلك.» «1»

فان المستفاد منها هو ان في الجامد يؤخذ ما يلي النجس و في الذائب ينجس كله و لو كنا و هذه الرواية لا بدلنا من الرجوع في الجامد و الذائب الى العرف لانه بعد ما لم يبيّن الشارع موضوع الجامد و الذائب فلا بد ان يؤخذ بما هو جامد او ذائب بنظر العرف للاطلاق المقامي.

و منها ما رواها الحلبي «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الفارة و الدابة تقع في الطعام و الشراب فتموت فيه فقال ان كان سمنا او عسلا او زيتا فانه ربما يكون بعض هذا فان كان الشتاء فانزع ما حوله و كله و ان كان الصّيف فارفعه حتى تسرج به و ان كان ثردا فاطرح الذي كان عليه و لا تترك طعامك من اجل دابة ماتت عليه» «2».

و اما بعض الروايات الآخر الوارد فيما وقع في الدّهن او غيره من حيث النّجاسة فليس متعرضا لحيث الفارق بين الجمود و الميعان.

اذا عرفت ذلك

نقول اما رواية زرارة و سماعة فقد فصلتا بين الجامد و الذائب بدون ذكر ما هو الجامد و الذائب، و اما رواية الحلبي فلا يستفاد منها الا انه اذا كان في الشتاء فانزع ما حوله و كل ما بقى و اذا كان في الصيف فارفعه حتى تسرج به و من المعلوم ان السمن في الصيف يكون ذائبا و لهذا قال فارفعه حتى تسرج به و في الشتاء يكون جامدا و لهذا قال فانزع ما حوله و كله فلا يستفاد منها أيضا ضابط للجمود و الميعان فعلى هذا يكون المرجع في تشخيص الجامد و الذائب هو العرف و لا يبعد ان نظر العرف في الجامد ان يكون بحيث اذا اخذ منه شي ء يبقى مكانه خاليا و

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 5 من ابواب الماء المضاف من الوسائل.

(2) الرواية 3 من الباب 43 من ابواب الاطعمة المحرمة من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 310

فى الذائب ان يكون بحيث اذا اخذ منه شي ء لم يبق مكانه خاليا فتأمّل.

***

[مسأله 4: اذا لاقت النجاسة جزء من البدن المتعرّق]

قوله رحمه اللّه

مسأله 4: اذا لاقت النجاسة جزء من البدن المتعرّق لا يسرى الى ساير اجزائه الا مع جريان العرق.

(1)

اقول: لعدم السراية الا مع الجريان.

***

[مسأله 5: اذا وضع ابريق مملوّ ماء على الأرض النجسة و كان في اسفله ثقب]

قوله رحمه اللّه

مسأله 5: اذا وضع ابريق مملوّ ماء على الأرض النجسة و كان في اسفله ثقب يخرج منه الماء فان كان لا يقف تحته بل ينفذ في الأرض او يجري عليها فلا يتنجّس ما في الابريق من الماء و ان وقف الماء بحيث يصدق اتحاده مع ما في الابريق بسبب الثقب تنجّس و هكذا الكوز و الكاس و الحبّ و نحوها.

(2)

اقول: اما فيما يخرج الماء من الابريق و نظيره و لا يقف تحته بل ينفذ في الأرض او يجري عليها فلا يتنجّس ما في الابريق من الماء لما مرّ في أوّل الفصل من ان الماء الدافع لا يتنجس و ان كان سافلا بالنسبة الى النجس و اما اذا وقف الماء تحت الابريق بحيث يصدق اتحاده مع ما في الابريق من الماء بسبب الثقب الذي في

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 311

الابريق ينجس الماء الواقع في الابريق بشرط عدم خروج الماء من الابريق مع كونه دافعا كالصورة الاولى.

و يحتمل كون نظر المؤلف رحمه اللّه صورة عدم كون الماء الواقع في الابريق دافعا بقرينة فرض الاوّل الخارج من الابريق.

***

[مسأله 6: اذا خرج من انفه نخاعة غليظة و كان عليها نقطة من الدم]

قوله رحمه اللّه

مسأله 6: اذا خرج من انفه نخاعة غليظة و كان عليها نقطة من الدم لم يحكم بنجاسة ما عدا محله من ساير اجزائها فاذا شك في ملاقات تلك النقطة لظاهر الانف لا يجب غسله و كذا الحال في البلغم الخارج من الفم.

(1)

اقول: مضى انه مع كون الشي ء جامدا لا ينجس الّا موضعا يسرى النجس فيه بوجود رطوبة مسرية فيهما او فى احدهما و فى المقام بعد كون النخاعة غليظة فلا ينجس غير النقطة فاذا شك في ملاقات الظاهر معها فالظاهر محكوم

بالطهارة للاصل.

***

[مسأله 7: الثوب او الفرش الملطخ بالتراب النجس]

قوله رحمه اللّه

مسأله 7: الثوب او الفرش الملطخ بالتراب النجس يكفيه نفضه و لا يجب غسله و لا يضر احتمال بقاء شي ء منه بعد

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 312

العلم بزوال القدر المتيقن.

(1)

اقول: في الفرض ليس النجس الا التراب و على فرض خروجه بالنفض يكفي ذلك مضافا الى دلالة ما رواها على بن جعفر في رواية «و سألته عن الرجل يمرّ بالمكان فيه العذرة فتهب الريح فتسفي عليه من العذرة فيصيب ثوبه و راسه يصلّى فيه قبل ان يغسله قال نعم ينفضه و يصلّى فلا بأس.» «1»

و امّا مع احتمال بقاء شي ء منه فتارة يكون، المورد من قبيل الاقلّ و الاكثر مثل انّه يعلم بتلطّخ ثوبه بمقدار من التراب النجس و يشكّ من اوّل الامر في الازيد من ذلك المقدار ففي هذا المورد اذا خرج بالنفض ما علم من الاول فبالنسبة الى الزائد يجري الاصل و لا يضرّ هذا الاحتمال.

***

[مسأله 8: لا يكفي مجرد الميعان في التنجس]

قوله رحمه اللّه

مسأله 8: لا يكفي مجرد الميعان في التنجس بل يعتبران يكون مما يقبل التأثر و بعبارة أخرى يعتبر وجود الرطوبة في احد المتلاقيين فالزئبق اذا وضع في ظرف نجس لا رطوبة له لا يتنجّس و ان كان مائعا و كذا اذا اذيب الذهب او غيره من الفلزّات في بوطقة نجسة او صبّ بعد الذوب في ظرف نجس لا ينجس الا مع رطوبة الظرف او وصول رطوبة نجسة

______________________________

(1) الرواية 12 من الباب 26 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 313

إليه من الخارج.

(1)

اقول: منشأ ذلك هو ارتكاز العرفي على ان المعتبر وجود الرطوبة في احد المتلاقيين كي يسري القذارة من النجس او المتنجس الى الملاقي

و في الزئبق و نظائره ليست هذه الرطوبة نعم لو وصل إليه رطوبة من الخارج او كان في النجس رطوبة يتنجس ظاهره و يكون قابلا للتطهير أيضا.

***

[مسأله 9: المتنجّس لا يتنجّس ثانيا]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسأله 9: المتنجّس لا يتنجّس ثانيا و لو بنجاسة أخرى لكن اذا اختلف حكمهما يترتب كلاهما فلو كان لملاقي البول حكم و لملاقي العذرة حكم آخر يجب ترتيبهما معا و لذا لو لاقي الثوب دم ثم لاقاه البول يجب عليه غسله مرتين و ان لم يتنجّس بالبول بعد تنجّسه بالدم و قلنا بكفاية المرة في الدم و كذا اذا كان في اناء ماء نجس ثم ولغ فيه الكلب يجب تعفيره و ان لم يتنجّس بالولوغ و يحتمل ان يكون للنجاسة مراتب في الشدة و الضعف و عليه يكون كل منهما مؤثرا و لا اشكال.

(2)

اقول: اعلم ان النجاسة الاخرى الطارية على ما تنجس بالنجاسة الاولى.

تارة تكون من نوع النجاسة الاولى كما اذا تنجس الثوب بالدم ثم يقع فيه دم آخر أيضا و تارة تكون من غير نوع النجاسة الاولى و لهذه الصورة صورتان لان النجاسة الثانية اما لم يكن لها حكم زائد على ما رتب على الاولى كما اذا لاقى الثوب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 314

الدم ثم لاقاه العذرة بعد ذلك و اما ان يكون لها حكم زائد على الاولى كما اذا لاقي الثوب الدم ثم لاقاه البول فللبول حكما زائدا و هو الغسل مرتان.

اذا عرفت ذلك نقول تارة نلتزم بتداخل الاسباب في كل من الصورتين حتى فيما تكون الاسباب من غير نوع واحد ففي الصورة الاولى من الثانية لا يجب الّا الغسل مرة واحدة لا الغسل مرة لاحدى النجاستين و الغسل

مرة اخرى للأخرى منهما.

و اما في الصورة الثانية من الثانية و هى الصورة التي تقتضي النجاسة الثانية حكما زائدا يجب اعمال الحكم الزائد ففى المثال يجب الغسل مرتين لان النجاسة الثانية و هى البول تقتضي تعدد الغسل.

و محلّ الكلام في التداخل فيما يكون السبب متعددا

و يقتضي كل واحد من الاسباب ما يقتضي السبب الاول، و بعبارة اخرى يكون مورد النزاع في تداخل الاسباب ما اذا كان المسبّب يقتضي بإطلاقه نفس الطبيعة و ايجادها، و لهذا يقع التعارض بين ظهور الاسباب في علّية كل منها مستقلا لايجاد المسبب و بين اطلاق المسبب و عدم اقتضائه انفس ايجاد الطبيعة، فعلى هذا اذا اقتضي سبب ايجاد الفرد من الطبيعة و اقتضى سبب آخر فردين من الطبيعة الفردين من الطبيعة بظهور الدليل، مثل ما اذا قال المولى اذا لاقي الدم ثوبك فاغسله مرة و اذا لاقاه البول فاغسله مرتين فهو خارج عن حريم نزاع تداخل الاسباب ففي ما نحن فيه بعد ما كان للنجاسة الثانية اثرا زائدا سواء كان من جنس الاثر الاول، مثل ما اذا قال اغسل عن البول مرتين بعد ما قال اغسل عن الدم الملاقي للثوب مرة فلاقاه الدم ثم لاقاه البول فليس من باب تداخل الاسباب لان البول ليس مسبّبه طبيعة الغسل بل فردان من الغسل ففي مثل ذلك نقول بالغسل مرتين للدم و البول لانه بعد كون البول

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 315

سببا للغسل مرتين يحصل الامتثال بالغسل مرتين و يحصل بذلك امتثال الامر المتعلق بطبيعة الغسل بملاقات الدم لانه بعد عدم كون الدم موجبا و سببا الا الطبيعة الغسل بدون خصوصيّة زائدة على ذلك ففي الفرض يتحقق امتثال امره بحصول طبيعة الغسل بالغسل مرتين أيضا

و هذا ليس من باب تداخل الاسباب بل من باب تحقق العنوانين في ضمن امتثال واحد مثل ما اوجب المولى اكرام طبيعة الهاشمي و طبيعة العالم فيحصل الامتثال باكرام العالم الهاشمي ففي هذه الصورة يحصل الامتثال بما قلنا و ان لم نقل بتداخل الاسباب.

و كذلك فيما تقتضي النجاسة الثانية اثرا آخرا غير الغسل مثل ولوغ الكلب فلو تنجس أولا بالدم ثم بولوغ الكلب يجب التعفير و الغسل و به يحصل امتثال الامرين فافهم.

اما فيما يكون السّببان من نوع واحد

مثل ما اذا لاقي البول الثوب مرتين فيمكن ان يقال بكفاية الاتيان بجزاء واحد و بعبارة اخرى بمسبب واحد فيكفي الغسل مرتين في الماء القليل لانه لا يستفاد من الادلة الواردة في غسل ملاقي النجس الا جنس النجس فاذا قال اغسل ثوبك عن بول ما لا يؤكل لحمه لا يستفاد منه الا وجوب الغسل بملاقات جنس البول و كذلك في الدم و غيره مضافا الى الوجه الذي نقول به فيما اختلف السببان بمعنى عدم كونهما من نوع واحد مثل ما اذا لاقي الدم الثوب ثم لاقاه نجاسة اخرى فنقول اما فيما كان للنجاسة العارضة ثانيا اثرا زائدا على النجاسة الاولى مثل ما لاقي ثوبك دم ثم لاقاه البول فقد عرفت الكلام فيه و انه ليس من صغريات نزاع تداخل الاسباب و يكفي الغسل مرتين في المثال.

و اما فيما لم يكن للنجاسة الثانية اثرا زائدا

مثل ما لاقي الثوب الدم ثم العذرة بناء على عدم تداخل الاسباب قد يقال بانه لا بد من تعدد المسبب بتعدد السبب

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 316

فيجب الغسل مرة للدم و مرتين في الماء القليل للبول.

و قد يقال بعدم تعدد المسبب من باب ان محلّ النزاع في تداخل الاسباب يكون فيما يقبل المسبب للتعدد و اما فيما لا يقبل التعدد فلا مجال للنزاع في التداخل و عدمه مثلا اذا قال من قتل مؤمنا يجب قتله و من سبّ النبي صلّى اللّه عليه و آله و سلّم نعوذ باللّه يجب قتله ثم انّ رجلا قتل مؤمنا و سبه صلّى اللّه عليه و آله و سلّم فلا مجال للنزاع في انه هل تعدد السبب يوجب تعدد المسبب أم لا لان المسبب و هو القتل غير قابل

للتكرر فمثل هذا المورد خارج عن حريم النزاع فلذلك يقال فيما نحن فيه بانه بعد كون هذه النجاسات كما يظهر من اسمائها نجاسات و قذارات موجبة للنجاسة و حيث يوجب النجاسة غسل ملاقيها يقال ان النجاسة المسببة من البول او غيره من النجاسات الموجبة لغسل ملاقيها غير قابلة للتكرر لان النجاسة القذارة و هى كالقتل غير قابلة للتكرر.

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى؛ ج 2، ص: 316

ان قلت بناء على هذا فلو تنجس الشي ء بنجاسة لا توجب الا الغسل مرة ثم تنجّس بما يوجب الغسل مرتين يكون لازم ما قلت عدم وجوب الغسل الا مرة واحدة لان النجاسة الثانية لا تؤثر حيث انها غير قابلة للتكرر.

قلت بان النجاسة و القذارة غير قابلة للتكرر لا بمرتبة اخرى فالقذارة الموجبة للغسل مرة قذارة واحدة سواء تحقق بالدم او بالعذرة فاذا تحققت بالدم لا يوجب ملاقاة العذرة قذارة اخرى لان القذارة فى هذه المرتبة غير قابلة للتكرر و اما القذارة بالمرتبة الاشد فالمحل قابل لهذه الزيادة فلو لاقي الثوب الدم تختص القذرة فيه بمرتبته فلو لاقي هذا الثوب مع البول ففي المرتبة المتحدة مع القذارة الاولى الموجبة للغسل مرة غير قابلة للتكرر و اما في المقدار الزائد و هى المرتبة الاشد و هى الغسل مرتبة اخرى تؤثر هذه المرتبة من القذارة و تكون النتيجة وجوب الغسل مرتين فيتداخلان في المرة الاولى من الغسل لا في الغسل مرة ثانية.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 317

هذا غاية ما يمكن ان يقال في توجيه هذا الوجه و مال إليه

بعض اعاظم المعاصرين حين ما تكلمت معه.

و فيه اما أولا ان الجزاء ان كانت النجاسة مثلا قال اذا لاقي البول الثوب ينجس الثوب و اذا لاقي معه الدم ينجس كان مجال لان يقال ان النجاسة الواقعة جزاء لا تتكرر فما نحن فيه خارج عن محل نزاع تداخل الاسباب بل لا بد فيه عن الالتزام بتداخل الاسباب لان النجاسة كالقتل غير قابلة للتكرر لكن ليست النجاسة في لسان الادلة جزاء بل الغسل يكون الجزاء و الواجب المسبب عن ملاقاة النجاسات هو الغسل مثلا قال اغسل عن البول او اذا لاقي البول شيئا فاغسله و هكذا في الدم و ساير النجاسات و الغسل يكون قابلا للتكرر و لهذا يجري فيه نزاع تداخل الاسباب.

و أما ثانيا فلو فرض كون النجاسة مترتبة على السبب مثلا قال البول ينجس ملاقيه او اذا لاقي الدم ثوبك فهو نجس و قلنا بان النجاسة و القذارة امر يحصل للشي ء بملاقاته لهذه النجاسات فاذا تنجّس ليس قابلا لحمل نجاسة اخرى عليه لان النجاسة غير قابلة للتكرر و لو كان للنجاسة الاخرى اثرا زائدا على النجاسة الاولى فلازم ذلك انّه لو تنجّس الشي ء أوّلا بالدم ثم بالبول لا يكون الواجب الا الغسل مرة واحدة لعدم قابلية المحل لنجاسة اخرى و اذا لم يكن قابلا لتحمل نجاسة اخرى لا يجب ترتيب الاثر الزائد و الا يلزم كون الحكم بلا موضوع لان الغسل مرتان اثر نجاسة البول و بعد عدم تاثير نجاسة البول على الفرض بعد تاثير نجاسة الدم فلا يمكن ترتب اثر البول من الغسل مرتين لعدم تعقل الحكم بلا موضوع و دعوى ان النجاسة الواقعة من النجاسة الثانية لا تؤثر في خصوص مرتبة النجاسة الاولى

لا في المقدار الزائد فالقذارة الحاصلة من البول بعد الدم لا تتكرر في خصوص

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 318

الغسل مرة واحدة لان القذارة حصلت في الشي ء لملاقات في هذه المرتبة فلا يؤثر فيه القذارة الحاصلة من البول بعده في هذه المرتبة و امّا في المقدار الزائد يكون مؤثرا فهى دعوى لا دليل له لان النجاسة ان لم تكن قابلة للتكرر فلا تؤثر نجاسة البول بعد تاثير نجاسة الدم فاذا لم تؤثر نجاسة البول فما الوجه في وجوب غسل مرة اخرى للاثر الزائد.

الا ان يقال يكون النجاسة امرا واحدا ذي مراتب فعلى هذا تؤثر النجاسة الثانية للمرتبة الاشد فلا يكون ترتب، اثر الزائد الا لاجل حدوث مرتبته فلا يكون مجال للاشكال بان الحكم يكون بلا موضوع لان موضوعه مرتبته.

اقول و هذا الاشكال و ان لم يرد على هذا الوجه لكن يرد عليه الاشكال الاول.

و قد يقال كما لا يبعد انه الوجه في التداخل و عدم تاثير النجس في المتنجس ثانيا في الاثر المشترك هو تسالم الاصحاب على ذلك و انّهم في المثال لا يوجبون الا الغسل مرتان و ان لاقي الثوب او غيره الدم و البول لا الغسل ثلاث مرات مرة للدم بالخصوص و مرتين للبول بالخصوص و اما اذا لم يكن لاحدى النجاستين اثرا زائدا على الأخرى مثل ما اذا لاقاه الدم ثم لاقاه العذرة فلا يجب الا غسل الملاقي مرة واحدة و هذا المقدار مورد تسالمهم و ان كان كلامهم مختلفا من حيث وجه ذلك و ان ذلك هل يكون من باب عدم تنجّس الشي ء ثانيا بعد تنجّسه فلا يوجب لسبب ملاقاة النجاسة الثانية شي ء الا اذا كانت لها

اثرا زائدا.

أو انّ الملاقي تنجّس بالثانية، و لكن لا يترتب حكم النجاسة في الاثر المشترك و هو الغسل مرة اخرى.

فتخلص مما مرّ ان النجاسة العارضة ثانيا للشي ء ان كان من جنس الاول فلا

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 319

اشكال في عدم احداثها اثرا زائدا و لو لم نقل بتداخل الاسباب لان المراد من المسبّب هو الجنس و ان جنس الدم مثلا يوجب الغسل مرة و ان لاقي الشي ء مراتا عديدة مضافا الى التّسالم.

اما فيما توجب اثرا زائدا

مثل ما لاقي الثوب الدم ثم لاقاه البول فلا اشكال في ترتب الاثر الزائد فيجب الغسل مرتين لما قلنا من ان المورد خارج عن محل النزاع في تداخل الاسباب فعلى هذا يجب ترتيب الاثر الاشد ففي المثال يجب الغسل مرتين فقط للدم و البول لا ثلاث مرات لان البول يتعين المرتين و حيث ان الدم لا يقتضي الا صرف الوجود من الغسل فبالغسل مرتان يحصل امتثال امر الدم كما عرفت منّا بيانه.

و اما فيما لا توجب الثانية اثرا زائدا على الاثر الاولى

و ان كانت من غير جنس الاولى مثل ما اذا لاقي الثوب الدم ثم لاقاه العذرة فلا يجب الا الغسل مرة واحدة لاجل تسالم الاصحاب على ذلك و لعل منشأ تساؤلهم هو ان النجاسات ليست متباينات بل النجاسة امر واحد ذو مراتب فبعد كون النجاستين لا توجبان الا مرتبة واحدة من القذارة و النجاسة فلا يتأتى من قبل النجاسة الثانية بعد عدم كون اثر زائد لها على الاولى مرتبة اخرى من القذارة لان ذلك تحصيل الحاصل و على هذا يمكن ان يقال انّ المتنجس لا يتنجس ثانيا اى لا يقبل لقبول مرتبة ثانية للمرتبة الواحدة لها و بعد كون الاكتفاء فى هذه الصورة بما اقتضت النجاسة الملاقية أولا لا ازيد منه و ان لاقته نجاسة اخرى من باب تسالم الاصحاب و لا ندري ان وجه تسالمهم هو تداخل الاسباب يعنى عدم اقتضاء الثانية اثرا زائدا او تداخل المسببات بمعنى انه مع اقتضاء كل من النجاستين للغسل لكن يتداخلان في المسبب فيكتفي المسبب الواحد لكل منهما كما نقول في الاغسال المتعددة بمقتضى الرواية

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 320

فلا يمكن ان يقال بان النجس لا ينجس ثانيا لاحتمال انه مع

اقتضائه للتنجيس ثانيا لكن يتداخلان في المسبب و يقتضيه عدم الزام الثّانية مسبّبا مستقلا و يأتي الكلام في مسئلة مطهرية التراب بما يناسب المقام إن شاء اللّه.

***

[مسأله 10: اذا تنجس الثوب مثلا بالدم مما يكفي فيه غسله مرة و شك في ملاقاته للبول]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسأله 10: اذا تنجس الثوب مثلا بالدم مما يكفي فيه غسله مرة و شك في ملاقاته للبول أيضا مما يحتاج الى التعدد يكتفي فيه بالمرة و يبني على عدم ملاقاته للبول و كذا اذا علم نجاسة اناء و شك في انه ولغ فيه الكلب أيضا أم لا؟ لا يجب فيه التعفير و يبني على عدم تحقق الولوغ نعم لو علم تنجّسه اما بالبول او الدم و اما بالولوغ او بغيره يجب اجراء حكم الاشد من البول و التعفير في الولوغ.

(1)

اقول: في المسألة صورتان:

اما الصورة الاولى و هى ما اذ علم بنجاسة الثوب مثلا بما يكتفي فيه بالمرّة

و شك في تنجّسه بما يجب فيه مرتان او علم بتنجسه بما يجب فيه الغسل فقط و شك في انه هل تنجّس بما يجب فيه التعفير أم لا فلا يجب الا ترتب اثر الاخف مثلا في المثال الاول الذي مثّل به المؤلف رحمه اللّه يجب الغسل مرة واحدة و في المثال الثاني يجب الغسل فقط لا التعفير لان المورد من صغريات القسم الثالث من الكلي و قد بيّنا في الاصول ان الحق فيه عدم اجراء استصحاب الكلي كما لا مجال لاستصحاب الفرد.

و اما الصورة الثانية و هى ما اذا علم بوقوع نجاسة في ثوبه

لكن لا يدري ان

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 321

النجاسة العارضة مما يكفي فيه المرة او مرّتان مثل ما اذا لم يعلم ان النجاسة العارضة كانت الدم او البول او انّ النجاسة المعلومة عروضها كانت مما يجب فيه الغسل او يجب فيه التعفير و الغسل مثل ما اذا علم بتنجس إنائه لكن لا يدري انه لاقاه الدم حتى يجب الغسل فقط او لاقاه الكلب حتى يجب التعفير و الغسل فقال المؤلف رحمه اللّه يجب اجراء حكم الاشد.

اقول هذه الصورة تكون من قبيل القسم الثاني من استصحاب الكلي و قد بيّنا في الاصول ان فى هذا القسم يكون لاستصحاب نفس الكلي مجال ان كان له اثر شرعيا و اما استصحاب الفرد فلا مجال لجريانه فعلى هذا نقول حيث انه ليس لكلى النجاسة اثرا شرعى بل الاثر مترتب على الفرد فان الدم و هو فرد من النجس يوجب الغسل مرة و البول و هو فرد آخر يوجب الغسل مرتين او ولوغ الكلب يوجب التعفير فليس للكلي اثر حتى يستصحب و الفرد الاشد مشكوك لا مجال لاستصحابه بعد الغسل مرة فيما دار

الامر بين الدم و البول و كذلك فيما دار الامر بين الغسل فقط او التعفير و الغسل هذا كله بناء على كون النجاسة امرا واحدا ذي مراتب مختلفة من حيث الشدة حتى يتصوّر لها كلّيا يكون كل فرد من النجاسات فردا لهذا الكلي كما هو الحق و مضى بعض الكلام فيه في السابقة.

و اما بناء على كون النجاسات متباينات لا من قبيل الافراد للكلي فيعلم اجمالا بوجود احد المتباينين فيعلم اما بوجوب الغسل مرة او مرتين او الغسل او التعفير و الغسل كما قلنا في العلم الاجمالي فيما دار الامر بين المتباينين بانه يجب الاحتياط بفعل الطرفين اذ كان المطلوب فعلهما و ترك الطرفين ان كان المطلوب تركهما فكذلك في المقام لكن ليس المورد من قبيل المتباينين كما عرفت فافهم.

***

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 322

[مسأله 11: الاقوى ان المتنجس منجّس كالنجس]
اشارة

قوله رحمه اللّه

مسأله 11: الاقوى ان المتنجس منجّس كالنجس لكن لا يجري عليه احكام النجس فاذا تنجّس الاناء بالولوغ يجب التعفير لكن اذا تنجّس اناء آخر بملاقات هذا الاناء او صبّ ماء الولوغ في اناء آخر لا يجب فيه تعفيره و ان كان الاحوط خصوصا في الفرض الثاني و كذا اذا تنجّس الثوب بالبول وجب تعدد الغسل لكن اذا تنجّس ثوب آخر بملاقات هذا الثوب لا يجب فيه التعدد و كذا اذا تنجّس شي ء بغسالة البول بناء على نجاسة الغسالة لا يجب فيه التعدد.

(1)

اقول:

اما الكلام في ان المتنجس منجّس كالنجس فمن حيث الفتوى

مما لا اشكال فيه لانه المشهور بل ادعى عليه الاجماع بل ادعى انه من الضروريات و لا اشكال في كونه من ضروريات فقهنا و ان لم يكن من ضروريات المذهب و لم ينقل مخالف في ذلك من فقهائنا رضوان اللّه تعالى عليهم الا ما نسب الى السيد و الحلي رحمهما اللّه على ما يقال و يستفاد من عبارتهما انهما لا يكونان مخالفين في هذه الجهة نعم من يقول بعدم تنجّس المتنجس و يعرف بذلك هو الفيض الكاشاني رحمه اللّه.

و اما من حيث النص
اشارة

فياتي إن شاء اللّه بعد ذلك و على كل حال ما يمكن ان يكون وجها لكون المتنجس منجس امور:

الامر الاول: اجماع العلماء

خلفا عن سلف و ارساله ارسال المسلمات.

الامر الثاني: معروفية ذلك عند المتشرعة

و مغروسيته في اذهانهم بحيث انه يستكشف من ذلك وصول الحكم إليهم من المعصومين عليهم السّلام.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 323

الامر الثالث: الاخبار

و هى كثيرة فمن يراجع الاخبار في الابواب المتفرقة يجد ذلك في اخبارنا كثيرا لا حاجة الى ذكر كلها بل نذكر عدة منها تبرّكا إن شاء اللّه تعالى:

منها ما رواها عمار بن موسى الساباطي «انه سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل يجد في إنائه فارة و قد توضّأ من ذلك الاناء مرارا او اغتسل منه او غسل ثيابه و قد كانت الفارة متسلّخة فقال ان كان رآها في الاناء قبل ان يغتسل او يتوضأ او يغسل ثيابه ثم يفعل ذلك بعد ما رآها في الاناء فعليه ان يغسل ثيابه و يغسل كلما اصابه ذلك الماء و يعيد الوضوء و الصّلاة و ان كان انّما رآها بعد ما فرغ من ذلك و فعله فلا يمسّ من الماء شيئا و ليس عليه شي ء لانه لا يعلم متى سقطت فيه ثم قال لعلّه ان يكون إنّما سقطت فيه تلك الساعة التي رآها». «1»

منها ما رواها ابو بصير عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال سألته عن الجنب يحمل «يجعل في» الركوة او التور يدخل اصبعه فيه قال ان كانت يده قذرة فاهرقه و ان كان لم يصبها قذر فليغسل منه هذا مما قال اللّه تعالى مٰا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ.» «2»

منها ما رواها المعلّى بن خنيس «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الخنزير يخرج من الماء فيمرّ على الطريق فيسيل منه الماء امرّ عليه حافيا فقال أ ليس ورائه شي ء جاف قلت بلى قال فلا بأس ان

الارض يطهر بعضها بعضا». «3»

منها ما رواها محمد بن مسلم قال سألت أبا جعفر عليه السّلام عن آنية اهل الذمة و

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 4 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(2) الرواية 11 من الباب 8 من ابواب الماء المطلق من الوسائل.

(3) الرواية 3 من الباب 32 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 324

المجوس فقال لا تاكلوا من آنيتهم و لا عن طعامهم الذي يطبخون و لا في آنيتهم التي يشربون فيها الخمر.» «1»

منها ما رواها عمار الساباطي عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «في حديث قال سئل عن الموضع القذر يكون في البيت او غيره فلا تصيبه الشمس و لكنه قد يبس الموضع القذر قال لا يصلي عليه و اعلم موضعه حتى تغسله و عن الشمس هل تطهر الارض قال اذا كان الموضع قذرا من البول او غير ذلك فاصابته الشمس ثم يبس الموضع فالصلاة على الموضع جائزة و ان اصابته الشمس و لم يبس الموضع القذر و كان رطبا لا يجوز الصّلاة حتى يبس و ان كان رجلك رطبا و جبهتك رطبة او غير ذلك منك ما يصيب ذلك الموضع القذر فلا تصل على ذلك الموضع حتى يبس و ان كان غير الشمس اصابه حتى ييبس فانه لا يجوز ذلك.» «2»

هذا كله بعض الاخبار المستفاد منه ان المتنجس ينجس كالنجس و يوجد فيما بايدينا من الاخبار غير ذلك و فيما ذكرنا غنى و كفاية، فلا مجال بعد ذلك لانكار ان المتنجس ينجّس كالنجس.

بل نقول بان المذكور فيما بايدينا من الاخبار ليس هذا الاصطلاح اعنى اطلاق النجس على خصوص الاعيان النجسة و اطلاق المتنجس على

ما يلاقي هذه الاعيان بل هذا اصطلاح من الفقهاء بل المذكور في نوع النجاسات ليس تعبير النجس اصلا بل تستفاد النجاسة من لازم آخر و هو الامر بالغسل او التعفير و الغسل فكما يطلق على عين النجس انه نجس أو أمر بغسل ملاقيه او عدم جواز الصلاة معه كذلك يقال في ما يلاقي عين النجس لانه كما لاحظت في هذه الاخبار

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 14 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 4 من الباب 29 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 325

الامر بغسل ما يلاقي ملاقي النجس او عدم الصّلاة فيه او اهراقه فهو أيضا نجس مثل عين النجس فكلّ من الاعيان النجسة و ما يلاقيها نجس لان القذارة الحكميّة كالقذارة العينيّة عند الشارع فحكمه بغسل ملاقي النجس الحكمي اعني الملاقي لملاق العين النجس كحكمه بغسل ملاقي عين النجس.

ان قلت سلّمنا انّ ما يلاقي بلا واسطة للنجس ينجس ما يلاقيه و اما ازيد من ذلك فلا دليل عليه و بعبارة اخرى ما يلاقي النجس بواسطة واحدة يصير نجسا و اما فيما يلاقي ملاقى ملاقي النجس او ملاقي ملاقي ملاقي النجس لا دليل على تنجّسه خصوصا فيما تكون الوسائط كثيرة مثلا مائة وسائط.

قلت بعد ما نرى تنجس ملاقي المتنجس بحكم الاخبار نقول بان مورد الاخبار و ان كانت الواسطة الاولى لكن نعلم ان وجه تنجس ملاقي النجس و كونه موجبا لتنجيس ملاقيه كعين النجس ليس الا كونه واجدا للنجاسة و القذارة الحكمية فالمناط هو وجود القذارة و النجاسة الحكميّة فلا فرق مناطا بين ان تكون الواسطة قليلة او كثيرة.

مضافا الى انه بالنسبة الى ازيد من الواسطة واحدة

يمكن دعوى تحقق الاجماع و السيرة على الاجتناب عنه لكن العمدة في الباب بنظري القاصر هو الاخبار لان الاجماع يمكن ردّه و عدم كونه دليلا مستقلا من باب احتمال كون وجه اتفاقهم هو الاخبار فلا يمكن كشف اجماع و اتفاق يكشف عن وجود نص في المسألة لم يبلغ بايدينا.

نعم لا يمكن انكار السيرة في الجملة على الاجتناب عن ملاقي المتنجسات كنفس النجاسات.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 326

و إما ما قاله العلامة الهمداني «1» «الحاج آقا رضا رحمه اللّه» في جواب ما قلنا من المناط الموجود فيما يكون الوسائط كثيرة من انّه يمكن الفرق بين قلة الوسائط و كثرتها بانه يحتمل ان يكون لقلة الوسائط دخلا في التأثير فلا يمكن حصول العلم بالمناط.

ففيه انه بعد ما عرفت من ان المناط و الّذي اوجب تنجيس المتنجس ليس الّا ما فيه من النجاسة الحكميّة و هذا المناط موجود في كلّ ما يلاقي المتنجس و ان كان المتنجس ملاقيا للنجس بوسائط كثيرة.

و اما ما يمكن ان يستدل به لمختار المحدث الكاشانى رحمه اللّه امور:
[الامر الاول الاخبار]
الرواية الاولى: و هو العمدة ان ما في الباب

بعض الروايات الّذي يمكن الاستدلال به لمختاره الرواية الاولى ما رواها سماعة «قال قلت لابى الحسن موسى عليه السّلام انّى ابول ثم اتمسّح بالاحجار فيجي ء من البلل ما يفسد سراويلى قال ليس به بأس» «2»

وجه الاستدلال ان ملاقى النجس و هو موضع خروج البول بعد مسح العين بالاحجار ان كان متنجّسا فينجّس البلل الخارج فقوله عليه السّلام لا بأس دليل على عدم تنجيس المتنجس.

و فيه ان الرواية تدلّ على كفاية الاحجار في طهارة مخرج البول كما عليه العامة خلافا للحق المختار من انه لا بدّ من الاقتصار بالماء في طهارة مخرج البول فالرواية صدرت تقيّة فليست بحجّة.

______________________________

(1) الرواية 4 من الباب 13 من

ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(2) مصباح الفقيه، ج 8، ص 18.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 327

الرواية الثانية: ما رواها حنان بن سدير

«قال سمعت رجلا سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام فقال انّي ربّما بلت فلا اقدر على الماء فيشتدّ ذلك عليّ فقال اذا بلت و تمسّحت فامسح ذكرك بريقك فان وجدت شيئا فقل هذا من ذلك.» «1»

وجه الاستدلال انه لو كان المتنجس منجسا لتنجس الريق فلا يعالج به و لا يدفع به الشك.

و فيه انه تارة يقال ان الموضع يطهر بالمسح و مجرد ازالته و هو ما لا يقال به في موضع البول فالرواية تسقط عن الحجية.

و تارة يقال انّ الموضع باق على نجاسته فما يشتد عليه ان كان خروج البول فما ذكر عليه السّلام لا يؤثر في رفع شدته لو مسح ريقه بموضع خروج البول لأنّه بعد خروج البول ينجس قطعا الّا بان يمسح بريقه غير موضع خروج البول حتى اذا راى و تنبّه ببلل يحمل على انه من ريقه و بعبارة اخرى يقع بذلك في الشك فيمكن له اجراء اصالة الطهارة و ان كان وقوع الشدة و الضيق على السائل في الرواية كان من باب احتمال خروج بلل مشتبه فهو ان المستبرأ مع خروج شي ء لا ينجس بدنه و ثوبه بخروج الخارج و لو لم يمسح بريقه بناء على عدم المتنجّس فالمحتمل ان كان هذا الفرض فهو يصير دليلا على ان المتنجس منجّس و لهذا امر بهذه الحيلة و ان كان السابق اعنى احتمال خروج البول فأيضا هذا العمل لا يؤثر إلا بأن يمسح الريق بموضع آخر و على هذا تكون الرواية غير مربوطة بما استدل بها.

الرواية الثالثة: ما رواها على بن جعفر عن اخيه عليه السّلام

«من عدم الباس على الكنيف المتنجس في فرض كونه جافا اي خاليا عن النجاسة.» «2»

______________________________

(1) الرواية 7 من الباب 13 من ابواب نواقض الوضوء من الوسائل.

(2) الرواية

2 من الباب 60 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 328

و فيه ان المستفاد من الخبر ليس إلا عدم الباس بما ينضح على الثياب من الكنيف و اما وجهه غير مذكور و من المحتمل ان لم يكن الظاهر من الخبر هو كون عدم الباس من باب عدم اليقين بنجاسة الكنيف خصوصا مع قوله اذا كان جافا اى خاليا عن النجاسة فلا يعلم بنجاسته مع عدم عين النجاسة فيه و لو احتمل صيرورته نجسا يحتمل طهارته بالماء المستعمل في الاستنجاء او غيره من المياه و على كل حال لا يعلم بنجاسته.

الرواية الرابعة: ما رواها حكم بن حكيم ابن اخى خلاد

انه سئل أبا عبد اللّه عليه السّلام «فقال له ابول فلا اصيب الماء و قد اصاب يدى شي ء من البول فامسحه بالحائط و بالتراب ثم تعرّق يدى و امسح وجهى او بعض جسدى او يصيب قال لا بأس به.» «1»

الرواية الخامسة: ما رواها العيص بن القاسم في حديث

«قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عمن مسح ذكره بيده ثم عرقت يده فاصابه ثوبه يغسل ثوبه قال لا.» «2»

وجه الاستدلال و جوابه يظهر من، وجه الاستدلال و الجواب عن الرواية الثالثة فلا حاجة الى التكرار مع ان ما في صدر الرواية الّذي يذكره صاحب الوسائل) فى هذا الباب دال على خلاف مطلوب الكاشاني رحمه اللّه و هو هذا «روى العيص بن القاسم «قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن رجل بال في موضع ليس فيه ماء فمسح ذكره بحجر و قد عرق ذكره و فخذه قال قال يغسل ذكره و فخذه الحديث» «3».

______________________________

(1) الرواية 1 من الباب 6 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 2 من الباب 6 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(3) الرواية 1 من الباب 26 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 329

و هذا الصدر من الرواية يشهد على ان المفروض في ذيل الرواية هو صورة الشك في السراية.

الرواية السادسة: ما رواها حفص الاعور

«قال قلت لابى عبد اللّه عليه السّلام الدّن يكون فيه الخمر ثمّ يجفف فيجعل فيه الخل قال نعم.» «1»

وجه الاستدلال انه لو كان المتنجس منجّسا ينجس الخلّ بملاقاته للدّن المتنجس بالخمر.

و فيه انه بعد ما نصّ في الرواية الاولى من الباب المذكور و هي ما رواها عمار بن موسى عن ابي عبد اللّه عليه السّلام «قال سألته عن الدّن يكون فيه الخمر هل يصلح ان يكون فيه خلّ او ماء كامخ او زيتون قال اذا غسل فلا بأس و عن الابريق و غيره يكون فيه خمر أ يصلح ان يكون فيه ماء قال اذ غسل فلا بأس و قال في قدح او اناء يشرب

فيه الخمر قال تغسله ثلاث مرّات و سئل أ يجزيه ان يصيب فيه الماء قال لا يجزيه حتى يدلكه بيده و يغسله ثلاث مرات» «2» بوجوب غسله ثم جواز جعل الخلّ فيه و انه اذا غسل يجوز ذلك لا بدّ من التصرف في اطلاق رواية حفص المتقدمة ذكرها ان كان فرض له اطلاق.

و مع منع الاطلاق له لاحتمال كون مورد السؤال هو قابلية جعل الخلّ في ظرف الخمر راسا بعد مفروغية وجوب غسله.

ان قلت بعد دلالة رواية عمار المتقدمة ذكرها بوجوب الغسل مطلقا و دلالة رواية حفص المتقدمة ذكرها على عدم الباس في خصوص ما صار الدّن جافّا فيقيد الاولى بالثانية و تكون النّتيجة وجوب الغسل اذا لم يكن الدّن و ظرف الخمر جافا

______________________________

(1) الرواية 2 من الباب 51 من ابواب النجاسات من الوسائل.

(2) الرواية 1 من الباب 51 من ابواب النجاسات من الوسائل.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 330

فلا يبقى اشكال في دلالة رواية حفص على المراد.

قلت لا اشكال في ان المعتبر غسل الظرف بعد زوال العين كما هو المعتبر في تطهير كل من المتنجسات و ينادي به ذيل رواية عمّار من انه لا يكفي مجرد اصابة الماء بل لا يجزيه حتّى يدلكه بيده و يغسله ثلاث مرات و صيرورة الدّن جافّا كما في رواية حفص لا يؤثر الا في ذهاب عين النجس ان قلنا بان المراد من الجفاف هو الجفاف الكامل و يحصل به «و ان قلنا بان المراد من الجفاف هو الجفاف الغير المنافي مع بقاء بعض اجزاء الخمر فلا يكون خاصا و مقيّدا حتى يكون مجال لما ادعى من تقييد رواية التي رواها عمّار» لان ذهاب العين

كما يحصل بالدّلك و غيره يحصل بالجفاف و زوال اجزاء الخمرية فمورد رواية عمار يكون خصوص مورد ذهاب العين و مع هذا قال اذا غسل فلا بأس و يقيّد بها رواية حفص الدّالة على عدم الباس مطلقا سواء غسل أم لا بناء على وجود اطلاق و هو مورد المنع.

هذا كله فيما ذكر من الروايات المتمسكة بها على عدم تنجيس المتنجس و قد عرفت عدم دلالة واحدة منها على مدعى القائل بعدم تنجيس المتنجس و لو تمت دلالتها يشكل بل لا يمكن العمل بها لأعراض الاصحاب عنها.

الوجه الثاني: انه لو كان المتنجس منجّسا مطلقا

كما هو معقد اجماعاتهم المحكية للزم نجاسة جميع ما في ايدي المسلمين و اسواقهم و لتعذر الخروج عن التكليف بالاجتناب عن النجس و التالي باطل بشهادة العقل و النقل فكذا المقدم بيان الملازمة انا نعلم عدم تحرّز اكثر الناس عن النجاسات مع اختلاطهم مع غيرهم فيستوى حال الجميع لقضاء العادة بانه لو لم يتحرّز شخص و لو في اقصى نقاط العالم عن النجاسة لسرت النجاسة الى جميع العالم فلا بدّ اما من الالتزام بعدم الاجتناب للعسر و الحرج او بعدم كون المتنجس متنجسا و لا يمكن الالتزام بالقول الاول بل

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 331

يكون الوجه هو الثاني و قد بالغ في تشييد ذلك الوجه و الوجه الثالث العلامة الهمداني رحمة اللّه.

و فيه ان ذلك ليس وجها بل صرف ادعاء لانه يدعى نجاسة جميع العالم بل يدعى العلم بذلك ان كان المتنجس منجسا و الحال انا ندري نجاسة بعض الاشياء و عدم مبالات بعض الافراد حتى من المسلمين و لا نعلم بذلك و ما علم به احد من الاصحاب رضوان اللّه عليهم الا العلامة

الهمداني رحمه اللّه كما انا نعلم بتغييرات في بلادنا في الاراضي و الاملاك من حيث غصب املاك الناس و تبديل الموقوفات و املاك الغيّب و القصّر و تجاوز الاقوياء على الضعفاء بالنسبة الى املاكهم فهل يحصل لنا العلم بغصبية تمام الاملاك و لم لا يتحرّز هذا العالم الجليل عن الاملاك و البيوت و الطرق و الشوارع مع ما ورد فيهما من التّصرفات.

و السرّ هو عدم حصول العلم العادي بنجاسة جميع الاشياء بمجرد نجاسة بعض الاشياء او عدم مبادلات بعض الناس فلا يعتني بهذا الوجه.

الوجه الثالث: دعوى استقرار سيرة المتشرعة

على المسامحة في مقام العمل عن الاجتناب عن ملاقي المتنجس خلفا عن سلف بحث لو خرج عن الطريقة المالوفة عندهم في اجتناب النجاسات بان اجتنب عن ابنية البلاد من باب ان من عمّرها استعمل فيها ما استعمل في الكنيف و الامكنة النجسة من غير أن يطهر آلات او اجتنب عن المساورة مع بعض الاشخاص معتذرا بانه يساور من لا يبالي بالنجاسة من الكفار و غيرهم يطعنون به المتشرعة و يرمونه بالوسواس و يرونه منحرفا عن طريقتهم و هذا شاهد على كون المرتكز عندهم عدم الاجتناب عن ملاقى المتنجس.

و فيه ان ما ادعى من سيرة المتشرعة من المسامحة في الاجتناب عن ملاقي المتنجسات ممنوع بل السيرة كما عرفت على خلافه و اما عدم اجتنابهم من الابنية و

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 332

الاماكن بمجرد احتمال انه استعمل فيها ما استعمل في الامكنة النجسة او من يساور مع من لا يبالى من النجاسة فهو من باب الشك في نجاسة ذلك و انه كل شي ء طاهر حتى تعلم انه قذر فهذا الوجه فيه ما فيه.

[الحق فى المقام]

فتلخص بحمد اللّه ان الحق ما ذهب إليه المشهور و لو فرض ان احدا يشكل له القول بالنجاسة في صورة كثرة الوسائط مثل ما اذا لاقي النجس شيئا بالف واسطة في انه لا تشملها الاخبار و لا المناط و لا الاجماع و لا السيرة.

لكن كيف يمكن له الافتاء بعدم الباس و عدم النجاسة بل لا بد ان يقول بان الاحوط وجوبا هو الاجتناب كما ترى ان العلّامة الهمداني رحمه اللّه لا تتمكن نفسه عن الانحراف عن طريقة المشهور، هذا تمام الكلام في نفس المسألة و هى كون المتنجس منجّسا.

[هل يجرى على ملاقيه جميع احكام النجس أم لا]

و اما الكلام في الجهة الاخرى و هى انه بعد فرض كون المتنجس منجّسا هل يجرى على ملاقيه جميع احكام النجس أم لا مثلا اذا تنجس الاناء بالولوغ يجب تعفيره فهل يجب تعفير الاناء الّذي يلاقي هذا الاناء او يصب فيه ماء الولوغ أم لا و كذا اذا تنجس المحل بالبول يجب الغسل مرتين بالماء القليل فلو لاقي الثوب هذا المحل هل يجب فيه الغسل مرتين او لا يجب الا الغسل مرة واحدة.

فنقول بعونه تعالى انه لا يجرى على ملاقي المتنجس جميع الاحكام الجارية على ملاقي النجس لعدم شمول ادلته المثبتة لهذه الاحكام لملاقي المتنجس مثلا فيما لاقي البول الثوب يجب الغسل مرتين مسلّما في الماء القليل للدليل و لا يجب في ملاقي هذا الثوب الملاقي للبول الغسل مرتان لقصور الادلة فقوله عليه السّلام مثلا في جواب من سئل عن اصابة البول الجسد بانه اغسله مرتين لا يشمل ما يلاقي للجسد الملاقي للبول بل يكتفي بالمرّة لان ما بيّنا من الروايات في صدر المسألة الدالة على تنجس الشي ء بالمتنجّس لا يدل الا صرف الوجود من الغسل

لان الواجب فيها هو الغسل و

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 333

هو يحصل بصرف وجوده و كذا فيما لاقي شي ء لاناء الذي ولغ فيه الكلب فلا يجب إلا غسله و لا يجب التعفير لان الدليل الدال على وجوب التعفير لا يدل الا فيما ولغ فيه الكلب لا ما يلاقى لما ولغ فيه نعم فيما ولغ الكلب في ماء اناء ثم افرغ ماء هذا الاناء في اناء آخر فهل يكون أيضا مثل ما يلاقي الاناء الذي ولغ فيه الكلب فلا يجب التعفير او يكون ذلك مثل الاناء الاول الذي ولغ الكلب في مائه.

يحتمل بل لا يبعد كون هذه الصورة مثل نفس الاناء الذي وقع الولوغ فيه لان ما ولغ فيه الكلب من الاناء سواء كان خصوص الولوغ او مع اللطع او مطلق ما يباشر الكلب بفضله و يصحّ ان يقال فضل ماء الكلب كما يأتي في محله إن شاء الله يكون باعتبار الماء الواقع في الاناء و لأجله وجب التعفير و بعد ما يفرغ هذا الماء في اناء آخر فهو يكون مثل الاناء الاول و على هذا يجري في الاناء الثاني ما يجري في الاناء الاول فما يأتي بالنظر عاجلا هو ان الاقوى وجوب التعفير.

***

[مسأله 12: لو فرض جسم لا يتأثر بالرطوبة اصلا]

قوله رحمه اللّه

مسأله 12: قد مرّ انه يشترط في تنجس الشي ء بالملاقات تأثره فعلى هذا لو فرض جسم لا يتأثر بالرطوبة اصلا كما اذا دهن على نحو اذا غمس في الماء لا يتبلّل اصلا يمكن ان يقال انه لا يتنجس بالملاقات و لو مع الرطوبة المسرية و يحتمل ان يكون رجل الزنبور و الزباب و البقّ من هذا القبيل.

(1)

اقول: مضى الكلام في اشتراط تاثر الشي ء بملاقات النجس

في تنجّسه لكن

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 334

كون المثال من قبيل ذلك غير معلوم كما ان كون رجل الزنبور و اخواته من هذا القبيل غير معلوم نعم مع الشك في السراية لاجل التدهين و انه لا يتأثر بعد بالملاقات و كذلك في صورة الشك في تأثر رجل الزنبور و اخواته بالنجاسة فلا يحكم بالنجاسة لكون ذلك مشكوكا و لا يجب الفحص و يحكم مع الملاقات للنجس بالطهارة.

***

[مسأله 13: الملاقات في الباطن لا توجب التنجيس]

قوله رحمه اللّه

مسأله 13: الملاقات في الباطن لا توجب التنجيس فالنخامة الخارجة من الانف طاهرة و ان لاقت الدم في باطن الانف نعم لو ما دخل فيه شي ء من الخارج و لاقى الدم في الباطن فالاحوط فيه الاجتناب.

(1)

اقول: مضى الكلام فيه في المسألة الاولى من المسائل الراجعة الى البول و الغائط من النجاسات و ان الملاقاة في الصورة الاولى لا توجب التنجيس كما ان الاقوى ذلك في الصورة الثانية اذا لم يكن الملاقي في الباطن حاملا لعين النجس الى الخارج كما هو مفروض الكلام.

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 335

الفهرس

فصل فى الأسآر 7

فى معنى السّؤر و مفهومه لغة 7

سؤر نجس العين نجس و سئور طاهر العين طاهر 8

في بعض الرّوايات الّتي ورد في الأسآر 9

ما قيل في نجاسة سؤر الجلّال 10

في كراهة سؤر مكروه اللّحم كالخيل و البغال و الحمير 11

فى كراهة سؤر الحائض المتّهمة 11

في ان المراد من كونها مأمونة يعنى مأمونة من النّجاسة 13

في تعميم الحكم يعنى كراهة شرب سؤر الحائض مطلقا 14

فصل فى النّجاسات 15

النجاسات اثنى عشر (الاوّل و الثاني) البول و الغائط من غير مأكول اللّحم اذا كان له نفس سائلة 15

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 336

عدم الفرق فى نجاسة البول و الغائط من غير مأكول اللّحم 19

هل يشترط فى نجاسة البول و الغائط من غير المأكول ان يكون له دم سائل أم لا؟ 20

الكلام في الطّيور من غير مأكول اللّحم 21

بيان النّسبة بين الطّائفتين من الرّوايات المتعارضين 22

انّ القاعدة فيما يكون التّعارض بنحو العموم من وجه هو

تقديم الاظهر 22

فى بيان الجمع بين الطائفتين من الرّوايات 23

القول في التفصيل بين بول الطّيور و خرئه 24

في الرواية الّتي تدلّ على نجاسة بول الخفّاش 25

لا فرق في نجاسة بول غير المأكول و غائطه بين ان يكون اصليّا او عارضيّا كالجلّال 26

في طهارة بول مأكول اللّحم حتّى المكروه طاهر 27

في جواز الصّلاة في وبر مأكول اللّحم و شعره و ألبانه و ورثه و بوله 29

ملاقات الغائط في الباطن لا يوجب النّجاسة 30

الكلام في ملاقات النّجاسة في الباطن و احكامها 31

في دعوى عدم نجاسة الاعيان النّجسة ما دام في الباطن 32

في ملاقات الاشياء الخارجيّة مع البول و الغائط في الباطن 33

حكم بيع البول و الغائط من المأكول و غيره و الانتفاع بهما 34

في الرّوايات الّتي وردت في حرمة بيع العذرة 35

في بيان الجمع بين رواية الدّالة على جواز بيع العذرة و ما دلّ على عدمه 36

اشكال آخر في الجمع بين الرّوايتين 37

في مكان الجمع العرفى بين صدر رواية سماعة و ذيلها 38

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 337

الكلام في البوال و الغائط من الحيوان المشكوك و حكم اكل لحمه 39

في بيان حكم بول حيوان المشكوك و روثه 40

انّ الحيوان المشكوك، قابل للتذكية أم لا؟ 41

حكم فضلات الحيّات و التّماسيح 42

الثالث من النجاسات: المنى، حكم المنيّ من كلّ حيوان له دم سائل 42

وجه نجاسة منّى غير الانسان 43

طهارة المذي و الوذي و الودى و رطوبات الفرج و الدّبر من كلّ حيوان الّا نجس العين 45

الرّابع من النّجاسات الميتة من كلّ ماله

دم سائل حلالا كان او حراما 46

في بيان وجه نجاسة الميتة و اجزائها المبانة منها عدا ما لا تحلّه الحياة منها 47

في ما دلّ من الرّوايات على نجاسة الميتة 48

عدم الفرق من نجاسة الميتة بين كونها حلال اللّحم أو حرامه 49

في طهارة ما لا تحلّه الحياة من الحيوان الميّت الطّاهر العين 50

في طهارة البيضة الميتة من المأكول 51

وجه عدم نجاسة ما لا تحلّه الحياة من اجزاء الحيوان 52

الكلام في الانفحة و تحقيق المراد منها 52

في طهارة الانفحة موضوعها 54

في التّحقيق انّ المراد من الانفحة هو الظّرف أو المظروف مع الظّرف 55

طهارة الظّرف ذاتا موقوف على كونه هو الانفحة 56

الكلام في نجاسة اللّبن في الميتة و طهارة 56

طهارة ما لا تحلّه الحياة و الانفحة و البيضة مختصّ بغير نجس العين 58

في نجاسة جميع اجزاء نجس العين من الحيوانات حتّى ما لا تحلّه الحياة 59

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 338

الكلام في الاجزاء المبانة من الحىّ نجسة كالميتة 60

الجزء المبان من الحىّ و المبان منه ممّا تحله الحياة كالثّالول و البثور 60

الكلام في فارة المسك من المذكّى و غيره 65

التّفصيل بين ما كانت الفارة منفصلة عن الحيّ او الميّت 66

في الجمع العرفي بين رواية عليّ ابن جعفر و رواية عبد اللّه ابن جعفر 67

في انّ المراد من قوله عليه السّلام ذكيّا هو الطّهارة الذاتية او العرضيّة 67

في الاحتمالات و آثارها 67

فيما اذا شكّ في فارة أنّها من الحيّ او الميّت 70

فيما دلّ على طهارة المسك مطلقا 71

فيما علم انّه دم و

شكّ في استحالته مسكا 73

ميتة ما لا نفس له طاهرة كالسّمك 73

فيما دلّ على طهارة ميتة ما لا نفس له 74

اذا شكّ في شي ء أنّه من اجزاء الحيوان او ما له نفس سائلة 75

الكلام في ما يؤخذ من يد المسلم من اللّحم و الشّحم او الجلد 77

فيما دلّ على أماريّة يد المسلم 79

فى الرّوايات الواردة في شراء اللّحوم من الاسواق 80

في ما ورد في جلود الفراء و شرائها من الاسواق 81

يد المسلم أمارة على التذكية 82

في الرّوايات الّتي تدلّ على تذكية الفرو اذا كان مضمونا 83

وجه التّعارض في مفاد الطائفتين من الرّوايات 84

في الرّوايات الّتي تدلّ على التّذكية اذا كان في سوق المسلمين 85

ما يؤخذ من يد الكافر او يوجد في ارضهم محكوم بعدم التّذكية 86

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 339

جلد الميتة لا يطهر بالدّبغ 87

السّقط قبل ولوج الرّوح نجس و كذا الفرخ في البيض 89

في قوله صلّى اللّه عليه و آله و سلم زكاة الجنين زكاة أمّه 89

لا بدّ في زكاة الجنين ان يكون قد تمّ خلقته 91

ملاقات الميتة بلا رطوبة مسرية لا توجب النّجاسة 91

النّسبة بين الموثّقة بين ما دلّ على نجاسة ما يلاقي النّجاسة 93

يشترط في نجاسة الميتة خروج الرّوح من جميع الجسد 94

مجرّد خروج الرّوح يوجب النّجاسة و ان كان قبل البرد 95

الميتة عند العرف عبارة عمّا زهق عنها الرّوح 96

في الرّوايات الواردة في ملاقى جسد الميّت 97

نجاسة المضغة و المشيمة و ما يخرج من اللّحم حين الولادة 99

في العضو المقطوع المتّصل بجلدة

رقيقة 99

حكم الجند المعروف انّه خصية كلب الماء 100

حكم ما ينفصل من اللّحم مع الظّفر او السنّ 101

العظم المجرّد المتردد بين كونه من نجس العين و كونه من طاهر العين 102

الجلد المطروح المشكوك كونه من ذي النّفس او من غيره 102

حرمة بيع الميتة 103

في الرّوايات الواردة في حرمة بيع الميتة 103

هل يجوز الانتفاع بالميتة فيما لا يعتبر فيه الطّهارة 106

فى الاشارة الى دعوى عموم عدم جواز الانتفاع بالنّجس 106

في الرّوايات الواردة في عدم جواز الانتفاع بجلد الميتة 107

هل يجوز الاستصباح بالدّهن النّجس أم لا؟ 109

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 340

(الخامس) من النّجاسات: الدّم ممّا لا نفس سائلة مع تحقيق انّه لا دليل على نجاسته كليّة 110

فيما دلّ على نجاسة الدّم 111

في الروايات الواردة في نجاسة الدّم 112

الاحتمال في هذه الرّوايات 114

فيما حكى عن الصّدوق رحمه اللّه من عدم نجاسة ما دون الخميصة 115

الدّم ممّا لا نفس له صغيرا كان او كبيرا كالبرغوث و السمك 116

دم ما لا نفس له ليس باعظم من ميتته، و ميتته طاهرة 118

في خصوص عدم نجاسة دم السّمك 119

في دم المتخلّف في الذّبيحة بعد خروج المتعارف 120

انّ طهارة دم المتخلّف هل يكون منحصرا بالمأكول او يعمّ غيره 121

يقع الكلام في دم الطّحال و ما يسيل منه 122

حكم العلقة المستحيلة من المنى من إنسان كان او غيره 124

الكلام في حكم الدّم الّذي يوجد في البيضة 125

الدّم المتخلّف في الذّبيحة و ان كان طاهرا لكنّه حرام 126

الدّم الابيض اذا فرض العلم بكونه دما نجس

127

الدّم الّذي قد يخرج مع اللّبن نجس و منجّس له 128

حكم دم الجنين الّذي ذكاته بذكاة أمّه 128

حكم دم الصّيد المتخلّف فيه بعد موته باصابة الآلة له 129

الدّم المشكوك في كونه من الحيوان او لا محكوم بالطّهارة 130

في حكم الدّم المتخلّف في الذبيحة اذا شكّ في انّه من القسم الطّاهر او النّجس 131

وجه الاشكال في استصحاب تبدل الموضوع 132

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 341

في انّ استصحاب عدم خروجى الدّم بمقدار المتعارف يكون مثبتا 132

فيما خرج من الجرح شي ء أصفر و شكّ في انّه دم أم لا؟ 134

اذا حكّ جسده فخرجت رطوبة فشك أنّها دم أم ماء اصفر 134

في الماء الاصفر الّذي ينجمد على الجرح 134

الدّم المراق في الامراق حال غليانها نجس منجّس 135

الاشكالات الّتي اوردت على الرّوايات الواردة في الدّم المراق في الامراق 136

اذا غرز إبرة او سكينا في بدنه و اخرجها نظيفة 137

الدّم المنجمد تحت الاظفار او الجلد في البدن 138

(السادس و السابع) من النّجاسات الكلب و الخنزير البرّيان دون البحريين 139

في الرّوايات الواردة في نجاسة الكلب و الخنزير البرّيين 140

الاخبار الدّالة على طهارتهما فلا بدّ من ردّ علمها الى أهلها 143

لا فرق في نجاسة الكلب و الخنزير بين اجزائها و رطوبتهما و ان لم تحلّها الحياة 144

حكم المتولّد منهما او من أحدهما

(الثّامن) من النّجاسات، الكافر على كلام مع تحقيق حال النّصوص الدّالة على طهارة الكتابي و النّصوص الدّالة على نجاسته 147

الاحوط هو الاجتناب عن منكر الضرورى مطلقا و ان لم يكن ملتفتة الى كونه ضروريا 148

لا فرق

في نجاسة ولد الكافر بين كونه من حلال او من زنا و لو في مذهبه 149

انّ نجاسة الكافر كان من المسلّمات عند الخاصّة 150

الاشكال على الاستدلال بالآية على نجاسة الكافر 150

ورود الاشكال الثّاني على الاستدلال بالآية 152

في معنى نجاسة المصطلحة عند المتشرّعة 153

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 342

الاستدلال بالآية على نجاسة مطلق الكافر 154

انّ الآية تدلّ على نجاسة المشركين من الكفّار 155

في روايات الّتي يستدلّ بها نجاسة الكافر 155

لا بدّ من حمل المؤاكلة في الرّوايات على المساورة 157

و ممّا ذكرنا يظهر الفرق بين المؤاكلة و المساورة 159

في مصافحة و مؤاكلة المسلم مع اليهودي و النّصراني 160

في مخالطة المسلم مع المجوسي 160

هل يجوز الصّلاة في ثياب اليهودي او النّصراني 160

في آنية المجوسي 161

في الرّوايات الّتي يتمسّك بها على طهارة أهل الكتاب 163

في رواية زكريّا ابن ابراهيم 164

دلالة الرّوايات على طهارة الكتابي تتوقّف على كون المؤاكلة بنحو المساورة 165

في عدم جواز الاكل في آنية اهل الكتاب اذا كانوا يأكلون فيه لحم الخنزير 166

بعض الرّوايات الدّالة على جواز تصدّى اهل الكتاب لغسل المسلم او المسلمة 166

الاشكال في سند الرّوايتين 167

الايراد و الاشكال في التّمسك بهاتين الرّوايتين 168

بعض الرّوايات الدّالة على طهارة الثّوب الّذي يستعيره الذّمى 169

في عدم تماميّة الاستدلال بالاخبار الّتي يستطهر منها طهارة اهل الكتاب 170

في التّعارض بين الطائفتين من الاخبار الّتي ورد، في اهل الكتاب 171

عدم قابلية الجمع العرفي بين الطّائفتين من الاخبار 173

وجه آخر على عدم امكان الجمع بين الطّائفتين من الروايات 175

ذخيرة العقبى في

شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 343

ان الترجيح يكون مع الرّوايات الدّالة على النجاسة 176

في نجاسة رطوبات الكافر و اجزائه حتّى ما لا تحلّه الحياة 176

المعيار في تحقّق الكفر و تحقيق حال منكر الضّروري من الدّين 177

في كفر منكر الضّروري و نجاسته 178

في الرّوايات الدّالة على كفر منكر بعض الاحكام الشرعية 179

وجه استدلال دلالة هذه الروايات على سببيّة انكار الحلال و الحرام للكفر 181

الاسلام عبارة عن مجموع ما جاء به النّبي 182

عدم تماميّة الوجوه المستدلّة على كون انكار الضّروري سببا مستقلا للنّجاسة 182

انّ حديث رفع القلم عن الصّبى، يدلّ على رفع قلم التّكليف عنه 184

في روايات الّتي وردت في اولاد المشركين و اولاد المسلمين 184

انّ ظاهر بعض هذه الاخبار مخالف مع بعض القواعد المسلّمة عند العدليّة 185

من الادلّة الّتي استدلّ على نجاسة ولدا الكافر هو الاجماع و التّسالم عند الاصحاب 186

الاقوى طهارة ولد الزّنا من المسلمين 188

نسب الى الصّدوق و علم الهدى و الحلّي، نجاسة ولد الزّنا و كفره 186

روايات الّتي وردت في نجاسة والد الزّنا 186

في نجاسة الغلات و الخوارج و النّواصب 191

في من يرجع غلوّه الى انكار ضروري او ضروريّات من الدّين 192

الكلام في نجاسة الغلات و عدمها 193

في انّ النّاصب لأهل البيت انجس من الكلب 194

في حكم المجسّمة من حيث النّجاسة و الطّهارة 195

يقع الكلام في حكم المجبّرة من حيث النّجاسة و عدمها 196

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 344

يقع الكلام في نجاسة القائلين بوحدة الوجود و عدمها 197

في غير الاثنى عشريّة من فرق الشيعة اذا لم

يكونوا ناصبين لسائر الائمّة هل يكونوا محكومين بالطّهارة او النّجاسة 199

في بعض الرّوايات الدّالة على انّ المخالف ناصب 201

مفاد بعض الرّوايات هو كون النّاصب للشّيعة ناصبا لأهل البيت 202

ما قيل في التّنقيح في الجواب عن الاستدلال بالرّواية الثّانية و الايراد على ذلك الجواب 203

في توجيه الرّواية على ما لا ينافي مع السّيرة المستمرة على خلافها 204

من شكّ في اسلامه و كفره فهو طاهر 205

فيمن شكّ في اسلامه و كفره في الاحكام الاخرى غير الطّهارة و النّجاسة 206

التّاسع: من النجاسات الخمر بل مسكر مائع بالاصالة 207

في الرّوايات الّتي يستدلّ بها على نجاسة الخمر و المسكر 208

فيما يمكن الاستدلال به من الاخبار على طهارة الخمر 211

في الجمع العرفى بين الطّائفتين من الاخبار 213

في عدم امكان هذا الجمع العرفى 214

في رواية سهل ابن زياد و رواية خيران الخادم 214

لا اشكال في نجاسة كل مسكر مائع بالاصالة لوجوه 215

المسكر الجامد بالأصالة طاهر 217

تحقيق حال العصير العنبي من حيث النّجاسة و الحرمة 219

حكم العنب اذا غلى بلا عصر 219

وجه الاستدلال برواية معاوية ابن عمّار و الايراد عليه في التّحقيق عن البختج و المراد منه 220

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 345

في بعض الاخبار الواردة بانّ الخمر يؤخذ من خمسة او ستّة او تسعة 222

في العصير العنبى اذا غلى 223

اذا نشّ العصير او غلى حرم 226

هل يكفى في حرمة العصير مجرّد النّشيش او يعتبر الغليان 225

يكون النّشيش و الغليان مساويا في الوجود تقريبا 227

يقع الكلام في العصير المغليّ بغير النّار لا يحل بذهاب الثّلثين 228

يقع الكلام في حكم العصير التّمري 230

في حكم العصير الزبيبي 232

الاشكال في دلالة هاتين الرّوايتين على ما نحن فيه 234

في رواية زيد النّرسى و الاستدلال بها على حرمة العصير الزّبيبي 235

وقوع الكلام في سند الحديث 235

تحقيق الطّريق الى اصل زيد التّرسى 236

هل كان لزيد النّرسى اصل او هو من الموضوعات 237

في دلالة هذا الحديث المنسوب باصل زيد النّرسى 238

في استصحاب التّعليقى لحرمة العصير الزّبيبي 239

الاشكال في الاستصحاب التّعليقي 240

اذا صار العصير دبسا قبل ان يذهب ثلثاه 241

في تحقيق الحال عن خضب الإناء 242

مقتضي اطلاق الرّواية هو جواز الشّرب اذا خضب الإناء سواء ذهب ثلثاه أم لا؟ 243

في الزّبيب و الكشمش و التّمر المطبوخ في الامراق و غيرها 245

(العاشر) من النّجاسات: الفقّاع 245

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 346

الكلام في حقيقة الفقّاع 246

مقتضى رواية هشام ابن الحكم هو نجاسة الفقّاع و ان لم يكن مسكرا 248

المتّخذ من غير الشعير ان كان مسكرا فهو نجس 248

ماء الشعير الّذي يصفه الاطبّاء في معالجاتهم ليس من الفقاع 250

(الحادي عشر) من النّجاسات: عرق الجنب من الحرام 250

ذهب جمع من الفقهاء الى القول بطهارة العرق الجنب من الحرام 251

في الاخبار الواردة في عرق الجنب 252

ضعف سند الاخبار و ما قيل فيها 253

قيل بانّ غاية ما يستفاد من الاخبار هو حرمة الصّلاة و امّا نجاسته فلا 254

اختلاف الاصحاب في الاستفادة من هذه الاخبار 256

في مرجّحات الشّهرة 258

في عدم تحقّق شهرة فتوائية 259

العرق الخارج منه حال الاغتسال قبل تمامه نجس 260

في كيفيّة

اغتسال الجنب من الحرام 261

حكم ما اذا اجنب من حرام ثمّ من حلال او بالعكس 262

حكم ما اذا تيمم المجنب من حرام بدلا عن الغسل 263

اذا اجنب الصبيّ الغير البالغ من حرام 264

(الثاني عشر) من النجاسات: عرق ابل الجلّالة على كلام فيها و في مطلق الجلّال 264

عرق غير الابل الجلّال من الجلّالات ليس بنجس 265

الاحوط الاجتناب عن الثّعلب و الارنب و الوزغ و الفار، بل مطلق المسوخات 266

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 347

في روايات الواردة في المسوخات 267

عدم البأس بما تلاقيه الفارة او الوزغ 270

كلّ مشكوك النّجاسة ذاتا او عرضا، طاهر ظاهرا 271

الدّم مشكوك كونه من اقسام الطّاهر او النّجس فهل يحكم بطهارته او يحكم بنجاسته 272

الكلام في غسالة الحمّام، و تحقيق حال الاخبار الواردة فيها 273

الرّوايات الواردة في غسالة ماء الحمّام 273

النّهى عن الاغتسال من غسالة الحمّال ليس الّا لنجاستها 275

يستحبّ رشّ الماء لمن اراد الصّلاة في معابد اليهود و النّصارى و المجوس 276

لا يجب الفحص عن النّجاسة في مع الشّبهة الموضوعيّة حتى لو امكن تحصيل العلم حالا 278

فصل في طرق ثبوت النّجاسة 279 حكم الاحتياط في الشّبهة البدوية في باب النّجاسة 281

الدّهن و اللّبن و الجبن المأخوذ من اهل البوادى محكوم بالطّهارة 282

الكلام في علم الوسواسى 283

في بعض الرّوايات الّتي استدلّ على عدم اعتبار علم الوسواسى 284

العلم الاجمالى كالتّفصيلى في منجزيّة الواقع الّا مع عدم الابتلاء ببعض الاطراف 286

لا يعتبر في حجّية البيّنة إفادتها الظّن بل يعتبر عدم معارضتها بمثلها 287

لا يعتبر في حجّية البيّنة ذكر مستند

الشّهادة 288

يكفى الشّهادة بسبب النّجاسة و ان لم يعتقد الشّاهد انّه سبب لها 289

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 348

حكم اختلاف الشّاهدين في سبب النّجاسة مع تحقيق المعيار في القبول و عدمه 290

الشّهادة بالاجمال مقبولة فيجب الاجتناب عن جميع الاطراف و حكم اختلاف الشّاهدين في الاجمال و التّعيين 290

اذا شهد احد الشّاهدين بالنّجاسة فعلا و الاخر بالنّجاسة سابقا 291

لو شهد احدهما بالنّجاسة فعلا و الآخر بالنّجاسة سابقا مع الطّهارة فعلا 292

يقبل خبر صاحب اليد بالنّجاسة 293

اذا كان الشي ء بيد شخصين كالشّريكين يسمع قول كلّ منهما بنجاسته 295

لا يعتبر العدالة في حجّية خبر صاحب اليد 296

في اعتبار قول صاحب اليد اذا كان صبيا اشكال 296

حكم ما اذا أخبر صاحب اليد بعد الاستعمال بالنّجاسة سابقا او اخبر بها بعد خروج العين عن يده 296

فصل في كيفيّة تنجيس المتنجّسات 299

يشترط في تنجيس الملاقى للنّجس او المتنجّس ان يكون فيها او أحدهما رطوبة مسرية 301

في عدم تنجّس السّافل بملاقات العالى اذا كان جاريا من السّافل كالفوارة 302

في ما اذا تنجّس الدّهن الدبس الجامدين 303

في عدم تنجّس الملاقى اذا كان المتلاقيين جافّين 304

اذا كان الملاقى جامدا اختصّت النّجاسة بموضع الملاقات 305

فيما اذا شك في رطوبة احد المتلاقيين 306

في الذّباب الواقع على النّجس الرّطب اذا وقع على ثوب أو بدن 307

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 349

اذا وقع بعر الفار في الدّهن او الدّبس الجامدين 308

انّ الجامد لا ينجس الّا موضع ملاقاته مع النّجس 309

فيما اذا لاقت النّجاسة جزء من البدن المتعرّق فيما اذا

وضع ابريق مملوّة من الماء على الارض النّجسة 310

فيما اذا خرج من انفه و كان فيه نقطة من الدّم 311

في الثّوب او الفرش الملطّخ بالتّراب النجس 311

لا يكفى مجرّد الميعان في التنجّس 312

المتنجّس لا يتنجّس ثانيا و لو بنجاسة اخرى 313

في تداخل الاسباب و عدمه 314

فيما اذا كان السّببان للنّجاسة من نوع واحد 315

فيما لا يقبل التّعدد في المسبّب 316

قد يقال بانّ النّجاسة امر واحد ذي مراتب 316

فيما توجب ملاقات النّجاسة الاخرى اثرا زائدا 319

اذا تنجّس الثّوب مثلا بالدّم و شك في ملاقاته للبول 320

الاقوى انّ المتنجّس منجّس كالنجس 322

في الرّوايات الّتي يستفاد منها تنجّس ملاقى المتنجّس 323

في ما اذا كثرت الوسائط في ملاقى المتنجّس 325

في ما يمكن ان يستدلّ به لمختار الكاشاني رحمه اللّه 326

في روايات الّتي استدلّ بها لعدم تنجّس ملاقى المتنجّس 327

الوجه الثّاني في عدم تنجّس ملاقى المتنجّس 330

في دعوى استقرار السّيرة المتشرعة على عدم الاجتناب عن ملاقى المتنجّس 331

هل يجرى على ملاقى المتنجّس جميع احكام النّجس؟ 332

ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، ج 2، ص: 350

يشترط في متنجّس الشّي ء بالملاقات تأثّره 333

الملاقات في الباطن لا توجب التنجيس 334

الفهرس 335

________________________________________

گلپايگانى، على صافى، ذخيرة العقبى في شرح العروة الوثقى، 10 جلد، گنج عرفان، قم - ايران، اول، 1427 ه ق

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
جَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ
(التوبه : 41)
منذ عدة سنوات حتى الآن ، يقوم مركز القائمية لأبحاث الكمبيوتر بإنتاج برامج الهاتف المحمول والمكتبات الرقمية وتقديمها مجانًا. يحظى هذا المركز بشعبية كبيرة ويدعمه الهدايا والنذور والأوقاف وتخصيص النصيب المبارك للإمام علیه السلام. لمزيد من الخدمة ، يمكنك أيضًا الانضمام إلى الأشخاص الخيريين في المركز أينما كنت.
هل تعلم أن ليس كل مال يستحق أن ينفق على طريق أهل البيت عليهم السلام؟
ولن ينال كل شخص هذا النجاح؟
تهانينا لكم.
رقم البطاقة :
6104-3388-0008-7732
رقم حساب بنك ميلات:
9586839652
رقم حساب شيبا:
IR390120020000009586839652
المسمى: (معهد الغيمية لبحوث الحاسوب).
قم بإيداع مبالغ الهدية الخاصة بك.

عنوان المکتب المرکزي :
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.